الموسوعة الكنسية لتفسير العهد الجديد
تفسير سفر الرؤيا اصحاح 14 – كنيسة مار مرقس بمصر الجديدة
الأصحاح الرابع عشر
الحمل والمؤمنون.. وحصاد الأرض
مقدمة عامة:
أظهر الأصحاحان السابقان (12، 13) مقاومة الشيطان للكنيسة وأبناء الله بكل قوته من خلال التنين والوحشين، وذلك في كل مكان (سماء وبحر وأرض) … وهنا ننتقل لمنظر مريح يعلن غلبة الخروف وعدل الله مما يزيد من رجائنا في وقت مصاعبنا…
(1) الحمل وتابعيه (ع1-5)
(2) الثلاثة ملائكة وإعلان الدينونة (ع6-13)
(3) الحصاد والحساب (ع14-20)
(1) الحمل وتابعيه (ع1-5):
1 ثُمَّ نَظَرْتُ، وَإِذَا خَرُوفٌ وَاقِفٌ عَلَى جَبَلِ صِهْيَوْنَ، وَمَعَهُ مِئَةٌ وَأَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعُونَ أَلْفًا، لَهُمُ اسْمُ أَبِيهِ مَكْتُوبًا عَلَى جِبَاهِهِمْ. 2 وَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ، كَصَوْتِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ، وَكَصَوْتِ رَعْدٍ عَظِيمٍ. وَسَمِعْتُ صَوْتًا، كَصَوْتِ ضَارِبِينَ بِالْقِيثَارَةِ، يَضْرِبُونَ بِقِيثَارَاتِهِمْ، 3 وَهُمْ يَتَرَنَّمُونَ كَتَرْنِيمَةٍ جَدِيدَةٍ أَمَامَ الْعَرْشِ وَأَمَامَ الأَرْبَعَةِ الْحَيَوَانَاتِ وَالشُّيُوخِ. وَلَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يَتَعَلَّمَ التَّرْنِيمَةَ إِلاَّ الْمِئَةُ وَالأَرْبَعَةُ وَالأَرْبَعُونَ أَلْفًا الَّذِينَ اشْتُرُوا مِنَ الأَرْضِ، 4 هَؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ لَمْ يَتَنَجَّسُوا مَعَ النِّسَاءِ لأَنَّهُمْ أَطْهَارٌ. هَؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ يَتْبَعُونَ الْخَرُوفَ حَيْثُمَا ذَهَبَ. هَؤُلاَءِ اشْتُرُوا مِنْ بَيْنِ النَّاسِ بَاكُورَةً لِلَّهِ وَلِلْخَرُوفِ. 5 وَفِى أَفْوَاهِهِمْ لَمْ يُوجَدْ غِشٌّ، لأَنَّهُمْ بِلاَ عَيْبٍ قُدَّامَ عَرْشِ اللهِ.
ع1: ثم نظرت: التمهيد لوصف منظر جديد لا علاقة له بما سبق.
خروف: إشارة ورمز للسيد المسيح له المجد فهو الحمل المذبوح من أجل فدائنا.
مائة وأربعة وأربعون ألفًا: إشارة لكثرة عدد المفديين التابعين له (راجع رؤ7: 4).
اسم أبيه: كما أن لتابعى الوحش سمة توضح هويتهم وتبعيتهم، هكذا أيضًا فأبناء الله لهم سمة واسم الله على جباههم، وهي هبة مجانية نأخذها هنا بالمعمودية ونثبتها بجهادنا ضد الخطية وتكمل لنا في السماء.
ظهر المسيح على جبل صهيون وهو كناية عن الكنيسة ومكانها المرتفع لأن هيكل العهد القديم قد بُنى على هذا الجبل، وكناية أيضًا عن السماء وارتفاعها ومسكن الله الدائم (مز9: 11)، وظهر معه أيضًا خاصته التي قبلته وآمنت وتمسكت به … فالله في محبته لأبنائه يشركهم بنعمته في أمجاده.
