تفسير سفر الرؤيا اصحاح 20 لابن كاتب قيصر
الإصحاح العشرون
الفصل الحادى العشرون
رؤ20: 1-3
106- (1) ورأيت ملاكا نزل من السماء ومفتاح العمق بيده وسلسلة عظيمة في يده (2) فأمسك التنين الثعبان الأول الذي هو إبليس الشيطان وقيده ألف سنة (3) وطرحه في العمق وسد فمه وختم من فوق عليه لئلا يضل الأمم حتى تكمل الألف سنة وبعد ذلك لابد أن يحل زمانا يسيرا
هذا الملاك هو ملاك العمق الذي ذكر في الفص الرابع والأربعين ، ورمز عليه بالنجم الساقط السماء ، فقد قيل هناك [في فص ٤٤] أن هذا الملاك أعطى مفاتيح بئر العمق ، والمفتاح والعمق قد تكلمنا عليهما في الفص التاسع بأن المفتاح هو الحكم المطاع ، وأن العمق هو الغور الأقصى من الأرض ، ولم يرد به عمق البحر لقوله بعد ذلك في الفص المائة والحادي عشر : « والبحر أخرج الموتى الذين فيه وسلم العمق والجحيم الموتى الذين فيهما » فدل على أنه غيره والسلسلة رمز على القوة الروحانية الضابطة واليد رمز على الحكم أيضا ، كما نقول : إن هذا تحت يدى أي تحت حكمي.
قوله : «فأمسك التنين الثعبان الأول الذي هو إبليس الشيطان وقيده ألف سنة» ، إن هذا الملاك ضبط الشيطان بالقوة الإلهية أسفل أعماق الأرض
ويلزم من هذا أن يكون أعوانه مضبوطين معه ، ليتم القصد في راحة هذا العالم منه ومنهم مدة الألف سنة ولا تستعظم لهذا الملاك أن يقوى بمفرده على الشيطان وجميع جنوده لسببين أحدهما : أن ميخائيل رئيس الملائكة وملائكته يكونون قد كسروا همة الشيطان وقوته وقوة أعوانه عندما يحاربونه ويسقطونه ومن معه من والآخر : أن هذا الملاك أيد بقوة كافية في السماء هذا الغرض.
قوله : « وطرحه في العمق وسد فمه وختم من فوق عليه» ، معلوم أن المطروح في العمق هو الشيطان ، والذي سد الملاك فمه هو العمق ، والختم علیه رمز على صونه وإحراز من فيه . وإلى هذا المعنى أشار بطرس الرسول في رسالته الثانية : «إن كان الله لم يشفق على الملائكة الذين أخطأوا بل طرحهم في وثاق الظلمة ليحفظوا إلى يوم الدينونة»، لكي يعاقبهم فحبسهم إلى آخر الألف سنة ، وحفظهم إلى يوم الدينونة.
قوله : «لئلا يضل الأمم حتى تكمل الألف سنة» ، ضمير الفاعل في يضل عائد على الشيطان ، وقد أعطيت هنا لعلة في ضبط الشيطان وحبسه في العمق ، وهي أن لا يضل الأمم بوساوسه وحيله وأعماله وخدعه التي اعتاد اعتمادها مع البشر وجعل لحبس الشيطان أمد ، وهو الألف سنة ، وعند انتهائها يفلت ، وهو قوله : « وبعد ذلك لابد أن يحل زمانا يسيرا » ، أي بعد هذه السنين الممتدة . وقد سلفت الإشارة في الفص الثامن والثمانين بالقليل إلى نصف أسبوع لما قال عن الوحش أنه يقيم قليلا ويمضى إلى الهلاك . وقد أشير بالقليل في مكان آخر إلى آلاف من السنين ، إذ قال في الإنجيل المقدس والرسائل : «إن الزمان يسير » ، فصار اليسير عندنا بغير ضابط . ومن الرأي الإلهي كتمان الأزمنة وترك تعيينها عنا ولنا ، لما يعلم سبحانه في ذلك من حصول مصالح لنا ودفع مفاسد عنا . ولذلك كانت مدة حل الشيطان وإضلاله للأمم مجهولة لدينا كما شاء الله تعالى . وسيرد لهذا الفص كمال آخر بعد الفص الآتي.
رؤ20: 4-6
107- (4) ورأيت كراسي والذين جلسوا عليها حكموا من أجل نفوس الذين قتلوا من أجل شهادة يسوع ومن أجل كلمة الله والذين لم يسجدوا للوحش ولا لصورته والذين لم يتسموا على جباههم وأيديهم فعاشوا وملكوا مع المسيح ألف سنة (5) وبقية الأموات لا يحيون حتى تكمل الألف سنة هذه هي القيامة الأولى (6) طوباه وقديس الله من له نصيب في القيامة الأولى وعلى هؤلاء لا يتسلط الموت الثاني لكن يكونون كهنة لله والمسيح ويملكون معه الألف سنة.
يظهر أن هذه الرؤيا إنما تتم بهد هلاك الدجال وجموعه ، وقبل قيامة الأبرار القيامة الأولى ، لأنه بعد أن يحكم على أولئك الأشرار ، يحكم لأنفس الأبرار .
قوله : « ورأيت کراسی والذين جلسوا عليها حكموا » ، يسأل في هذا القول عن عدة أمور ، أولها : هل تكون هذه الكراسي روحانية أو جسمانية ؟ وثانيها : إن الرسول يوحنا قال في بشارته عن سيد الكل : «إن الأب أعطى الحكم كله للابن » ، فكيف يحكم غيره لأنفس الأبرار ؟ وثالثها : من هم هؤلاء الحكام ؟ إن كانوا هم الشيوخ الأربعة والعشرين ، فالرسل الإثنا عشر يكونون من جملة المحكوم لهم ، مع أنهم وعدوا أن يجلسوا على كراسى ويدينوا أسباط إسرائيل الإثنى عشر . وإن كانوا هم الرسل ليتم لهم هذا الوعد ، فمن شرطه أن يدينوا أسباط إسرائيل ، ذلك أن سيد الكل قال عن الرسل لليهود : «من أجل هذا هم يحكمون عليكم»، والحكم على الأشرار إنما يكون في القيامة العامة عندما يجازي كل واحد كنحو عمله ، وهنا لم يقل إن هؤلاء الحكام يدينون أحدا بالحكم عليه ، بل قال يحكمون من أجل نفوس الأبرار ؟ ورابعها : ما هذا الحكم الذي حكموا به ؟ والجواب :
أما الأول : فإن هذه الكراسي روحانية ، لأن الرسل يكونون في هذه الحال قد سبقوا قيامتهم من الأموات بجسد البقاء الروحاني والجلوس عليها علامة الرئاسة والشرف ، لأنها منصب الحكم الذي يشاهده الكل . ولهذا كان القول بأنها رمز على الرئاسة هنا لا أن لها وجودا ضعيفا.
وعن الثاني : أن هؤلاء الرسل إنما يحكمون نوابا وخلفاء عن سيد الكل ، وليس هذا بمخرج للحكم عنه.
وعن الثالث : أن هؤلاء الحكام هم الرسل ، لأن هذه القيامة تختص بشهداء الدعوة المسيحية وأبرارها ، وسننبه على أدلة ذلك فيما بعد . أما معنى الدينونة والحكم واحد ؛ فالحكم لقوم أو عليهم يصح أن يكون دينونة، كما يصح أن يكون حكما ، ولا يمنع حكمهم للأبرار في حينه أن يحكموا على الأشرار في حينه ، مع أن كثيرا من المفسرين قد ذهبوا في تأويل حكم الرسل على الأسباط ودينونتهم لهم إلى أن نظر الأسباط إليهم هو دينونتهم وهو ضعيف ، وسنتكلم عن ذلك عند الكلام عن القيامة العامة بمشيئة الله تعالی.
وعن الرابع : أن الذي حكموا به للأبرار ثلاثة أحكام ، أولها : تعجيل قيامة أجسادهم الروحانية الباقية جزاءا عن تعجيل ما نالوه من الهوان والقتل في العالم . وثانيها : ملكهم وكهنوتهم وتنعمهم فيها هذه المدة مع سيد الكل . وثالثها : أن لا يتسلط الموت الثاني عليهم.
قوله : «من أجل نفوس الذين قتلوا من أجل شهادة يسوع ومن أجل كلمة الله»، هذا تصريح جلى بأنه لا يقوم في هذه القيامة الأولى إلا أبرار الدعوة المسيحية فقط ، وضبط ذلك بالنفي والإثبات كي لا يتأول أما الإثبات ، فقوله إنهم : «حكموا من أجل نفوس الذين قتلوا من أجل شهادة يسوع ومن أجل كلمة الله والذين لم يسجدوا للوحش ولا لصورته والذين لم يتسموا على جباههم وأيديهم»
وقد قسم الذين حكم لهم بهذا الحكم إلى طائفتين ، الأولى : الشهداء. والثانية : الأبرار
وقد أعطيت لقتل هؤلاء الشهداء علتان ، الأولى : الشهادة ليسوع والثانية : إنه كلمة الله . وهذا معنى قوله أجل كلمة الله» ، أى وشهادة كلمة الله ، فحذف المضاف استغناء بالشهادة : «من أجل شهادة يسوع ومن المتقدمة.
قوله : «والذين لم يسجدوا للوحش ولا لصورته والذين لم يتسموا على جباههم وأيديهم» ، هذه هي الطائفة الثانية وهم الأبرار ، وليس المعنيون «بالذين» الأولى غير المعنيين «بالذين» الثانية ، بل هم هم ، وإنما عطف بالواو ليميز بين الاعتبارين اللذين هما السجود والاتسام ، فيصير تقدير القول : الذين لم يسجدوا وهم الذين لم يتسموا ؛ كما نقول : الذي يخلق ، والذي يرزق ، والمعنى واحـد بهما . هؤلاء الأبرار هم من الذين هربوا إلى القفار والجبال والكهوف وغيرها واختفوا حتى جازت الدولة الدجالية.
قوله : « فعاشوا وملكوا مع المسيح ألف سنة » ، هذه هي القيامة الأولى أما كونهم عاشوا ، فهو الحكم الأل الذي حكم لهم به ، ومعناه أن أجسادهم قامت من بين الأموات بالقدرة الإلهية أجسادا روحانية باقية غير فانية ولا متألمة ، واتحدت بها نفوسهم كالكون الأول . وأما كونهم ملكوا معه ألف سنة فهو الحكم الثاني لهم . وأما كون هذه هي القيامة فكالنسبة إلى القيامة العامة . وأما كيفية قيام الأجساد ، فسنتكلم عليه عند الكلام في القيامة العامة بمشيئة الله[1].
قوله : «طوباه وقديس الله من له نصيب في القيامة الأولى» ، في هذا القول تقديم وتأخير يظهره التقدير ، لأنه جملة مركبة من شرط وجزاء ، تقدم فيها الجزاء على الشرط ، وتقديره في الأصل : من له نصيب في القيامة الأولى فطوباه وهو قديس الله . وحينئذ يصح عود الضمير في طوباه على من المتقدمة في الفهم . والقول على ظاهره كما قلنا أن هذه القيامة لا يدعى إليها إلا الفائزون السعداء.
قوله : « وعلى هؤلاء لا يتسلط الموت الثاني لكن يكونون كهنة لله والمسيح ويملكون معه الألف سنة» ، قد تقدم لنا أن الموت الثاني هو عقوبة الأشرار في بحيرة النار . وكون أهل هذه القيامة الأولى لا يتسلط عليهم الموت الثاني هو الحكم الثالث لهم . وأما كونهم يكونون كهنة لله والمسيح ويملكون معه الألف سنة فعلى ظاهره ، وهو تمام الحكم الثاني ، فهذا كلام الرؤيا في القيامة الأولى . وقد تكلم عنها جماعة من المتألهين أرباب الوحي فصرحوا بها ولم يلوحوا . فمن ذلك ما هو كالتفسير للرؤيا ، ومنها ما تكون هي كالتفسير له ، ومنها ما هو تفصيل لها ، ومنها ما يزيد عليها ، وعليك أن تطابق ذلك.
