تفسير سفر الرؤيا اصحاح 21 لابن كاتب قيصر

الإصحاح الحادى والعشرون

 

114- (1) ورأيت سماء جديدة وأرضا جديدة لأن السماء الأولى والأرض الأولى قد زالتا والبحر لم يوجد.

 التفسير من أول هذا الإصحاح إلى آخر سفر الرؤيا هو للأنبا بولس البوشي مطران مصر.

قال يوحنا الرائي : « ورأيت سماء جديدة وأرضا جديدة لأن السماء الأولى والأرض الأولى قد زالتا والبحر لم يوجد »

وقد قال الرب : «طوبى للودعاء فإنهم يرثون الأرض» ، وقال أيضا « السماء والأرض تزولان» وذلك عند هجوع الخلايق يوم السبت يكون زوالهم إلى الليل المقبل . ثم يقومون سحرا ، وهو وقت قيامة الرب له المجد من بين الأموت سحر جدا يوم الأحد.

وعند زوالهم ، تذهب هذه الأنوار المحسوسة ، الشمس واقمر والنجوم ، كما يقول الرب : الشمس تظلم والقمر لا يعطى ضوءه والكواكب تتساقط من السماء»، فإذا ذهب هؤلاء ، حينئذ النور الغير محسوس المشرق على القوات الروحانية يتصل إلى الأرض الجديدة . ذلك الذي لا يناله بعد ليل ولا ظلمة ، لتعلم الخليقة أن لها ابتداء ثم بعد ذلك يكون لها انتهاء.

فأما الدهر العتيد فليس له انتهاء ، بل ملك مع الله إلى الأبد ، وهكذا يكون نور دائم.

فإذا اتصل ذلك النور بالأرض الجديدة ، حينئذ يضرب بوق الله من السماء ، وتضطرب أساسات الأرض عند ذهابها ، ويصرخ رئيس الملائكة في البوق الأخير بقوة عظيمة كما يقول بولس الرسول، ويأمر الرب وتموج الأرض كمثل البحر الأعظم إذا اشتدت به قوة الرياح ، حينئذ يسمع الأموات صوت ابن الله ، ويأمر أن يقوموا أحياء ، لأن الكلمة الذي خلقهم أولا من لا شيء ، هو الكلمة الذي يبعثهم من ترابهم ويقيمهم أحياء ، كما يقول السيد له المجد : «فإنه تأتي ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته ، فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة ، والذين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة»

وقد بين ذلك القديس باسيليوس ، فقال : انظر أيها الإنسان إلى قوة وسرعة اقتداره وكيف يقيم الأموات بصوته وكلمته ، الخالق بها الأشياء منذ الأبد . فإذا انذهلت متعجبا من ذلك ، فقد جعل عندك ههنا أمرا مستعملا دائما يظهر لك هذا النوع.

تأمل البحر المالح وكيف أن جميع الأنهار الحلوة التي في أقصى الدنيا مع الينابيع تصب فيه ليلا ونهارا ، وهو لا يزداد ولا يتغير طعمه المالح . ولم ذلك ؟ لأنه يصعدها منه بخارا ، فتصير ماء حلوا طيبا ، ويوزع ذلك على كل الدنيا ، فيروي الجبال الشامخة من علاليها كما يقول داود النبي. فلو لم تجذب إليه الأنهار دائما لكانت تفرغ رطوبته ويعود علقما.

فتأمل كيف مزج ماء الأنهار الحلوة والينابيع الطيبة مع البحر المالح ، ثم أصعدها إلى الجو خارجا عن طباعها ، لأن المياه تطلب الأسفل ، فأصعدها أبخرة خفيفة ، وعقدها في الجو سحبا ، وفرقها في الأماكن البعيدة على رؤوس الجبال الشاهقة ، وأروى بها المواضع التي لا تقدر الأنهار أن تبلغ إليها لعلوها ، ثم حسنها وأرقها وحلاها أكثر من مياه الأنهار والينابيع.

وهكذا تصنع قوته وقدرته الإلهية في قيامة الأموات ، يجمع أجسادهم من أقاصى الأرض ، ومن التراب الذي قد اختلط بها ، ويقيمها بلا فساد أفضل مما كانت أولا ، كما يقول بولس الرسول : « يزرع في هوان ويقام في مجد . يزرع في ضعف ويقام في قوة . يزرع جسما حيوانيا ويقام جسما روحانيا »، وهذا حال أولياء الله ، فأما الخطاة والغير مؤمنين فبالضد من ذلك ، لأن الله كما يتمجد في أصفيائه ، كذلك الشيطان يخزى هو وأصدقاؤه والعلملون هواه . وكما يقوم هؤلاء بالمجد ، كذلك يقوم أولئك بالخزى.

فخف الآن أيها الإنسان ، واحذر من حكم الله المرهوب ، وتأمل قول الرب أن الأموات يسمعون صوته ويقومون ؛ ولم يسكت بعد ذلك ، بل قال : «الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة ، والذين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة» .

115- (2) وأنا يوحنا رأيت أورشليم المدينة المقدسة الجديدة منحدرة من السماء من عند الله مهيأة كمثل عروس قد تهيأت لزوجها

يا لهذه الكرامة الجليلة التي للملكوت ، أرض الميعاد الأبدي ، التي سماها أورشليم ، لأن تلك سميت أرض ميعاد أرضى ، ثم نزعت من أولئك وملكوها الأمم ، فكانت الإشارة إلى أرض الميعاد التي لا تنزع من مالكها إلى الأبد ، هذه التي وعد بها الله كافة قديسيه كمثل عروس ، أعنى خدر ملوکی لا زوال له

116- (3) وسمعت صوتا من السماء قائلا هذه مظلة الله وموضع مسكنه يكون مع الناس ويكونون له شعبا وهو يكون لهم إلها .

انظر كيف سمی أرض الميعاد الأبدى مظلة الله ، وأنه يسكن مع أصفيائه ، وهو نورهم وعزاؤهم ، لأنه قال بعد ذلك :

117- (4) ويمسح الله كل دمعة من عيونهم .

أعنى فرحهم عوضا عن الرزايا التي نالتهم ، والحزن الذي نالهم زمان حياتهم اليسيرة إذا قيست مع هذه الحياة السرمدية المؤبدة . ثم قال بعد ذلك :

(بقية عدد ٤) ولا يكون نوح ولا صراخ ولا تعب منذ الآن لأن ما كان قديما قد مضى .

أعنى بهذا الفرح الذي لا يناله حزن ، والنياح الذي لا يلحقه شقاء

118- (5) وقال الجالس على الكرسى هوذا أنا أخلق كل شيء جديدا وقال لي اكتب فإن هذه الأقوال حق وصدق (6) وقال لي أنا الـΑ والـ ω  الأول والآخر أنا أعطى العطشان من ينبوع ماء الحياة مجانا

.

وحقا إنه ينبوع الحياة الذي يشرب منه كل من كان عطشانا ، وليس ذلك فقط ، بل إنه يهبه نعمة البنوة ، لقوله :

119- (7) من يغلب يرث هذه وأنا أكون له إلها وهو يكون لي ابنا .

ثم لم يسكت عن الخطاة والغير مؤمنين ، فقال :

120- (8) فأما الكفرة وضعيفو القلوب والأنجاس والزناة والسحرة وعبدة الأوثان وكل الجاحدين

بعد أن ذكر هنا أنواع الكفر وأصناف الخطايا ، قال :

(بقية عدد 8) يكون نصيبهم البحيرة المتقدة بالنار والكبريت هذا هو الموت الثاني

أعنى أنهم يبعدون من حضرة الله الحي ومن كافة قديسيه ، فيموتون مع إبليس وجنوده موتا مؤبدا بعد الموت المحسوس الطبيعي ، وهو الموت الثاني

121- (9) وجاءني واحد من الملائكة السبعة الذين معهم الجامات السبعة المملوءة من الضربات السبع الأخيرة وكلمني قائلا هلم فأريك العروس امرأة الحمل (10) وذهب بي بالروح إلى جبل عال وأراني المدينة المقدسة أورشليم نازلة من السماء من عند الله (11) لها مجد الله وضوءها يشبه نور حجر الجوهر الكريم كحجر الزبرجد البلوري .

هنا وصف لمجد مدينة الله ، وأن ضوءها كنور حجر الجوهر وكالذهب المصفى اللامع . وبحق أن مجد الملكوت أعظم من ذلك ، لأن الرائي لم يجد شيئا على الأرض أعلا الجوهر والذهب ، فماثله بها كما مثل متى الإنجيلي ضوء لباس الرب في التجلي كمثل الشمس، لأنه لم يوجد شيء في الطبيعة أفضل من الشمس حتى يماثله به.

 

 بل هو أفضل من ذلك أضعافا ، حتى أن مرقس الإنجيلي بين ذلك قائلا : «إنه لا يقدر شيء على الأرض أن يكون كبياض ذلك البهاء»

وقد قال بولس الرسول يصف مجد الملكوت : «ما لم تره عين ولم تسمع به أذن ولم يخطر على قلب بشر ما أعده الله لقديسيه ومحبيه »)

122- (12) ولها سور عظيم شاهق واثنا عشر بابا وعلى الأبواب اثنا عشر ملاكا وأسماء مكتوبة هي أسباط بني إسرائيل (13) إلى الشرق ثلاثة أبواب وإلى الشمال ثلاثة أبواب وإلى الجنوب ثلاثة أبواب وإلى الغرب ثلاثة أبواب (14) وسور المدينة مؤسس على اثنى عشر أساس مكتوب عليها أسماء رسل الحمل الاثنى عشر.

ذكر ارتفاع حصون المدينة وأن لها اثنى عشر بابا وأسماء أسباط بنى إسرائيل الاثني عشر مكتوبة عليها : أعنى أن الله اختار رسله أولا الاثنى عشر على عدد أسباط بنى إسرائيل ، وهم أبواب المدينة بالحقيقة ، لأنهم أرشدونا للطريق المفضية إلبها.

وقوله : «وسور المدينة مؤسس على اثنى عشر أساس» ، أعنى أيضا الرسل الأفاضل ، أسس الحق ، كما يقول بولس الرسول : «أنا الذي وضعت الأساس وآخر بنى عليه»

ثم قال : « مكتوب عليها أسماء رسل الحمل الاثني عشر» ، فحقق أنهم الأسس الثابتة المبنية على الصخرة التي لا تتزعزع ، المسيح الرب الحمل الذي بلا عيب ، الذي قدم ذاته عن الكل فطهرهم بدمه الكريم.

123- (15) وكان مع الذي يكلمني قصبة من الذهب ليقيس بها المدينة وأبوابها وسورها (16) والمدينة مربعة وطولها كعرضها فقاس المدينة بالقصبة فكانت اثنى عشر ألف غلوة وطولها وعرضها وسمكها سواء

هذه الساعة قد ذكرها بولس الرسول في رسالته إلى أهل أفسس ، قائلا : «لكي تستطيعوا أن تدركوا مع جميع الأطهار ما سمك هذا التدبير وغوره وطوله وعرضه »

فإن قلت لماذا بين يوحنا الرائي المساحة عددا ؟ فهذا دليل على أن ذيوع البشرى هو نتيجة كرازة الاثنى عشر رسول

بين ذلك بولس الرسول أيضا ، قائلا : «لستم غرباء ولا دخلاء ، بل أنتم مدينة الأطهار وأهل بيت الله ، وقد بنيتم على أساس الرسل والأنبياء وكان رأس البنيانيسوع المسيح» ، فقد أوضح الرسول أن الرسل هم أسس المدينة ويسوع المسيح هو رأس الزاوية ، لأن رأس الزاوية ماسك للحائطين كذلك الرب ماسك للشعبين اللذين آمنا : اليهود والأمم ، وصيرهما رعيةواحدة

أما مساواة مساحتها ، فهذا رمز على تساوى القديسين في المجد السمائي

فأما عن  عظم المدينة وبنيانها وجلالها ، فلم يسكت بولس الرسول عنها إذ يقول عن إبراهيم أبينا إنه : «ترك أرض مسكنه وجنسه وسكن في الغربة في الخيام مع اسحق ويعقوب ، لأنه كان يرجو المدينة التي لها الأساسات التي بانيها وصانعها الله » . فإذا كان الله هو الباني لتلك المدينة والمهندس لها فكم يكون جلال كرامتها وعظم اتساعها ؟ أقول إنها تزيد عن الوصف والحسن والبهاء لكونها سميت مدينة الله ، ومحل ميراثه ومسكنه مع أبراره

ولم يسكت الرسول عند ذلك ، بل قال بأن أولئك الآباء ، إبراهيم واسحق ويعقوب ، رأوا من بعد وفرحوا ، أعنى على الرجاء . قال : وأقروا إنهم غرباء ، وسكان الأرض والذين يقولون هذا القول يخبرون بأنهم يريدون مدينتهم . فلو كانوا يريدون مدينتهم التي خرجوا منها فقد كان عليهم سهلا العودة إليها ، أعنى الموضوع الذي خرج منه إبراهيم بين النهرين . ثم قال : « ولكن الآن إنهم يتوقون إلى أفضل منها إلى تلك المدينة التي في السماء. ولهذا الأمر لم يأنف الله أن يسمى إلههم وقد أعد لهم المدينة» التي تاقوا إليها.

فهذه مدينة الله بالحقيقة أورشليم السمائية ، ميراث كافة الأطهار التي وعد الله بها لمحبيه.

124- (17) وقاس سورها مائة وأربعا وأربعين ذراعا بحسب القياس الإنساني الذي كان الملاك يستعمله

إن العدد 144 هو حاصل ضرب 12× 12، رمزا على الاثنى عشر رسولا ، كمثل عدد أسباط بني إسرائيل الذين وعد الله آباءهم بأرض الميعاد الحاضر الزمني ؛ ووعد هؤلاء بالمستأنف الأبدى.

فإن قلت عن الرسول بولس إنه ليس من الاثني عشر ، وكذلك مرقس ولوقا ومن يقوم مقامهم ، أجبتك : إن الرب يقول : «لست أسأل من أجل هؤلاء فقط (یعنی الاثنى عشر) ، بل وكل من يؤمن بي وببقولهم ، ليكون الجميع واحدا ، كما أنك أنت أيها الآب في وأنا فيك ، ليكونوا هم أيضا واحداً ، وإنما اختص الاثنى عشر أولا كعدد أسباط بني إسرائيل فينا ».

125- (18) وبناء سورها من حجر اليشب والمدينة من الذهب الخالص كالزجاج النقي (19) وأسس سوق المدينة مزينة بكل حجر كريم فالأول يشب والثاني لازورد والثالث عقيق والرابع زمرد (20) والخامس ماس والسادس ياقوت أحمر والسابع حجر ذهب والثامن جزع والتاسع یاقوت أصفر والعاشر عقيق أخضر والحادي عشر سمنجوني والثاني عشر جمشت (21) ولاثني عشر بابا اثنتى عشر لؤلؤة لكل باب لؤلؤة وسـوق المدينة من ذهب نقى كالزجاج الشفاف (22) ولم أر فيها هيكلا لأن الرب الإله القدير والحمل هما هيكلها (23) ولا حاجة للمدينة إلى الشمس ولا إلى القمر ليضيئا فيها لأن مجد الله أنارها وسراجها الحمل

إن تلك المدينة لا تحتاج لشمس ولا قمر ولا نجوم ولا سراج يضىء فيها لأن الله نورها دائما

وفي ذلك يقول القديس بولس الرسول : «فإننا ننظر الآن في مرآة في لغز ، لكن حينئذ وجها لوجه »

126- (24) وستمشى الأمم في نورها وملوك الأرض يأتون بمجدهم وكرامتهم إليها (25) وأبوابها لا تغلق نهارا لأنه لا يكون ليل (26) وسيؤتى بمجد الأمم وكرامتهم إليها

یعنى بذلك الذين حفظوا الإيمان ، وبهاء المعمودية باق فيهم ، مولودين من الماء والروح كما يقول الرب : «الحق الحق أقول لك إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله ».

127- (27) ولا يدخلها شيء نجس ولا فاعل الرجس والكذب إلا من كان اسمه مكتوبا في سفر الحياة مع الخروف

بعد أن ذكر مجىء الملوك إليها ، قال : «ولا يدخلها شيء نجس ولا فاعل الرجس ، إلخ» حتى يتوهم أحد أن الكل سيدخلونها ، الأبرار والأشرار ، ولذلك استتلى قائلا : «إلا من كان اسمه مكتوبا في سفر الحياة مع الخروف » .

تفسير سفر الرؤيا – 20 سفر الرؤيا – 21 تفسير سفر الرؤيا تفسير العهد الجديد تفسير سفر الرؤيا – 22
ابن كاتب قيصر
تفاسير سفر الرؤيا – 21 تفاسير سفر الرؤيا تفاسير العهد الجديد

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى