تفسير سفر الرؤيا أصحاح 3 للقمص أنطونيوس فكري

الإصحاح الثالث

رؤ3: 1-6

“و اكتب الى ملاك الكنيسة التي في ساردس هذا يقوله الذي له سبعة ارواح الله و السبعة الكواكب انا عارف اعمالك ان لك اسما انك حي و انت ميت. كن ساهرا و شدد ما بقي الذي هو عتيد ان يموت لاني لم اجد اعمالك كاملة امام الله. فاذكر كيف اخذت و سمعت و احفظ و تب فاني ان لم تسهر اقدم عليك كلص و لا تعلم اية ساعة اقدم عليك. عندك اسماء قليلة في ساردس لم ينجسوا ثيابهم فسيمشون معي في ثياب بيض لانهم مستحقون. من يغلب فذلك سيلبس ثيابا بيضا و لن امحو اسمه من سفر الحياة و ساعترف باسمه امام ابي و امام ملائكته. من له اذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس. رسالة الى فيلادلفيا”.

كنيسة ساردس

كلمة ساردس تعنى بقية ولنذكر أن الكنيسة السابقة كان إسمها المسرح. فبعد أن دخلت المظهرية والحياة السطحية إلى الكنيسة،لم يتبق فى الكنيسة سوى عدد قليل من المؤمنين. فالحياة السطحية والمظهرية هى حياة بلا عمق وهذا يؤدى إلى عدم معرفة الله وبالتالى يؤدى إلى عدم محبة الله ومن يحيا هكذا:

  1. لن ينفذ وصايا الله،فالحب هو الذى يدفع لتنفيذ الوصايا (يو 23:14).
  2. مثل هذا أيضا تجذبه إغراءات هذا العالم فيتنجس إذ لم يكتشف اللؤلؤة كثيرة الثمن أى شخص المسيح. فيبيع بقية الآلىء (العالم بملذاته).

لذلك طلب المسيح من تلاميذه ومنا أن ندخل إلى العمق عمق المعرفة وعمق المحبة

أما من عاش فى السطحية بلا عمق معرفة ولا عمق حب فهو لن يعود يهتم برأى الله فيه بل كل إهتمامه سيكون فى رأى الناس فيه، وهذا ما يسمى الرياء. وهذا هو مشكلة هذه الكنيسة لك إسم أنك حى وأنت ميت. مثل هذا الإنسان يهتم أن يراه الناس كإنسان عظيم متدين = حى ولكنه بسبب قلبه الخالى من المحبة هو إنسان فى نظر الله ميت. ولاحظ قول السيد المسيح فى مثل الإبن الضال عن عودة الإبن الضال بالتوبة أنه كان ميتا فعاش. إذا من يحيا فى الخطية يكون ميتا فى نظر الله. وما الذى يجعل إنسانا يحيا فى الخطية؟ الإجابة هى نقص المحبة (يو 23:14).

ولنلاحظ أن كل إنسان له خمس حواس خارجية يتعرف بها على العالم ومن تتعطل حواسه الخمس عن العمل فهو بالقطع ميت. وكما أن لنا حواس خارجية ندرك بها العالم حولنا، فنحن لنا حواس داخلية ندرك بها السماء ونتعرف بها على الله. فبالمعمودية يولد داخلنا إنسان داخلى له خمس حواس داخلية يتعرف بها على الله وعلى السماء. بها نرى الله ونسمع صوته ونتذوق حلاوة عشرته ونتلامس معه. الحواس الداخلية هى قنوات إتصالنا بالله وبالسماء.

فالكتاب يقول طوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله (مت8:5) هذا عن النظر الروحى ويقول الكتاب من له أذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس (رؤ6:3) والخراف تتبع المسيح لأنها تعرف صوته (يو4:10) وهذا عن السمع الروحى.

ويقول داود “ذوقوا وأنظروا ما أطيب الرب” (مز8:34) وهذا عن تذوق عشرة الله ونذكر أن الرب يسوع خرجت منه قوة للشفاء لأن إمرأة لمسته لمسة فيها إيمان وهكذا من يتلامس مع الله تلامس فيه إيمان سيدرك قوته ومحبته.

ولكن ما الذى يمنع هذه الحواس من العمل؟ الإجابة هى الخطية. فنحن نسمع أن من يريد أن يرى الله يلزم أن يكون نقيا (مت8:5). ويطلب منا بولس الرسول قائلا “إتبعوا السلام مع الجميع والقداسة التى بدونها لن يرى أحد الرب” (عب14:12).

إذا فالخطية هى التى تسبب فقدان الحواس الداخلية. ومن يفقد حواسه الداخلية فهو فى نظر الله ميت إذ لا قنوات إتصال بالله، فهو لا يرى الله ولا يسمع صوته ولا يتلذذ بعشرته، وبالتالى فلن يكتشف اللؤلؤة كثيرة الثمن. أما المؤمن الذى يحيا فى نقاوة فيستطيع أن يقول مع يوحنا “الذى كان من البدء الذى سمعناه الذى رأيناه بعيوننا الذى شاهدناه ولمسته أيدينا”. (1يو1:1).

إذا مشكلة هذه الكنيسة أن بها أشخاص هم أحياء فى نظر الناس إذ:

  1. ربما لسمعتهم القديمة. 
  2. أو ربما لريائهم إذ يتظاهرون بالتدين.

 لكنهم فى نظر الله أموات فهم بلا عمق وبالتالى بلا معرفة وبالتالى بلا حب. حتى لو كانوا لهم نشاط كنسى لذلك فالمسيح لم يبدأ كلامه لهذه الكنيسة باى مدح، بل بدأ بالهجوم عليهم مباشرة وعتابهم والسبب أنهم أخذوا مدحهم من الناس وهم غير مهتمين برأى الله فيهم. ولاحظ قول المسيح هنا عندك أسماء قليلة (أى البقية) فى ساردس لم ينجسوا ثيابهم = إذا فالسبب أنهم أموات فى نظر الله لأنهم يحيون فى نجاسة.

من يغلب = هو من يحيا فى العمق فيعرف الله ويحبه وبالتالى ينفذ وصاياه ويتحاشى الخطية فلا ينجس ثيابه بمحبة هذا العالم. من ينجح فى هذا ويغلب فسيعطيه السيد أن يتبرر أمامه ويغفر خطاياه، ويعطيه حياة جديدة نقية، هؤلاء قال عنهم فسيمشون معى فى ثياب بيض لأنهم مستحقون. إذا من يسير فى الطريق الصحيح وهم قلة يرثوا مع المسيح فى مجده.

الصورة التى طهر بها المسيح:- الذى له سبعة أرواح الله = أى الذى له الروح القدس المحيى. فهو يكلم أشخاص أموات محتاجين لمن يحييهم، لذلك يقول لهم أنا مستعد أن أعطيكم الروح القدس الذى يحييكم. والروح القدس هو الذى يبكت على الخطية (يو8:16) ويدفع الخاطىء للتوبة لذلك نصلى “توبنى يا رب فأتوب” (أر18:31). وهو يعين ضعفاتنا (رو26:8) أى بعد أن يبكت يعطى قوة ومعرفة. وكأن المسيح يقول لهذه الكنيسة ما عليكم إلا أن تطلبوا منى الإمتلاء من الروح وأنا أعطيكم فتحيوا. فالروح القدس يعطى لمن يسألونه (لو13:11) ومن يسأل يعطى له الروح ومن يتجاوب مع عمله تعود حواسه الداخلية للعمل هذه الحواس يدربها الروح القدس فتتصل بالسماويات (عب14:5).

والروح القدس أيضا يعلم ويذكرنا بما قاله المسيح (يو26:14). ومن قدم توبة تنفتح أذناه فيسمع صوت الروح القدس المعلم. ومن يتوب ويتعلم ينتقل للدرجة الأعلى وتنفتح عيناه ليرى ما لم تره عين. يرى أمجاد السماء الآن كمن ينظر فى مرأة (1كو9:2-12) + (1كو12:13). فعندما يسير المؤمن فى طريق القداسة يرتقى من خطوة إلى خطوة. ومن يبدأ بالتوبة يصل لأن يمنحه الروح أن يكون له فكر المسيح (1كو16:2) ويكشف له أمجاد السموات ولكن هذا لا يعطى إلا لمن إستجاب للخطوة الأولى أولاً أى قدم توبة. فلا يمكن لإنسان أن يبنى الدور العاشر إن لم يبنى أولاً الدور الأول.

له السبعة الكواكب = المسيح يقول أنتم لى، فلماذا أنتم مهتمون برأى الناس فيكم فانتم لى ولستم للناس. وأنا قادر أن أمنحكم الروح القدس، ولكن لا أستطيع أن أعمل شيئا بدون أن تطلبوا “إسألوا تعطوا” فلنسأل الله أن يملأنا من الروح القدس. ولنهتم فيما لله وليس فيما للناس.

ومن كلمات عتاب السيد المسيح لهذا الأسقف = لم أجد أعمالك كاملة أمام الله = كان إهتمامك بأن تكون كاملا أمام الناس. لكن أنا فاحص القلوب والكلى، وأنا أعلم ما فى قلبك، أنا أعلم ما فى الداخل. والمهم أن يكون المدح من الله وليس من الناس فتقديرات الناس يمكن أن تخدع فهم يجهلون الحقيقة أو هم يجاملوا ليس بحسب  الحقيقة. وهذه الآية ردعلى من يقولون أن الخلاص بالإيمان ولا أهمية للأعمال ونصائح السيد لهذا الأسقف:

  1. أسهر =  كن ساهرا وكن مستعدا لملاقاة الرب فى يقظة وإنتباه ووعى وإدراك.
  2. شدد وما بقى = الله يطلب منه أن يضرم نار الروح القدس والله لا يترك فتيلة مدخنة بل يعمل فيها حتى لا تنطفىء، ولا يترك قصبة مرضوضة بل يتعهدها برعايته حتى لا تنقصف. ولكن دورى أنا أن أجاهد وأعمل وأطلب بلجاجة والله يسكب على نعمته أى روحه القدوس. والجهاد يضرم فينا نار الروح القدس.
  3. أذكر كيف أخذت = تذكر إحسانات الله عليك، وكيف أعطاك بسخاء ولم يعير، بل كان الله يعطيك بكل محبة. وأذكر ماذا قدمت أنت له وأذكر الإيمان الصحيح الذى تسلمته ولا تشوهه.
  4. تذكر أن يوم الدينونة ياتى بلا سابق إنذار أى فجأة = أقدم عليك كلص.
  5. إذا من نصائح الله لهذا الملاك أنه عليه أن يذكر كيف أخذ، أى يذكر إحسانات الله عليه فيخجل، أو يذكر يوم الدينونة فيندم إذ يذكر أن أعماله كانت ناقصة. ويوم الدينونة الذى ياتى فيه الرب كلص ليس هو يوم الدينونة العامة لكن هو يوم موت أى شخص

  6. كيف سمعت.. وأحفظ = كيف سمعت البشارة التى بشر بها رسل المسيح وتذكر كيف كنت عند بداية إيمانك وإحفظ إيمانك وتقواك الأوليين وهذا يحتاج لتوبة نرى هنا صورة سبق الله واراها لحزقيال، إذ رأى عظاما ميتة، وعندما دخل فيها الروح صار لها حياة(حز1:37-10). ونرى هنا إهتمام الله بكل نفس حتى هذا الملاك الذى يراه ميتا، فهو يهتم به ويرسل له رسالة ويعطيه فرصة ليغلب ويحيا لذلك فعلى كل خادم أن يعطى رجاء لكل إنسان.

ما بقى = الكنيسة لم يتبق بها سوى بقية قليلة، إدركهم حتى لا يموتوا.

عتيد أن يموت = هم فى طريقهم للموت، وقد إقتربوا من الهلاك فإدركهم والوعد لهذه الكنيسة لمن يغلب.    

الثياب البيض = أى تبرير مسح كل خطية وهذه الثياب البيض أعطاها الآب للإبن الضال حين عاد فالتوبة تبيض. والثياب البيض تعطى لمن يستحق ويجاهد ليحفظ ثيابه بلا نجاسة.

