تفسير رسالة رومية أصحاح 12 للقمص أنطونيوس فكري

تفسير رومية – الإصحاح الثاني عشر

 

رو12: 1-3

آية (1): “فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ بِرَأْفَةِ اللهِ أَنْ تُقَدِّمُوا أَجْسَادَكُمْ ذَبِيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اللهِ، عِبَادَتَكُمُ الْعَقْلِيَّةَ.”

فَأَطْلُبُ = حرف الفاء يشير أن الحديث القادم امتداد لما سبق وأن ما سيطلبه الآن في الآيات والإصحاحات القادمة مبني على ما شرحه فيما سبق. فالرسول سبق وشرح جوانب إيمانية تمس الخلاص وأظهر أن النعمة بالإيمان هي قوة إلهية تكسر حدة الخطية. ونرى فيما يلي أننا علينا أن نجاهد، فليس معنى النعمة أن يتكاسل المؤمن، وإلا فقد عمل النعمة. لذلك يقول الرسول إمتلأوا بالروح، لأن النعمة هي قوة يعطيها الروح القدس. وتزداد قوة عمل النعمة فينا بالامتلاء من الروح القدس. والامتلاء بالروح القدس يكون بالجهاد. ويشرح الرسول طريقة الجهاد الذي به نمتلئ بالروح في (أف5: 18 -21). ويقول هنا عن الجهاد “غير متكاسلين في الإجتهاد، حارين في الروح، عابدين الرب” (رو12: 11). ويقول لا تطفئوا الروح (بالاستهتار والخطية). وقطعا فإطفاء الروح هو فقدان لعمل النعمة أما الجهاد فيعطينا امتلاء بنعمة فوق نعمة (يو16:1) وهذا ما عناه الرسول بقوله “إضرم موهبة الله التي فيك” (2تي1:6).

ولو كانت الأعمال لا لزوم لها وهكذا الجهاد، وأن النعمة تعمل كل شيء، فما معنى أن يطلب الرسول من المؤمنين أن يقوموا بتنفيذ هذه الوصايا، مثل تقديم أجسادنا ذبيحة حية (هذه الآية) فلا انفصال بين الإيمان والسلوكيات (الأعمال) فمثلًا من يؤمن بأن النعمة تعمل كل شيء فهو سيتكاسل ولن يعمل، ومن يؤمن بأن الخلاص تم في لحظة وأن اسمه كتب في سفر الحياة وأنه لن يهلك مهما حدث فهذا سيدفعه لأن يخطئ طالما ضمن الخلاص، إذًا العقيدة تؤثر تأثيرًا واضحًا على الأعمال والسلوكيات، فلا سلوك عملي دون إيمان، ولا إيمان حي دون أعمال (رسالة يعقوب) فالسلوكيات تتشكل بحسب العقيدة التي شرحها الرسول في الإصحاحات السابقة. مثال آخر: من يؤمن بالشفاعة تكون له صداقة مع السمائيين وعشرة حلوة معهم وله إنتماء للسماء التي صارت مفتوحة.

وكعادة بولس الرسول يخصص الجزء الأخير في رسالته للوصايا العملية كثمرة لحياة الإيمان وثمرة لسكنى الروح القدس في المؤمنين. ولكن الروح القدس لا يعطى لمن لا يجاهد. ويقول الآباء عن النعمة أنها عطية مجانية ولكنها لا تعطى إلا لمن يستحقها. ومن الذي يستحقها إلا الذي يعمل ويتاجر بوزناته كما قال رب المجد عن العبد الكسلان الذي لم يعمل “فكان ينبغي ان تضع فضتي عند الصيارفة فعند مجيئي كنت اخذ الذي لي مع ربا. فخذوا منه الوزنة واعطوها للذي له العشر وزنات. لان كل من له يعطى فيزداد ومن ليس له فالذي عنده يؤخذ منه” (مت25 : 27 – 29). وماذا عن مصيره؟ يقول رب المجد “والعبد البطال اطرحوه إلى الظلمة الخارجية هناك يكون البكاء وصرير الاسنان” (مت25: 30).

بِرَأْفَةِ اللهِ = قد تعني “من أجل رأفات الله أتوسل إليكم أن تعملوا كذا وكذا. ولكنها هي تعني أنه إن كنت أطلب إليكم أن تقدموا أجسادكم ذبائح حية وفي هذا بعض الآلام، فقبل أن أطلب هذا أطمئنكم أن الله سيتعامل مع أجسادكم المقدمة برفق وسيعطيكم تعزيات لذيذة تتناسب مع ذبائحكم المقدمة. وتعني أيضًا أنه في مقابل رحمة الله ورأفته علينا أن نعمل كذا وكذا…

قَدِّمُوا أَجْسَادَكُمْ ذَبِيحَةً حَيَّةً = الكاهن هو الذي يقدم ذبائح، ومن هنا نفهم قول الكتاب جعلنا ملوكا وكهنة (رؤ6:1 +1بط 9:2). فهناك كهنوت خاص، وهذا هو سر الكهنوت، خادم أسرار الكنيسة. وهناك كهنوت عام لكل المؤمنين فيه يقدم الكل ذبائح:-

1. تسبيح (عب15:13).

2. خدمة فقراء (عب16:13).

3. إنسحاق وتواضع (مز17:51).

4. صلوات ورفع أيادي (مز2:141).

5. تقديم الأجساد ذبيحة حية (هذه الآية).

أَجْسَادَكُمْ ذَبِيحَةً حَيَّةً =شرح الرسول فيما سبق ما أعطاه الله لنا من نعمة فماذا نقدم له في المقابل؟ أجسادنا ذبيحة حية. فالعبادة اليهودية كانت تقدم فيها ذبائح حيوانية (تذبح فعلا) أما العبادة المسيحية فنقدم فيها أجسادنا ذبائح حية، أي لا داعي لأن نموت فعلًا بل أن نميت الإنسان العتيق وذلك بصلب شهواتنا (غل24:5) وكذلك بالأصوام والمطانيات metanoia والصلوات الطويلة. وأن نحسب أنفسنا أمواتًا عن الخطية فنكف عن أستخدام أعضائنا كآلات إثم تتلذذ بشهوات هذا العالم، وحينما نمنع عن الإنسان العتيق الشهوات الحسية فإنه يموت بعمل الروح ومعونته (رو13:8).

أمثلة لعدم إستخدام أعضائنا كآلات إثم:

1. ضع عينيك في التراب.

2. إقفل أذنيك عن سماع الخطأ وحتى ما هو شبه خطأ.

3. إمسك لسانك عن التكلم بالشر.

4. إمتنع عما كنت تتلذذ به من خطايا العالم.

5. الإكثار من الأصوام والميطانيات.

6. إجهد نفسك في عمل الخير وقد يكون جسدك متعبا= هذا يساوي تقديم الجسد كذبيحة حية. ولاحظ أن الأجساد هي الأداة التي تعبر عما في القلب والفكر.

مُقَدَّسَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اللهِ = التقديس هو الإفراز عن العالم والتخصيص لله بلا دنس

مَرْضِيَّةً عِنْدَ اللهِ = الذبائح الدموية لم تكن مرضية عند الله بقدر الذبائح الحية كالإنسحاق، وهذا فهمه الآباء، وداود عَبَّر عن هذا (مز51: 16 ، 17) “الله لا يسر بالمحرقات، فالذبيحة لله روح منسحق”. والله لا يسر بتقديم تيوس كذبائح، بل يسر بشفتين تسبحانه بالرغم من آلام الجسد (هو2:14). وذبيحتنا تكون مرضية عند الله عندما نقدمها بالحب في مقابل محبته. وما الذي يرضي الله حينما نقدم أجسادنا ذبيحة حية؟ حينما نعمل ذلك فنحن نعطي فرصة للروح القدس أن يجذبنا للسماويات. “لأن الجسد يشتهي ضد الروح والروح ضد الجسد، وهذان يقاوم أحدهما الآخر” (غل5: 17). ومن يحيا في السماويات، تاركا شهواته الخاطئة يخلص وهذا ما يرضي الله، خلاص نفوسنا.

 

عِبَادَتَكُمُ الْعَقْلِيَّةَ = راجع تفسير (رو9:1). تقديم أجسادنا ذبائح حية هي عبادة يجب أن نقدمها ككهنة باقتناع عقلي، وهذا ما يفعله الروح الذي يقنع المؤمن بهذا. والعبادة العقلية هي تفهم لأسرار محبة الله، فيشتعل القلب حبًا لله ويشتهي تقديم جسده ذبيحة حب لله الذي أحبه كل هذا الحب. العبادة العقلية هي إقناع الروح القدس للمؤمن بما يفعله (إر7:20).

أما العبادة العمياء المنبعثة عن جهل فلا تليق إلاّ بالأصنام، أما الله فيقول هلم نتحاجج (إش18:1)، فالله لا يفرض علينا شيء غير معقول أو غير مقبول. العبادة العقلية هي إقتناع بأن نسلِّم أعضاءنا كآلات بر لله بدلًا من أن تكون آلات إثم، فالاقتناع مهم قبل أن نقدم أجسادنا ذبائح حية “أقنعتني يا رب فاقتنعت” (إر7:20) هي عبادة تشترك فيها كل قوى الإنسان، النفس والعقل والجسد والروح. ولاحظ أن الله يقنع آدم بأن يكون له معينًا نظيره قبل أن يخلق له حواء، وذلك بأن جعله يلاحظ أن كل الخليقة تتكون من ذكر وأنثى، فيكون هذا مطلبًا له أولًا ثم يحققه له الله بعد ذلك (تك18:2-21). ولاحظ عمل الروح القدس في الأطفال الذين تجدهم يفرحون بالله ويحبونه دون أن يفهموا شيء، ولكن الروح أعطاهم هذا الإقناع وهذا الحب. والعكس في العبادة الوثنية التي كلها غموض وكلمات مبهمة، أمّا الكهنوت المسيحي فكل كلمة تقال منشورة في الخولاجي eu,ologion، والكل يفهمها ويدركها والكل مقتنع بها، حتى ما يصعب على أن يُدرَك بالعقل، فالروح القدس يعطي لنا أن نقبله ونقتنع به.

 

آية (2): “وَلاَ تُشَاكِلُوا هذَا الدَّهْرَ، بَلْ تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ، لِتَخْتَبِرُوا مَا هِيَ إِرَادَةُ اللهِ: الصَّالِحَةُ الْمَرْضِيَّةُ الْكَامِلَةُ.”

هناك صورة لأولاد الله، يكونون فيها شكل المسيح في محبته وقداسته ووداعته… يكونون نورًا للعالم. وهناك صورة لأولاد العالم الذين كل همهم البهرجة والموضة والعنف والشهوة…هم في ظلمة.

لا تشاكلوا هذا الدهر: أكبر عدو للتغيير إلى صورة الله، هو أن نتشبه بالعالم وصورة أولاده، فالعالم زائل زائف، ومن يأخذ شكله يصير فانيًا مثله.

تُشَاكِلُوا = تتشبهوا وتقلدوا. من الخطأ أن نقول “كل الناس بتعمل كده” لسبب بسيط أنني لست ناس، بل أنا ابن لله، لقد أصبحنا بعد المعمودية مخلوقات سماوية ومواطنين سماويين ونصلي لأبينا الذي في السموات، والله يسكن فينا، فإمّا أن نتخلى عن كل هذا الذي حصلنا عليه ونصير شكل العالم، أو نترك شكل العالم ونتغير = بَلْ تَغَيَّرُوا = كلمة تغيروا تشير للخليقة الجديدة والولادة الجديدة بالمعمودية التي لها قوة تعين على ذلك، هي تعيننا على أن “نتغير إلى تلك الصورة عينها من مجد إلى مجد كما من الرب الروح” (2كو 18:3). وبولس يطلب أن نترك الشكل القديم معتمدين على ما حصلنا عليه في داخلنا من قوة مؤازرة من الروح القدس. وبقدر ما نتغير عن شكل هذا الدهر نتشكل كأبناء لله، فنحمل شكل المسيح. من له شكل العالم يصير فانيا مثله، ومن يحمل شكل المسيح سيكون في مجد أبدي مثله. وكيف يتم هذا التغيير؟

بتجديد أذهانكم = بالمعمودية صار لنا إدراك روحي، وهذا يتفتح باستمرار مع الدراسة والتأمل والقراءة، ومع الوقت يحدث تجديد الذهن. ففي كل مرة يحدث حالة ارتقاء ذهني ويتحول الذهن الجسدي إلى ذهن روحي.(1بط23:1). ومع تفتح الذهن يبدأ الإنسان في الاهتمام بأن يوجد مع الله تاركًا أماكن الشر، ويومًا وراء يوم يجد نفسه وقد انصرف تمامًا عنها.

في البداية تجده متذبذبًا بين هذه وتلك، ربما يضغط على نفسه ليذهب للكنيسة، ولكنه يسعد بأماكن اللهو، ومع الوقت لا يجد لذته سوى في الكنيسة. ويومًا وراء يوم تتغير مبادئه، في شكله الأول كان يهتم بالنوادي…. والآن صار اهتمامه فقط بتسبيح الله، وهذا يحدث بتأثير الروح القدس الذي يعطيه الإقناع العقلي. ويضاف لهذا الخبرة الشخصية حينما يتذوق لذة الحياة مع الله. كلما قدم جسده ذبيحة حية كلما إستنار أكثر بالروح القدس الذي يعطيه تغييرًا وتجديدًا لذهنه. بل ما كان يفرح به في الماضي لا يعود يفرحه الآن. زمان كان يفرح بالمال واقتنائه والآن ما عاد يفرحه سوى عشرة الله. لِتَخْتَبِرُوا مَا هِيَ إِرَادَةُ اللهِ: الصَّالِحَةُ الْمَرْضِيَّةُ الْكَامِلَةُ.= كلما اقترب المؤمن من شكل أولاد الله ، يمتلئ من الروح القدس ، والروح يعطيه استنارة بأن إرادة الله دائمًا صالحة فيرضي عنها إذ هي دائمًا كاملة فيسلِّم حياته لله تسليمًا كاملا، وتصير نفسه في صفاء كامل لا يزعزعها أو يزعجها شيء، مثل هذا الإنسان سينفذ إرادة الله في حياته إذ هو يستحسنها. ولا يعود هذا الشخص يتساءل أريد أن أعرف إرادة الله في هذا الموضوع أو ذاك الموضوع، فالروح يعطي إستنارة كاملة. فيعرف الشخص طريقه فالروح القدس هو روح النصح (2تى1: 7). وإن كانت الأمور عكس إرادته نجده يقول هي للصالح طالما هي إرادة الله، فالله لا يخطئ أبدًا.

لاحظ أن كلمة المرضية في هذه الآية تختلف عن كلمة مرضية في (الآية 1):-

ففي هذه الآية هنا النفس تجد أنها في سلام راضية بكل ما يحكم به الله، فالروح القدس في داخلها يعلن لها أبوة الله ومحبته (رو8: 15 ، 16). وأيضًا تجد داخلها في سلام لو سلكت بحسب إرادة الله ولاَ تُشَاكِلُ هذَا الدَّهْرَ بل تحفظ وصايا الله، أما لو سلكت في طريق الخطية فإنها تفقد سلامها، إذًا في هذه الآية الكلمة خاصة بالنفس.

أما في (الآية 1) كلمة مرضية تشير لقبول الله ورضاه عن ذبيحتنا حينما نقدم أجسادنا ذبيحة حية. إذًا هنا الكلمة خاصة بالله.

 

آية (3): “فَإِنِّي أَقُولُ بِالنِّعْمَةِ الْمُعْطَاةِ لِي، لِكُلِّ مَنْ هُوَ بَيْنَكُمْ: أَنْ لاَ يَرْتَئِيَ فَوْقَ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَرْتَئِيَ، بَلْ يَرْتَئِيَ إِلَى التَّعَقُّلِ، كَمَا قَسَمَ اللهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِقْدَارًا مِنَ الإِيمَانِ.”

علاقة هذه الآية بالآيات السابقة والآيات الآتية:

آية 1: تقديم الأجساد ذبيحة حيَّة في مقابل كل ما عمله المسيح لأجلنا.

آية 2: تغيير شكلنا إلى صورة أولاد الله.

آية 3: الحرب المتوقعة لمن يفعل ما سبق، الكبرياء، وأن الشخص قادر أن يكون كل شيء في الكنيسة، فهو وحده الصالح المؤمن الذي اختبر طريق الله. وتعني أنه في طريقنا الروحي لتغيير أذهاننا أو تقديم أجسادنا ذبيحة حيَّة لا نطبق قوانين فوق مستوياتنا سمعنا عنها عن آباء كبار. لكن يجب أن نكون تحت إرشاد. فما يصلح لشخص لا يصلح لآخر.

آيات 4-6: الكنيسة كلها جسد واحد وكل له موهبته وله دوره. هذا علاج من يظن نفسه كل شيء في الكنيسة. أي لا تحتقر الآخر فله دور كدورك.

باقي الإصحاح: كيف أسلك كعضو صالح في الكنيسة.

يَرْتَئِيَ = يرى في نفسه. إذًا نصيحة الرسول لمن تغير شكله أن لا يكون له إهتمام وتقدير لنفسه أكبر مما يجب أن يكون له. بل يكن له اتضاع الفكر. “فالذبيحة لله روح منسحق” فطوبى للمساكين بالروح. بَلْ يَرْتَئِيَ إِلَى التَّعَقُّلِ = فلا يتسرع ولا يتحمس بسرعة ولا يقرر أموره بسرعة، فمثلا يسمع عن طول صلاة الأنبا أنطونيوس فيقرر أن يفعل مثله، أو عن صيام أحد القديسين فيقلده، أو مطانيات أحد الآباء فيعمل مثله. هنا تأتي أهمية أب الإعتراف. ومن عدم التعقل أن يظن أحد في نفسه أنه أهم شخص في الخدمة، وبدونه تنهار الكنيسة.

فالله قسم لكل واحد وزنات (مواهب) ليؤدي دوره، فمن كانت موهبته أقل فلا يصاب بصغر نفس، ومن كانت مواهبه كبيرة فلا يصاب بالكبرياء. فصغر النفس والكبرياء ليسا من التعقل. فمن له عشر وزنات مطلوب منه عشر أخرى، ومن له خمس لن يطلب منه عشر بل فقط خمس وزنات. (راجع آية16). لذلك نسمع فيما يأتي أن الكنيسة كلها جسد واحد وكلنا أعضاء. وهذا لا يمنع أن نطلب لننمو أكثر، والله يعطي بحسب الاحتياج على أن لا يشعر من يأخذ ويزداد بالكبرياء، بل ليقل المؤمن “يا رب لم يرتفع قلبي ولم تستعل عيناي ولم أسلك في العظائم” (مز1:131) ويقول القديس أغسطينوس أن الكتاب حينما قال “ليس بكيل يعطي الله الروح” كان يتكلم عن المسيح وليس الإنسان، لأن الروح يسكنه في كمال اللاهوت. لكن بالنسبة للإنسان فيعطي كل واحد حتى يفيض (يو38:7). ولكن كل واحد يصل فقط لكمال ملئه، وكل واحد حسب موهبته المعطاة له، وعندما يمتلئ يشتاق أن يأخذ أكثر وهكذا ينمو.

مِقْدَارًا مِنَ الإِيمَانِ = العطية هي حسب الإيمان، والإيمان عطية من الله فهو الذي قسمه. والإيمان لا يسلم للجميع بمقياس واحد أو برؤية واحدة أو باتساع واحد أو بقوة واحدة، فالله بحسب سبق معرفته بالإنسان ماذا هو وماذا سيكون، يمنحه قسطًا من الإيمان يتوافق مع جميع إمكانياته وضعفاته وطموحاته ومسئولياته، فأصبح الإيمان لدى كل واحد خاصًا به وحده فلا يعرضه للتباهي، أو ينتفخ به فالله هو الذي أعطاه هذا الإيمان، ولا يفرضه على الناس متجاهلًا إمكانياتهم. فكل عمل نعمله مرتبط بمقدار إيماننا. ولنأخذ مثالا… الآباء المتوحدين يعيشون في مغارات خارج الأديرة ويرجعون للدير مرة في الأسبوع لحضور القداس والتناول. وبعد التناول يأخذون معهم ما يحتاجونه من ماء وبعض الطعام وينطلقوا إلى مغاراتهم. أما الآباء السواح فهم ينطلقون إلى الصحراء دون أي زاد معهم، لا ماء ولا طعام ولا أي شيء… لهم إيمان قوي أن الله قادر أن يعولهم فلا يحتاجون إلى العودة للدير. فهل هذا المستوى الإيماني يصلح لكل واحد، أن يدخل الصحراء بدون طعام أو ماء واثقا أن الله يعوله. ولكن من يجاهد ويضرم موهبة الله التي فيه يزيده الله إيمانًا فوق إيمان ويزداد إيمانه، لذلك يقول بولس الرسول لأهل تسالونيكي أن إيمانكم ينمو (2تس3:1). والتلاميذ طلبوا من السيد قائلين زد إيماننا (لو5:17). (راجع تفسير رو1: 17) والإيمان يزداد مع الشكر وسط الضيقات التي يستعملها الله لنرى يده وسط الضيقة فيزداد إيماننا، لكن من يتذمر لا يرى يد الله، بل يضعف إيمانه. كذلك كلما أعرف المسيح وقدرته ومحبته يزداد إيماني، وهذا يأتي بالعشرة الطويلة مع الله (صلاة ودراسة كتاب…) .

إذا نفهم أن الإيمان وزنة، والله يقسم لكل واحد وزنة تختلف عن الآخر، ومن يتاجر بها حسنا ينمو إيمانه.

رو12: 4-10

الآيات (4-6): “فَإِنَّهُ كَمَا فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ لَنَا أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ، وَلكِنْ لَيْسَ جَمِيعُ الأَعْضَاءِ لَهَا عَمَلٌ وَاحِدٌ، هكَذَا نَحْنُ الْكَثِيرِينَ: جَسَدٌ وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ، وَأَعْضَاءٌ بَعْضًا لِبَعْضٍ، كُلُّ وَاحِدٍ لِلآخَرِ. وَلكِنْ لَنَا مَوَاهِبُ مُخْتَلِفَةٌ بِحَسَبِ النِّعْمَةِ الْمُعْطَاةِ لَنَا: أَنُبُوَّةٌ فَبِالنِّسْبَةِ إِلَى الإِيمَانِ،”

الآيات 4 ، 5:- كلنا أعضاء في جسد المسيح الواحد، كل عضو يتكامل مع الآخر والجسد في احتياج لكل أعضاءه، الكل يخدم الكل. “ليكن كل واحد بحسب ما اخذ موهبة يخدم بها بعضكم بعضا كوكلاء صالحين على نعمة الله المتنوعة” (1بط4: 10). فالله يعطي الموهبة لنخدم بها الآخرين، إذًا هي ليست للمجد الذاتي بل لمجد الله وبناء الكنيسة. فالله خلقنا لأعمال صالحة لنؤديها في حياتنا (أف2: 10)، والمواهب تُعطى لنا لنتمم هذه الخدمة بنجاح. لذلك علينا كلنا أن نخدم في تواضع، فإذا كانت كل عطية هي من الله فلماذا الكبرياء. وهنا نرى أن القدم تحتاج لكمية دم أكبر من الإصبع، من هنا نفهم أن الله قسم لكل واحد على قدر عمله. ولا يجب أن يقول أحد أنا لست شيئًا فلأجلس وأسكت، بل أنا فعلًا لست شيئًا، إنما المسيح عامل فيَّ فلأجتهد بقدر ما في وسعي ونعمته تساندني.

آية6: إن لنا إمكانيات مختلفة وفقًا لنعمة الروح القدس التي أعطيت لنا. وعلينا أن نشعر بالقناعة تجاه هذه المواهب، وألا نبحث في أنانية ومحبة للذات عن تلك المواهب التي لم تعط لنا من الروح القدس. فالله الذي يعطي الموهبة، يعطيها لنا ليس بحسب اشتياقنا لها بل لنؤدي بها العمل المطلوب، لأن الله هو الذي قسم لكل منا عملا ليؤديه. هذا ما قال عنه الرسول “ولكن لكل واحد منا أعطيت النعمة (الموهبة) حسب قياس هبة المسيح” (أف4: 7). ولكن نلاحظ أن الرسول لم يميز بين مواهب عظيمة ومواهب قليلة فالكل من الله.

أَنُبُوَّةٌ فَبِالنِّسْبَةِ إِلَى الإِيمَانِ = النبوة هي الوعظ والكرازة بكلمة الله (1كو1:14-3). وهي إعلان أسرار الله نحو الإنسان لبنيان الكنيسة وتمتع البشرية بالأمجاد المقبلة. أي الكشف لا عن أحداث زمنية بل مجد أبدي. في العهد القديم كانت النبوة إشارة للمسيح والآن هي الدخول بالنفوس إلى انتظار مجيئه الأخير لتنعم بشركة الميراث معه.

وهذا العمل ليس بشريًا بل هو عطية الله للمتكلم والسامع، لذا تحتاج للإيمان لينعما كليهما بهذه البركة الإلهية التي تنسكب متى وجدت أواني للإيمان. فلا نبوة إلا للمؤمن. آمنت لذلك تكلمت (مز10:116). فالوعظ يحتاج لإيمان من المتكلم وإيمان من السامع. فإذا لم يكن للإنسان إيمان بالحياة الأبدية فما الذي سيرغمه أن يحيد عن الشر ويسلك في طريق التوبة التي يتكلم عنها الواعظ. ولاحظ أنه حتى أنبياء العهد القديم لم يكن هدفهم هو التنبؤ فقط بالمستقبل بل حث الشعب على التوبة.

ونلاحظ أن أول موهبة هنا يذكرها الرسول هي التنبؤ، ولم يذكر هنا موهبة الرسولية كما فعل في رسالتيه إلى كورنثوس وأفسس حين تكلَّم في نفس الموضوع (أف1:4 + 1كو28:12). وأيضًا هنا لم يذكر أي درجات كهنوتية من أساقفة أو كهنة، ولا مواهب شفاء ولا ألسنة، وذلك لأن كنيسة روما لم يذهب لها أي رسول. ولا تأسست فيها كنيسة بالمعنى المعروف قبل أن يذهب لها الرسولان بطرس وبولس سنة 62 تقريبًا.

 

آية (7): “أَمْ خِدْمَةٌ فَفِي الْخِدْمَةِ، أَمِ الْمُعَلِّمُ فَفِي التَّعْلِيمِ،”

أم خدمة = المقصود بها الخدمات الإدارية ومساعدة الفقراء وخدمة الموائد. بل شملت التعميد وتأسيس الكنائس في الكنيسة الأولى بل الكرازة أيضًا. فحتى الرسولية تُدعى خدمة. وكل عمل روحي هو خدمة. والمقصود من له خدمة فليكن أمينًا في خدمته ولا ينشغل بالآخرين.

أم المعلم = أي تعليم الحقائق الإلهية والعقائد، والمعلم يهتم بالفكر الدراسي. وهؤلاء المعلمين يساعدون الشعب في تصحيح مساراتهم.

 

آية (8): “أَمِ الْوَاعِظُ فَفِي الْوَعْظِ، الْمُعْطِي فَبِسَخَاءٍ، الْمُدَبِّرُ فَبِاجْتِهَادٍ، الرَّاحِمُ فَبِسُرُورٍ.”

الْوَاعِظُ = يشمل الحث على التوبة والتأملات ونصح الآخرين وإرشادهم للفضيلة. الْمُعْطِي فَبِسَخَاءٍ = لأن الرسول كان يتكلم عن الخدمات في الكنيسة فيمكن فهم أن المعطي هو الخادم المسئول عن التوزيع على الفقراء، وهذا عليه أن يعطي بسخاء دون تفكير في الماديات والله سيرسل بركات كثيرة، قال أحد الخدام الأمناء “فليكن صندوقك فارغا” (أي أعط كثيرًا) فالله سيملأ الصندوق الفارغ، أمّا لو وجده ممتلئًا فسيتركه. . وهذه الآية تطبق على العطاء على المستوى الشخصي. الْمُدَبِّرُ = هو الشخص المسئول عن تدبير احتياجات الكنيسة، هو يد ورِجل الكاهن. الرَّاحِمُ = من يقدم أعمال رحمة كخدمة الأرامل والمرضى. فَبِسُرُورٍ = فكيف يكون حزين الملامح وهو يقدم خدمة للمسيح في شخص إخوته “كنت مريضًا فزرتموني” (مت36:25). هناك خدام يقبلون يد المريض إذ يؤمنون بأنهم يزورون المسيح.

 

آية (9): “اَلْمَحَبَّةُ فَلْتَكُنْ بِلاَ رِيَاءٍ. كُونُوا كَارِهِينَ الشَّرَّ، مُلْتَصِقِينَ بِالْخَيْرِ.”

ينتقل الرسول إلى الأعمال السلوكية، ويبدأ بالحب الأخوي، فالحب هو الفكر السائد الذي يربط الكنيسة معًا كأعضاء حيَّة متكاملة (1يو14:3) والمحبة هي الأساس. ولو كانت المحبة فيها رياء فلا يمكن بناء شيء صالح فوقها. والمحبة التي بلا رياء= هي التي لا تطلب شيء في مقابلها. هي التي بدافع إرضاء الله وخدمة الناس بالإخلاص، وهذه لا يقدر عليها إلا من سكن الله في قلبه. ملتصقين = كما يلتصق الرجل بامرأته. عمومًا من له محبة بلا رياء يكون كارهًا للشر.

 

آية (10): “وَادِّينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِالْمَحَبَّةِ الأَخَوِيَّةِ، مُقَدِّمِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فِي الْكَرَامَةِ.”

وادين= إظهار المحبة بحرارة. والطريق الذي ينشئ هذه المودة سريعًا ويخلق أصدقاء هو أن يسعى كل إنسان لتكريم قريبه فلا نتسابق في طلب الكرامة بل في إعطاء الكرامة. الود هو إظهار المحبة التي في القلب. وإظهار هذه المحبة سيزيد المحبة المتبادلة.

رو12: 11-16

آية (11): “غَيْرَ مُتَكَاسِلِينَ فِي الاجْتِهَادِ، حَارِّينَ فِي الرُّوحِ، عَابِدِينَ الرَّبَّ،”

حارين بالروح= الروح هنا هو روح الإنسان وليس الروح القدس. ولكن من يعبد بحرارة سيمتلئ بالروح “إضرم موهبة الله التي فيك” (2تي6:1). وكلما امتلأنا بالروح سنعبد بحرارة، وكلما عبدنا نمتلئ من الروح وهكذا، والبداية أن نقرر أن لا تكون عبادتنا فاترة بلا طعم. وسر الحياة المسيحية كلها يكمن في اقتناء الروح القدس فهو النار التي تحرك الإنسان وتجعله غير متكاسل في الاجتهاد، وذلك بصلوات طويلة قوية وانسحاق مع مطانيات وأصوام وتسابيح، بلا تكاسل في الخدمة. وحتى نقبل الروح القدس ونمتلئ به علينا بالصلاة بلجاجة (لو13:11).

عَابِدِينَ الرَّبَّ = الله الذي خلقنا وفدانا وأنعم علينا بالحياة يستحق منا أن نقدم له عبادة شكر وتسبيح. والله الذي أخطأنا في حقه مرارًا يستحق منا أن نقدم له عبادة الانسحاق والسجود وطلب الرحمة.

قد يتصور البعض أن عبادة الرب تثير الملل والضيق بينما أن العالم وما فيه هو مصدر الفرح والبهجة، وهذا خداع شيطاني. والعكس هو الصحيح فعبادة الله مصدر للفرح والبهجة الحقيقية وهذه:- أ) مستمرة وليست وقتية. ب) تنتصر على أي ألم. فنجد أن الأربعة والعشرين قسيسًا يطرحون أكاليلهم ويتركون عروشهم ليسجدوا أمام العرش الإلهي (رؤ4: 10) فلماذا يفعلون ذلك؟ هم وجدوا أن السجود والعبادة تعطيهم فرحًا أكثر من عروشهم. وبنفس المفهوم نجد أن الآية القادمة تبدأ بقوله فرحين في الرجاء. فمن يقدم العبادة لله يفرح.

 

آية (12): “فَرِحِينَ فِي الرَّجَاءِ، صَابِرِينَ فِي الضِّيْقِ، مُواظِبِينَ عَلَى الصَّلاَةِ،”

إذ نمتلئ بالروح القدس سنعبد بحرارة ويزداد رجاؤنا فيما أعده المسيح لنا في السماء، وهذا يعطينا فرحًا، فمن عنده رجاء يفرح = فَرِحِينَ فِي الرَّجَاءِ أيضا من له رجاء في السماء سيحتمل ضعفات الآخرين فعينه أصبحت مثبتة على السماء التي هو ذاهب إليها. صَابِرِينَ فِي الضَّيْقِ = ومهما زادت الضيقات لن يتذمر:-

1. فما يراه بعينيّ الرجاء من الأشياء غير المنظورة في السماويات يعطيه احتمالًا للضيق. لأن عينه على ما لا يرى وليس إلى ما يُرى (2كو3: 18). وهذا ما يعطيه الروح القدس لنا، أن نرى بعين الإيمان “ما لم تره عين … فأعلنه لنا الروح” (1كو2: 9-10).

2. وما يراه بعينيّ الإيمان أن “كل الأشياء تعمل معا للخير” (رو8: 28) يعطيه أيضًا مع الرجاء إحتمالا للضيق. فالله يسمح بالضيقات لكي نكمل (يع1: 4). والصبر ينشأ من فهمنا أن كل الأشياء تعمل للخير حتى ما يؤلمنا. والصبر ليس بمنطق التَّجَلُّد والرجولة، بل هو عطية من الله (يع1: 3-5).

3. والضيق مع الشكر يعطينا نموًا في الإيمان (كو2: 7).

4. الضيق والتجارب علامة محبة من الله “الذى يحبه الله يؤدبه” (عب12: 6).

5. مما يعطينا الصبر في الضيقة الوعد “مَنْ يتألم معه فلكي نتمجد معه” (رو8: 17).

وكيف نثبت في هذه الحالة = مُواظِبِينَ عَلَى الصَّلاَةِ.

الرب له المجد لم يعدنا بسلام وفرح بطريقة العالم بل قال “في العالم سيكون لكم ضيق” ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم” (يو16: 33) ولكنه يضيف في نفس الآية “قد كلمتكم بهذا ليكون لكم فيَّ سلام”. وقال أيضًا “سلاما أترك لكم، سلامي أعطيكم، ليس كما يعطي العالم أعطيكم أنا، لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب” (يو14: 27). فالعالم يعطي مال ومراكز وملذات عالمية… إلخ. إذًا نفهم أن هناك مفهومين للسلام:-

1. سلام وفرح بطريقة العالم والمقصود بها المراكز العالمية ووفرة المال والصحة وكل ملذات الحياة… إلخ.

2. سلام المسيح وهو سلام يملأ القلب وسط الضيقات واضطهاد العالم، وهو أقوى من ضيقات العالم. ولكن هذا السلام شرطه أن نكون ثابتين في المسيح “ليكون لكم فيَّ سلام”. فالسيد المسيح يقول عن الفرح الذي يعطيه لنا في وسط أحزان العالم أنه “لا ينزعه أحد منكم” (يو16: 22). وهذا ما نسميه النصرة في المسيحية. وهذا تفسير قول الرب “أنا قد غلبت العالم”. النصرة في المسيحية ليست في انتصارنا على العدو الذي يضطهدنا، بل السلام والفرح الذي يعطيه المسيح لنا وسط الضيقات، فلا تقدر أن تقهرنا. والمثال الواضح لهذا نجده في قصة الثلاثة فتية في أتون النار، فنجد أن النيران المحيطة بهم لم تؤذهم لأن ابن الله كان معهم. بل فقط أحرقت النيران رباطاتهم (إشارة لأن الضيقات تحرق رباطات الخطايا بالنسبة لنا فنكمل. والتعزية والاحتمال تأتي من أن المسيح يكون معنا في التجربة كما كان مع الثلاثة فتية.

والسؤال الآن كيف الطريق إلى هذه النصرة؟ نجد الإجابة في هذه الآية:-

1. فَرِحِينَ فِي الرَّجَاءِ = الرجاء في أفراح الملكوت وأمجاد السماء تجعلنا نشعر بتفاهة كل ما في هذا العالم. بل ونفرح بهذا المجد والفرح المُعَّد لنا. ولنلاحظ أن الفرح ليس هو مجرد الاقتناع العقلي، بل أن هذا الرجاء والإيمان والثقة بالله تجعل الروح القدس يسكب فينا هذا الفرح. قصة:- توفى رجل تاركا ثروته لثلاثة أبناء. فذهبوا للكاهن الذي طلب قسمة الميراث بالتساوي بين الثلاثة، على أن لا يتم التقسيم الآن بل ينفقوا المال على مشروع يأتي لهم بالربح. وطلب منهم توقيع وثيقة بهذا على أن يوقع معهم كشاهد. فرفض الابن الصغير فكرة الوثيقة وقال المحبة أقوى من الأوراق. وكان الابن الصغير ما زال في دراسته. ونما مشروع الأخوين الكبيرين وازدادت ثروتهم فطمعوا. فلما تخرج الأخ الصغير طالبهم بحقوقه فرفضوا وقالوا له ليس لديك شيئا عندنا “وأعلى ما خيلك إركبه”. فذهب للكاهن الذي شهد على الإتفاق. وجاء الكاهن فلم يستمعوا له. ولكن فوجئ الجميع بالأخ الصغير يبكي بفرح محتضنًا إخوته قائلًا “أنا لا أريد شيئًا، المهم المحبة بيننا. فالمحبة طريق السماء، أما المال فلا يعني شيئًا… أنا اشتريت السماء بنصيبي”، وانطلق بفرح. وفي اليوم التالي فوجئ الكاهن في القداس بالأخ الصغير يأتي له طالبًا التناول، ويقول أن العذراء ظهرت له وقالت حينما قُلت “أنا اشتريت السماء بنصيبي” استجابت السماء لصلاتك. اذهب غدا للتناول وبعدها ستنتظرك السماء بفرح، وقد كان. فبعد القداس ذهب الشاب إلى منزله وأغلق عينيّ جسده، ليفتح عينيه على المكان الذي اشتراه في السماء. وهناك سؤال ما الذي جعل هذا الشاب يفرح وسط ضيقته لخسارة أمواله؟! الإجابة… أن عينه كانت مثبتة على السماء في رجاء أن يكون له نصيب في هذا المجد. فهو لم يكن له رجاء في أمجاد العالم، إذ بإيمانه أدرك زوال هذا العالم. فكيف يضع رجاءه في الشيء الزائل. هو وضع رجاءه في الشيء الثابت كما قال الرسول “ونحن غير ناظرين إلى الأشياء التي ترى بل إلى التي لا تُرى.لان التي ترى وقتية وأما التي لا ترى فأبدية” (2كو4: 18).

2. صَابِرِينَ فِي الضَّيْقِ = هذا الرجاء الذي يعطينا أن نرفع عيوننا للسماء موطننا الأبدي يعطينا أن نشعر بخفة ضيقتنا الوقتية بالمقارنة مع ثقل المجد الأبدي الذي ينتظرنا (رو8: 18 + 2كو4: 16 – 18). ويضيف القديس يعقوب على هذا أننا نكمل بهذه الضيقات، لذلك علينا أن نفرح بها (يع1: 2 – 5). ولماذا نفرح؟ لأن الضيقة علامة محبة من الله الذي يسمح بها لينمو إيماننا. والله يسمح بالتجارب لينمو إيماننا فالتجارب المتلاحقة مع رؤية يد الله القدير تجعل الإيمان يزداد. وهذا ما حدث مع داود، فلقد كانت له خبرات سابقة مع أسد ودب قتلهم ، وهذا أعطاه إيمان قوي وقف به أمام جلياط. لذلك فالتجارب المتلاحقة مع الشكر وعدم التذمر تزيد الإيمان. والإيمان يولد صغيرًا وينمو، لذلك قال التلاميذ للسيد “زد إيماننا” (لو17: 5) وإيمان أهل تسالونيكي كان ينمو (2تس1: 3) . وبولس الرسول يقول أن الإيمان ينمو بالشكر وعدم التذمر (كو2: 7) ومع التجارب تزداد التعزيات التي يعطيها الله كمسكن للآلام حتى نحتمل التجربة ومع زيادة الإيمان ومع التعزيات ينشأ الصبر. فالصبر ليس صبر الخضوع والاستسلام وليس هو شجاعة بشرية ولكنه توقع بثقة في تدخل الله ، كما عمل معنا مرات كثيرة سابقًا ، الصبر هو عطية إلهية نتيجة إيمان ينميه الله وتعزيات يعطيها الله (2كو1: 5). ولذلك تعلمنا الكنيسة الشكر في كل حين وعلى كل حال. ولكن الصبر حقًا هو عطية من الله، ولكن الجهاد البشري المطلوب هو الشكر مع عدم التذمر حتى نحصل على هذه العطية. ومن يصبر ويشكر ينمو إيمانه إذ يرى يد الله. بل أن من يحتمل الألم والضيقة بصبر واثقا أن الله صانع خيرات، يكون له نصيب في مجد المسيح. فمن يشترك مع المسيح في ألمه سيشترك معه في مجده (رو8: 17). والثقة في محبة الله الذي يقودنا كأب محب لأبنائه، من خلال التجارب والضيقات لميراث المجد هو سبب الفرح.

3. مُواظِبِينَ عَلَى الصَّلاَةِ = وما الذي يعطينا أن نرفع أعيننا إلى السماء فنرى المجد المعَّد لنا فنصبر ونفرح؟ هو الروح القدس … “ما لم تر عين…هذا أعلنه الله لنا بروحه…فنعرف الأشياء الموهوبة لنا من الله” (1كو2: 9 – 11). ولكن هذا يستلزم الامتلاء من الروح القدس. وكيف نمتلئ بالروح؟ بالصلاة… الله يعطي الروح لمن يسألونه” (لو11: 13).

 

آية (13): “مُشْتَرِكِينَ فِي احْتِيَاجَاتِ الْقِدِّيسِينَ، عَاكِفِينَ عَلَى إِضَافَةِ الْغُرَبَاءِ.”

مُشْتَرِكِينَ = لم يقل “مُعطين” لأن المُعطي ينال بركات من الله أكثر مما أعطى، فالحقيقة أن الله يعطي الجميع، وكلنا نشترك في عطايا الله. وهم حين يعطوا المحتاجين فهذا لأن الله أعطاهم ليعطوا هم المحتاجين. هم كانوا وكلاء على عطية أعطاهم إياها الله (راجع مثل وكيل الظلم). وهم أيضًا سيكونوا مشتركين في عطايا الله الروحية التي يعطيها للمحتاجين. هم يعطون ماديات مما أعطاها لهم الله فيعوضهم الله بركات مادية وروحية أكثر. ولاحظ أنه سمَّي الفقراء قديسين= والمسيح أسماهم إخوته. عَاكِفِينَ = أي لا ننتظر حتى يسألوننا بل نسعى نحن لذلك كما فعل إبراهيم ولوط فاستضافوا غرباء. ولنلاحظ أن الغرباء في هذه الآية مقصود بهم المسيحيين الذين كانوا يلجأون لهم في وسط إضطهاداتهم. وأيضًا الإخوة الذين كانوا يجولون يكرزون ويعلمون.

 

آية (14): “بَارِكُوا عَلَى الَّذِينَ يَضْطَهِدُونَكُمْ. بَارِكُوا وَلاَ تَلْعَنُوا.”

بَارِكُوا = أي الدعاء بالبركة. وذكر محاسنهم، ولا نجازي عن شتيمة بشتيمة، ونصلي ونطلب لهم الخيرات ولا نفكر في الانتقام. بَارِكُوا وَلاَ تَلْعَنُوا المسيح حمل اللعنة التي نستحقها ليهبنا بركته عاملة فينا، فكيف نستطيع نحن أن نلعن من رفع المسيح عنهم اللعنة، علينا أن نبارك كما باركنا المسيح. ومن يبارك مضطهديه يُظِهرْ أنه يُسَّرْ باحتمال الآلام من أجل المسيح، أما من يلعن مضطهديه سيبدأ بعد ذلك يلعن من حوله وقد يلعن الله نفسه (رؤ16: 10 ، 11). فلنمتنع عن عادة اللعن ولندرب ألسنتنا على أن نبارك. ونلاحظ أن كلمة بركة هي كلمة عبرية وتعني أن نتكلم كلامًا طيبًا عن الآخرين. فإذا ما قلنا أننا نبارك الله فهذا يعني تسبيح الله وشكره وحمده على كل إحساناته علينا.

 

آية (15): “فَرَحًا مَعَ الْفَرِحِينَ وَبُكَاءً مَعَ الْبَاكِينَ.”

هذه ليست مجاملات اجتماعية بل شركة الأعضاء متشبهين بالمسيح الذي بكى على قبر لعازر، وتهلل فرحًا بالروح للبركات التي حصل عليها تلاميذه (لو21:10). ولا يستطيع أحد أن يفرح مع الآخرين إلاّ من سكن يسوع فيه وأعطاه حياته فالفرح مع الفرحين أصعب بكثير من البكاء مع الباكين. لأن الإنسان الطبيعي يحسد الناجح، ولكن من هو خليقة جديدة سيتشبه بالمسيح. وهذا ما سيحدث في السماء، فسنفرح مع من هم في مجد أكثر منا. ولنلاحظ أن اشتراكنا بمشاعرنا مع إخوتنا يزيد المحبة بيننا.

 

آية (16): “مُهْتَمِّينَ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ اهْتِمَامًا وَاحِدًا، غَيْرَ مُهْتَمِّينَ بِالأُمُورِ الْعَالِيَةِ بَلْ مُنْقَادِينَ إِلَى الْمُتَّضِعِينَ. لاَ تَكُونُوا حُكَمَاءَ عِنْدَ أَنْفُسِكُمْ.”

مُهْتَمِّينَ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ اهْتِمَامًا وَاحِدًا = بحسب الترجمات المختلفة هذه تعني: فليكن كلكم لكم الفكر الواحد والهدف الواحد الذي هو مجد المسيح والمحبة التي تربط بينكم. وإذا كانت هناك محبة تكون هناك أفكار مختلفة عند كل واحد ولكن سيكون هناك انسجام في الفكر= هارموني harmony كما تعزف فرقة موسيقية وتجد كل عازف له آلته التي تختلف عن الآخر، ولكن تخرج قطعة موسيقية جميلة. وأيضًا تتكامل الأفكار لمجد المسيح. وواضح أن بولس الرسول كان يهتم بهذه النقطة فتكررت في رسائله “تقولوا جميعكم قولًا واحدًا، ولا يكون بينكم انشقاقات” (1كو10:1) + وأيضًا “تمموا فرحي حتى تفتكروا فكرًا واحدًا ولكم محبة واحدة بنفس واحدة مفتكرين شيئًا واحدًا. لا شيئًا بتحزب أو بعجب بل بتواضع حاسبين بعضكم البعض أفضل من أنفسهم” (فى2: 2 ، 3). فالرسول مهتم إذا بأن نتحاشى الشقاقات لتبنى الكنيسة ولا تنشق. لتكن مشاكل وآلام الآخرين، هي آلامكم حتى تحاولوا حلها كأنها آلامكم. تبحثوا كيف تكونوا سبب فرح للآخرين. وكتطبيق عملي فليبحث كل واحد كيف يجعل الآخرين في راحة وسلام وفرح.

وهذا لا يمكن أن يحدث إلاّ لو امتلأ الجميع من الروح القدس. فسنهتم بما يهتم به الآخرين، ونفكر فيما يفكرون فيه، نفرح لفرحهم ونحزن لحزنهم.

غَيْرَ مُهْتَمِّينَ بِالأُمُورِ الْعَالِيَةِ = هم كانوا في روما العاصمة فخاف عليهم من الانتفاخ من احتكاكهم بعظماء روما، فيطلبون المجد الذاتي وغنى هذا العالم وأمجاده وكرامته، طالبين أن يعاشروا الأغنياء والعظماء ليستفيدوا منهم كما يحدث الآن فيمن يلتصق بأصحاب النفوذ لينتفع منهم.

بَلْ مُنْقَادِينَ إِلَى الْمُتَّضِعِينَ = أي يعيشوا مع البسطاء في جو الكنيسة المقدس يخدمون المريض والفقير والمحتاج (يع 2: 1-7 + في 5:2-7) يشاركونهم ألامهم، مهتمين بأمور الكنيسة والخدمة. هذا الطريق ينمي الإيمان ويملأنا بالروح، ومن خلاله نستعد للسماء.

لاَ تَكُونُوا حُكَمَاءَ عِنْدَ أَنْفُسِكُمْ = جيد أن نكون حكماء ولكن شر أن نفكر في أنفسنا أننا حكماء (أم12:26). فلا يجب أن نرفض المشورة فنخرب أنفسنا (أم15:12) ولا يجب أن نظن في أنفسنا فوق ما ينبغي ونعتقد أن لدينا العلم والمعرفة والحكمة وأننا لسنا في احتياج لمساعدة الآخرين. ولنلاحظ أن موسى حين لمع وجهه لم يعلم أن وجهه يلمع (خر29:34). والحكيم في عيني نفسه يعيش متصلفًا لا يقبل مشورة أحد. وهذه النصيحة حين تأتي وراء قوله بَلْ مُنْقَادِينَ إِلَى الْمُتَّضِعِينَ فهي تعني، أن هناك من يظن أنه من الحكمة أن نلتصق بالأقوياء والعظماء وذوي النفوذ والأغنياء لننتفع بهم لكن ملعون من يتكل على بشر.

رو12: 17-21

آية (17): “لاَ تُجَازُوا أَحَدًا عَنْ شَرّ بِشَرّ. مُعْتَنِينَ بِأُمُورٍ حَسَنَةٍ قُدَّامَ جَمِيعِ النَّاسِ.”

لاَ تُجَازُوا أَحَدًا عَنْ شَرّ بِشَرّ = قوانين العالم لا تسمح بأن أنتقم بنفسي ممن أساء إليَّ، بل لو فعلت وانتقمت لنفسي أحاسب وأعاقب بحسب القانون. وبحسب القوانين العالمية إن أخطأ أحد فيَّ، عليَّ أن أذهب للدولة وهي تقتص ممن أخطأ. أما بالنسبة لله فهو يرى ويعلم كل شيء. وهو ملك الملوك، وهو الديان وهو فوق الجميع وهو عادل. فكيف أنتقم أنا لنفسي.

مُعْتَنِينَ بِأُمُورٍ حَسَنَةٍ = هذه مثل “لكي يرى الناس أعمالكم الصالحة فيمجدوا أبيكم الذي في السموات” إذًا لنهتم أن نشهد لله أمام الناس لنمجده.

 

آية (18): “إِنْ كَانَ مُمْكِنًا فَحَسَبَ طَاقَتِكُمْ سَالِمُوا جَمِيعَ النَّاسِ.”

حاول بقدر ما لك من طاقة أن تسالم جميع الناس. ولكن إذا رفض الناس كما حدث مع إرمياء فكان إنسان خصام، فهذا أمر لا حيلة لنا فيه. وهناك أناس يستحيل معهم السلام كالهراطقة مثلًا.

 

آية (19): “لاَ تَنْتَقِمُوا لأَنْفُسِكُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، بَلْ أَعْطُوا مَكَانًا لِلْغَضَبِ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «لِيَ النَّقْمَةُ أَنَا أُجَازِي يَقُولُ الرَّبُّ.”

لا تنتقموا لأنفسكم= المسيحي لا ينتقم لنفسه، فمن يتصور أن له القوة أن ينتقم لنفسه يتركه الله لنفسه، والمسيحي الحقيقي عاد طفلا في تصرفاته، والطفل حين يؤذيه أحد يذهب لأبيه شاكيًا، وهذا ما يجب أن أفعله أن أذهب لله شاكيًا، هذا إن كنت أشعر أن الله هو المسئول عني.

بل إعطوا مكانا للغضب= إعطوا مكانا لغضب الله لكي يقوم هو بالانتقام من الأشرار بحسب رحمته وتقديره (تث35:32) والله في حكمته يحل مشاكلنا بطرق لا نتصورها، ولننظر كيف تعامل الله مع الدولة الرومانية التي اضطهدت المسيحيين، إذ حولها للمسيحية، وكذلك شاول الطرسوسي. وقد تعني الآية لا تكن سريعًا في رد الإساءة فربما يهدأ الذي أخطأ إليك حينما يراك وديعًا مسالمًا. والله لا ينتقم كما ينتقم الإنسان، فهو قد يحول عدوي إلى إنسان محب لي ويأتي آسفًا على ما ارتكبه نحوي من خطأ.

 

آية (20): “فَإِنْ جَاعَ عَدُوُّكَ فَأَطْعِمْهُ. وَإِنْ عَطِشَ فَاسْقِهِ. لأَنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ هذَا تَجْمَعْ جَمْرَ نَارٍ عَلَى رَأْسِهِ».”

إن جاع عدوك= ولا تقل إن الله قد انتقم لي بل ساعده في محنته وهكذا طلب منا السيد المسيح “أحسنوا إلى مبغضيكم”. والآية كلها مأخوذة من (أم21:25، 22).

تجمع جمر نار على رأسه= هذه قد تعني:-

1. إن فعلت هذا فإنك تجعله يخجل من تصرفاته ويتعرض لتأنيب الضمير الحاد والندم، الذي لا يقل في قوته وفي ألمه عن الألم الذي يسببه وضع نار على رأسه.

2. وقد تعني إشعال نار المحبة في قلبه من نحوك.

3. العادة في الصعيد أن الثأر من القاتل يمكن العفو عنه، لو حمل الإنسان (المطلوب قتله) كفنه وذهب إلى اٍلأسرة صاحبة الدم، فإنه بهذا يحقن الدم ويوجد السلام. والعادة الرومانية بالنسبة لمن يريد أن يحقن الدماء في موضوع الثأر أن يحمل على رأسه نارًا ويتقدم بها إلى غريمه علامة أنه يقدم نفسه ذبيحة ويريد حقن الدم. وكان الغريم يقبل النار ويضعها على رأسه علامة الصلح.

 

آية (21): “لاَ يَغْلِبَنَّكَ الشَّرُّ بَلِ اغْلِبِ الشَّرَّ بِالْخَيْرِ.”

هذا لا يستطيعه إلاّ كل من تمسك بالمسيح، ويستطيع أن يقول لي الحياة هي المسيح. إغلب الشر بالخير= بالصبر والاحتمال والإحسان للمسيء. عمومًا كل ما يطالب به الرسول في هذا الإصحاح يسهل على من له الطبيعة الجديدة فصارت أعضاؤه آلات بر.

 

تفسير رومية 11 تفسير رسالة رومية تفسير العهد الجديد تفسير رومية 13
 القمص أنطونيوس فكري
تفاسير رسالة رومية تفاسير العهد الجديد

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى