تفسير سفر الرؤيا اصحاح 12 للأنبا بولس البوشي
الأصحاح الثاني عشر
من الرؤيا: قال: «ثم فتح هيكل الله الذي في السماء، فظهر تابوت العهد في الهيكل، وكان رعود وبروق وأصوات وزلزلة وبرد» (رؤ ۱۱: ۱۹).
«وظهر في السماء آية عظيمة، امرأة لابسة الشمس، والقمر تحت رجليها، واثنا عشر نجما على رأسها، وهي حامل تصيح وتتمخض لتلد. وظهرت أيضا آية أخرى في السماء، تنين أحمر كبير، له سبعة رؤوس وعشرة قرون، وعلى رأسه سبعة أكاليل، وذنبه جذب ثلث نجوم السماء إلى الأرض. ثم وقف التنين قبالة الامرأة التي تريد أن تلت، لكيما إذا ولدت يبتلعه. فولدت ابنا الذي يرعى الأمم بقضيب من حديد. فاختطف الابن إلى السماء إلى الله حيث كرسيه. وهربت المرأة إلى القفر إلى الموضع الذي هيأه الله لها ليعدوها (ليعولها) هناك ألفا ومائتي وستين يوما.
وصار في السماء قتال: ميخائيل ومعه ملائكته يقاتلون التنين، والتنين يقاتلهم مع جنوده، فلم يقووا ولم يجد موضعا في السماء. فألقي الحية العظيمة العتيقة التي تسمى الشيطان، الذي يضل جميع العالم، وملائكته أيضا ألقوا معه أسفل على الأرض. وسمعت صوتا عاليا يقول: الآن قد صار الخلاص والقوة والملك لله والسلطان لمسيحه، لأنه ألقى المضرب إلى أسفل على الأرض الذي ينم في الإخوة وينم أمام الله الليل والنهار، لأنهم غلبوه بدم الحمل وكلام الشهادة، ولم يحبوا أنفسهم حتى الموت. فلذلك تفرح السموات وجميع سكانها، والويل للأرض والبحر لأن الشيطان نزل إليها بغضب كثير، عالماً أن زمانه يسير.
فلما رأى التنين أنه قد أُلقي على الأرض، طلب الامرأة التي ولدت الابن الذكر، وأعطيت المرأة جناحين عظيمين كمثل نسر، فطارت بهم إلى البرية لتبعد هناك زمانا من وجه الحية. وأن الحية ألقت من فيها نهر ماء على المرأة لتغرقها فيه، ففتحت الأرض فاها وابتلعت النهر الماء الخارج من فم التنين. وأن التنين غضب على المرأة ومضى ليقاتل بقية زرعها الحافظين وصية الله وشهادة يسوع المسيح» (رؤ 12: 1-17).
التفسير: لما ذكر يوحنا الإنجيلي بروح النبوة أمر السبعة أبواق إلى انقضاء العالم، أعاد الأمر إلى زمانه. ثم ابتدأ يتكلم في تدبير التجسد وبنيان الكنيسة، كما قلنا أولاً. فقال: «إن هيكل الله فتح في السماء، وظهر في الهيكل تابوت العهد» عني سر تجسد الإله الكلمة الأزلي.
«وكان رعود وبروق وأصوات وزلزلة وبرد على الأرض» عني أنه كان خوف عظيم على الشيطان وجنوده في تجسد الرب.
ثم قال «نظرت آية أخرى عظيمة من السماء، امرأة لابسة الشمس والقمر تحت رجليها واثنى عشر نجما إكليلاً على رأسها» فسَّر بعض المفسرين أنها الطوبانية سيدتنا مرتمريم والدة الإله. وبعضهم آخر من أكابر أئمة الدين فسروا أنها الكنيسة. وليس في هذا خلف(أي أختلاف). (فهناك) أشياء كثيرة تجيء على السيدة (العذراء) لأجل التجسد، لأن الربّ تجسد منها بجسد كامل ذي نفس عاقلة نطقية، مثلنا في كل شيء ما خلا الخطية، وبه أكمل التدبير. وقد تجيء تلك الأشياء أيضاً على الكنيسة المقدسة الجامعة الرسولية لأجل بنيان الجماعة، لأن الأمة تسمى امرأة كما في حزقيال النبي، والأمة هي الجماعة، والجماعة هي الكنيسة بلا شك.
فقوله «لابسة الشمس» عني شمس البر المسيح، الذي لبسه جماعة المؤمنين بالمعمودية، كما يقول الرسول: «أنتم الذي انصبغتم بالمسيح للمسيح لبستم، ليس في ذلك يهودي ولا شعوبي، ولا ختان ولا غرلة، ولا عبد ولا حر، بل الكل وفي الكل المسيح»
«والقمر الذي تحت رجليها» فسره المعلمون أنه يوحنا المعمدان، الذي عمد بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا، وأنذر بمعمودية الروح القدس ذي الكمال. وكان واسطة بين العتيقة والجديدة، آخر الناموس والأنبياء وأول المرسلين، كما قال «إني رسول أمامه». «تحت رجليها» أنه سهل السبيل المستقيم، كما هو مكتوب: «هوذا أنا مرسل ملاكي أمامك ليسهل سبلك قدامك».
والاثني عشر نجما» هم الموالي السادة الرسل آباؤنا الأطهار الأفاضل التامين رؤساء أئمة المسكونة. وقوله: «إكليل على رأسها» لأنهم بالحقيقة أكليل البيعة وضياؤها بعد المسيح، ومجدها الذي أسسوها وأقبلوا بجماعتها إلى الإيمان، حتى أنها سُميت الكنيسة الجامعة الرسولية. وقوله: «حامل تتمخض تريد (أن) تلد» تنبؤاً على أولاد البيعة أنهم يكثرون في كل الأقطار.
«والتنين الذي وقف قبالتها» هو الشيطان الذي لم يزل مناصباً للبيعة. وذكر أن بصعود الابن الأزلي إلى السماء صار لنا نحن الغلبة أن نهرب من مكائد العدو إذا شئنا إلى أرض برية، ليس فيها ماء ولا مرعى للأوجاع الردية، عندما نلقي عنا الأفعال العالمية المنسوبة لهذا الدهر الحاضر الزمني، ونقصد الذي للمستأنف الأبدي. وذكر سقوط الشيطان وإنه قد بعد من الله وملائكته الأطهار، وأُعد له العذاب المؤبد في آخر الزمان، فلهذا قصد الكنيسة وأبناءها الأبطال الشجعان ليحاربهم. فأما البيعة «فأعطيت جناحين عظيمين جدا» أعني العتيقة والحديثة والتعاليم المحيية التي من الله ورسله وأنبيائه وأصفيائه. فلهذا نمت وعلت على جبل الله إلى الأبد.
وقوله: «زمان ونصف زمان» عني الألف وخمسمائة سنة الذين بقوا للعالم، وكمل المكتوب في الزبور: «مثل ندا حرمون المنحدر على جبل صهیون». حرمون فسروه بالعلو، والندا افتقاد نعمة الروح القدس، وجبل صهيون هي البيعة المقدسة.
قال: «والحية ألقت من فيها نهر ماء لتُغرق المرأة» عني كثرة التعاليم الفاسدة التي ألقاها الشيطان على الكنيسة ليغرق بها التعاليم الرسولية.
قال: «ففتحت الأرض فاها وابتعلت النهر الماء الخارج من فم التنين» عني بالأرض الرعية، كما تقدم التفسير. ففتحت فاها النقي بالتعليم الروحاني قبالة التعاليم الشيطانية وغارت به أنزلته العمق، وثبت منار الكنيسة وصحة التعاليم الرسولية من الإيمان بالثالوث المقدس الواحد في اللاهوت، وتجسد ابن الله الأزلي بجسد كامل ذي نفس عاقلة ناطقة، وصنع العجائب الباهرة، وقبل الآلام وهو هذا الفاعل الواحد له الأمرين جميعاً، صنع العجائب وقبول الآلام. تألم بالجسد ومات وهو غير متألم ولا مائت بلاهوته. الذي يعلو كل الآلام ويعطي الحياة. ولم يفترق لاهوته من ناسوته في قبول الآلام ونزول القبر. وحيث (أن) الجسد متحد به، حسب له ذلك من حيث الاتحاد لا من حيث الاستحالة(أي التحول أو التغيير). وقام من الأموات وصعد إلى السموات فوق الملائكة والرؤساء والقوات، حيث شرف عظمته التي لم يزل فيها بلاهوته. وإنما عني بالصعود أي أنه أصعد الجسد الذي كان ساقطا في الهاوية[1] إلى ذلك الشرف العظيم باتحاده بلاهوته الأبدي. وأرسل على رسله موهبة الروح القدس المتساوي معه والآب في اللاهوت. وهذا لم يصح في الكنيسة إلا بعد تعب كثير وجهاد شديد قبالة القوم الأردياء[2].
ثم قال: إن «العدو غضب على المرأة ومضى ليقاتل زرعها الحافظين وصايا الله وشهادة يسوع المسيح»، عني حيث غلب أن لا يتلف أساس الرسل الأطهار، بدأ يعاند المجاهدين في حفظ الوصايا الإلهية، المصدقين بألوهية الرب يسوع المسيح، الذين يرجون ملكوته المؤبدة، وعلى ذلك الرجاء الصالح يعملون الفضيلة، ويبطلون الرذيلة، ولكن الرب يسوع المسيح لا يتخلى عنهم، بل يعضدهم ويقويهم حتى يكملوا سعيهم كالمكتوب، له المجد إلى الأبد آمين.
- أي جسد البشرية المتحد به. يقول القديس بولس البوشي في ميمر عيد الصعود: اليوم صعد الرب إلى سماء السموات وخضعت له الملائكة والرؤساء والقوات. اليوم صار (الجسد) الذي كان تحت الكل ساقطاً في التراب والبلوى، فوق الكل في سماء السموات. ولما نظرت البشر إلى الجسد الذي كان ساقطاً في الهاوية إنه قد علا إلى سماء السموات فوق كل ما يرى وما لا يرى، علموا أن الهلاك قد مضى والأشجاب (الدينونة) قد ذهب وانقضى، ومجد حرية البنوة قد استنار بربنا يسوع المسيح).
- أي لم يستمر وينتشر في الكنيسة على يد الرسل الأطهار إلا بعد جهاد مع القوم الأردياء.
تفسير سفر الرؤيا – 11 | سفر الرؤيا – 12 | تفسير سفر الرؤيا | تفسير العهد الجديد | تفسير سفر الرؤيا – 13 |
الأنبا بولس البوشي | ||||
تفاسير سفر الرؤيا – 12 | تفاسير سفر الرؤيا | تفاسير العهد الجديد |