تفسير رسالة رومية اصحاح 1 للأنبا أثناسيوس مطران بني سويف

القسم الأول

التبرير بالإيمان 8:1 – 36:11

الخطية في الجميع 18:1 – 29:2

يغضب غير المؤمنين من إعلان هذه الحقيقة ، أن الخطيئة ساكنة في الطبع البشري وفي مجتمع البشر . ولكن من هو الإنسان الذي يتأمل داخله فلا يجد هجمات الخطايا ومناوشاتها . وكيف يمكنه أن يوجد في حضرة هذه الخطايا لأن الله أبدياً إن لم تخلص طبيعته من القدوس لا يوجد فيه أثم . بل كيف تستريح نفس الانسان على الأرض إن لم تجد مخلصاً ينقذها منسلطان الخطيئة ! وأين هو المجتمع البشري الذي يتخلص من الأحقاد والحروب وصراعات الشعوب والمبادئ والثروات وشهوات التسلط والإمتداد والظلم وفساد الأخلاق وما لا يقع تحت حصر . فالنفس الإنسانية خطيرة للصراع الداخلي بالخطايا ومـضـاعـفـاتـهـا ودهائها ، والمجتمع ميدان لأنواع لا تحصى من المفاسد.

1- لا انكار للفساد 18 – 32

والله يريد استرداد الإنسان إلى حاله النقى ووضعه الأبدى .

والانسان منه ، ووقـوعـه في الشـر فـسـاد لذاته وضلال عن طريقـه ومصيره ، بل وأصله ومصدره . فطبيعي أن يتحرك الأصل ليسترد الفرع الذي فقد كل شئ . فغضب الله ليس للمعاقبة ، لأن العقاب ثابت في الإنحراف والفساد والحرمان ، مثلما أدرك آدم وحواء حالهما الفاسد وابتعدا قبل أن يقرر الحال بقرار من صاحب السلطان . ولأن غضب الله معلن من السمـاء على جميع فجور الناس وإثمهم ، الذين يحجزون الحق بالإثم .»

1 : 18 فإثم الإنسان يحجز نور الله عنه . وتتكرر صورة الفساد المانع لنور الحق ثلاث مرات أخر في هذا الجزء “إذ إستبدلوا حق الله بالكذب يعملون” “و لم يستحسنوا أن يبقوا الله في معرفتهم” ، “إذ عرفوا حكم الله أن الذين يعملون هذه يستوجبون الموت لا يفعلونها فقط بل أيضاً يسرون بالذين يعملون.

ويذكـر الـسـفـر في الفصلين الأولين منه آداتين ثابتتين في طبيعة الانسان لأدراك الحق ، الأولى العقل الذي يفكر ( وبوضع العبارة في صيغة جديدة تصير ) لان أموره غير المنظورة أي قدرته السرمدية ولاهوته . 

“تـرى منـذ خلق العالم وتدرك بالمصنوعات حتى أنهم بلا عذر” (۲۰:۱ ) والثانيـة هي نامـوس الحس الطبيعي أي الضمير ، “لأنه ( حيث أن ) الأمم الذين ليس عندهم الناموس ( الشريعة الموسوية ) متى فعلوا بالطبيعة ما هو في الناموس ، فهؤلاء إذ ليس لهم الناموس ، هم ناموس لأنفـسـهـم ، الـذين يظهــــون عـمـل النامـوس مكتوباً في قلوبهم شاهـدأ أيضـاً ضميرهــم وأفكـــارهم فيما بينها مشتكية أو محتجة ) ( رو 2: 14 ـ 15)

ومن الغريب أن التاريخ يضج بقصص عن أفراد ومجتمعات كانت البـداية مـعـهـم رفض الايمان بالله فسلكوا في طريق منحدر هوى بهم في درجات السـقـوط حتى السـفـه والإنحلال . ويمكننا أن نجـد في الوصف المركـز لـهـذا الأنحـدار الوارد في هذه الآيات ( 1: 18- 32) سبع سقطات متدرجة حتى الوصول إلى ما يبعد كل البعد عن اللياقة والعقل.

1 – رفض الخضوع لله

أي أنكار الله وتجنيبه عن الفكر والحياة “لما عرفوا الله لم يمجدوه أو يشكروه كاله” آية 21

٢ – إدعاء الحكمة في أيديولوجيات ونظريات متكبرة مدعين أنها تحـل المشاكـل بعيـداً عن الإيمان « بينما يزعمـون أنهـم حكماء صاروا جهلاء ، آية 22

3 – خلق آلهة مختلفة كالمادة والعقل واللذة.

” أبدلوا مـجـد الله الذي لا يفنى بشـبـه صـورة الإنسان الذي يفنى والطيور والدواب والزحافات … ” 23

4 – انتشار تعبيرات غير لائقة للسخرية من الدين والخالق ونشر فنون وشعارات وأشخاص ورموز يحترمونها ويبجلونها وجعلوا لها مناسبات ومعارض وأعياداً . …. « إستبدلوا حق الله بالكذب واتقوا ( احترموا لدرجة التقديس ) وعبدوا المخلوق دون الخالق الذي هو مبارك ( يليق به وحده التقديس ) إلى الابد آمين » آية 25

5 – الفساد والشذوذ . أسلمهم الله إلى أهواء الهواء . لأن إناثهم ….ذكوراً بذكور » 26، 27

6 – اليأس والتقزز والأمراض النفسية وانقسام الشخصية … وغيرها « نائلين في أنفسهـم جزاء ضلالهم المحق … ذهن مرفوض ليفعلوا ما لا يليق » ( 27 – 28 )

7 – سواد المفاسد الاجتماعية وإنحلال الأسرة « مملوئين من كل إثم .. مشحونين حسداً وقتلاً وخصاماً . مبتدعين شرورا غير طائعين للوالدين ….يسرون بالذين يعملون » 29-32

هذا وإننا نترك للقارئ أن يدرس تاريخ سقوط الإمبراطوريات الكبرى كاليونانية والرومانية وغيرها وما كان فيها من نظريات فلسفية اجتماعية ومظالم وإنحلال أسرى حتى جاء سقوطها هينا أمام غيرها من قوى صاعدة متماسكة.  ثم دارت هذه بدورها في ذات الطريق ، فساد نفـوس أفرادها الوهن والتشقق ، ومجتمعاتها الرخاوة والفتن والموبقات فصارت مأكلاً لغيرها . ونترك للقارئ أيضاً ملاحظة النفوس التي تتهاوى إلى مهانات مختلفة ودراسة بعض أمثلة منها . كما ندعوه أن يدرس بالأحرى شخصيات من غير  مجتمعه المعاصر حتى لا يقع في إدانات تجعل الآية التي تلي هذا الجزء مباشرة تنطبق عليه . وهل من خلاص للفرد أوللجماعة إلا بمعرفة من هو بلا خطية وحده القدوس الذي بلا شر ، المندمج في طبيعتنا والذي افتداها من الهلاك فنفحها قوة النصرة ورفع عنها حكم الموت الأبدى . وبطبيعته التي جمعت الناسوتية واللاهوتية . وضع قوة جذب لا نهائية تحوى كل من آمن به ، وبحكم مشاركته الطبيعة البشرية وضع فيها نصرة ذاتية تحوى النفس والجسد والروح )

مقدمة تفسير رسالة رومية تفسير العهد الجديد تفسير رومية 2

الأنبا أثناسيوس مطران بني سويف

تفاسير رسالة رومية تفاسير العهد الجديد

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى