اختلاف أم خلاف؟

 


إن ثقافة الاختلاف هـى رقـى فـى الفكـر وإحتـرام الـرأى الأخـر أياً كـان.. فالثقافـة بمفهومها العام هى المخزون التراكمى الذى يتكون من مواقف متعددة, وبعـــض تجـــارب الآخـــرين, والقـراءات المختلفـة والتنشـئة الاجتماعيــة, فكـل منـا يحمــل فـى داخلـه ثـــقافات مبنيـة علـى أســس كثيرة، فنختلف كثيراً كل منا عـن الآخـر فـى الـرأى أو فـى وجهـات النظـر، فـى العقيـدة، فـى مـا نحب أو نكره، ولهـذا فلابـد من الاقتناع بأن الاخـتلاف فى الأفكار والآراء والأذواق والانتمـاءات السياسية هـو الأصل فـى طبيعـة الحيـاة , وأنه أمر طبيعـى ومنطقـى. ولا تقـوم الحياة إلا علــى التنوع , والاخـتلاف. وأول الممارسات فى الديمقراطية هــى تقبـل الحوار باحترام وتحضر, وقبـول مخالفينا فى الرأى. يقول غاندى: “الاختلاف فـى الـرأى ينبغـى ألا يـؤدى إلـى العـداء والتنـاحر والإ لكنت أنا وزوجتي من ألد الأعداء.”

وهناك مقولة مشهورة تقول: “الخلاف فى الرأى لا يجب أن يفسـد للـود قضـية”, فـالاختلاف لا يعنى ضرورة الخلاف.

أما الخلاف فهو النزاع والتناحر وتشبث كل واحد برأيه, وربما كراهيته لما هو مختلف عنه (إما أن تكون معى أو أن تكون ضدى وهذا هو الخطأ طبعاً). 


الميل الثانى والخد الآخر

حـين نتـذكر مواقـــف الرب يسـوع المسـيح حيال النزاع نجـد أنه لـم يتخـذ الموقـــف السـلبى بـل الموقـف الإيجابى المفعـم بالحنان واللطـف والمحبـة, بعيـداً عـن أى خـلاف مهمـا كـان, ففـى عظتـه على الجبل قال لتلاميذه: “مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا” (مت 5 :39).
وهو يريد بقوله هذا ألا نترك ميدان المعركة, وكذلك ألا نهاجم, بل نحاول باللطف والتسـامح أن نمــتص غضـب عـدونا ونكتسـب رضـاه, بل وصـداقته, بالتفـاهم الـودى المنــزه عــن الأغـراض والمطامع. فـــإذا طبقنـا هـذا المبـــدأ فـــى معاملتنـا اســـتقامت الأمـور فيمـــا بيننـــا وزال التنـاحر والتنـافر بـين النـاس, وســادت المحبـة فيمـا بيــنهم مهمـا كـانوا مختلفــين. وبـالطبع فـإن التفســيرالحرفى للآية يجعل من المسيحى عرضة للهزء والسخرية, وهو ما لم يرضى بـه الـرب حتـى فى حياته الخاصة. المهم هو البحث عن الحل الذى يرضى جميع الأ طراف لفض النزاع.
وهنـاك مــن يعتبــر أن التســامح فــى التعامل نوع مـن التخاذل وتصغير الـنفس أمام خصـمها, أو يميــل إلــى اســتعمال العنـف معــه والعمـل على طـرده مـن الجماعـة. ولكن التسـامح مـع القــوة هـو غايـة الوصــية. فـإذا مــا ارتأيــت انعدام الأمـــل فـــى الوصــول إلـى حـل يرضى جميـع الأطراف فمــا عليـك كقائـد إلا أن تتباحث مع أطراف النزاع كل على حدة للوقوف على انطباعاتهم, فقـد يهـديك هـذا التصـرف إلى معرفة بعض الأمور التى كانت خافية عليك فتعرف:

  1.  الحلول المرضية لكافة الأطراف: لا يكفـى بـأن تـدرك إمكـان إيجـاد حلـول للنزاع, بل يجب أيضاً أن يكون لدى أطراف النزاع الرغبة فى تنفيذ هذه الحلول. 
    فهذان الشرطان هما ببساطة طريقة لتحديد الفـرق بـين العـراك والألعـاب أو المنـاظرات. فـإن انعدمت لديك الخيارات التى تؤدى إلى وفاق بين المتنازعين صرت فى خضم المعركة, ويبـدو لك أن إقصاء بعض الأفراد له ما يبرره.
  2. التعاون أفضل من التنافس: شــرح هــذا المبــدأ (آلان بيللــى) فــى كتابــه “حــل النــزاع فيمــا بــين الأشــخاص” وقــال: هنــاك الكثيــر مــن الــدلائل المتوافقــة مــا يفيــد بــأن الفــرق المتعاونة تكون أكثر تآلفاً وأنتاجاً وأهتماماً بالعمل من الفرق المتنافسة.

مثال ذلك: إذا قـام خمسـة أشـخاص بتسـلق جبـل بحيـث يتنافسـون فيمـا بيـنهم علـى الوصـول إلى القمة كل قبل الآخر، ففى هذه الحالة يجب أن يعتمد كل مـنهم علـى معلوماتـه الشخصـية ومهاراته البدنية, وقوته على حمل معدات التسلق, ولا يتبادلون المعلومات فيما بينهم.
ويختلف الأمر بالنسبة للفريق المتعاون حيث توزع المهـام فيما بيـنهم كل حســب قدرتـه ومهارته. فقد تتـوفر لــدى واحد مــــنهم معلومات قيمة للغاية عن مرحلة الإعداد للرحلة, وآخر عن تسلق الجبـال بمهـــارة, وآخـر تكون لديـه قـــوة جسـمانية تفـــوق الآخرين تمكنه من حمل الكثير من المعدات. وهكذا فإن روح التعاون فيما بيــنهم يخلــق جـواً من التآلف, فيبذل كل فرد مــنهم أقصــى مــا فــى وسعه لإنجاح العمل الذى يقومون به جميعاً.

ورب قائــل: إن المنافســة فيمــا بــين الفــرق تعمــل علــى تقويــة الأداء ٕوانهــاض الهمــم, والتــآلف فيمــا بــين أفــراد كــل فريــق. وهــذا مــا يحــدث فعــلا ً, ولكــن بعــد المنافســة بــين فــريقين فــإن الفريــق الفــائز هــو الــذى يســتمر أعضاؤه فــى حالة تفــاهم وتــآلف. أمــا الفريــق المهــزوم فيظــل مُستاء منقسماً على نفسه, وربما يتحين الفرصة للأخذ بالثـأر مـن الفريـق الفـائز, أو ينقلـب علـى قائـده وينقسم أعضاؤه.

3- الاختلاف ظاھرة صحية: مــن الصــعب تقريــر ذلــك فــى كــل نــزاع. فالقاعــدة المعتبـرة هـى: أن “الخـلاف يعنـى الـرفض” أو “أنــت تخـالفنى فأنـت عـدوى” أو “إنـك لا تقبلنــى لأننا دائماً نختلف ” أو”إننا نختلف ٕواما أنا أو أنت“. وهـى لا تمثـل الواقـع فـى جميـع الحـالات, فغالباً مـا تفـتح الاختلافـات أفاقاً جديـدة للتفكيـر، ومعالجـة موضـوعات صـعبة. فـالاختلاف فـى الرأى يجعل الناس يتفحصون بإمعان فى المشاكل المعروضة علـيهم, والتـى كـانوا فيمـا مضـىر يسلمون بصحتها.

ولاشك أن للاختلاف فوائد كثيرة. فما هى فوائد الاختلاف؟ ّ

فوائد الاختلاف:

  1.  رؤية الأمور من أبعادها وزواياها كلها.
  2.  إضافة عقول إلى عقل.
  3.  تعدد الحلول أمام صاحب كل واقعة ليهتدى إلى الحل المناسب.
  4.  فتح مجالات التفكير للوصول إلى سائر الافتراضات.
  5. تلاقـى الأراء. 
  6. رياضة للأذهان.
  7. التعرف على جميع الاحتمالات. 

مثلاً: إن كـان قـد مـر علـى زوجــين أكثر مـن ثلاثـة شـهور فلابــد أن يكونا قـد لاحظـا أنهمــا يختلفان فــى الـرأى فــى بعـض الأمـور. وهــذا شـىء طبيعى فأحيان ما يتفــق الناس على أن يختلفوا فى بعض المسائل. أحياناً أخرى يقرون بالاختلاف ويعملون بهمة علـى الوصـول إلـى مسلك يرضى جميع الأطراف. وإذ يسبب الاختلاف العـراك فإنـه أيضـا قـد يـؤدى إلـى التعـاون,  فكما يقولون: (ليست محبة إلا بعد عداوة).
الهدف النهائى, هو الانتقال مـن مرحلـة العـداوة إلـى المودة, ومن العنف إلى التسامح. على أنه يصعب فى كثير من الأحيان تحقيق هذا الهدف النهائى, فعلينا أن نسـعى إلــى التوصـل إلــى الحلول الوسط التى نعــددها فيما يلى:

  1.  اتخاذ قرارات واضحة: مـن النتـائج الهامـة التـى تـؤدى إلـى المصـالحة هـى قـدرة أفراد الجماعة على اتخاذ قرار بشأن الصعوبات التى تواجههم. وغالباً مـا تتخـذ القـرارات اللازمة بعد انقضاء فترة زمنية طويلة, وهذا من شأنه أن يزيد الصعوبات تعقيد ضبط النزاع ما هو إلا فن اتخاذ القرار المناسب فـى الوقـت المناسـب, وفـض النـزاع والسـعى نحـو توفير روح التعاون بين أفراد الجماعة, مهما كانوا مختلفين فى الرأى أو الإمكانيات.
  2. المزيد من التسامح: مهمة القائد هــى إقنــاع أفراد الجماعة بــأن الخلاف فى الرأى لــيس بــالأمر الخطيــر. فالتعــارض فــى الآراء يســاعد علــى إيضــاح أبعــاد المشاكل,  وليسـت هنـاك مشـكلة تستعصى علـى الحل طالما توافرت النية الحسـنة, والهدف المشــترك هــو تحقيــق الصالح العام والوصـول للهدف الواحد. ومما يعود بالفائدة على أفراد الجماعة تذكيرهم بصفة منتظمة: أن الخلاف فـى الرأى لـيس أمر وأنه قد يـؤدى إلى نتائج جيدة فى نهاية الأمر، إذ ربمــا تزودنا آراء الآخرين بــبعض المعلومات التى كانت خافية علينا.
  3. مقاومة العداوة: على القائد أن يبين أن اتباع المسلك العدوانى بغية الإسـاءة إلـى الآخـرين, أو الإقـلال من شـأنهم, أو إهانتهم, أو الـتخلص مـنهم وخيم العاقبة. وأنــه ينبغــى أن يلتزم الجميــع بالتعــاليم الــواردة فــى الكتــاب المقــدس عــن كيفيــة التعامل بين أعضاء الجسد الواحد. 
  4. البعد عن المسلك السلبي:  يتمثــل هــذا المسلك فــى الانسحاب أو الامتناع عن الحضور مما يحول دون تكاتف الجماعات أو الأفراد, فــى مجهــود تعــاونى, على إيجــاد حل يرضـى جميـــع الأطـــراف. فـــإن أصـــر شـــخص ســـلبى علـــى موقفـــه فهـــذا مـــن شـــأنه أن   يضـعف صـلات التـرابط بـين الجماعــة بحيـث تصـير أكثـر قابليــة للانهيـار عمـا لـو تكــاتف الجميع على حل المشكلة. 
  5. الاتصال الجيد: غالباً مــا يحــدث أن ينعــدم الحــوار بــين النــاس, أو قــد يلتزمــون بالحرص أثناء الحديث, أو بالتعبير عن آرائهم بعبارات مبهمة, أو غير واضـحة, بحيـث يصبح التفـاهم فيمـا بيـنهم جزئياً أو ضـئيلاً للغايـة. وفـى مثـل هـذه المواقـف يستحسـن أن تشـــجع كافـــة الأطـــراف على الإفصـــاح عـــن متـــاعبهم بصـــراحة. وأحيان تجـــد نفســـك مضطراً أن تبذل جهداً كبيراً في سبيل إقناع الناس بتبادل الآفـى سـبيل إقنـاع النـاس بتبـادل الآراء ووجهـات الآراء ووجهات النظر فيما بينهم. وسوف تلاحظ أنهم يحجمون عن ذكر الحقيقـة خوفاً من أنها تعمل على تعقيد الأمور, وهذا الإحساس بالخوف يخالف الواقع عادة. وهناك مـن الأفكـار الأخـرى مـا قـد يكـون مؤدياً للغرض ولا سيما فيما بين المجموعات مثل:  أن تــدون كل مجموعة آراءها كتابة على قطع كبيرة من الورق, بحيــث يمكن قراءتهــا بسهولة. وهذا الأسلوب فــى التعبير عن الرأى, يعطى انطباعاً لـدى كاتـب الرسـالة بـأن مضـمون رسـالته قـد وصـل إلـى علـم متلقيهـا دون الحاجـة إلى ترديدها مرة أو مرات أخرى.  هذا بالإضافة إلى أن من ساهموا فى كتابة الرسالة لن يتولـد لـديهم الإحسـاس بالحاجـة إلـى إعادة ما سبق أن قاله غيرهم. أيضا قد تبين أن المواجهة فى بعض المناسبات تؤتى نتيجـة طيبـة, فيطلب من كل فرد مــن أفــراد الجماعــة أن يــدون بعــض الأفكــار التــى يرغــب فــى مناقشــتها مــع الآخــرين, ثــم يهيئ إلى كل منهم  فرصــة الحــديث والتحــاور مــع خمســة أو ســتة أشــخاص, فــى نفــس الغرفة التى سبق أن دارت فيها مناقشات عقيمة, فستكون النتيجة مشجعة للغاية.
  6.  مساعدة كل المجموعات على أن تشعر بأنھا أقوى مما تظن: كلنـا نعلــم أن أعنــف المجموعــات فــى المجتمــع هــى تلــك التــى تشــعر أنهــا الأضــعف. ولعلــك لاحظت سلوكك الذى يميل إلى العنف فى حالة الإحباط, أو عنـدما تشـعر بقلـة أهميتـك أو تـــأثيرك علـــى الآخـــرين, أو عنـــدما تفقـــد الســـيطرة علـــى تصـــرفاتك. إن مـــا نبتغيـــه فـــى ضـبط النـزاع ووقـف الخـلاف هـو مسـاعدة كـل المجموعـات علـى تحسـين قـوتهم والـتحكم  فى أعصابهم, بغية الحد من احتمال العنف الشفهى الذى لا يليق بأولاد االله. فمـــن يشـــعر بـالنقص, أو يعتقـــد أن النـــاس يعتبرونـــه مخطئـا أو أنـــه مـــرذول مـــنهم لســـلوكه معهم,غالباً مــا يلجــأ إلــى أســاليب الغــش أو العنــف, للوصول إلى مآربه. ومن ثـم فـإن مسـاعدة هـذه الفئـة من الناس علـى تصـحيح مفـاهيمهم, وعلـى تبصـيرهم بمــا يرغبــون, قــادر بــأن يجــردهم مــن حــدة العدوانيــة,  فيبصــرون الأمــور علــى حقيقتهــا, فإقنــاعهم بــأنهم هــم الأقـــوى, لـــذلك يمكنـــك التفـــاوض أو التحـــاور دون أن يهتز موقفك. فــــإن كــــان أحــــد الأطــــراف ضــــعيف فساعده على اكتشـــاف مـــواطن القـــوة الكامنـــة فيـــه, والمهملـــة منـــه,  واستخدامها, لا ضد الآخرين بل فى التفاوض. 
  7. مساعدة جميع الأطراف على البقاء فى دائرة صنع القرار: يتعـذر ضبط النزاع بين أطراف انسحبوا من مسرح الأحداث. فأحيانــــا مـا يغيـب النـاس عـن الحضـور, أو المســاهمة فــــى أنشـطة الكنيسة, وأحياناً يلزمــون منـازلهم ويتصلون  بـالمجتمعين تليفونياً  وهنـــاك مـن يحضـر الاجتماعـات حـــامل شكاوى المعارضين الذين تخلفوا عن الحضـور لطـرح وجهـات نظـرهم بدقــــة ومســــئولية. وهــــذا الــــنمط مــــن الســلوك يصـعب التعامـل معـه فالتبليغـــات المجهولـــة أو المتوترة عـادة مـــا تكـون عديمـــة الجـــدوى, ولاتغير من الوضع, ولا تقدم معلومات إضافية تساهم فى حل الخلاف أو التصالح. ومـن ثـم يجـب بذل كل جهد ممكن لتشجيع جميـع مـن يهمهـم الأمـر علـى المناقشـة. كمـا ينبغـى الاتفـاق علـى أن يقتصـر اتخـاذ القـرارات علـى الـذين يشـتركون فـى الاجتماعـات والأنشـطة. كمـا يجـب عـدم السـماح لأى شخص بأن يقوم مقام شخص آخر فى التعبير عن رأيه أو التكلم نيابة عنه.

زر الذهاب إلى الأعلى