ع2: صاحب منظر ظهور السيد المسيح أصوات مصدرها السماء، وهي أصوات قوية تعلن نصرته “مياه كثيرة ورعد“ وأصوات تسبيح رقيقة تعلن تهليل الخليقة السمائية بالمخلص الفادي “ضاربين بالقيثارة“. راجع أيضًا (رؤ 5: 8، 9).
ع3: وهم يترنمون: أي المائة وأربعة وأربعون ألفًا مع الخليقة السمائية.
ترنيمة جديدة: أي كلمات لم تكن معروفة يعطيها الروح القدس للغالبين، ويذكرنا هذا بما قاله بولس الرسول عن لغة السماء “لا يسوغ لإنسان أن ينطق بها” (2 كو12: 14).
أشتروا من الأرض: أي بدم المسيح، فالمسيح دفع دمه ثمنًا لشراء كل من يقبل فداءه في كل العالم …
توضح لنا هذه الآية العطايا الخاصة التي تُعطَى لأبناء الله فقط دون غيرهم، فلهم اسم الله (ع1)، ولهم الآن لغة تسبيح وترنيمة تخصهم ولا يعرفها سواهم، وهم الماثلون وحدهم أمام العرش الإلهي متمتعين دائمًا برؤية وحضرة الله الغير موصوفة والمدركة للعقل البشرى.
ع4، 5: توضح هاتان الآيتان علة وأسباب تميز هؤلاء (المائة والأربعة وأربعين ألفًا) عن باقي سكان العالم في أنهم:
- عاشوا حياة الطهارة فعريس نفوسهم الأوحد هو السيد المسيح ورغبتهم مرضاته ولم يعيشوا في شهوات الزنا كباقى سكان العالم.
- يتبعون الخروف: عيونهم وقلوبهم متعلقة به ولا تفارقه فمكانه دائمًا هو مكانهم.
- اشْـتُرُوا من بين الناس: هم وحدهم الذين قبلوا الإيمان بالمسيح وعاشوا كما يليق بهذا الإيمان في أعمال ترضى قلب الله، وصاروا قدوة وباكورة لغيرهم.
- في أفواههم لم يوجد غش: تمثلوا بالخروف إلههم الذي “لم يفعل خطية ولا وجد في فمه مكر “1 بط2: 22″، فكل كلامهم حق وليسوا كأبناء العالم الشرير في خبثهم وضلالهم.
- بلا عيب أمام الله: وإن كان لا يوجد إنسان بلا خطية أو عيب ولكن لأمانتهم في الجهاد ومحاولة إرضاء الله، نسب الله إليهم الكمال، فصاروا أمامه بلا عيب.
† إلهي الخروف المذبوح عنى .. أشتهى دائمًا بالرغم من كل ضعفاتى أن أكون بلا عيب أمامك، ولكنى هآنذا لازلت أبعد عنك … فمتى أتبعك من كل قلبى كهؤلاء القديسين ومتى أسبحك بمثل هذه الترنيمة الروحية؟ إعطنى يا الله أن أكمل أيام غربتى بخوف من أجل مرضاتك، واجعلنى أتمتع بك هنا لأفوز بالأبدية معك هناك على جبل صهيون السمائى.
(2) الثلاثة ملائكة وإعلان الدينونة (ع6-13):
6 ثُمَّ رَأَيْتُ مَلاَكًا آخَرَ طَائِرًا فِي وَسَطِ السَّمَاءِ، مَعَهُ بِشَارَةٌ أَبَدِيَّةٌ، لِيبَشِّرَ السَّاكِنِينَ عَلَى الأَرْضِ، وَكُلَّ أُمَّةٍ وَقَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَشَعْبٍ، 7 قَائِلًا بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «خَافُوا اللهَ، وَأَعْطُوهُ مَجْدًا، لأَنَّهُ قَدْ جَاءَتْ سَاعَةُ دَيْنُونَتِهِ، وَاسْجُدُوا لِصَانِعِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَالْبَحْرِ وَيَنَابِيعِ الْمِيَاهِ.»
8 ثُمَّ تَبِعَهُ مَلاَكٌ آخَرُ قَائِلًا: «سَقَطَتْ، سَقَطَتْ بَابِلُ الْمَدِينَةُ الْعَظِيمَةُ، لأَنَّهَا سَقَتْ جَمِيعَ الأُمَمِ مِنْ خَمْرِ غَضَبِ زِنَاهَا.»
9 ثُمَّ تَبِعَهُمَا مَلاَكٌ ثَالِثٌ، قَائِلًا بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَسْجُدُ لِلْوَحْشِ وَلِصُورَتِهِ، وَيَقْبَلُ سِمَتَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ أَوْ عَلَى يَدِهِ، 10 فَهُوَ أَيْضًا سَيَشْرَبُ مِنْ خَمْرِ غَضَبِ اللهِ الْمَصْبُوبِ صِرْفًا فِي كَأْسِ غَضَبِهِ، وَيُعَذَّبُ بِنَارٍ وَكِبْرِيتٍ أَمَامَ الْمَلاَئِكَةِ الْقِدِّيسِينَ وَأَمَامَ الْخَرُوفِ. 11 وَيَصْعَدُ دُخَانُ عَذَابِهِمْ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ، وَلاَ تَكُونُ رَاحَةٌ نَهَارًا وَلَيْلًا لِلَّذِينَ يَسْجُدُونَ لِلْوَحْشِ وَلِصُورَتِهِ، وَلِكُلِّ مَنْ يَقْبَلُ سِمَةَ اسْمِهِ.» 12 هُنَا صَبْرُ الْقِدِّيسِينَ، هُنَا الَّذِينَ يَحْفَظُونَ وَصَايَا اللهِ وَإِيمَانَ يَسُوعَ.
13 وَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ قَائِلًا لِى: «اكْتُبْ: طُوبَى لِلأَمْوَاتِ الَّذِينَ يَمُوتُونَ فِي الرَّبِّ مُنْذُ الآنَ، نَعَمْ يَقُولُ الرُّوحُ، لِكَيْ يَسْتَرِيحُوا مِنْ أَتْعَابِهِمْ، وَأَعْمَالُهُمْ تَتْبَعُهُمْ.»
ع6، 7: منظر لملاك جديد يطير في وسط السماء ليراه جميع سكان الأرض، يحمل خبرًا مفرحًا أي “بشارة“ لجميع منتظريها من سكان الأرض وفي الوقت ذاته هي خبر مخيف لكل من كان يتجاهل ولا يصدق مجيء ساعة الدينونة، وكان صوته قويًا مدويًا معلنًا بداية الدينونة، ولرهبتها وشدتها لزم السجود والانسحاق أمام صاحب هذه الساعة وهو الله الخالق للسماء والأرض والبحر وكل ما فيها.
بشارة أبدية: خبرًا صادقًا لا رجوع فيه. ورأى البعض أيضًا أنه الكتاب المقدس الذي يحمل كل مواعيد الله الصادقة.
ع8: ظهر ملاك ثاني يعلن خبرًا جديدًا وهو سقوط بابل …!!
سقطت سقطت بابل: ترمز بابل إلى مملكة الشر على مر الدهور، وما أعلنه الملاك هنا هو نفس ما قاله إشعياء النبي في نبوته”سقطت سقطت بابل وجميع تماثيل آلهتها”(إش21: 9). والمعنى، أنه عند إعلان دينونة الله في مجيئه الثاني يعلن أيضًا زوال مملكة الشيطان بكل جنودها وقوتها ولا قيامة لها مرة أخرى.
سقت جميع الأمم من خمر غضب زناها: هذه أيضًا تتفق مع ما قاله أرميا النبي “بابل كأس ذهب … تسكر كل الأرض من خمرها شربت الشعوب … سقطت بابل بغتة وتحطمت” (أر51: 7، 8). والمعنى أن مملكة الشر عملت شرورًا مختلفة في كل اتجاه وأعثرت وأسقطت كثيرين، فالشيطان في غضبه وغيظه أغوى الناس بالزنى الجسدي الفعلى وأغرقهم في شهوات الهلاك أو بالزنى الروحي بمعنى عزلهم وفصلهم عن الله، وهذا الإعلان في جملته يحمل فرحًا ونصرة بنهاية الشرير الذي أتى يوم دينونته العادلة.
ع9، 10: جاء الملاك الأول يعلن خلاص المسيح وتمتع المؤمنين به، والثاني أعلن دينونة الله العادلة وزوال مملكة الشر وسقوطها النهائى .. والآن يأتي الملاك الثالث يعلن انتقام الله الشديد من كل من تبع الشيطان وصار له خادمًا.
يسجد للوحش ولصورته: أي من عبد الشيطان عبادة مباشرة أو من اشتغل بالسحر أو دعى الآخرين لترك الله وعبادة الشيطان وكل من استخدمه الشيطان في إعثار الآخرين.
سمته على جبهته أو يده: أنظر (ص13: 16).
كل هؤلاء ستكون عقوبة الله عليهم شديدة ومرعبة جدًا.
خمر غضب الله صرفًا: اعتاد الناس في ولائمهم على تخفيف الخمر بالماء لإضعاف تأثيره، ولكن كلمة “صرفًا” معناها “شديدًا ومركزًا بلا تخفيف وهي كناية عن شدة عقوبة الله لكل من تبع الشيطان، فلا مجال لمراحم الله في الدينونة العامة لمن لم يستغلها هنا في حياته على الأرض.
“يعذب بنار وكبريت” التي أحرقت سدوم وعمورة قديمًا (تك19: 24) والتعبير يؤكد كل ما سبق في شدة غضب الله وعقابه.
أمام الملائكة والقديسين والخروف: كما أن أتباع الوحش سخروا واستهانوا بالسماء والله وكل أبنائه المؤمنين في كنيسته الحية، يستوجب عدل الله أن يستمتع ملائكته وأبناؤه القديسون بإتمام عدله وهزيمة العدو الشرير الذي أذاقهم الكثير من العذاب والاضطهاد على الأرض ويكون المسيح بنفسه في وسط أولاده معلنًا سلطانه ونصرته.
ع11: يصعد دخان عذابهم إلى الأبد: كناية عن استمرار حرقهم بلا توقف وبلا فناء لهم؛ فالمعروف أن النار بعد فترة تأتي على كل شيء، وعندما تنتهي ينتهى الدخان أيضًا بعدها بفترة وجيزة .. أما هنا فهو مستمر بلا نهاية.
ولا تكون راحة: جرى العرف على إعطاء المُعَذَّبين فترة للراحة ولفظ الأنفاس قبل معاودة تعذيبهم، أما هنا، فلا راحة ولا توقف. وتعبير ليلًا ونهارًا مجازى إذ لا يوجد ليل ونهار في الأبدية ولكنه يفيد استمرار العذاب بلا انقطاع.
ع12: هنا صبر القديسين: أي في هذا الوقت يعلن الله ويكافئ كل القديسين الذين صبروا واحتملوا كل اضطهاد الوحش، ويظهر الله لنا مكافأتهم ليشجعنا موضحًا أن سر نصرتهم وصبرهم هو قوة إيمانهم بالرب يسوع وجهادهم في العمل بوصيته.
† أخي الحبيب إن المشهد المخيف لنهاية الأشرار وكذلك تطويب الله لأبنائه القديسين الصابرين، ما هو إلا رسالة لنا جميعًا تحمل تحذيرًا وتشجيعًا، فالتحذير من دينونة الله الصارمة على الأشرار والتشجيع لنا نحن إن ثبتنا على الجهاد والتمسك بمسيحنا، فلنتمسك إذًا بجهادنا مهما كان الثمن المدفوع هنا على الأرض وأيضًا برجائنا في خلاص إلهنا وتطويبه لعبيده الأمناء.
ع13: سمعت صوتًا من السماء: قد يكون هذا صوت الله أو صوت الملاك المصاحب ليوحنا في رؤياه.
يعلن الله تطويبه أي سعادة كل من يترك الحياة على الأرض وينتقل للسماء حيث تبدأ راحتهم وسعادتهم الحقيقية الغير ناقصة.
أعمالهم تتبعهم: يشير الله أن عدله يستوجب أن يجازى الإنسان عن كل أعماله التي أتى بها في حياته، وهذا ما تعلمه لنا كنيستنا في إيمانها بأن خلاص الإنسان يستوجب إيمانه بالمسيح، وكذلك أعماله الصالحة التي سيجازى عليها في الأبدية بالراحة والسعادة والتطويب.
(3) الحصاد والحساب (ع14-20):
14 ثُمَّ نَظَرْتُ وَإِذَا سَحَابَةٌ بَيْضَاءُ، وَعَلَى السَّحَابَةِ جَالِسٌ شِبْهُ ابْنِ إِنْسَانٍ، لَهُ عَلَى رَأْسِهِ إِكْلِيلٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَفِى يَدِهِ مِنْجَلٌ حَادٌّ. 15 وَخَرَجَ مَلاَكٌ آخَرُ مِنَ الْهَيْكَلِ، يَصْرُخُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ إِلَى الْجَالِسِ عَلَى السَّحَابَةِ: «أَرْسِلْ مِنْجَلَكَ وَاحْصُدْ، لأَنَّهُ قَدْ جَاءَتِ السَّاعَةُ لِلْحَصَادِ، إِذْ قَدْ يَبِسَ حَصِيدُ الأَرْضِ.» 16 فَأَلْقَى الْجَالِسُ عَلَى السَّحَابَةِ مِنْجَلَهُ عَلَى الأَرْضِ، فَحُصِدَتِ الأَرْضُ.
17 ثُمَّ خَرَجَ مَلاَكٌ آخَرُ مِنَ الْهَيْكَلِ الَّذِي فِي السَّمَاءِ، مَعَهُ أَيْضًا مِنْجَلٌ حَادٌّ. 18 وَخَرَجَ مَلاَكٌ آخَرُ مِنَ الْمَذْبَحِ، لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى النَّارِ، وَصَرَخَ صُرَاخًا عَظِيمًا إِلَى الَّذِي مَعَهُ الْمِنْجَلُ الْحَادُّ، قَائِلًا: «أَرْسِلْ مِنْجَلَكَ الْحَادَّ، وَاقْطِفْ عَنَاقِيدَ كَرْمِ الأَرْضِ، لأَنَّ عِنَبَهَا قَدْ نَضَجَ.» 19 فَأَلْقَى الْمَلاَكُ مِنْجَلَهُ إِلَى الأَرْضِ، وَقَطَفَ كَرْمَ الأَرْضِ، فَأَلْقَاهُ إِلَى مَعْصَرَةِ غَضَبِ اللهِ الْعَظِيمَةِ. 20 وَدِيسَتِ الْمَعْصَرَةُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ، فَخَرَجَ دَمٌ مِنَ الْمَعْصَرَةِ حَتَّى إِلَى لُجُمِ الْخَيْلِ، مَسَافَةَ أَلْفٍ وَسِتِّمِئَةِ غَلْوَةٍ.
ع14: نظر بعد ذلك القديس يوحنا منظر السيد المسيح ملتحفًا بمجده، فالسحاب يشير دائمًا لمجد الله ونقائه وطهارته، ولأن هذا المنظر مرتبط بسلطان السيد المسيح في دينونة الأشرار، رآه القديس يوحنا مكللًا بإكليل من الذهب في دلالة على ملكه الأبدي، أما المنجل فهو آداة زراعية مقوسة كالهلال تستخدم في حصد المحاصيل، وهي كناية عن بدء حصد جميع البشر، والمشهد كله يرمز لبدء الدينونة؛ ويلاحظ أن هذا المشهد يتفق تمامًا مع ما قاله السيد المسيح نفسه عن بدء الدينونة “وأما متى أدرك الثمر فللوقت يرسل المنجل لأن الحصاد قد حضر” (مر4: 29).
ع15، 16: خرج ملاك من الهيكل: أي خرج من أمام الله وحضرته.
يصرخ بصوت عظيم: صوت عظيم وقوى لأنه يتناسب مع الموضوع الذي يتحدث عنه وهو بدء الدينونة. وكلمة يصرخ هنا معناها أنه يترجى بلجاجة ولهفة من السيد أن يبدأ ما إشتاقت الملائكة لإتمامه وكذلك كل القديسين الذين يصلّون كل يوم باشتياق “ليأت ملكوتك”.
يبس حصيد الأرض: اعتاد الفلاح أن يحصد نباتاته بعدما تجف مثل القمح والفول… أي أن الحصاد صار جاهزًا تمامًا وأتت ساعته الموعود بها …
فألقى … منجله: أي أعلن بدء دينونته ونهاية الحياة على الأرض.
ع17: المنجل الذي كان في يد المسيح يمثل إرادته وسلطانه في زمن بدء الدينونة أما الملاك الذي خرج بالمنجل هو إشارة إلى كل الملائكة التي صدر لها الأمر بالتنفيذ.
ع18: ملاك آخر: غير الحامل المنجل.
من المذبح: حيث كانت صلوات القديسين مع البخور (ص8)، وحيث صرخت أيضًا أنفس الشهداء “حتى متى يارب .. لا تقضى ولا تنتقم لدمائنا” (ص6: 10).
له سلطان على النار: هذا يشير إلى أن فدائه كان لجمع الأشرار إلى مكانهم وهو النار.
عناقيد كرم الأرض: يقصد الأشرار الذين أكملوا شرورهم ورفضوا التوبة فاستحقوا دينونة الأرض.
يعلن هذا الملاك المسئول عن مكان العذاب الأبدي، أي النار، للملاك الحامل المنجل أن يبدأ الدينونة ليلقى الأشرار في النار الأبدية.
ع19: فألقى الملاك منجله: أي الأول المُكَلَّف مع الملائكة ببدء العمل.
قطف كرم الأرض: أي أنفس البشر وقد حصدها بالموت.
معصرة غضب الله: المكان المُعَدّ للأشرار، وكلمة معصرة توحى بشدة العقاب والانتقام الإلهي العادل.
ع20: ديست المعصرة: أي بدأ العقاب، والمعنى الحرفي بدأت عملية العصير، وكلمة “ديست” هي التعبير المستخدم لذلك.
خارج المدينة: المدينة هنا هي مدينة الله وملائكته وقديسيه، وخارج المدينة معنى يرمز إلى إستحالة وجود الأشرار في حضرة الله أثناء عقوبتهم فالمكان المقدس لا يقترب منه شرير.
حتى إلى لُجُم الخيل: صار الدم الخارج من معصرة الأشرار كمثل ارتفاع الدم من سطح الأرض إلى لجام الخيل الموضوع أعلى أنفه.
مسافة ألف وست مائة غلوة: الكلام هنا كله مجازى ولكن المعنى المراد منه هو تأكيد لكل ما سبق في شدة غضب وعقوبة الله للأشرار، وكأن دماءهم لا يكفيها حوض إرتفاعه أنف الخيل ومساحته مئات من الكيلو مترات …!!
† إن كان يوم الدينونة سيأتي حتمًا، فلنسرع بالتوبة ونرفض كل شهوة مهما كانت عزيزة لدينا ونقطع كل مصادرها حتى ننجو من الغضب الإلهي بل نتمتع بمحبته وحنانه.
تفسير رؤيا 13 | تفسير سفر الرؤيا | موسوعة تفسير العهد الجديد | تفسير رؤيا 15 |
كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة | |||
تفاسير سفر الرؤيا | تفاسير العهد الجديد |