لن أمحو إسمه من سفر الحياة = بالمعمودية تكتب أسماؤنا فى سفر الحياة. وإذا كانت حياتى حياة توبة مستمرة تستمر ثيابى نقية “تغسلنى فأبيض أكثر من الثلج” أى أن من يتجاوب مع عمل الروح القدس لن يمحى إسمه من سفر الحياة الأبدية.

سأعترف بإسمه = أشهد بإخلاصه أمام أبى، أبى يكون من خاصتى ومكانه  معى.

يمشون = إذا الملكوت ليس حالة من السكون بل نشاط وحركة.

قوله من يغلب يلبس ثياب هو إشارة لما كان يفعله القادة الرومان، إذ كانوا إذا وجدوا جنديا نائما يحرقون ملابسه ويجعلونه يمشى عاريا. إذا هذه الكنيسة محتاجة للسهر والصلاة للإمتلاء بالروح فلا يفتضحوا.

ولاحظ فى قوله لن أمحو إذا هناك من ستمحى أسماءهم لأنهم وجدوا غير مستحقين.

رؤ3: 7-13

“و اكتب الى ملاك الكنيسة التي في فيلادلفيا هذا يقوله القدوس الحق الذي له مفتاح داود الذي يفتح و لا احد يغلق و يغلق و لا احد يفتح. انا عارف اعمالك هنذا قد جعلت امامك بابا مفتوحا و لا يستطيع احد ان يغلقه لان لك قوة يسيرة و قد حفظت كلمتي و لم تنكر اسمي. هنذا اجعل الذين من مجمع الشيطان من القائلين انهم يهود و ليسوا يهودا بل يكذبون هنذا اصيرهم ياتون و يسجدون امام رجليك و يعرفون اني انا احببتك. لانك حفظت كلمة صبري انا ايضا ساحفظك من ساعة التجربة العتيدة ان تاتي على العالم كله لتجرب الساكنين على الارض. ها انا اتي سريعا تمسك بما عندك لئلا ياخذ احد اكليلك. من يغلب فساجعله عمودا في هيكل الهي و لا يعود يخرج الى خارج و اكتب عليه اسم الهي و اسم مدينة الهي اورشليم الجديدة النازلة من السماء من عند الهي و اسمي الجديد. من له اذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس”.

 

 كنيسة فيلادلفيا

معنى كلمة فيلادلفيا هو محبة الإخوة. وهذه تشير للعصر الأخير قبل مجىء ضد المسيح. ومحبة الإخوة تشير لعصر وحدة وتآلف بين الكنائس يسمح به الله ليسبق الأيام الصعبة عند ظهور ضد المسيح. وكما قلنا من قبل فإن كنيسة لاودكية الأخيرة تمثل زمن مجىء ضد المسيح التى سيكون فيها ضيق لم ولن يكون مثله (دا1:12). وتكون وحدة الإخوة كإستعداد لمواجهة هذه الأيام الصعبة.

ومشكلة هذه الكنيسة:- لأن لك قوة يسيرة = فهم عندهم قوة يسيرة هذا بالرغم من انهم لم ينكروا الإيمان بالمسيح. وهذه الحالة قد تصيب الإنسان وبالذات الخدام حين يواجهون مشاكل كثيرة. وأمام ضغط المشاكل التى تبدو بلا حل ومن كثرتها يصاب الخادم بشىء من الإحباط وأنه على مشارف اليأس. فالمشاكل كثيرة وأكبر من طاقته. والسيد المسيح يبغض هذا الشعور. فالكنيسة بيت الله هى كنيسته هو وما نحن سوى خدام لديه وألات فى يديه لذلك يجب أن يتغلب على شعور الإحباط هذا بالإتكال على الله من كل القلب عارفين قوته وأن الخدمة هى خدمته. هذه الحالة هى حالة الكنيسة فى فترة ما قبل ضد المسيح حيث يبدأ فك الشيطان فتزداد الخطايا والعثرات وتزداد المشاكل جداً.

والمسيح يشجع هذا الملاك ويقول له = قد حفظت كلمتى ولم تنكر إسمى = فهو إنسان صالح ولكنه يشعر أنه لا يقوى على العمل بسبب مشاعر الإحباط التى يواجهها.

ومن له ثقة وإيمان يعلم أن الله سوف يظهر مجده وبالتالى بإيمانه هذا وثقته هذه يعمل الله فيه ويشعل الخدمة معه، أما من له قوة يسيرة فلن يقوى إلا على أن يخلص نفسه فقط. هذا الملاك مشكلته أنه ظن أن الأبواب مغلقة أمامه من كثرة المشاكل.

والصورة التى ظهر بها المسيح لهذه الكنيسة هى صورة القادر على كل شىء فلماذا الإحباط؟

الذى يفتح ولا أحد يغلق ويغلق ولا أحد يفتح = إذا الخادم عليه أن يعمل بلا كلل ولا ملل ولا يأس، لكن الله هو الذى يتولى حل المشاكل وقتما يريد فهو المسئول عن الكنيسة وعن خلاص النفوس، ويستخدمنا كآلات فى يديه. ضرب السيد المسيح هذا المثل لشرح هذه الحقيقة “هكذا ملكوت الله كأن إنساناً يلقى البذار على الأرض وينام ويقوم ليلا ونهارا والبذار يطلع وينمو وهو لا يعلم كيف” (مر27،26:4) القدوس الحق = يقف السمائيون أمام الله يتأملون فى عظمته وقدرته وقوته وجبروته ومحبته ومجده، فيفرحون به ويسبحونه قائلين قدوس قدوس قدوس وبتسبحتهم هذه تشتعل قلوبهم بنار محبته لقداسته ومجده.

وبولس الرسول يعلمنا أنه لكى نمتلىء بالروح القدس علينا أن نسبح ونرنم ونرتل (أف19،18:5). وهذه الصورة للمسيح هنا أنه القدوس الحق تعلمنا أن نعمل عمل السمائيين أى نتأمل فى الله القدوس ونسبحه مثلهم فتشتعل قلوبنا محبة له وثقة فيه عوضا عن الإحباط، فنعمل ونخدم بأمانة. وكلما خدمنا بأمانة نكتشف يد الله القدوس معنا، والله الحق الذى ينتصر على الباطل، فتلتهب قلوبنا داخلنا ولا يعود لنا قوة يسيرة، بل نعمل بقوة كما بنار وتلتهب مشاعرنا بالرغبة فى الخدمة، وهو الذى يفتح ولا أحد يغلق، فهو يفتح أمامنا الطريق ولنلاحظ أن هناك نوعين من المشاعر الخاطئة قد تصيب الخادم:-

  1. الأول هو الشعور بالكبرياء لنجاح خدمته وإحساسه بانه هو الذى يعمل.
  2. الثانى هو الشعور بصغر النفس واليأس وأنه لا أمل فى حل المشاكل.

أما الشعور الصحيح فهو أن الله هو الذى يعمل فالحرب له وليست لنا. لذلك نسمع قول الرب هنذا قد جعلت امامك بابا مفتوحا ولا يستطيع أحد أن يغلقه. والله يفتح لمن له غيرة مقدسة وقلب مملوء ثقة وإيمان ويصلى بلجاجة

ونحن نعانى من نوعين من المشاكل:

  1. مشاكل حالية نعرفها.
  2. مشاكل مستقبلية مجهولة نتوقعها ونخشاها.

والله بهذا يعطى الإطمئنان لكل منا بانه المسئول عن حل المشاكل الحالية والمستقبلية فلماذا الخوف؟

ولأن هذه الكنيسة تسبق زمنيا فترة نهاية العالم ومجىء ضد المسيح فنسمع فيها عن نبوتين:

  1. عودة اليهود.
  2. التجربة العتيدة أن تجرب العالم كله فى نهاية الأيام.

 

نبوة بعودة اليهود:- عودة اليهود للإيمان هى من علامات الأيام الأخيرة كما نفهم من رسالة رومية ص 10. وهنا نبوة واضحة بعودتهم ففترة كنيسة فيلادلفيا زمنيا هى فترةنهاية الأيام وقبل مجىء ضد المسيح مباشرة. هنذا أجعل القائلين أنهم يهود.. هنذا أصيرهم يأتون ويسجدون = وليس من الخطأ أن نشعر أننا نقترب من ايام النهاية، ولكن الخطأ كل الخطأ أن يتجاسر أحد ويحدد يوما أو سنة للنهاية. ومما يعطينا الشعور بإقتراب النهاية إيمان اليهود المتزايد بالمسيح هذه الأيام. والإحصائيات تقدر عدد المؤمنين منهم بالمسيح من اليهود الموجودين بدولة إسرائيل بحوالى 60.000 مؤمن يسمون أنفسهم اليهود الماسيانيين. أما الذين مازالوا على عنادهم ورفضهم للمسيح وإهانتهم له فيسميهم مجمع الشيطان من القائلين أنهم يهود وليسوا يهود بل يكذبون.

ولأن أيام ضد المسيح ستكون أياماً صعبة جدا، فهنا نجد أن الرب يعطينا طمأنينة أنه سيحفظ أولاده. أنا أيضا سأحفظك من ساعة التجربة العتيدة أن تأتى على العالم كله لتجرب الساكنين على الأرض. ولاحظ أن هذا الكلام يسبق كنيسة لاودكية مباشرة التى تمثل فترة ضد المسيح أى فترة التجربة العتيدة أن تجرب الساكنين على الأرض. وقوله ها أنا آتى سريعا يشير لأن هذه التجربة (ظهور ضد المسيح) تسبق مباشرة مجىء المسيح الثانى للدينونة. وحقا فاليهود يوجد منهم كثيرون يؤمنون الآن. ولكن هذه الآيات تشير أيضا لعودة كثير من الخطاة إلى أحضان الله والله القادر على كل شى قادر أن يعيد أشر الخطاة ويجعلهم شهوداً وخداما له.

إلا أن عودة اليهود وسجودهم هذا يفسر لكنيسة فيلادلفيا نفسها أيام يوحنا بإيمان بعض اليهود المقاومين للكنيسة فى وقتها. وهكذا تفهم كنيسة فيلادلفيا أيام يوحنا أن ساعة التجربة العتيدة أن تجرب العالم كله هى إضطهاد الدولة الرومانية للكنيسة. والله سيحفظ إيمان الكنيسة ويعزيها فى هذا الوقت.

لأنك حفظت كلمة صبرى = أضاف الصبر إلى الكلمة لأن الإيمان المسيحى ينبغى أن يقترن بالصبر أمام الضيق والإضطهاد. ومن يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص.

ها أنا آتى سريعا = لأن كنيسة فيلادلفيا تسبق كنيسة لاودكية التى تعبر عن نهايةالأزمنة ومجىء المسيح الثانى، نسمع هذه العبارة ولكنها تعنى لكل واحد منا أن ساعة إنتقالنا للسماء آتية سريعاً فلنصبر على آلام هذا العالم بلا جزع ولا إضطراب.

تمسك بما عندك لئلا يأخذ أحد أكليلك = أحسن شرح لهذه الآية هو قصة شهداء سبسطية الأربعون. فالمتردد الذى ترك بحيرة الثلج وذهب للماء الدافىء منكراً المسيح فقد إكليله وأخذه بدلا منه الجندى الذى آمن بالمسيح ونزل فى بحيرة الثلج بدلا منه. وهذه الآية تنفى أن للرب مختارين عينهم للحياة الأبدية، ومرفوضين عينهم للهلاك. لأنه إن كان هذا الأسقف مختارا فما معنى لئلا يأخذ أحد إكليلك وإذا لم يكن مختارا فما معنى تمسك بما عندك. الحقيقة أن الله يريد أن الجميع يخلصون (1تى4:2)، أما القرار فهو قرارى وبحريتى الشخصية. وهذا لا يمنع معونة الله حتى يكون القرار الذى أتخذه لصالح خلاص نفسى، والمعونة قد تكون بالتشجيع أو بالتأديب. ولاحظ أنه قيل عن اليهود.

مجمع الشيطان= فهم بعد أن كانوا شعب الله وإبن الله البكر فقدوا هذه النعمة بإختيارهم الخاطىء وقيل عنهم مجمع الشيطان. فلنحذر لئلا نفقد النعم التى أعطاها الله لنا.

يأتون ويسجدون = هو سجود الإحترام وليس العبادة وهذا رد على من ينكر السجود أمام الآب البطريرك أو الأساقفة.

 

أنا أيضا سأحفظك من ساعة التجربة = هذه الآية رد على البلاميس الذين يقولون أن المؤمنين سيختطفون على السحاب وأن الضيقة ستأتى على الأشرار فقط. وهنا نرى أن الضيقة ستشمل العالم كله، لكن الله سيحفظ المؤمنين. وقيل أنها تجربة لأنها تجرب المؤمنين أى تنقيهم، أما الأشرار الهالكين فلن يستفيدوا منها، لن تكون تجربة بالنسبة لهم.


والوعد لمن يغلب:- أجعله عمودا = فى هيكل سليمان كان يوجد عمودان إسمهما بوعز وياكين. وقيل عن الهيكل أنه كان مستندا عليهما، والبعض قال إنهما كانا فقط للزينة. وهنا الله يود أن يؤكد لكل أولاده أهميتهم لديه. فكل منا سيكون عموداً فى الهيكل أو يزينه. فلماذا مشاعر صغر النفس التى تنتاب أولاد الله بالرغم من أن الله يؤكد على أهميتنا عنده. الشعور بصغر النفس يعرقل حياتنا الروحية ويعرقل الخدمة. المسيح يقول له بالرغم من قوتك اليسيرة سأجعلك عمودا ويقول له هذا لتشجيعه.

أكتب عليه إسم إلهى = المعنى أننا صرنا مخصصين لله ولخدمته وللشهادة له. ومن يحمل إسم الله لابد أن تبدو عليه مظاهر التقوى والقداسة والوداعة والفرح.

وإسم مدينة إلهى = هذه تعبر عن تحول الإنسان إلى إنسان سماوى له المواطنة السماوية هذه تشبه جواز السفر المكتوب فيه فيزا دخول بلد ما. والمدينة هى أورشليم السماوية.

وإسمى الجديد = يشير هذا لأننا فى السماء سنعرف المسيح معرفة جديدة غير التى عرفناها على الأرض، سنكتشفه من جديد ونتعرف على قدرته كإله قدير وعلى حلاوة عشرته. وتكون هذه المعرفة متجددة كل يوم، نكتشف من أعماق محبة المسيح لنا ما يجعلنا نفرح بالأكثر. وكل يوم نكتشف قدراته وصفاته فنفرح بالأكثر. فيد الله وأعماله الرائعة تظهر جديدة كل يوم وكأنها تظهر لأول مرة. وأعماله فى الكنيسة الآن، وكونه يحمل كنيسته بشعبها وخدامها، وإحتضانه للكنيسة يبدو دائماً جديداً وبكل الحب.

تكرار كلمة إلهى = يشير للصلح الذى حدث بينى وبين الله الآب والذى صنعه المسيح بفدائه فنحن بالمسيح المتجسد وبفدائه رجعنا شعبا خاصا بعد أن كنا مرفوضين والمسيح يقول إلهى هنا لأنه بعد تجسده وإتحاده بجسد البشرية صار يتكلم بلسانها فالكنيسة جسده. المسيح بلاهوته واحد مع الآب ولكن بناسوته يقول إلهى.

يفتح ولا أحد يغلق ويغلق ولا أحد يفتح = الله يفتح أمام أولاده باب الرجاء والنصرة والخلاص ويغلق أمامهم أبواب الخطية والسقوط ليحميهم.

رؤ3: 14-22

“و اكتب الى ملاك كنيسة اللاودكيين هذا يقوله الامين الشاهد الامين الصادق بداءة خليقة الله. انا عارف اعمالك انك لست باردا و لا حارا ليتك كنت باردا او حارا. هكذا لانك فاتر و لست باردا و لا حارا انا مزمع ان اتقياك من فمي. لانك تقول اني انا غني و قد استغنيت و لا حاجة لي الى شيء و لست تعلم انك انت الشقي و البئس و فقير و اعمى و عريان. اشير عليك ان تشتري مني ذهبا مصفى بالنار لكي تستغني و ثيابا بيضا لكي تلبس فلا يظهر خزي عريتك و كحل عينيك بكحل لكي تبصر. اني كل من احبه اوبخه و اؤدبه فكن غيورا و تب. هنذا واقف على الباب و اقرع ان سمع احد صوتي و فتح الباب ادخل اليه و اتعشى معه و هو معي. من يغلب فساعطيه ان يجلس معي في عرشي كما غلبت انا ايضا و جلست مع ابي في عرشه. من له اذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس”.

 كنيسة لاودكية

من الناحية التاريخية فهذه الكنيسة تشير لأيام الكنيسة الأخيرة، ايام إطلاق الشيطان وظهور ضد المسيح. ولاودكية تعنى حكم الشعب وهذا يعنى أن الكنيسة تبدأ فى مسايرة رغبات الناس. لن تعود الكنيسة هى المثل الأعلى، بل تردد ما يريده الناس. فإن رفضوا الصوم ألغت الكنيسة الأصوام كما فعلت كثير من الكنائس.

ووصل الأمر لأن يدخل للكنيسة أسوأ ما فى العالم، فلقد رأينا فى الأيام الأخيرة أساقفة لبعض الكنائس تم تعيينهم وهم يجاهرون بأنهم شواذ جنسياً. بل أنه فى بعض البلدان يطالبون الآن بحذف الآيات التى تهاجم الشذوذ الجنسى من الكتاب المقدس. هنا نفهم معنى حكم الشعب، فالكنيسة تحكم حسبما يريد الناس. وما نراه الآن هو مقدمة لما سيحدث فى ايام ضد المسيح.

كنيسة لاودكية تشير لكنيسة الأيام الأخيرة التى يسودها فتور عام ويكثر فيها الإرتداد. وقال عنها السيد المسيح أنه لكثرة الإثم تبرد محبة الكثيرين (مت12:24) وقال أيضا عن هذه الأيام “متى جاء إبن الإنسان ألعله يجد الإيمان على الأرض” (لو8:18) فسمة هذه الأيام الأخيرة نقص المحبة لله وللناس ونقص الإيمان. لذلك سينحل الشيطان فى نهاية الأيام لمدة يسيرة تسبق المجىء الثانى للسيد المسيح (رؤ3:20). والله سيحل إبليس وفقا لما قاله الكتاب “الرب يعطك حسب قلبك ويتم كل رأيك” (مز4:20). وذلك لأن الناس فى تلك الأيام سيكونون غير طالبين لله ولا خاضعين له. وهذا ما نرى بداياته الآن من صراعات على المادة حتى بين الإخوة،والجرى وراء الشهوات العالمية، ونعلم أن العالم كله قد وضع فى الشرير (1يو19:5). وكما عرف سليمان الحكيم بقوله ” باطل الأباطيل الكل باطل ” فمن يجرى وراء العالم فهو يجرى وراء الباطل.

ومن الناحية الروحية فهذه الكنيسة تعانى من حالة فتور. ولنرى بعض التعريفات :

الحار:- هو المملوء بالروح القدس، ومملوء من محبة الله ويتلذذ بعشرته، ومحبا لكل الناس حتى أعدائه. مملوء فرحا وثمار الروح الباقية (غل 23،22:5).

الفاتر:- هو من كان حارا وبدأ يبتعد عن مصدر الحرارة، فبدأ يبرد. وهنا فمصدر الحرارة هو الله. فالفاتر هو من كان حارا وإبتعد عن الله.

البارد:- هو من لم يسمع عن الله ولم يعرفه مثل شاول الطرسوسى وموسى الأسود ومثل هذا يسعى الله وراءه ليعرفه بنفسه (شاول الطرسوسى وموسى الأسود والخصى الحبشى) والبارد أيضا هو من تخطى مرحلة الفتور وصار باردا لكنه كالإبن الضال وكالمرأة الخاطئة شعر بالهوة التى تردى فيها وعاد لله شاعرا بخطيته مقدما توبة، مبللا قدميه بدموعه كالمرأة الخاطئة وبطرس والعشار ومريم المصرية.

والسؤال هنا ما الذى جعل إنسانا حارا يترك الله فيفتر؟ الإجابة واضحة

أنه وجد أن العالم ألذ كما قيل “ديماس تركنى إذ أحب العالم الحاضر” (2تى10:4) لذلك نجد المسيح هنا وقد قدم نفسه على أنه الآمين = وهى كلمة عبرانية غير كلمة الأمين    Honest.

أما الآمين فتعنى الحق. فهناك صراع بين الحق والباطل علينا. المسيح الحق يقول أنا الحق فإتبعونى والعالم ورئيسه إبليس يخدعنا بملذاته الباطلة. هنا نرى المسيح يقول عن نفسه الشاهد الآمين الصادق = فالمسيح هنا كأنه يرجو شعبه أن يصدقوه هو فما يقوله من وصايا هى الحق، وتقودهم للحياة الأبدية، ولا يسيروا وراء أوهام الباطل. فهو الذى يحبهم حقيقة وما يقوله من وصايا هدفها خلاص نفوسهم. أما عدو الخير فهدفه خداعهم بملذات الدنيا الباطلة والنهاية هلاك أبدى معه فى بحيرة النار (رؤ15،10:20).

وقارن بين من يسعى وراء الباطل أى ملذات الدنيا وبين المعروض على من يغلب أى عرش الله وهذا حق. ومن يغلب هو من يترك الباطل طالبا الحق، رافضا العالم وملذاته. يختار المسيح. وقول المسيح أنه الشاهد الصادق هى دعوة لنصدق أقواله ونعمل بوصاياه، وكل ما قاله هو أمين فيه ولا غرض  له سوى خلاص نفوسنا. وهذا فى مقابل الكذاب وابو الكذاب رئيس هذا العالم الذى يغرينا بملذاته فنترك المسيح الحق. والمسيح هو الشاهد لنا بمحبة الآب وهو الأمين فى خدمته على الأرض بجسده ليخلصنا. وهو الصادق = فى كل ما قاله ووعد به وهو الطريق والحق والحياة فمن يسير وراء الحق سيجلس فى العرش الإلهى وهذا هو الوعد لهذه الكنيسة. ومن يسير وراء الباطل يصير باطلا مثله. والمكافأة لن تكون فقط فى الحياة الأبدية فى عرش الله، بل فى هذه الحياة أيضا، فمن يفتح قلبه للحق ويستجيب لفداء المسيح يدخل المسيح معه فى علاقة حب وينير قلبه ويملأه فرحا فى شركة حلوة لذيذة قال عنها المزمور “ذوقوا وأنظروا ما أطيب الرب”. وهذا ما تم التعبير عنه بالعشاء الذى سيكون بين المسيح وبين النفس التى تختار أن تفتح له ولا تفتح قلبها للعالم، ولكن هل يعنى كلامنا هذا أن لا نعمل لنأكل ؟!

قطعا لا يعنى هذا، بل نعمل ونسعى، ولكن لا تكون المادة هدف حياتنا، بل يكون الله هدف حياتنا. ولنتذكر أن الله طلب أن نعمل ستة أيام واليوم السابع يكون راحة لحساب الله فى صلوات وتسابيح. إذا لنعمل ستة أيام ولكن ليكن للرب نصيبه كل يوم، ونقضى مع الرب يوما بكامله كل اسبوع. لنعمل فى العالم ولا يستعبدنا العالم، ولا يكون العالم هدفنا ما أجمل قول أحد الخدام حين سألوه عن وظيفته فقال أنا خادم بكنيسة كذا وأعمل مهندسا لأكل لقمة عيش. وأما من ينسى الله وينغمس فى شهواته المادية فهو يعيش فى صراع بلا أفراح وبلا تعزيات داخلية، يحيا فى قلق وإضطراب وما أجمل قول المزمور “الرب يعطى لأحبائه نوما”.

بداءة خليقة الله = بداءة معناها أرشى وهى تعنى رأس خليقة الله. وبداءة أى الذى تأخذ الخليقة بداءتها منه، هو أصل كل الخليقة وله سلطان عليها. لاحظ أنه لم يقل أول مخلوقات الله. وقالها بولس الرسول بكر كل خليقة (كو15:1) فإنه فيه خلق الكل. وقالها يوحنا فى إنجيله به كان كل شىء وبغيره لم يكن شىء مما كان (يو3:1). المسيح هنا يقدم نفسه بسلطان إلهى فهو أصل الخليقة. وبهذا السلطان الإلهى يعد من يغلب بأن يكون مكانه العرش. والمسيح كرأس للخليقة ورأس للكنيسة يود لو نلتصق به ونختاره بحريتنا رأسا وقائدا ومدبرا (أف23،22:1).

ولكن مشكلة هذه الكنيسة إنها فى فتور، محبتها ليست حارة، القلب منقسم بين محبة المسيح ومحبة العالم. والله يريد القلب كله “يا إبنى إعطنى قلبك”. ومن يعطه القلب فهو كرأس للخليقة سيدبر ويهتم بكل أموره. هذه الكنيسة إختارت الباطل وتركت المسيح الرأس المدبر لتبحث عن لذة العالم فدخلها الفتور.

ليتك كنت باردا = من لم يسمع عن المسيح يسعى المسيح وراءه ليعرفه ذاته، هذا حدث مع المرأة السامرية، وأرسل فيلبس للخصى الحبشى. أما الخاطىء الذى شعر بخطيته مثل المرأة الخاطئة فقد تبررت بدموعها والإبن الضال ألبسوه الحلة الأولى إذ عاد تائبا وبطرس بعد أن أنكر بكى فعاد لدرجته الرسولية. فمن يعود لله يعود لمصدر الحرارة ويصير حارا.

لأنك فاتر أنا مزمع أن أتقيأك = الماء الفاتر يثير الجهاز الهضمى فيتقيأه المرء والفرق بين البارد والفاتر روحيا أن البارد شعر بخطيته وعاد تائبا أما الفاتر فهو لا يشعر ولا يدرى أن حالته سيئة، بل يظن أن حالته جيدة وأنه مقبول أمام الله، ولا يشعر بإحتياجه للمسيح، راضى عن نفسه بدون مبرر. لا يطلب معونة من الله، هو يحيا على ذكريات ماضى إنتهى إذ إبتعد عن الله. هو مخدوع.

لأنك تقول إنى أنا غنى وقد إستغنيت ولا حاجة لى إلى شىء = هذا شعور الفاتر أنه فى غنى عن الإلتجاء بالصلاة للمسيح طالبا المعونة. و المسيح يقول له الحقيقة = ولست تعلم أنك أنت الشقى والبئس وفقير وأعمى وعريان. وهذا حال كل من يجرى وراء العالم. فالعالم باطل وأحسن تفسير لكلمة باطل هو ظاهرة السراب وفيها يجرى الإنسان وراء أوهام ويموت من العطش دون أن يحصل على شىء، وفسرها سليمان أيضا بأن العالم هو قبض الريح فما حصلت عليه من العالم مهما كان كأنك قبضت على هواء، ولا تجد شيئا فى يديك. هذا إنسان يحيا فى خداع لذلك يظهر له المسيح فى شكل أنا بداءة كل خليقة أى هل تظن أنك غير محتاج لى..! ابدا… أنا أصلك وأصل كل خليقة، كيف تستغنى عنى. هذا يقال لكل من هو شاعر أنه بماله ومركزه قادر أن يستغنى عن الله. هذا الملاك عكس ملاك ساردس. فملاك ساردس خدع الآخرين أما هذا فخدع نفسه. وبداية التغيير أن تعرف الحقيقة أنك فقير وبائس… الخ. فالمسيح لا يغنى غنيا ولا يشبع شبعانا بل يعطى لمن يريد أى لمن يشعر بإحتياج إليه.

الشقى = مهما تذوق الإنسان من ملذات العالم، ماذا يفعل وكيف  يتعزى أمام مشاكل العالم، كيف يتعزى بملذات العالم لو علم أنه مريض بمرض قاتل ولا يوجد من ينكر أن العالم ملىء بالآلام. والمسيح يقول لهذا الشخص ستصبح شقى لو أصابتك هذه الآلام بدون تعزياتى (العشاء معى) ولن ينفعك كل العالم.

فقير = فمهما إمتلكنا من مال فيوجد مشكلات لا يحلها المال. هل نستطيع بأموالنا مهما زادت أن نشترى الملكوت ونشترى أبديتنا بل حتى نشترى صحتنا على الأرض

بائس = فهو يعيش فى عالم مؤلم دون تعزيات إلهية. فالله مصدر التعزيات.

أعمى = لا يرى الحقيقة، ترك الحق أى الله ينبوع الماء الحى وذهب وراء الباطل أى سراب، ذهب وراء أبار مشققة لا تضبط ماء.

عريان = عدو الخير يسهل لنا طريق الخطية لكنه يتلذذ بأن يفضحنا، أما المسيح فهو الذبيحة التى إستترنا بها، كفر عن خطايانا ليستر علينا. بل يمنع عدو الخير من أن يفضحنا. المسيح وحده يستر على عبيده. لكن من يصر على طريق الخطية منفصلا عن الله يتركه الله فيفضحه إبليس. لذلك نحن نصلى صلاة الشكر. فلنشكر صانع الخيرات… لأنه سترنا ودارى على عرينا والبسنا رداء بره. ألبس الإبن الضال الحلة الأولى. كما ستر على آدم بالذبيحة، أما العالم فهو ورق التين الذى لا يستر أحد بل يتركه عاريا.

ولاحظ أن هذا الكلام موجه لكنيسة اللاودكيين التى تشير للأيام التى يظهر فيها ضد المسيح ويضيق على أولاد الله فلا يستطيعون البيع ولا الشراء. وربما يلجأ البعض لترك الإيمان ليعيشوا فى سهولة والله ينبههم هنا بأن العالم لن ينفعهم، هو وحده يستر عليهم ((رؤ17:13) البيع والشراء لمن له سمة الوحش).

وهذا الفاتر نجد المسيح مهتما به ويعطى له نصائح للخروج من حالة الفتور هذه والعجيب أنه يقول له = إنى كل من أحبه أوبخه = فهو ما زال يحبه بالرغم من فتوره ولم يرفضه. ويوجه له نداؤه = كن غيورا وتب = الله يتضايق من الفاتر لأن الفاتر لا يستريح فى عشرته مع الله (فقد حرارة عشرته مع الله). صار لا يطيق ان يسمع كلام الله، فهو كان يحيا مع الله ثم تركه إذ  أحب العالم الحاضر. ولكن مع هذا فالله لا يريد أن يتخلى عنه بل يوجه له هذه الرسالة وينصحه بان يعود لحرارته أو غيرته وليتحرك قلبه ويعود يختار الله الحق ويترك الباطل. هذه دعوة للتوبة وبكل دقة يقول فيها ما معناه لا تتضايق من كلامى فأنا مازلت أحبك. وإن كان كلامى قاسيا فلكى أبصرك بخطورة وضعك والخطر المحيط بك.

أشير عليك أن تشترى منى ذهبا مصفى بالنار لكى تستغنى = المسيح يعلم أنه فقير، إذا كيف يشترى ذهبا ؟ الحل أن المسيح يعطيه مجاناً لكن لمن يشعر أنه محتاج إليه. كما قال إشعياء ” أيها العطاش…. هلموا إلى المياه والذى ليس له فضة تعالوا إشتروا وكلوا بلا فضة وبلا ثمن (أش 1:55).

ولكنه يقول له إشترى حفظا على كرامته بدلا من أن يقول له سأعطيك مجانا.

والذهب هو الحياة السماوية أو هو المسيح نفسه إلهنا السماوى الذى تألم وإجتاز نيران الصليب، ثم قام ليعطينا حياته (غل20:2) فنحيا بحياته هنا على الأرض حياة سماوية. والبداية أن نغصب أنفسنا على إقامة علاقة مع المسيح.

  1. بالتوبة.
  2. بالصلاة بلجاجة – فملكوت السموات يغصب (مت12:11).

ولماذا أغصب نفسى على التوبة أى ترك الخطية، ولماذا أغصب نفسى على الصلاة؟

الإجابة: الشعور بالإحتياج. ولنفكر للحظات، سنجد أنفسنا فى عالم ملىء بالمخاوف، ولا تعلم ماذا سيأتى به الغد، ومتى وكيف نغادر هذا العالم وأين سنذهب بعد ذلك؟ وحينئذ سندرك أننا نحتاج لحماية الله فنلجأ له ونقيم معه علاقة بالتغصب. لكن سرعان ما تتحول هذه العلاقة لعزاء وفرح وصداقة = أتعشى معه وهو معى = ونبدأ حياتنا السماوية هنا، والشبع بالمسيح وهذا هو الحق والنهاية مجد فى السماء = من يغلب فسأعطيه أن يجلس معى فى عرشى وثيابا بيضا لكى تلبس فلا يظهر خزى عريتك = المسيح يعرض عليه ثيابا بيض، هذه التى أعطوها للإبن الضال حين عاد تائبا. المسيح يعرض عليه أنه وحده  قادر أن يستر عليه فى الأرض وفى السماء، أما من يستتر بالعالم يفضح. ولاحظ أن ملاك لاؤدكية هو أسوأ السبع الملائكة والمعروض عليه أعظم عرض أى عرش المسيح فإنه يوجد أعظم رجاء لأعظم خاطىء.

كحل عينيك بكمل لكى تبصر = كحل العين مادة طبية تستعمل للإبصار وفى بعض الترجمات جاءت مرهم للعين. وكانت لاودكية مدينة غنية تشتهر بهذه الصناعة أى كحل العين (تزداد به قوة الإبصار) والثياب (ولاحظ الإشارة للثياب البيض) والمعنى، فلقد قال له المسيح سابقا أنه أعمى والأعمى محتاج لأن يشفى بصره بكحل. والمقصود الإمتلاء بالروح القدس الذى يعطى إستنارة. فيبصر حقيقة نفسه. وهذا يتطلب نقاوة القلب بالتوية واللجاجة فى طلب الروح القدس. ومن يعود له إبصاره الروحى سيميز بين الحق والباطل ويختار الحق.

إذا بداية الإصلاح من حالة الفتور:

  1. التغصب على التوبة.
  2. ما الذى يدفعنا لذلك؟ الخوف من الأبدية.
  3. الصلاة بلجاجة.
  4. ما الذى يدفعنا لذلك؟ الشعور بالإحتياج  “إن عطش أحد فليقبل”  (يو37:7-39).
  5. طلب الإمتلاء من الروح القدس فيعطينا إستنارة تساعدنا على إتخاذ القرار الصحيح.
  6. ويأتى بعد هذا حلاوة العشرة مع المسيح وينتهى التغصب ونلاحظ أن البداية الحقيقية هى من المسيح الذى نجده يصور نفسه هنا واقفا على الباب يقرع، منتظرا من يفتح له. فالبداية هى من المسيح والإستجابة منى. وهذه الصورة للمسيح الذى يقرع على الباب متفقة مع (نش2:5). والرب يقرع باب قلوبنا بإنذارات كلمة الله وبإحساناته تارة وبالتجارب المحيطة بنا تارة أخرى. ولاحظ حرية الإختيار إن سمع أحد صوتى (نش4:5) ما يمنعنا من السمع هو تداخل صوت الله من أصوات العالم والشيطان والذات والشهوات.

من يغلب = نحن فى صراع فى هذا العالم بين الحق (المسيح) والباطل (العالم) والحق ينادى علينا ويقرع أبواب قلوبنا. ومن يختاره ويثبت فيه يتلذذ بعشرته (العشاء).

ويحيا فى فرح حقيقى على الأرض. والنهاية مكان فى عرش الله. والمسيح إفتدانا بدمه لأجل هذا. لذلك فمحبة العالم عداوة لله (يع4:4) أى من يترك الله يجرى وراء ملذات الدنيا فهو يرفض الله ومجد الله ومحبة الله ويعيش معذبا، ومهما جمع من أموال ونال من ملذات الدنيا فهو إما سيتركها أو تتركه لذلك فهى باطل (السراب).

أما من إختار المسيح فهو يعيش فى عزاء حقيقى وفرح حقيقى والنهاية مجد حقيقى (حق)


ولاحظ أن عطايا الله بفيض فالفقير والأعمى والشقى يعطيه ذهبا مصفى بالنار بل يجلس معه فى عرشه. حقا يعطى بسخاء ولا يعير. وما نحصل عليه هنا من عشاء مع المسيح هو عربون المجد هناك.

 تفسير رؤيا 2 تفسير سفر الرؤيا تفسير العهد الجديد
 تفسير رؤيا 4
 القمص أنطونيوس فكري
تفاسير سفر الرؤيا تفاسير العهد الجديد

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى