تفسير رسالة رومية أصحاح 2 للقمص أنطونيوس فكري

تفسير رومية – الإصحاح الثاني

مقدمة

إدانة الآخرين:- هذا الإصحاح يحدثنا عن أن اليهود كانوا يدينون الأمم ولكن حتى نستفيد من الإصحاح لأنفسنا، فعلينا أن نفهم أن هذا الإصحاح موجه لنا قبل أن يوجه لليهود. ولنفهم أن هناك خطأ شائع يغضب الله، أن الناس اعتادوا أن يتجاهلوا أخطاءهم معتمدين على أن الناس لا تعرفها، ولكنهم لا يرون عذرًا لغيرهم فيما يرتكبونه من أخطاء. لأنه من السهل أن أدين الآخرين ومن الصعب أن أدين نفسي. بينما أن الله يريدنا أن لا ننشغل بخطايا الآخرين إنما نقدّم توبة عن خطايانا (مت1:7-5). وعلينا أن نفهم أننا إن كنا لا نخطئ بنفس خطايا الآخرين، فذلك ليس راجعًا لقداستنا بل لأن الله يستر علينا، أما من يهزأ بمن يخطئ فالله يرفع ستره عنه من أجل كبريائه، حينئذ سيخطئ نفس الخطأ، وذلك ليكتشف أنه له نفس الضعف، إنما من كان يستر عليه هو حماية الله. أيضًا لتنكسر كبريائه فيشفي من أعظم خطية ويتضع.

وليس معنى هذا أن نحكم على الخطأ بأنه صحيح أو العكس، فهذا أيضًا لا يرضي الله (أم15:17 + إش20:5). ولكن هذا لمن يُسأل عن رأيه في قضية ما. ولكن النصيحة العامة أن ندين الموقف ولكن لا ندين الشخص، بل نحاول أن نجد له عذرًا (ظروفه/ مرضه/ مشاكل أسرية..) فنحن لا نعرف ظروف الآخرين. قيل أن الإنسان إن أخطأ يكون أفضل محامٍ عن نفسه، وإن أخطأ إنسان آخر يكون أفضل قاضٍ ضده.

وما علىَّ أن أفعله حين أرى إنسانا يخطئ أن أرفع قلبى إلى الله وأصلى من أجله ليرحمه الله ويعينه حتى لا يخطئ ثانية فيخلص. وبهذا أفعل ما يرضى الله، “الذى يريد أن جميع الناس يخلصون” (1تى2: 4).

ولكي نتجنب الإدانة علينا أن نكون مثل قائد سيارة، فهذا عليه أن ينشغل بالطريق وليس بالراكبين معه. هكذا نحن علينا أن ننشغل بالمسيحالمسيح هو الطريق) وبالسماء حيث نحن ذاهبين، (نتأمل في مزمور ونردد تسابيح أو صلاة يسوع)، ومن يفعل: [1] يرى قداسة الله؛ [2] يدرك مدى نجاسته هو شخصيًا فيبكت نفسه؛ [3] سيزداد حبًا في المسيح الذي غفر له كل هذا؛ [4] لا يعود ينشغل بخطايا الآخرين، فهو مشغول بالأهم أي حب المسيح.

ونرى في هذا الإصحاح مواصفات دينونة الله، وهذه لا يملكها البشر فكيف يدينون الآخرين وليس لهم صلاحيات هذا العمل.

1. دينونة الله هي حسب الحق أما الإنسان فيدين حسب الظاهر ولا يعرف أعماق الآخرين.. (آية 2).

2. الله يطيل أناته فهو يود لو قَدَّمَ الإنسان توبة.. (أية4). فلو قدم الخاطئ توبة لغفر له الله فكيف أدين من غفر له الله، أو كيف أعلم هل قدم هذا الخاطئ توبة أو لم يقدم، والله لا يفرح بعقوبة الخاطئ بل بتوبته (حز23:18).

3. دينونة الله عادلة.. (أية5) وبدون محاباة..(11).

4. دينونة الله ليس بحسب ما يعلمه الإنسان بل بحسب أعماله.. (آيات6، 13) أما الإنسان فسينخدع بمن يُعَلِّم كثيرًا ويتكلم كثيرًا.. (آيات17-29).

5. الله يدين الأعماق الداخلية للضمير والفكر وسرائر الناس.. (آيات15، 16) ولنفهم أن إدانة الآخرين هي إعلان عن التعب الداخلي. ونرى في قصة داود وناثان، أن داود أخطأ في موضوع أوريا ثم حكم بموت الخاطئ أمام ناثان النبي، فهو بهذا أدان نفسه. فعندما ندين الآخرين نحكم على أنفسنا بأنفسنا. وفي موقف المسيح من الزانية دَرْسْ لنا، فهو بمحبته سامحها ولكن طلب منها أن لا تخطئ ثانية، فالله يطيل أناته، أما الإنسان فهو يريد أن يتشفى. والمسيح وجه كلامه لليهود “من منكم بلا خطية فليرمها بحجر”.. ولذلك إستقالوا كقضاة. ولنلاحظ أن المسيح وحده هو الذي بلا خطية (يو46:8) لذلك فمن حقه أن يدين.

هذا الإصحاح موجه حقًا لليهودي، ولكنه موجه أولًا للمسيحي، فالمسيحي الذي بلا حياة هو أشر من الأممي واليهودي (عب1:2-3 + عب26:10-32). وعلى الخدام أن لا يسحبهم المجد الزمني وتلهيهم الكرامات عن الحياة الداخلية الملتهبة بالروح والحق.

وبولس الرسول بدأ بالأمم حتى لا يتهمه اليهود بالخيانة لشعبه، لكنه في هذا الإصحاح والإصحاح الثالث أظهر فساد اليهود، بل كل البشر، واحتياج الكل للمسيح.

رو2: 1-11

آية (1): “لِذلِكَ أَنْتَ بِلاَ عُذْرٍ أَيُّهَا الإِنْسَانُ، كُلُّ مَنْ يَدِينُ. لأَنَّكَ فِي مَا تَدِينُ غَيْرَكَ تَحْكُمُ عَلَى نَفْسِكَ. لأَنَّكَ أَنْتَ الَّذِي تَدِينُ تَفْعَلُ تِلْكَ الأُمُورَ بِعَيْنِهَا!”

لِذلِكَ: عائدة على ما فات. فبولس الرسول هنا يكلم اليهود الذين يدينون الأمم على أعمالهم، بينما هم يعملون نفس الأعمال، بالرغم من معرفتهم بالناموس. فالناموس مرآة تكشف ضعف اليهودي، ولكنه بدلًا من أن يرى فيها ضعفاته ويتوب تقسى قلبه ، وإغتصب مكان الديان، وحاكم الآخرين وإحتقرهم. لقد ظن اليهود أن معرفتهم بالناموس، وكون أن الله ميزهم بإعطائهم الناموس أن هذا سيجعل لهم وضعًا خاصًا يوم الدينونة، ويتغاضى الله عن أخطائهم. لذلك يقول الرسول هنا أن الله ليس عنده محاباة (آية11). وكيف لا يدينهم الله، وهم عرفوا من الناموس غضب الله على الخطية والخطاة. يقول رب المجد إن من يسمع ولا يعمل يكون كمن بنى بيته على الرمال (مت7: 24-27).