فأول من يذكر منهم بولس الرسول الذي قال في رسالته الأولى إلى أهل تسالونیکی : « ثم نخبركم عن قول ربنا إننا نحن الذين نتخلف أحياء إلى مجيء الرب لا نلحق بالذين رقدوا لأن الرب بأمره وبصوت رئيس الملائكة وببوق الله الذي من السماء ينبعث أولا الموتى الذين ماتوا على الإيمان بالمسيح وعند ذلك الباقون أحياء تختطف معهم جميعا بسحاب لنلقى ربنا في الجو وهكذا نكون مع الرب كل حين»، فقد أبان هنا عن حال الذين يبقون أحياء حين مجيء ربنا كأنه ينطق عنهم بأنهم لا يلبثون أمواتا كمن تقدمهم ، بل يبدلون في لحظة واحدة ، لأنهم حال موتهم يضرب رئيس الملائكة بالبوق النازل معه من السماء فيقومون للتو والبوق إنما يصوت بطنين تجويفه وبالصوت المنحصر من النافخ فيه ، وهذا معنى قوله : « وبصوت رئيس الملائكة وببوق الله» . فأمر الله هو العلة في قيام الأموات ، والملاك وسيط في تنفيذ الأمر ، والبوق آلة ، والصوت الذي يظهر من البوق شرطه في قيام الأموات بحسب الإاردة الإلهية . وأخبر عن الموتى من المسيحيين الشهداء والأبرار إنهم يقومون . ودل بقوله : « ينبعث أولا الموتى الذين ماتوا على الإيمان بالمسيح» على تخصيص هذه القيامة بهم ، وأما من سواهم ، بارا كان أو فاجرا ، فإنما يقوم في القيامة العامة ، وأخبر عن جميع الذين سيحيون ، المتبدلين والقائمين معا ، إنهم يختطفون بسحاب ليلقوا سيد الكل في الجو ، وأنهم يكونون مع الرب ملازمين له في كل حين.
وقال أيضا في أوائل رسالته الثانية إلى أهل تسالونیکی : « ويحييكم أنتم الذين تضطهدون عند ظهور ربنا يسوع المسيح من السماء في جند ملائكته حين يجعل النقمة بلهيب النار في أولئك الذين لم يعرفوا الله [وهذا مجمل ما قاله يوحنا في رؤياه ، وهو لا يتجاوز حدود معناه ]
كما قال في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس : «فالمسيح هو البدء ثم أصحاب المسيح في مجيئه ثم أصحاب الكمال عندما يسلم الملك لله الآب »
فقد تبين في هذا القول أمر القيامتين على نسق وتقدم قيام الأبرار في القيامة الأخيرة العامة على الأشرار . لأنه لما تكلم في قيام الأجساد من موتها ، ذكر أن المسيح له المجد هو بدء القائمين من الأموات قياما لا يعقبه موت ، وإلا فقد قام كثير من الأموات قبل السيد المسيح له المجد.
ولما كان بين القيامة الأولى والقيامة الجامعة مدة أخرى فسيحة ، فقد عطف بحرف ثم أيضا فقال : « ثم أصحاب الكمال عندمـا يسلم الملك لله الآب» . وظاهر من هذا أن قيامة هؤلاء الأبرار ، الذين سماهم أصحاب الكمال تأتى قبل قيامة الأشرار ، وأنه سماهم بذلك لأن بقيامهم تكمل قيامة الأبرار وتسليم الحكم لله الآب في القيامة العامة له مكان يليق به تفسیره وفي قوله : «أصحاب المسيح» نظر ، وهو أن قيامة أخنوخ وإيليا هي قبل القيامة العامة ، فقد سبقوا هم أصحاب المسيح .
والجواب : إنه يجوز اعتبارهما من أصحاب المسيح ، ويجوز أن يكون قسما مفردا كما كانت حياتهما وموتهما ، كذلك تكون قيامتهما.
وقال أيضا في رسالته المذكورة : « وهوذا سر أقوله لكم إننا لا نرقد كلنا وسنتبدل جميعنا في لحظة وطرفة عين في البوق الأخير لأن البوق ينادي فيقوم الأموات وهم بغير فساد ونحن أيضا سنتبدل »، يريد بالبوق الأخير إذا نادي فمن كان ميتا من الأبرار المسيحيين قام أولا ، ومن كان حيا منهم تبـدل جسده ، بمعنى صيرورته باقيا روحانيا ، والتبديل يعم الكل : من قام ومن هو حی ، وقيام الموتى متبدلين يسبق تبدل الأحياء ، أما الضمير في «إننا » فيعود على مفهوم «وهم الأحياء الذين تدركهم القيامة الأولى» ، وكأن الرسول ينطق بلسان حالهم كما قلنا . ويريد بالرقاد الموت الطبيعي ، وبالبوق الأخير الصوت الأخير من البوق بحذف المضاف ، وصار الوصف كأنه للمضاف إليه ولعل الصوت الأول إنذار بأن الحين أتى ، والثاني به قيامة الأموات وتبدلهم والأحياء معهم.
وثانيهم أشعياء النبي ، قال : « يخرج عصا من صلب يسى وينبت غصن من أصله . ويحل عليه ويطمئن روح الله وروح الحكمة والفهم روح التدبير والجبروت روح العلم وخشية الله وليشرق بخوف الرب ولا يحاكم كما ترى عيناه ولا يبكت كما تسمع أذناه . ولكن يقضى بالحق للمساكين ويوبخ أشرار الأرض بالعدل ويضرب الأرض بروح فيه ويميت المنافقين بروح شفتيه ويكون البر شدا لظهره والإيمان شداد حقويه حينئذ يسكن الخروف مع الذئب ويربض النمر مع الجدى ويرتع العجل مع شبل الليث جميعا ويرعاها صبى صغير . ويرتع الدب والبقر جميعا تريض أولادهما جميعا ويأكل الأسد التين مثل الثور . وبلعب الطفل بابن فترة والفطيم يدخل يده في حجر الأفعى . لا يفسدون ولا يسوؤون في جبل قدسى . لأن الأرض تمتلئ من معرفة الرب مثل الماء الذي يغشى البحر »، فالعصا والقضيب يشير بهما إلى المسيح سيدنا من حيث ناسوته ، لأنه من قبل أمه العذراء من صلب یسی أبي داود وأصله . والأرواح السبعة التي تحل عليه من حيث ناسوته أيضا ، أولها : الروح القدس الذي أطلق عليه هنا روح الله ، فإن يوحنا المعمدان يقول إن الروح يحل ويثبت عليه . أما الستة الأخرى : فهي الحكمة والفهم والتدبير والجبروت والعلم وخوف الله ، التي هي مبدأ الحكمة ورأسها كما قال داود النبی . وبهذه الملكات صدرت عنه تلك الأفعال المعجبة في ظهوره الأول ، وتظهر عليه هذه الملكات في ظهوره الثاني لعظمة مجده. ویرید بإشراقه ظهوره بمجده في هذه الألف سنة . وكونه يشرق بخوف الرب ، أي بالحق والعدل ، لا بالبهتان والجور كما يظهر الدجال . وأما كونه لا يحاكم كما ترى عيناه ولا يبكت كما أذناه فإشارة إلى أنه يدين بحسب السرائر المضنرة وسجايا النفوس لا بالظاهر المخالف للباطن . وأما توبيخه الأشرار بالعدل فعلى ظاهره . وأما ضربه الأرض بروح فيه وإماتته المنافقين بروح شفتيه فذلك ما يفعله بالدجال وشيعته الضالة والظهر والحقو هما محل قوة البدن لأنهما كالعارضة التي تبنى عليها السفينة وشدهما في العرف بالمنطقة تقوية لهما ، وهو من رسوم الملوك ، وأن يمنطق غيرهم فهو يشير ههنا إلى أن تقوية ملكه بالحق الذي هو الإيمان والبر الذي هو الخير . وأما سكن الخروف مع الذئب وربض النمر مع الجدى وما يتلر ذلك ، فلاشتباهه ، صار المفسرين له فرقا.
فرقة من علماء اليهود : أولت هذه الوحوش بأمم أخلاقها كأخلاق هذه الوحوش ، لكن ذهبت إلى أن هذه النبوة تمت في الخمس عشرة سنة التي وهبها الله لحزقيال الملك زيادة على عمره ، فإنها كانت بغير حرب ، ، وكانت أرض القدس وما والاها هادئة من شرور وفتن الأمم التي حولها والعدل الذي هو الحق سائدا في ملكه تلك المدة .
وفرقة من معتبريهم : حملت هذه على ظاهرها ، ولكنها تتم في أيام المسيح المنتظر الذي هو على رأيهم ملك من البشر يقيم دولة دنيوية يعيد بها دولة بني إسرائيل
وفوقة من علماء النصرانية بالمشرق : أولت ذلك كما أوله علماء اليهود ، لكن النبوة تمت في مجىء سيد الكل الأول عند بدء الدعوة المسيحية كما قال ذلك الشيخ أبو عيسى بن زرعة في مقالته لفنحاس ، وكذلك ما قاله القس أبو الفرج ابن الطيب النسطوريفي فردوس البيعة، لكن هذه النبوة عنده إنما تمت في أيام حزقيال الملك قبل التجسد.
أما الفرقة الأولى والثالثة فتتفقان عن القول : « ويأكل الأسد التبن مثل الثور »
وأما الفرقة الثانية المنتظرة الدولة الإسرائيلية ، فتقف عند قوله : «لأن الأرض تمتلئ من معرفة الرب مثل الماء الذي يغشى البحر» . فإن الإيمان إذا عم ، فليس لبني إسرائيل ميزة على غيرهم في ذلك ولا سلطة وإذن ، بطلت آراء الفرق الثلاث ، وطابقت هذه النبوة لما يكون في وليمة الألف سنة ، وتعين أن يكون ما نصه النبي من أحوال الوحوش والأطفال على ظاهره.
وما ذلك ببدع ولا بمستنكر ، فإن الأحوال كانت على هذه الصورة منذ بدء الخلق إلى الطوفان لا يكسر وحش ولا جارح ولا تأكل السباع ولا الطير ولا الهوام لحما ولا غيرها بل الثمار والنبات ، وعلى هذه السنة اجتمعت في سفينة نوح.
وأما ابن فترة فنوع من الحيات يثب في الهواء مارا كالسهم وهو ردی، جدا.
وأما قوله عن العجل والشبل : « ويرعاها صبي صغير» ، وقوله : « وبلعب الطفل بابن فترة» ، وقول : « والفطيم يدخل يده في حجر الأفعى» ، فقد دلنا بذلك على أن في هذه الألف سنة أطفال ومشائخ ورعاة ، ويلزم أن يكون فيها حرث ونسل وتصرف دنيوى . ويظهر من ذلك أن هؤلاء غير من بعث من الأبرار وتبدل من أحيائهم ولبس جسد البقاء ، قطعا لكون الأحوال غير الأحوال . وهذا مما يجب أن تضيفه إلى علمك حتى يحق الكلام عليه من بعد.
وقال هذا النبي أيضا في ذلك : « ويسمع الصم في ذلك اليوم كلام الكتاب وتبصر أعين العميان في الظلمة والسجاف ويزداد المتواضعون فرحا بالرب والمساكين بقدوس إسرائيل يطربون لأن الذي يطأ قد جاز وهلك المستهزىء وباد جميع الذين يهيجون الإثم ويخطئون الناس بالكلام ويضعون عثرة للذي يبكتهم وينصبون فخا للبار في الظلمة».
ثم قال : « ويكون حينئذ على كل جبل مرتفع وأكمة عالية تجرى جداول الماء يوم القتل العظيم وهدم البروج ويكون نور القمر مثل نور الشمس ونور الشمس سبعة أضعاف مثل نور سبعة أيام في اليوم الذي يضمد الرب انكسار شعبه ويشفى وجع ضربتهم» .
أما سماع الصم ونظر العمى فيحتمل وجهين أحدهما : أن يكون على ظاهره ، وهو أن الذين يبعثون ويتبدلون إن كان فيهم صم أو عمى أو غير ذلك فإنه يزول ، وكذلك الذين يبقون أحياء حينئذ ولم يتبدلوا ، تزول أدواؤهم وأمراضهم لتعم الصحة والبهجة . والآخر : أن تكون الإشارة به إلى الطاعة وعدم المعصية في هذه المدة . لأن هذا النبي يصف العصاة في مكان آخر بما يقابل هذا المعنى ويقول : «نظرا ينظرون ولا ينظرون وسماعا يسمعون ولا يسمعون لقد غلظ قلب هذا الشعب»
ويريد بقدوس إسرائيل إله إسرائيل.
وأما ما ذكره من هلاك من هلك وإبادة من باد من المستهزئين والمخطئين والمغترين وناصبي الفخاخ للأبرار ، فإشارة إلى الدجال وآله الذين هلكوا يوم القتل العظيم ، وخربت مدائنهم وحصونهم ، وهذا معنى قوله : «يوم القتل العظيم وهدم البروج »
وأما كون نور القمر كنور الشمس ، وكون الشمس نورها سبعة أضعاف مثل نور سبعة أيام ، ففيه نظر ، وذلك أن تغيير النيرين قد يعتبر بالنسبة إليهما في نفسهما أو في حالتهما : إما بأن يعظم جرماهما ، أو يزيد النور المودع فيهما ، أو بأن يجتمع ذلك وقد يعتبر بالإضافة إلى الناظر إليهما فإن الضعيف النظر إذا صح ، والصحيح النظر إذا قوى نظره ، رأى أكثر وأقوى مما كان يرى ، ورأى ما لم يكن يراه أولا من الأشياء الخفية الدقيقة لزوال العوائق والآفات ولقوة الحاسة . وليس ذلك لتغيير المدرك المحسوس ، بل لتغير المدرك الحاس . فهل يحمل قول النبي حينئذ على الاعتبار الأول أو الثاني ؟
ذهب جمهور علماء اليهود والنصرانية إلى الحمل على الاعتبار الثاني وهو تغير المدرك الحاس ، وذلك أن موسى بن ميمون رئيس شيعة الربانيين قد تكلم على هذا في الفصل الحادي والثلاثين من الجزء الثاني من كتابه المعروف بدلائل الحائرين . وذكر مواضع من الأنبياء كهذا ، وأورد آراء مشايخ لهم يذهبون إلى ذلك – ولا نطيل بذكرهم – فإن الحاصل من ذلك أن المتغير هو البصر الحاس لا النيران . وذكر أن النبي أشار بقوله : «مثل نور سبعة أيام» إلى بهجة أيام سليمان الملك عند إكماله بناء البيت وكسوته ورتبته ورفع الصلوات والقرابين والضحايا فيه ، والسكون الذي كان في أيامه . وقال ابن ميمون هذا أيضا إنها تجوز أن تكون في أيام المنتظر ، وهو الصواب.
وإلى تغير المدرك الحاس ، ذهب القس أبو الفرج ابن الطيب أيضا في كتابه المعروف بـ «فردوس البيعة» عند تفسيره نبوة أشعياء ، فإنه قال : « وكون نور القمر كنور الشمس دليل الرخاء – كما أن الإنسان في الشدة يرى المضيء مظلما هكذا في الرخاء يرى المضىء أكثر ضياء »
وذهب القس الفاضل الأنبا بطرس السدمنتی إلى جواز الاعتبار الثاني ، وهو تغير النيرين، واستدل على ذلك بوجهين، أحدهما : لاستناده إلى ما احتمله ظاهر القول النبوى والثاني : أن إدراكات الأبرار لتبدلها تكون أقوى فتحتاج إلى نور أقوى ، والدليلان مدحولان. أما الأول : فإنه مصادرة على المطلوب ، لأنه استدل على أولوية أحد الاحتمالين بالاستناد إلى احتمال القول لهما . وأما الثاني : فإن في نور النيرين كفاية لهذه المدركات وكذلك الأقوى منها من غير احتياج إلى زيادة نور فيهما . وكل من المدركين يدرك من نورهما بقدر قوته واحتياجه.
فالاعتبار المتقدم حينئذ أولى ، وهو تغير المدرك الحاس ، لأن تبديله وقوته متيقنة . وأما تغير النيرين فلا دليل لترجيحه والتضعيف سبعة لسبعة أسباب : لجوهر الأجسام وصفائها ولطاقتها وتروحنها وعدم الخوف والهم والغم . فكلما ارتفع مانع حدث إدراك ، وكلما زاد سبب حدث إدراك آخر.
ثم قال أيضا هذا النبي في آواخر نبوته مخاطبا اليهود عن الله تعالى : « وتصير أسماؤكم لعنة لأصفيائي ويبيدكم الله الرب ويدعو عبيده باسم آخر والذي يتبارك بالأرض يتبارك بالله ويقول آمين . والذي يحلف بالأرض يحلف بالله حقا من أجل أن العتيقة القديمة تنسى قدامي . لأني أنا خالق سماء جديدة وأرضا جديدة ولا تذكرون الأمور القديمة ولا تخطر على القلب بل يفرحون ويجزلون بما أخلق لهم إلى دهر الداهرين لأني خالق لأورشليم فرحا . وأسر بها وبإسرائيل وأبهج وأجزل بشعبي . ولا يسمع فيها رنين البكاء أيضا . ومن الآن لا يكون هناك صبي قليل الأيام ولا شيخ لم تكمل أيامه أجل أن الصبى يموت ابن مائة سنة . والذي يخطىء لا يلعن إلا بعد مائة سنة ويبنون البيوت ويسكنونها وينصبون كروما ويأكلون ثمرتها ولا يبنون بيوتا ويسكنها غيرهم ولا ينصبون كروما ويأكلها سواهم من أجل أن أيام شعبي مثل أيام الشجر وعمل أيديهم يأكلون ولا يتعب أصفيائي بالباطل ولا يتوالدون للعن أن نسلهم باركه الرب هم وبنيهم معهم . قبل أن يدعوني أستجيب لهم وقبل أن يتكلموا أسمع منهم . ويرعى الذئب والحمل في مكان واحد والأسد يعتلف التين مثل الثور ويكون طعام الحية التراب ولا يسيئون ولا يفسدون في جبل قدسی»
أما أصفياؤه فهم المؤمنون بسيدنا المسيح : الأبرار من اليهود ومن سائر الشعوب ، والذين تصير أسماؤهم لعنة الذين لم يؤمنوا ، وإبادة الله لهم قطعهم بجلوة طيطوس بن أسباسيانوس قيصر الأخير ، وعبيده الذين يدعوهم باسم آخر هم النصارى.
وأما قوله : «الذي يتبارك بالأرض يتبارك بالله ويقول آمين» ، يصف شرف الأرض ، أي كأنه عندما يتبارك بها يتبارك بالله تعالى ، فيكون جهة التشبيه والإكرام والتعظيم
قوله : «والذي يحلف بالأرض يحلف بالله حقا » ، أي يتحرى الصدق ويراقب الخلف كما يراقب إذا حلف الله تعالى لكرامة الأرض وشرفها وطهارتها من اللعنة الأولى.
والسماء والأرض الجديدتان اللتان يخلقهما ، إن كان المراد بذلك الظاهر ، فالإشارة به إلى تجديدهما في القيامة العامة . وإن كان المراد التأويل ، وهو الأقرب ، فالإشارة إلى ما فسر ذلك به على الاتصال ، وهو أن يخلق لأورشليم فرحا ، وبهذا يدل على أن مدينة أخرى تبنى غير التي يكون فيها الدجال وتخرب عند هلاكه ، وتسمى أورشليم هي أيضا ، بدليل قوله بعد ذلك : « ولا يتوالدون للعن» ، أي للموت.
وأما قوله : « وأسر بها وبإسرائيل وأبهج وأجزل بشعبى» ، فالهاء في بها عائدة على المجددة وإسرائيل هم المؤمنون بالمسيح منهم. وشعبه هم المؤمنون به من بقية الشعوب.
قوله : «ولا يسمع فيها رنين البكاء أيضا » ، أي لا يسمع في المدينة التي قبلها .
قوله : «لا يكون هناك صبي قليل الأيام ولا شيخ لم تكمل أيامه » يريد : بل تبلغ الأعمار إلى مائة سنة ، وهذا دليل ثالث على وجود الطائفة المتقدمة الذكر.
وأما قوله : « والذي يخطىء لا يلعن إلا بعد مائة سنة» ، كأنه يشير باللعن هنا إلى الموت الطبيعي . وقوله بعد ذلك : « من أجل أن أيام شعبي مثل أيام الشجر» ، أي يكونون طويلي الأعمار .
قوله : « وعمل أيديهم يأكلون» ، دليل رابع على وجود الطائفة المذكورة وتغرس وتأكل كدها وتعمر وتموت بعد المائة سنة.
وجميل سؤالهم تكلمنا عنه في النبوة المتقدمة .
قوله : «ولا يتعب أصفيائي بالباطل » ، يريد في لهو الدنيا وغرورها فيما يفسد عاجلا وأجلا . والسماع منهم والاستجابة لهم لحسن طاعتهم وجميل سؤالهم.
ورعى الذئب والحمل وأكل الأسد التبن والحية التراب قد تكلمنا عنه في النبوة المتقدمة .
واليهود مجمعون على أن هذه النبوة عن مجيء المسيح المنتظر .
والقس ابن الطيب يذهب إلى أنها نبوة على حال اليهود بعد رجوعهم من سبى بابل ، وهو ظاهر البطلان ، لأنها لم تتم في ذلك الحين.
وثالثهم داود النبي ، حيث قال في المزمور الثاني نبوة على سيد الكل له المجد : «الرب قال لي أنت ابني . أنا اليوم ولدتك سلني فأعطيك الشعوب ميراثك وسلطانك على أقصى الأرض لترعاهم بقضيب من حديد ومثل آنية الفخار تسحقهم »
ولفظ هذه النبوة عينه قد ورد في رؤيا الرسول يوحنا في وليمة الألف سنة ، فلا نحتاج إلى تفسير ولا تقرير بعد الكلام هناك فيها.
ورابعهم بطرس الرسول ، فإنه كشف عن ذلك في رسالته الأولى إلى مؤمنى العبرانيين ، فقال لهم عن سيد الكل : «إنه سوف يتمجد وتأخذون منه كمال أمانتكم خلاص أنفسكم لأن من أجل هذا الخلاص طلب الأنبياء وبحث الذين تنبأوا عن النعمة التي صارت فيكم وبحث عن الزمان الذي تكلم فيه روح المسيح إذ قد سبق أن شهد عن أوجاع المسيح وعن النعمة والخيرات الآتية بعد أوجاعه التي كشف الأنبياء أنها لا تعمل لهم وكانوا يخدمونكم أنتم بها الرسل وهي الآن التي أخبركم بها المبشرون لكم بروح القدس من السماء وبالنعم والخيرات التي تشتهى الملائكة أن تراها » ، والمجد لله دائما
* ( إلى هنا آخر ما وجد من أقوال ابن كاتب قيصر تفسيرا للرؤيا ) *
رؤ20: 7-10
108- (7) وإذا كملت الألف سنة يحل الشيطان من سجنه ليضل المسكونة ويجمع جوج وماجوج من زوايا الأرض الأربع إلى القتال الذين عددهم مثل رمل البحر (8) فطلعوا على ساحة الأرض وأحدقوا بمعسكر القديسين وبالمدينة المحبوبة (9) فنزلت نار من السماء ء من قبل الله وأكلتهم (10) وإبليس الذي كان يضلهم طرح في بحيرة النار والكبريت حيث الوحش والنبي الكذاب يتعذبون نهارا وليلا إلى أبد الآبدين.
تفسير هذه الأعداد من 7 إلى آخر هذا الإصحاح مقتبس من كتابي «العنوان العجيب» و «كفاية اللبيب » ، لأننا لم نجده لابن كاتب قيصر ولا لبولس البوشي
قوله : «وإذا كملت الألف سنة يحل الشيطان من سجنه» ، إن كمال الألف سنة يكون في عهد الدجال
قوله : «ليضل المسكونة » أي أنه يخرج من الجحيم ليضل جميع الساكنين على الأرض
قوله : «ويجمع جوج وماجوج من زوايا الأرض الأربع إلى القتال الذين عددهم مثل رمل البحر» ، جوج وماجوج آسمان عبرانیان معناهما جمع وكبرياء ، وقيل إنهما يوجدان في نواحي بلاد التتر ، ولهما ملك يظن إنه أحد الملوك العشرة السالف ذكرهم . وذكرهم حزقيال النبي بقوله : « يا ابن آدم اجعل وجهك على جوج أرض ماجوج رئيس روش ماشك وتوبال »
قوله : « فطلعوا على ساحة الأرض وأحدقوا بمعسكر القديسين » ، يريد بالقديسين الذين هربوا من وجه الدجال في البراري والسهول
قوله : « وبالمدينة المحبوبة» ، قال بعضهم إنها بيت المقدس حيث يكثر اجتماع المؤمنين لسماع وعظ إيليا وأخنوخ . وقال غيرهم إنها كنيسة المسيح
قوله : « فنزلت نار من السماء من قبل الله وأكلتهم» ، أي أن جوج وماجوج وجيش الدجال كله يحرق بنار سماوية.
قوله : « وإبليس الذي كان يضلهم طرح في بحيرة النار والكبريت حيث الوحش والنبي الكذاب يتعذبون نهارا وليلا إلى أبد الآبدين» ، هذا القول على ظاهره ، أي أنه بعد موت الدجال وانقراض جيشه ، يلقى الشيطان في جهنم وقال بعضهم إنه ربما الأرجح أن الشيطان يلقى في جهنم مع الدجال ليعطى الرب الكنيسة سلاما بعد اضطهاد الدجال لها
رؤ20: 11-15
109- (11) ورأيت كرسيا أبيض عظيما والجالس عليه هو الذي هربت من وجهه السماء والأرض ولم يوجد لهما موضع .
قوله : « ورأيت كرسيا أبيض عظيما » ، يريد بالكرسي العرض المبجل ووصف بالبياض الذي هو شعار القداسة
قوله : «والجالس عليه» ، الجالس هو السيد المسيح له المجد ديان الجميع
قوله : « هو الذي هربت من وجهه السماء والأرض ولم يوجد لهما موضع » ، أي أن عدل المسيح الديان لا يدع مجالا لشفاعة القديسين سكان السماء ، ولا لرحمة سكان الأرض.
110- (12) ورأيت الأموات الكبار والصغار قيام أمام الكرسي وفتحت المصاحف وفتح مصحف آخر الذي هو سفر الحياة ودين الأموات بما هو مكتوب في المصاحف كأعمالهم
قوله : « ورأيت الأموات» ، أي الذين بعثوا من رقاد الموت ومثلوا أمام العرش
قوله : «الكبار والصغار قيام أمام الكرسي » يريد بالكبار الأبرار وبالصغار الخطاة
قوله : « وفتحت المصاحف وفتح مصحف آخر الذي هو سفر الحياة» ، أي انكشفت أعمال الخطاة والصالحين ، بدليل قوله : «ودين الأموات بما هو مكتوب في المصاحف وأعمالهم» .
111- (13) والبحر أخرج الموتى الذين فيه وسلم العمق والجحيم الموتى الذين فيهما ودين كل واحد كأعماله .
قوله : « والبحر أخرج الموتى الذين فيه» ، أي الذين غرقوا وأكلتهم الحيتان وغيرها . «وسلم العمق» ، أي الأجساد التي دفنت في الأرض « والجحيم» أي الذين أحرقوا بالنار . فكأن تقدير القول أن العناصر ترجع أجزاء الجسم كل فيما يخصه إلى حالتها قبل الموت وذلك بقدرة الله الذي أوجدها من العدم ، حتى إذا تركبت الأجسام ، تتحد بنفوسها بأمر الله ، ثم تمثل لسماع الحكم عليها إن خيرا أو شرا ، كما يقول بعد ذلك : «ودين كل واحد كأعماله»
112- (14) وطرح الموت والجحيم في بحيرة النار هذا هو الموت الثاني
طرح الموت والجحيم ، لا ليتعذبا ، بل ليعذبا الخطاة الذين أتوا أعمالا تستحق العذاب الدائم
113- (15) ومن لم يوجد مكتوبا في سفر الحياة طرح في بحيرة النار
وهم الذين لم يكتبوا في سفر الحياة بسبب كفرهم ، فإنهم سيطرحون في النار الخارجية
- سبق أن قلنا أن ابن كاتب قيصر قد اختلف مع بعض العلماء في تفسيره لبعض آيات سابقة ، شأنه ذلك شأن المفسرين الذين يبدون آراءهم الشخصية وهنا نجده يختلف أيضا مع غيره في نقطتين هامتين : الألف سنة والقيامة الأولى
وقبل إبداء الرأى الصائب عن هاتين المسألتين نقول إنه ليس هو وحده الذي انفرد بهذا الرأي ، بل قد سبقه إلى ذلك كثير من العلماء ، منهم القديسان إيريناوس وترتليانوس وكذلك لكتنيوس وبقطرينوس الشهيد وأبوليناريوس وتيباريوس ويوستينوس الشهيد والقديس أغسطينوس ؛ إلا أن هذا الأخير قد رجع عن رأيه وتاب عنه (العنوان العجيب ، ص ٤٨٧) وخلاصة رأيهم هذا ، كما يرى ابن كاتب قیصر أن الأبرار والقديسين يقومون من بين الأموات ويملكون مع المسيح على الأرض ألف سنة ، ويكون الشيطان في هذا الملك معتقلا عنهم
وهناك بدعة أخرى يقول بها علامة الكاثوليك ألفونسيوس ، وهي أن هذه الألف سنة تبتدىء من يوم النشور (القيامة) . والقس يوسف الحلبي يقول عنها إنها تفسير ملفق سمج لأن هذه الألف سنة لا تعقب يوم النشور والقيامة وسعادة القديسين ، بل تسبق ذلك كله (العنوان العجيب ، ص ٤٨٩) .
بعد هذا ، نورد الرأى الصحيح عن المسألتين السابقتين :
أولا – الألف سنة :
ذهب أغلب العلماء والقديسين إلى أن مدة الألف سنة تبتدىء من آلام المسيح إلى يوم النشور – منهم غريغوريوس الكبير وأغسطينوس وبريماوس وغيرهم ، فقالوا إن السيد المسيح وهو على الصليب خلع الشيطان من سلطانه على البشر ، بدليل قوله تعالى : «الآن رئيس هذا العالم يلقى خارجا » . وأما في أيام الدجال فينحل ويعود إلى ما كان عليه من القوة والسلطان اللذين يعطيهما الشيطان إلى الدجال فالمسيح إذن وهو على الصليب نفى الشيطان الكبير ، أي الحية القديمة ، ويريد به زعيم الشياطين ، إلى جهنم ، حقيقة على ظاهرها ، وهناك اعتقله لكي لا يتمكن من الخروج من هناك ويأسو إلى البشر حتى الدجال ، فحينئذ ينحل ويخرج من هناك (العنوان العجيب ، ص ٤٨٦)
وقد قال أنثيموس بطريرك أورشليم في تفسيره الألف سنة ما يأتي : «أما الألف سنة فلا تدل هنا على عشر مئات ، بل على كمال العدد وعلى تمام جميع عقود الأعداد : الآحاد والعشرات والمئات ، أي على كل زمان الكرازة الإنجيلية وتمام كمية المؤمنين . وبعد انقضاء هذه المدة التي لا يعلمها إلا الله وحده ، يأتى المسيح الدجال ويملك مدة يسيرة كما ذكر في سفر نبوة دانيال النبي (ص ۱۲) زمانا وزمانين ونصف زمان ، أي سنة وسنتين ونصف سنة ، أي ثلاث سنوات ونصف « ولو لم تقصر تلك الأيام لم يخلص جسد ، ولك لأجل المختارين تقصر تلك الأيام» (مت24: 32) كما سبق الرب فقال (كفاية اللبيب ، ص 142).
أما وقد أوردنا آراء العلماء الصريحة بأن هذه الألف سنة تبتدىء ، بآلام السيد هذا ، ومن المسيح وتنتهى بيوم النشور ، فإننا هنا ندعمها بالأقوال الإلهية والرسولية :
فقد قال السيد المسيح له المجد : «فإن ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته وحينئذ يجازي كل واحد حسب عمله» (مت16: 17) يتضح أن المجازاة واحدة وليست لفريق دون الآخر
وقال أيضا : «فإنه تأتي ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة والذين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة » (يو5: 28) ، وهذا دليل بين على أن الدينونة واحدة للأشرار ، كما أن المجازاة بالحياة الأبدية السعيدة واحدة للأبرار . وفي ذلك يقول بولس الرسول : «عمل كل واحد سيصير ظاهرا لأن اليوم يوم النشور) سیبینه» (1کو3: 13) ، وقال أيضا عن صديقه أنيسوفورس : لبعطه الرب أن يجد رحمة الرب في ذلك اليوم» (2تی1: 8) ، ويقصد بذلك اليوم يوم النشور.
ثانيا – القيامة الأولى :
والكلام عن هذه المسألة مرتبط بالمسألة السابقة ، حيث يقول ابن كاتب قيصر ، ومن يوافقه من العلماء ، إن القيامة الأولى هي مدة الألف سنة التي يعيشها الأبرار مع المسيح على الأرض ، وهذا الرأي خطأ محض ، لأن الأقوال الإلهية الرسولية وآراء أغلب العلماء الموثوق بأقوالهم تبرهن على أن القيامة واحدة . أما القيامة الأولى التي ذكرها يوحنا الرائي ، فقد أجمعت الآراء الصادقة على أنها قيامة روحية ، تشمل الذين هم عائشون على الأرض في قداسة وبرارة وطهارة . في ذلك يقول الأنبا جميع بولس البوشي مطران مصر أقوالا ذهبية مؤيدة بأدلة صادقة صحيحة ، منها : «إن الله قال لأبينا آدم : في اليوم الذي تأكل من عود المعصية [أي شجرة معرفة الخير والشر موتا تموت . وأكل آدم ولم يمت ذلك اليوم ، بل بعد تسعمائة وثلاثين سنة أن قصد الله هو الموت المعقول (أي الموت الأدبي والروحي) لا الموت يتضح المحسوس وعليه يكون سلوك الإنسان وهو في هذه الحياة الدنيا في طريق وصايا الله وتجنب نواهيه ، فإنه يصبح هيكلا لحلول روح قدسه ، وبذلك يكون قد قام هذا الإنسان من موت الخطية إلى حياة البر ، وهذه هي القيامة الأولى » وقال القديس أغسطينوس : «إن القيامة الأولى هي قيامة النفس من الخطبة بواسطة النعمة ، والقيامة الثانية هي القيامة من بين الأموات » إذن يكون الموت الأول هو مفارقة نفس الإنسان لجسده والموت الثاني هو الخلود في النار الأبدية ؛ والقيامة الأولى هي قيامة النفس من الخطية واتصالها بخالقها بسيرها في نواميسه ووصاياه وهي في هذه الحياة ، والقيامة الثانية هي التي ستكون في يوم النشور ، أي عند المجيء الثاني للسيد المسيح.
وقد أيد هذه الحقيقة السيد المسيح له المجد بقوله لمرثا : « أنا هو القيامة والحياة من آمن بي ولو مات فسيحيا وكل من كان حيا وآمن بي فلن يموت إلى الأبد» (يو25: 11). إذن ، فالمؤمن بالسيد المسيح ، السالك بالكمال ، لن يرى الموت الثاني الذي هو هلاك النفس والجسد في جهنم . وأما الموت الطبيعي فلن يفلت منه أحد قط يقول القديس بولس الرسول : « ونحن أموات بالخطايا أحيانا مع المسيح بالنعمة أنتم مخلصون وأقامنا معه في السموات» (أف2: 5 و 6) ، وقال أيضا : «قد متم وحياتكم مستترة مع المسيح في الله . متى أظهر المسيح حياتنا فحينئذ تظهرون أنتم أيضا معه في المجد» (کو3: 3 و4).
تفسير رؤيا 19 | تفسير سفر الرؤيا | تفسير العهد الجديد | تفسير رؤيا 21 |
ابن كاتب قيصر | |||
تفاسير سفر الرؤيا | تفاسير العهد الجديد |