تفسير سفر الرؤيا أصحاح 16 للقمص أنطونيوس فكري

الإصحاح السادس عشر

هنا نسمع عن ما هى هذه الضربات التى ستنصب من الجامات التى أشير إليها فى الإصحاح السابق. وإذا كانت الختوم السبعة هى إعلان عما سيقابل الكنيسة فى مسيرتها وإذا كانت الأبواق السبعة هى إنذارات الله للناس حتى يتوبوا.

فإن الجامات السبعة هى أحكام الله ضد الأشرار فى آخر الأيام بعد أن فاض الكيل، وتصلف الإنسان وإزداد شره وتحدى الله نفسه.

والجامات تختلف عن الأبواق فى الآتى:-

  1. الأبواق تشير لضربات تصيب 1/3 الناس ليعطى الباقين فرصة للتوبة. أما الجامات فهى ضد الكل لأنها عقوبات غضب الله.
  2. ضربات الأبواق أصابت الناس إبتداء من البوق الخامس، أما الجامت فأصابت الناس إبتداء من الجام الأول.

إذا فضربات الجامات شاملة وأكثر عنفا، هى للدينونة أكثر منها للإنذار. ومكانها بين البوق السادس والبوق السابع. وغالبا فأحداثها هى ما وردت فى السفر الصغير (رؤ10:10).

رؤ16: 1-7

آية 1 “و سمعت صوتا عظيما من الهيكل قائلا للسبعة الملائكة امضوا و اسكبوا جامات غضب الله على الارض”.

صوتا عظيما = فهو أمر صادر من الله. إسكبوا جامات غضب الله = الجامات هى أحكام إدانة ضد مملكة الشر فى العالم.

 

آية 2 “فمضى الاول و سكب جامه على الارض فحدثت دمامل خبيثة و ردية على الناس الذين بهم سمة الوحش و الذين يسجدون لصورته.

 الجام الأول:- سكب جامة على الأرض = هذه الضربة موجهة للأجساد التى هى مأخوذة من الأرض (وقد تعنى الأرض المكان الذى يملك فيه الوحش) وهذه الضربة هى ضربة أوبئة وأمراض تحل بالأجساد التى إستخدمت فى الخطية. أمراض تجعل الحياة مرة. هم ظنوا أن الخطية سوف تعطيهم لذة لكنها أعطتهم مرارة. وها نحن نرى عواقب الخطية الآن فى أمراض كالزهرى والإيدز. والزهرى يبدأ بقرحة صغيرة ثم طفح جلدى ثم شلل مع جنون. فما بالك بالأمراض التى ستنسكب مع الجام الأول. هى بالتأكيد ابشع مما نعرفه الآن. والله سيسمح بهذه الضربة المؤلمة لتابعى ضد المسيح حتى يظهر للناس فساد دعوته.

 

آية 3 “ثم سكب الملاك الثاني جامه على البحر فصار دما كدم ميت و كل نفس حية ماتت في البحر”.

 الجام الثانى:- سكب جامه على البحر = البحر يشير للعالم المضطرب كما قلنا والذى يحيا فى ملذاته الحسية التى يشرب منها يعطش. وهذه الضربة موجهة لمن إنغمس فى حياة الشر فى العالم، مثل هذا سيكون كميت، ميت روحيا، أى منفصل عن الله أو يعنى إزدياد القتل فى العالم.

هؤلاء يمنع الله عنهم سلامه وتعزياته فيصيروا كأموات.

وربما تفهم الآية حرفيا بأنه ستحدث حرب تسيل فيها دماء كثيرة فى البحر من ركاب السفن، أو تنفجر هذه السفن ويسيل  البترول منها محدثا تلوث بيئى تموت معه الكائنات البحرية. أو ربما نتيجة الأسلحة المدمرة الحديثة يحدث هذا التلوث. وقد راينا مثل هذا فى حرب الخليج، فما بالك بما سيحدث مع الجام الثانى.

 

آيات 4-7 “ثم سكب الملاك الثالث جامه على الانهار و على ينابيع المياه فصارت دما. و سمعت ملاك المياه يقول عادل انت ايها الكائن و الذي كان و الذي يكون لانك حكمت هكذا. لانهم سفكوا دم قديسين و انبياء فاعطيتهم دما ليشربوا لانهم مستحقون. و سمعت اخر من المذبح قائلا نعم ايها الرب الاله القادر على كل شيء حق و عادلة هي احكامك”.

الجام الثالث:- سكب جامه على الأنهار وينابيع المياه = الأنهار وينابيع المياه إشارة لمصادر الدخل والأموال والخيرات المادية عموما. وهذه قد يتصارع عليها الأشرار لدرجة الموت = الدم. ونرى الآن ملامح هذا فى الصراع على مصادر المياه كالأنهار والينابيع. فأعطيتهم دما ليشربوا = صار سفك الدم يروى غليلهم. هذه صورة نرى فيها الصراع الرهيب على الماديات. وقد يشير هذا لمعارك رهيبة دموية تلوث مصادر المياه، كما حدث فى معارك رواندا وبوروندى سنة 1994 حيث قتل حوالى المليون نسمة وألقوا جثثهم فى البحيرة التى تغذى نهر النيل.

وهناك رأى آخر أن الأنهار تشير للمصادر الروحية للتعليم الروحى وهذا قد شوهه الهراطقة. وتكون هذه الضربة موجهه للهراطقة الذين صارت تعاليمهم المزيفة مصدر موت (دم) لا حياة. لم تعد مصدر تعزية وسلام بل هلاك. وربما تكون هذه الضربة موجهة لتابعى الوحش الذين سلمهم الوحش مراكز قيادية وصاروا يبشرون به، وهؤلاء أيضا ستصير تعاليمهم مصدر موت أى دم. وكون المياه تتحول لدم فهذا إشارة للعطش المميت سواء إلى الماء أو كلمة الله. وإذا كان شرب المياه رمز للحياة وشرب الخمر رمز للفرح، فشرب الدم هو رمز للموت. وهؤلاء الذين أعطاهم الله أن يشربوا الدم أى يموتوا كان هذا لإستحقاقهم ولإضطهادهم لشعبه.

ملاك المياه = يظهر من هذا أن الله وضع ملاكا حارسا على عناصر الخليقة حتى لا يكون للشيطان مطلق التصرف، فيسىء إساءات بالغة للبشرية. بهذا نرى أن حركة الشيطان مقيدة. وإذا سمح له الله أن يؤذى أحدا فيكون هذا كضربة تأديب لهذا الشخص. ونرى هنا أن الملاك يقول لله أنه عادل… إذا هى أحكام صادرة من الله، والملائكة شهود على عدل الله فى أحكامه.

رؤ16: 8-11

آيات 9،8 “ثم سكب الملاك الرابع جامه على الشمس فاعطيت ان تحرق الناس بنار. فاحترق الناس احتراقا عظيما و جدفوا على اسم الله الذي له سلطان على هذه الضربات و لم يتوبوا ليعطوه مجدا”.

 الجام الرابع :- سكب جامه على الشمس = تفهم هذه الضربة بأن حرارة الشمس ستزداد، ومن المعروف الآن أن بعض المناطق فى العالم يؤثر فيها ثقب الأوزون مما يسبب الإصابة بسرطان الجلد. فماذا سيحدث لو إتسع هذا الثقب وماذا سيحدث فى هذا الوقت حينما يسكب الجام الرابع؟!

من المؤكد أنها ستكون ضربة رهيبة وستكون حرارة الشمس رهيبة.

ولم يتوبوا ليعطوه مجدا… بل جدفوا على إسم الله = إذا نفهم أن الهدف من الضربات أن يتوب الناس ولكن قسوة قلوبهم جعلتهم بدلا من أن يتوبوا، يجدفون على الله. لذلك سمعنا أن خطية هذه الأيام تسمى خطية مصر بسبب العناد مع إزدياد الضربات، كما إزداد فرعون عندا مع ضربات موسى العشر وقيل أن الشمس قد تشير للوحش الذى سيدعى الألوهة ولكن حكمة سيكون حارقا ومؤذيا لتابعيه.

 

آيات 11،10 “ثم سكب الملاك الخامس جامه على عرش الوحش فصارت مملكته مظلمة و كانوا يعضون على السنتهم من الوجع. و جدفوا على اله السماء من اوجاعهم و من قروحهم و لم يتوبوا عن اعمالهم”.

 الجام الخامس:- سكب جامه على عرش الوحش = هنا الجام منصب على عرش الوحش، فتصير مملكته مظلمة روحيا وأدبيا وسياسيا وماديا بسبب عنف الضربات الموجهة ضدها. ويسود المملكة الفساد والذبول والتخبط، فالضربة ضد عرشه فيتحير الناس من هو. كما قال عبيد فرعون لفرعون بعد ضربات موسى ألم تعلم أن أرض مصر خربت (خر7:10). وكانوا يعضون ألسنتهم = لأن أمالهم قد خابت وذبلت مملكتهم. وعض الألسنة إشارة للغيظ من ذبول المملكة التى ظنوها مصدر ملذاتهم، ومع هذا لم يتوبوا. ولاحظ أن الضربة موجهة لمملكة الوحش فقط كما كان يحدث مع فرعون إذ يسود الظلام مملكته دون أرض شعب الله (خر6:9) + (خر23،22:10).

رؤ16: 12-21

آيات 12-16 “ثم سكب الملاك السادس جامه على النهر الكبير الفرات فنشف ماؤه لكي يعد طريق الملوك الذين من مشرق الشمس. و رايت من فم التنين و من فم الوحش و من فم النبي الكذاب ثلاثة ارواح نجسة شبه ضفادع. فانهم ارواح شياطين صانعة ايات تخرج على ملوك العالم و كل المسكونة لتجمعهم لقتال ذلك اليوم العظيم يوم الله القادر على كل شيء. ها انا اتي كلص طوبى لمن يسهر و يحفظ ثيابه لئلا يمشي عريانا فيروا عريته. فجمعهم الى الموضع الذي يدعى بالعبرانية هرمجدون”.

 الجام السادس :- سكب جامه على النهر الكبير الفرات = نهر الفرات هو الذى يغذى مملكة بابل، التى هى مملكة الشر فى العالم (صار إسم بابل لوثنيتها ونجاستها وتحديها لله وإستعبادها وسبيها لشعب الله رمزا للشر فى الكتاب المقدس)

ونشف ماؤه =

  1. حدث هذا فعلا أيام كورش إذ حول مجرى النهر ليدخل إلى بابل بعد أن أغلق ملك بابل أسوارها، وبهذا أسقط كورش مملكة بابل.
  2. إذا فهمنا أن بابل تشير لمملكة الشر فى العالم، فكون أن النهر يجف يفهم على أن كل خيرات مملكة الشر ستجف ينابيعها لتنهار مملكة الشر. فالأنهار هى إشارة لمصادر الخير والحياة للشعوب. إذا المعنى توقف الخيرات المادية عن مملكة الوحش، وتوقف الإمتيازات التى يقدمها الوحش لتابعيه.
  3. قد يتكرر ما حدث أيام كورش ثانية ويجف لسبب أو لآخر النهر فعلا، ويكون هذا بداية لتدخل ملوك آتين من الشرق للحرب. وربما يأتى هؤلاء الملوك ليحاربوا الوحش أو يأتوا ليعاونوه ثم ينقلبوا عليه. وهم سيأتون عبر نهر الفرات الذى جفت مياهه.
  4. لاحظ أنه فى البوق السادس سمعنا عن فك الأربعة الملائكة المقيدين عند النهر العظيم الفرات لكى يقتلوا ثلث الناس (رؤ13:9-15). وهنا نسمع عن حرب رهيبة. ويبدو أن نهر الفرات هو بداية سلسلة من الحروب الدموية.

من فم التنين (الشيطان) ومن فم الوحش (القائد المدنى) ومن فم النبى الكذاب (السلطة الدينية اليهودية). وتكرار كلمة من فم يشير لأنها أقوال وتعاليم أو أنها دعوة للحرب وإثارة  وتهييج للشعوب والحكام لقيام حرب دموية رهيبة.

 لتجمعهم لقتال = هم بأقوالهم وأفكارهم النجسة سيجمعون جيوش للحرب فى معركة رهيبة أسماها هنا هرمجدون.

شبه ضفادع.. ثلثة أرواح = الضفادع تعتبر نجسة عند اليهود. والمعنى أن أرواح شياطين نجسة ستعمل فى أشخاص مندوبين عن الوحش والنبى الكذاب وعن الشيطان. وسيكونوا كأفواه لهم ويدعون الدول للدخول فى حرب رهيبة يسيل فيها كثير من الدماء. وتشبيههم بالضفادع فهو لأنهم لا يطيقون النور بل يخرجون فى الظلام، فالذى يحركهم أرواح نجسة خاضعة للشيطان سلطان الظلمة. وهم كالضفادع يملأون الدنيا ضجيجا فى قفزهم من مكان إلى مكان، يدعون الجميع للقتال ليشتبك هذا مع ذاك ويأتى الدمار على الجميع فى موقعة هرمجدون.

هرمجدون = الموضع الذى ستدور فيه المعارك. ولاحظ قوله الموضع الذى يدعى بالعبرانية = فهذا يشير إلى أن هذه المعركة ستكون على أرض فلسطين وتفسير الإسم :- هر = كلمة عبرية معناها جبل.

مجدو = هى مكان فى فلسطين، كان فى إسرائيل أيام دولة داود وسليمان وما بعدها. وتسمى الآن برج إبن عامر، دارت فيها أكثر من 200 معركة وفيها قتل يوشيا الملك القديس على يد نخو ملك مصر. فهى بقعة سالت فيه دماء كثيرة تاريخيا ودارت فيها معارك كثيرة. وعبر التاريخ إمتلأت هذه البقعة بجثث كثيرة نتيجة الحروب الكثيرة.

مجدون = للجمع وهذا فيه إشارة لتجمع جيوش عديدة للحرب، يدور بينها معارك مأساوية. وهى معركة بتدبير من الله ليضرب بها أعداؤه وبها ينتهى كل شىء.

هرمجدون = جبل مجدو (بالجمع).

ها انا آتى كلص = والله يقول هذا حتى لا يهتم أحد بالبحث عن أوقات ومواعيد لتحديد يوم الله. وهذا تحذير لكل العصور. فما الفائدة من تحديد يوم القيامة أو تحديد موعد معركة هرمجدون إذا كنت أنا سأموت بعد دقائق.

يحفظ ثيابه = نحن حصلنا على ثياب البر والخلاص يوم المعمودية. وهى ثياب فضائل. فعلينا أن نحفظها فلا نوجد عريانين كآدم وحواء.

يروا عورته = يفضح فى يوم الرب، أى لا شىء يستره أمام الرب.

 

آيات 17-21 “ثم سكب الملاك السابع جامه على الهواء فخرج صوت عظيم من هيكل السماء من العرش قائلا قد تم. فحدثت اصوات و رعود و بروق و حدثت زلزلة عظيمة لم يحدث مثلها منذ صار الناس على الارض زلزلة بمقدارها عظيمة هكذا. و صارت المدينة العظيمة ثلاثة اقسام و مدن الامم سقطت و بابل العظيمة ذكرت امام الله ليعطيها كاس خمر سخط غضبه. و كل جزيرة هربت و جبال لم توجد. و برد عظيم نحو ثقل وزنة نزل من السماء على الناس فجدف الناس على الله من ضربة البرد لان ضربته عظيمة جدا”.

 الجام السابع :- سكب جامه على الهواء = الشيطان هو رئيس سلطان الهواء أف 2:2. والملاك هنا نجده يسكب جامه على الهواء، إذا فهى ضربة موجهة لإبليس أى التنين. وهذا إيذان بإنتهاء كل شىء وإنحلال الأرض وما عليها لذلك نسمع هنا قوله قد تم

أصوات = هى أصوات تسابيح أولاد الله لإنتصار الكنيسة.

رعود = أصوات مرعبة للأشرار بدينونتهم.

بروق = هذه لأولاد الله وتعنى وعود بأمجاد إقتربت.

زلزلة = هى للأشرار تعلن لهم إهتزاز كل ما تمسكوا به فى هذا العالم ووضعوا فيه ثقتهم. والتفسير المكمل أن زلزالا رهيبا يدمر كل شىء سوف يحدث صارت المدينة العظيمة.

ثلاثة أقسام = ربما لتصارع ثلاث قوى عليها. وربما إنقسمت المدينة العظيمة أى أورشليم بين أتباع الوحش وبين المؤمنين بالمسيح الحقيقى وغيرهم.

ومدن الأمم = تسقط مدن عالمية وتدمر نتيجة الحروب. الأمم التى تعيش فى تيار شرور هذا العالم.

بابل العظيمة = مملكة الشر فى العالم.

كل جزيرة = البحر يشير للعالم والجزيرة جزء متميز وظاهر وسط البحر، لذلك فالجزر تشير للأشخاص العظماء المتميزين.. الكل سينتهى ويزول. وربما تشير لمن عاشوا وسط العالم وإبتلعهم العالم.

جبال = تشير للدول العظيمة القوية (رؤ10،9:17) الكل سينتهى ويزول.

برد عظيم = إشارة لقسوة التأديبات وغضب الله (فالوزنة = 45 كجم) وبهذا فالبرد سيسحق كثيرين ومع هذا لم يتوبوا.

 تفسير رؤيا 15 تفسير سفر الرؤيا تفسير العهد الجديد
 تفسير رؤيا 17
 القمص أنطونيوس فكري
تفاسير سفر الرؤيا تفاسير العهد الجديد

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى