الموسوعة الكنسية لتفسير العهد الجديد
تفسير سفر الرؤيا اصحاح 10 – كنيسة مار مرقس بمصر الجديدة
الأصحاح العاشر
الملاك المتسربل بالسحاب والسفر المفتوح
مقدمة للأصحاح العاشر:
بعد البوق السادس (رؤ 9) وقبل البوق السابع (رؤ 11: 15) نجد أن سفر الرؤيا يقدم لنا رؤيتين إعتراضيتين، الأولى وهي تشمل “الأصحاح العاشر” موضوعها ظهور ملاك عظيم وإشارة إلى رعود مسبقة، أما الرؤيا الثانية فمتعلقة بظهور الشاهدين (رؤ 11: 1-14) وكل رؤيا منهما لها مدلولاتها ومعانيها وبعدهما نعود للبوق التالي كما ذكرنا.
(1) الظهور المُعَزِّي (ع1-3):
1 ثُمَّ رَأَيْتُ مَلاَكًا آخَرَ قَوِيًّا نَازِلًا مِنَ السَّمَاءِ، مُتَسَرْبِلًا بِسَحَابَةٍ، وَعَلَى رَأْسِهِ قَوْسُ قُزَحَ، وَوَجْهُهُ كَالشَّمْسِ، وَرِجْلاَهُ كَعَمُودَىْ نَارٍ، 2 وَمَعَهُ فِي يَدِهِ سِفْرٌ صَغِيرٌ مَفْتُوحٌ. فَوَضَعَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْبَحْرِ وَالْيُسْرَى عَلَى الأَرْضِ، 3 وَصَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ كَمَا يُزَمْجِرُ الأَسَدُ. وَبَعْدَ مَا صَرَخَ، تَكَلَّمَتِ الرُّعُودُ السَّبْعَةُ بِأَصْوَاتِهَا.
ع1: رأيت ملاكًا آخر : رأى أغلب المفسرين أن هذا الملاك هو السيد المسيح نفسه في أحد ظهورات سفر الرؤيا وذلك من خلال صفاته الآتية:
قويًا : فهو صاحب كل قوة وسلطان بل هو مصدرها.
نازلا من السماء : أي من كرسيه ومكانته في حضن الآب.
متسربلا بسحاب: وهو منظر وصف المسيح لذاته في مجيئه الثاني “يبصرون ابن الإنسان آتيًا في سحابة بقوة ومجد” (لو21: 27).
على رأسه قوس قزح : وهو نفس المنظر الذي رأيناه حول العرش في (ص4: 3)، فهو منظر مرتبط بمجد المسيح.
ووجهه كالشمس : وهو ما قيل عن السيد المسيح نفسه عند التجلي “وأضاء. وجهه كالشمس” (مت17: 2).
ورجليه كعمودى نار : نفس وصف السيد المسيح في (رؤ1: 15) وتعنى أرجل ثابتة ساحقة لأعدائه.
ع2: كان حاملًا في ظهوره كتابًا صغيرًا مفتوحًا وهذا معناه أنه يريد أن يقدم لنا كلماته القليلة ولكنها تفتح الأعين والقلب وتعطى الحياة الأبدية لمن يقتنيها ويعمل بها.
رجليه على البحر واليابسة : منظر للدلالة على شمول سلطانه النافذ على الأرض والبحر والخليقة كلها، أو كما نقول بكلمات القداس الإلهي “السماء والأرض والبحر وكل ما فيها…”
ع3: صرخ بصوت عظيم : إذا كان البوق السادس رمزًا لبدء حرب الدَّجال الشديدة وتحمل ويلات صعبة جدًا (ص9) … جاء صوت المسيح كصوت أسد غالب يعلن عن نفسه ويعطى قوة ونصرة وطمأنينة لأولاده بين هذه الأحداث الصعبة والمروعة.
بعدما صرخ .. عند نهاية صوته القوى سمع الرائى (القديس يوحنا) صوتًا لرعود سبعة، ولأن الرعود أصوات هائلة مخيفة فإنها تشير إلى نبوات واضحة ورهيبة عن عقاب الأشرار.
† هذا الصوت يصلنا دائمًا في أوقات الشدائد الصعبة على ألسنة أبنائه الأمناء في كل زمان فيتجدد رجاءنا به، أو بإعلانات مباشرة يسمح بها لنا مثل ظهور القديسة العذراء بالزيتون سنة 1968 فلا يصبح للويلات سلطان علينا … بل صوته القوى يعزى نفوسنا في ضعفها. فليتنا عندما نسمع صوت الله المساند لنا نقترب إليه ونزداد في صلواتنا وقراءاتنا فتكون حصانة لنا من أي ضيقات مقبلة.
(2) الرعود السبعة (ع4-7):
4 وَبَعْدَ مَا تَكَلَّمَتِ الرُّعُودُ السَّبْعَةُ بِأَصْوَاتِهَا، كُنْتُ مُزْمِعًا أَنْ أَكْتُبَ، فَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ قَائِلًا لِىَ: «اخْتِمْ عَلَى مَا تَكَلَّمَتْ بِهِ الرُّعُودُ السَّبْعَةُ وَلاَ تَكْتُبْهُ.» 5 وَالْمَلاَكُ الَّذِي رَأَيْتُهُ وَاقِفًا عَلَى الْبَحْرِ وَعَلَى الأَرْضِ، رَفَعَ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ، 6 وَأَقْسَمَ بِالْحَىِّ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ، الَّذِي خَلَقَ السَّمَاءَ وَمَا فِيهَا وَالأَرْضَ وَمَا فِيهَا وَالْبَحْرَ وَمَا فِيهِ، أَنْ لاَ يَكُونُ زَمَانٌ بَعْدُ، 7 بَلْ فِي أَيَّامِ صَوْتِ الْمَلاَكِ السَّابِعِ، مَتَى أَزْمَعَ أَنْ يُبَوِّقَ، يَتِمُّ أَيْضًا سِرُّ اللهِ، كَمَا بَشَّرَ عَبِيدَهُ الأَنْبِيَاءَ.
ع4: كانت مهمة القديس يوحنا هي كتابة كل ما يشاهده من رؤى مختلفة خلال هذا السفر (ص1: 19)، ولكن عندما شرع أن يكتب ما يراه وما سمعه مما تكلمت به هذه الرعود السبعة جاءه الأمر الإلهي الذي أوقفه عن كتابة ما سمع وما رأى ولكن يكتفى بأن يختم عليها.
اختم على : فعل أمر معناه إغلق عليها أو تكتم على ما جاء بها.
وهذا الأمر يذكرنا بما أمر الله به دانيال أيضًا إذ أمره قائلًا “أما أنت فاكتم الرؤيا لأنها إلى أيام كثيرة” (دا8: 26) وطالما أن الله لم يسمح ليوحنا بالكتابة وبالتالي لنا بالمعرفة، فليس لنا أن نجتهد أو نخمن ما جاء بهذه الرعود .. بل نخضع لحكمة الله وحكمه في ثقة مطلقة.
ع5، 6: يعود يوحنا ثانيةً لمنظر الملاك (المسيح) الذي رآه ويذكرنا بسلطانه على الخليقة “واقفًا على البحر والأرض“.
رفع يده إلى السماء: في إشارة رمزية إلى الله أبيه (أقنوم الآب) تمهيدًا لما سوف يقوله.
أقسم بالحى: أي استشهد باسم الآب، وتعبير “أقسم” لتأكيد القرار الصادر من الله والذي على وشك أن يعلنه لنا.
أن لا يكون زمان بعد : أي النهاية على وشك القدوم السريع ولن يطول الزمان بعد هذه الأزمنة والأحداث
ملاحظة: يرى قلة من المفسرين أيضًا والذين لا يميلون أن هذا الملاك هو المسيح وأن كلمة “أقسم بالحى” لا تأتي من المسيح بل من ملاك يقسم باسم الله … ويقولون أيضًا أن كل الصفات السابقة في وصفه في الأعداد من (1-3) قد تكون لملاك من الرئاسات أخذ بهاء من أرسله…
وقد رأينا أنه من الأمانة أن نعرض التفسيرين كليهما.
ع7: متى بدأ “أزمع” الملاك السابع في التبويق، يأتي الميعاد الذي انتظره كل عبيد الله المؤمنين والذي أنبأهم به في (مت24) عندما تحدَّث عن مجيئه الثاني، وشَّجع الشهداء بانتظاره زمنًا يسيرًا (ص6: 9-11) والمقصود بالطبع هو بداية الأبدية وملك المسيح اللانهائى.
† الله بحنانه لا يسمح بالضيقات الصعبة أن تكون طويلة فيأتى بالراحة والفرج سريعًا، كما أن أيام عمرنا مهما احتوت من ضيقات فسيعقبها نعيم وفرح لا يُعَبَّر عنه. فاسندنا يا إلهنا حتى ننظر إلى النعيم المقبل فنحتمل بشكر كل ما يمر بنا ونثبت في إيماننا وجهادنا حتى النهاية.
(3) السِّفر الصغير (ع8-11):
8 وَالصَّوْتُ الَّذِي كُنْتُ قَدْ سَمِعْتُهُ مِنَ السَّمَاءِ، كَلَّمَنِى أَيْضًا وَقَالَ: «اذْهَبْ خُذِ السِّفْرَ الصَّغِيرَ الْمَفْتُوحَ فِي يَدِ الْمَلاَكِ الْوَاقِفِ عَلَى الْبَحْرِ وَعَلَى الأَرْضِ.» 9 فَذَهَبْتُ إِلَى الْمَلاَكِ قَائِلًا لَهُ: «أَعْطِنِى السِّفْرَ الصَّغِيرَ.» فَقَالَ لِى: «خُذْهُ وَكُلْهُ، فَسَيَجْعَلُ جَوْفَكَ مُرًّا، وَلَكِنَّهُ فِي فَمِكَ يَكُونُ حُلْوًا كَالْعَسَلِ.» 10 فَأَخَذْتُ السِّفْرَ الصَّغِيرَ مِنْ يَدِ الْمَلاَكِ وَأَكَلْتُهُ، فَكَانَ فِي فَمِى حُلْوًا كَالْعَسَلِ. وَبَعْدَ مَا أَكَلْتُهُ صَارَ جَوْفِى مُرًّا. 11 فَقَالَ لِى: «يَجِبُ أَنَّكَ تَتَنَبَّأُ أَيْضًا عَلَى شُعُوبٍ وَأُمَمٍ وَأَلْسِنَةٍ وَمُلُوكٍ كَثِيرِينَ.»
ع8: والصوت الذي كنت قد سمعته من السماء : سمع القديس يوحنا مرارًا أصواتًا من السماء، مرات من المسيح نفسه كما جاء في (ص1، 2، 3، 4) ومرات من ملائكة كما في (ص5، 6، 7)؛ ولهذا نقول هنا أن هذا الصوت الذي يشير أنه سمعه قبلا .. إما أن يكون أو صوت من الله صوت غيره بأمر منه.
خذ السفر الصغير : كان الأمر الصادر إلى يوحنا واضحًا، وهو التقدم وأخذ هذا الكتاب الصغير وكل ما يحويه من نبوات أو أحداث من يد الملاك الذي تحدثنا عنه في (ع2).
ع9: أطاع يوحنا وذهب وسمح له الله بأخذه أي معرفته.
كُلْهُ : أي افهمه جيدًا واستوعبه واكتشف ما جاء به من نبوات وأحداث.
يجعل جوفك مرًا : أي ما ستعرفه عن بعض الأحوال، مثل اضطهاد الكنيسة أو ارتداد وانصراف الناس عن المسيح، سوف يحزن قلبك وتصير نفسك متألمة “مُرَّة“، وقد يشير المعنى أيضًا إلى آلام الخدمة التي يقابلها الخادم الأمين في خدمته.
في فمك حلوا كالعسل : لأن الكرازة باسم المسيح هي عمل مفرح وإن حوى ألمًا وتعبًا. ويعنى ذلك أيضًا أن هذا السِّفْر الصغير وإن حمل أخبارًا مرة عن الكنيسة وحروبها، ففيه أيضًا إعلانات حلوة ومطمئنة عن استمرارية عمل المسيح فيها وإعلان نصرتها النهائية.
ع10: هذا العدد هو تفسير للآية السابقة، إذ أتم القديس يوحنا ما أمر به ووجد ما وُعِدَ به تمامًا… ويلاحظ أن ما استخدمه الوحى الإلهي من تعبيرات في هذين العددين يتفق تمامًا مع ما أعلنه سابقًا لحزقيال النبي في (ص3: 3، ص2: 10) إذ أكل هو أيضًا سفرًا فوجد في فمه حلاوة كالعسل أما داخله “مراث ونحيب وويل”.
ع11: يوضح الله ليوحنا أن عليه أن يستمر في عمله الكرازى والتبشيرى مهما كانت مرارة النفس وحروب المعاندين، وهو عمل غير محدود بشعب معين أو مملكة بذاتها بل لكل الناس في كل زمان وهو عمل يتخطى القديس يوحنا نفسه إلى كل خادم وكاهن وأسقف، فلا نبالى بشئ من الأتعاب ولا حتى بنفوسنا أو راحتها من أجل إتمام ما يكلِّفنا به الله.
† إعطنا يا الله هذا القلب النارى الذي لا يعرف إحباطًا، وإن زادت المرارة في أجوافنا فلا ننسى مذاقة كلامك الحلو في أفواهنا؛ شدِّدنا وأعنا وأعطى النصرة لكنيستك وقطيعك…آمين.
تفسير رؤيا 9 | تفسير سفر الرؤيا | موسوعة تفسير العهد الجديد | تفسير رؤيا 11 |
كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة | |||
تفاسير سفر الرؤيا | تفاسير العهد الجديد |