بِلاَ عُذْرٍ = قال الرسول عن الأمم أنهم بلا عذر (20:1) إذ لهم العقل والضمير (الناموس الطبيعي). وهنا نرى أن اليهود هم أيضًا بلا عذر إذ لهم ناموس موسى بالإضافة للناموس الطبيعي. والناموس يعطي إستنارة أكثر، وإن كان الأممي أخطأ ضد ناموس الضمير غير المكتوب فاليهودي قد أخطأ وتعدى على ناموس الله المكتوب فمسئوليته أعظم وعقابه أشد فالناموس لا يبرر من يسمعه بل من يعمل به (13:2). أمّا المسيحي فهو بلا عذر أيضًا ودينونته أشد من الكل إذ له فوق الناموس الطبيعي وناموس موسى ناموس روح الحياة (2:8) أي النعمة التي تعطي قوة التغيير. على المسيحي أن لا يحتج بأنه كإنسان ضعيف له الحق أن يخطئ، وإلاّ ما فائدة الفداء وما فائدة حلول الروح القدس، وما هو عمل النعمة التي تعطي خلقة جديدة.

 

آية (2): “وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ دَيْنُونَةَ اللهِ هِيَ حَسَبُ الْحَقِّ عَلَى الَّذِينَ يَفْعَلُونَ مِثْلَ هذِهِ.”

الله حق ويدين بحسب الحق (يو16:8). أمّا الأسس التي يدين الإنسان عليها فهي ليست بحسب الحق، بل باطلة. فالله وحده هو الحق. فالحق مشوش عند الإنسان، ولذلك فإن مقاييسه أيضًا غير صحيحة، أما الله فهو الحق، وهو وحده الذي يعرف الحق المطلق. أمّا الإنسان فمعرفته بالحق نسبية وذلك لأن خطايانا تعمي عيوننا، وهذا معنى يحجزون الحق بالإثم (18:1).

 

آية (3): “أَفَتَظُنُّ هذَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ الَّذِي تَدِينُ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ مِثْلَ هذِهِ، وَأَنْتَ تَفْعَلُهَا، أَنَّكَ تَنْجُو مِنْ دَيْنُونَةِ اللهِ؟”

إذا ظن اليهودي أن الله لن يدينه على أعماله الشريرة بسبب كونه يهودي وإبنًا لإبراهيم، وأنه من الشعب المختار، فهذا خطأ. ونلاحظ أننا ندين الآخرين أمام الناس لنظهر نحن أبرارًا، إذ لسنا نعمل هذه الأعمال. لكن هل لو تبررت أمام الناس سوف أتبرر أمام الله بالرغم من أن نفس الخطأ فيَّ.

 

آية (4): “أَمْ تَسْتَهِينُ بِغِنَى لُطْفِهِ وَإِمْهَالِهِ وَطُولِ أَنَاتِهِ، غَيْرَ عَالِمٍ أَنَّ لُطْفَ اللهِ إِنَّمَا يَقْتَادُكَ إِلَى التَّوْبَةِ؟”

أم أنك أيها اليهودي.. (أو أيها المسيحي) تستغل غنى رحمة الله وصلاحه وعظيم صبره وطول أناته، دون أن تعلم أن كون الله يعاملك بلطف أي بشفقة بدلًا من أن يصب غضبه عليك بسبب أعمالك الرديئة، إنما هو يقصد أن يقودك ويدفعك للتوبة عن أعمالك الرديئة. أما من يستغل طول أناة الله ويستهتر، فالله يعلن غضبه عليه لأن الله قدوس لا يحتمل الخطية.

 

آية (5): “وَلكِنَّكَ مِنْ أَجْلِ قَسَاوَتِكَ وَقَلْبِكَ غَيْرِ التَّائِبِ، تَذْخَرُ لِنَفْسِكَ غَضَبًا فِي يَوْمِ الْغَضَبِ وَاسْتِعْلاَنِ دَيْنُونَةِ اللهِ الْعَادِلَةِ،”

الله يطيل أناته، ولكن استهتارنا يزيد غضبه، والرسول لم يقل الله يذخر لك بل تذخر لنفسك= إذًا الدينونة هي نتيجة العمل الخاطئ. (تذخر من تَدَخِّر). يوم الغضب= يوم تظهر دينونة الله العادلة على جميع الناس، أمّا الآن فهو وقت اللطف وطول الأناة والتوبة. لو قال الرسول أن الله يذخر لنا، فهذا يعني أن الله يعاقب نتيجة انفعال، أمّا قوله أننا نذخر لأنفسنا فهذا إشارة لأن العقاب هو العدالة. وهو استعلان= حيث ينال كل إنسان ما يستحقه علنًا.

 

آية (6): “الَّذِي سَيُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ أَعْمَالِهِ.”

هنا رد على الإخوة البروتستانت فالمجازاة حسب الأعمال وليس الإيمان.

 

آية (7): “أَمَّا الَّذِينَ بِصَبْرٍ فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ يَطْلُبُونَ الْمَجْدَ وَالْكَرَامَةَ وَالْبَقَاءَ، فَبِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ.”

الرسول في هذه الآية والآيات التالية يركز على حرية الإرادة الإنسانية، ويبدأ في هذه الآية بمن لهم النصيب الصالح، فالله يود لو كان هذا نصيب الجميع، أمّا الإنسان فيود أن يدين كل أحد.

وبالنسبة لمن يعمل الأعمال الصالحة في صبر= أي باستمرار ضد المشقات والإغراءات وفي تأن ومثابرة، طالبًا من الله المجد والكرامة والبقاء فإن هؤلاء سينالون الحياة الأبدية = هم جاهدوا ضد الخطية لإيمانهم وثقتهم بأمجاد الحياة الأبدية لذلك سينالوا الحياة الأبدية. . ونلاحظ أنه لا يعمل الأعمال الصالحة إلا من له إيمان بلغ لمستوى الشركة مع المسيح ليتبرر.

 

آية (8): “وَأَمَّا الَّذِينَ هُمْ مِنْ أَهْلِ التَّحَزُّبِ، وَلاَ يُطَاوِعُونَ لِلْحَقِّ بَلْ يُطَاوِعُونَ لِلإِثْمِ، فَسَخَطٌ وَغَضَبٌ،”

وَأَمَّا الَّذِينَ هُمْ مِنْ أَهْلِ التَّحَزُّبِ = التحزب أي التعصب والخصام. هؤلاء هم :-

الذين رفضوا الإيمان ورفضوا المسيح فتخاصموا مع رسل المسيح، كما عمل اليهود مع بولس، فأُسْلِموا إلى شهواتهم وغرائزهم ليفعلوا ما لا يليق.

أو هم هنا اليهود المتعصبون لجنسهم محتقرين الأمم، مفضلين هذا على انتصار الحق أي دخول الأمم للإيمان.

يُطَاوِعُونَ اِلإِثْمِ = رفضهم لحق المسيح يجعلهم يسقطون مباشرة في الإثم.

وعموما نلاحظ أن كل إنسان يقع تحت تأثير صوتين:

صوت الحق الصادر من الروح القدس وهذا بالنسبة للإنسان المسيحي. أو الضمير وهو الناموس الطبيعي لكل البشر.

صوت الإثم الصادر من الشهوات الخاطئة الموجودة في الداخل. وهذا ما عبَّر عنه داود النبي بقوله “بالإثم حبل بي” (المزمور الخمسون). وأيضًا عبَّر بولس الرسول عن نفس الموضوع بقوله “الخطية الساكنة فيَّ” (رو7: 20) . أو هو أي دعوة خاطئة من الخارج لإرتكاب خطية.

والرسول يدعو الجميع أن يسمعوا ويطيعوا صوت الحق وليس الإثم.

 

آية (9): “شِدَّةٌ وَضِيقٌ، عَلَى كُلِّ نَفْسِ إِنْسَانٍ يَفْعَلُ الشَّرَّ: الْيَهُودِيِّ أَوَّلًا ثُمَّ الْيُونَانِيِّ.”

كل من يفعل الشر فسيواجه شدة وآلام. وضيقات. لليهودي أولًا ثم اليوناني= لأن اليهود حصلوا على عهود الله أولًا قبل الأمم وأخذوا امتيازات أكثر ومعرفة أكثر، ثم على اليوناني وسائر البشر.

 

آية (10): “وَمَجْدٌ وَكَرَامَةٌ وَسَلاَمٌ لِكُلِّ مَنْ يَفْعَلُ الصَّلاَحَ: الْيَهُودِيِّ أَوَّلًا ثُمَّ الْيُونَانِيِّ.”

وعلى عكس هذا فإن الله يهب مَجْدٌ وَكَرَامَةٌ وَسَلاَمٌ. لكل من يفعل الصلاح

للْيَهُودِيِّ أَوَّلًا = لأن اليهود أصحاب فضل، فالخلاص جاء منهم ، آباءهم إبراهيم وإسحق ويعقوب كانوا أفضل البشر، والشعب اليهودي بمعرفته السابقة بالله كانوا الشعب الوحيد الذي يعرف الله وله علاقة بالله فخبراتهم الروحية أكثر. لهذا فهم لهم إمكانيات التفوق والعمق الروحي. هم كان لهم الناموس وأطاعوه وثبتوا في طاعتهم لله. ومن ثبت وعاش بالتقوى منهم، أرضى الله، فإنفتحت عيناه وعرف الله معرفة حقيقية فلما ظهر المسيح آمن به لأنه وجد فيه صورة الله التي كان يعرفها، مثل هذا هو بحياته في عدم كبرياء أدرك احتياجه للمسيح (وهذا ما جعل التلاميذ يلتصقون بالمسيح ويؤمنوا به ويحبونه). فهذا يكون أولًا لأنه كان كمن إجتاز الإمتحان ونجح فيه فله فضل في ذلك. ثُمَّ الْيُونَانِيِّ = فالكل لهم نفس البركات ولكن اليوناني يكون ثانيا لأنه عاش في الخطية بينما كانت له الإمكانيات أن يدرك الله ولم يفعل (راجع الإصحاح الأول). أما بعد أن صار اليوناني مسيحيًّا وعاش بالتقوى، يكون هو أيضًا كمن إجتاز الإمتحان ويصبح اليهودي المؤمن كاليوناني المؤمن، كلاهما سواء، لهما نفس المكافأة.

 

آية (11): “لأَنْ لَيْسَ عِنْدَ اللهِ مُحَابَاةٌ.”

الله سيعامل كل الشعوب بالعدالة، اليهود كالأمم، دون تفريق لأن الله لا يقبل الوجوه “فَفَتَحَ بُطْرُسُ فَاهُ وَقَالَ: «بِٱلْحَقِّ أَنَا أَجِدُ أَنَّ ٱللهَ لَا يَقْبَلُ ٱلْوُجُوهَ” (أع10: 34). بل إن الله سيدين بالأكثر من نال معرفة أوفر أما المحاباة فهي صفة للإنسان لأنه يحابي لمنفعته.

رو2: 12-16

آية (12): “لأَنَّ كُلَّ مَنْ أَخْطَأَ بِدُونِ النَّامُوسِ فَبِدُونِ النَّامُوسِ يَهْلِكُ. وَكُلُّ مَنْ أَخْطَأَ فِي النَّامُوسِ فَبِالنَّامُوسِ يُدَانُ.”

بِدُونِ النَّامُوسِ يَهْلِكُ = فالخطية قاتلة، وسببًا كافيًا للموت حتى بدون الناموس. فالسرطان كمرض كان يميت قبل أن يكتشفه الأطباء ويشخصونه. وسدوم وعمورة هلكوا دون أن يكون هناك ناموس مكتوب.

من أخطأ بدون الناموس= ولكن الله وهب كل إنسان نور الطبيعة أي الضمير وبه يميز الإنسان الطبيعي بين الخير والشر. لذلك وجدنا وسط الوثنيين مبادئ فيها فكرة عن العدل والشفقة (مثل بحارة يونان) والطهارة ومنع القتل والسرقة والكذب، والضمير سيشهد ضد كل واحد حتى لو حاولنا أن نسكته. وأضيف لليهود نور الناموس، وأضيف لنا كمسيحيين فوق كل هذا نور الإنجيل. فالله لا يترك نفسه بلا شاهد. وكلما ازدادت الإمكانيات ازدادت المسئولية، وبالنسبة لليهود فالناموس ليس مجالًا للافتخار بل للعمل به، ولكشف النفس والتوبة. وهذا هو الفرق بين أن يكون الإنجيل للمعرفة والافتخار أو يكون حياة معاشة. ولقد صار الناموس حملًا زائدًا على اليهود بسبب زيادة المسئولية، لكن كان غرض هذا الحمل المضاعف أن يكتشفوا عجزهم عن أن يقوموا وحدهم بتنفيذ متطلبات الناموس، وأن يشعروا باحتياجهم لمخلص. لكن للأسف تحول الناموس عند اليهود إلى أداة افتخار.

يُدَانُ = أي مع وجود ناموس تصبح الخطية تعدّي على حق الله، فبدون الناموس ربما يجد الخاطئ عذرًا ويقول لا أعرف، ولكن ما عذره إذ أعطى الله الوصية وهو يكسرها متعمدا. لذلك تزداد عقوبة المتعدي فهو [1] يموت بسبب الخطية [2] يحاسب على تعديه. لذلك قال السيد المسيح يكون لسدوم وعمورة حالة أكثر احتمالًا يوم الدين من هؤلاء الذين رفضوا دعوة المسيح (مت15:10).

 

آية (13): “لأَنْ لَيْسَ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ النَّامُوسَ هُمْ أَبْرَارٌ عِنْدَ اللهِ، بَلِ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِالنَّامُوسِ هُمْ يُبَرَّرُونَ.”

هناك من يحفظ الناموس ويعظ به ولكن لا يعمل به فدينونته ستكون أشد، مثل هذا قد يتبرر عند الناس بسبب معرفته، ولكن ليس لدى الله. لكن من سيتبرر هو من يعمل بحسب الناموس. يسمعون= كان اليهود يقرأون الناموس كل سبت. مشكلة اليهود التي يعالجها الرسول أنهم يفتخرون بأن الله أعطاهم الناموس. وهم لهم وضع خاص عند الله كشعب مختار حتى إن تجاوزوا في تنفيذ وصايا الناموس.

الذين يعملون بالناموس= لذلك فالله سيبرر الأممي الذي يعمل أعمالًا صالحة (أهل نينوي/ كرنيليوس). وبنفس المفهوم فأنا لن أخلص لمجرد أنني أدعي مسيحي، أو لأنني دارس الكتاب المقدس، بل لأنني أعيش بحسب الإنجيل، ولا يعرف قوة الإنجيل إلاّ من يعيشه. فمن يعمل يختبر المسيح ويعرفه، فلا ينهار من تشكيك الشيطان في محبة الله (مت24:7-27).

 

آية (14): “لأَنَّهُ الأُمَمُ الَّذِينَ لَيْسَ عِنْدَهُمُ النَّامُوسُ، مَتَى فَعَلُوا بِالطَّبِيعَةِ مَا هُوَ فِي النَّامُوسِ، فَهؤُلاَءِ إِذْ لَيْسَ لَهُمُ النَّامُوسُ هُمْ نَامُوسٌ لأَنْفُسِهِمِ،”

كما أن من يخطئ بدون ناموس يهلك لأنه يخالف ناموس الطبيعة أي الضمير = والضمير هو وصايا الله التي كتبها الله على قلوب آدم أولا ثم كل البشر. وبها نجد أن كل إنسان يدرك ما هو الحق وما هو الخطأ كما حدث مع يوسف. ولكن هذا الضمير مع إزدياد الشر يتشوه فيقبل الخطأ. لذلك أعطى الله الناموس مكتوبا ليكون عونا للإنسان.

هكذا من يفعل ما في الناموس بدون ناموس يحيا بعمله الصالح (كرنيليوس) (أع10: 34، 35). وهكذا رأينا في آبائنا البطاركة إبراهيم وإسحق ويعقوب ويوسف وأيوب أنهم بدون ناموس مكتوب، كان الناموس مكتوبًا على قلوبهم، كان هذا عمل الضمير. وهذا معنى هم نَامُوسٌ لأَنْفُسِهِمِ = = كان الناموس الذي طبعه الله في قلوبهم ما زال موجودًا داخلهم. أي على الرغم من أن ليس لهم ناموس مكتوب فهم لهم ناموس الضمير. وبهذا الناموس عمل الأمم الذين ليس لهم ناموس، عملوا أعمالًا صالحة منقادين بناموسهم الفطري.

ولكن كما أن ناموس موسى بدون المسيح لا يخلِّص، هكذا هذا الناموس الفطري (الضمير) لا يخلِّص بدون المسيح. فكلاهما مرشد ويؤدب لكن لا يخلِّص. والمقصود من الآية “أنتم أيها اليهود ليس لكم فضل أن عندكم الناموس، فالأممي الذي التزم بوصايا الله التي يمليها عليه ضميره يتساوى باليهودي الملتزم بالناموس”.

 

آية (15): “الَّذِينَ يُظْهِرُونَ عَمَلَ النَّامُوسِ مَكْتُوبًا فِي قُلُوبِهِمْ، شَاهِدًا أَيْضًا ضَمِيرُهُمْ وَأَفْكَارُهُمْ فِيمَا بَيْنَهَا مُشْتَكِيَةً أَوْ مُحْتَجَّةً،”

مَكْتُوبًا فِي قُلُوبِهِمْ = مثل إبراهيم ويوسف.. شَاهِدًا أَيْضًا ضَمِيرُهُمْ = كل أممي له ما يدينه من قبل الله أي ضميره. إذًا دينونة الله العادلة ستكون على الكل أممًا ويهود. مُحْتَجَّةً = مدافعة بالحجة والبرهان. مُشْتَكِيَةً = ضمائرهم تحتج داخلهم إن أخطأوا. هنا الضمير بدل الناموس المكتوب. ويوم الدينونة سيقف ضمير كل إنسان شاهدًا ضده حينما يدينه الله. فلقد سبق ضميره وإحتج عليه، ولذلك سيتقبل حكم الله عليه. ولنلاحظ أن الناموس عمله أنه ينير بصائر الناس ليميزوا بين الحق والباطل، لكن هذا العمل مكتوب في ضمائر الجميع ويظهره الأمميون بتصرفاتهم الأخلاقية وبإحتجاج ضمائرهم داخلهم. ولكن مع زيادة الشر في العالم إنطمست عيون البشر عن رؤية الحق، فأعطى الله الناموس مكتوبا ليساعد البشر كما قال القديس إغريغوريوس “أعطيتني الناموس عونا”.

 

آية (16): “فِي الْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ يَدِينُ اللهُ سَرَائِرَ النَّاسِ حَسَبَ إِنْجِيلِي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ.”

يدين الله سرائر= الناس تدين ما يُعمَل في العلن، أما الله فيدين السرائر أي الأعمال الخفية والأفكار والأسرار. والذين يحافظون على الناموس سوف يحكم الله ببرهم في اليوم الذي يدين فيه الأعمال العلنية بل والخفية للبشر، بحسب الإنجيل الذي كرز به بولس، والذي فيه كرز بيسوع المسيح كديان لكل العالم والقاضي الأعلى للشعوب، وهو يدين بالحق= إنجيلي.

رو2: 17-29

آية (17): “هُوَذَا أَنْتَ تُسَمَّى يَهُودِيًّا، وَتَتَّكِلُ عَلَى النَّامُوسِ، وَتَفْتَخِرُ بِاللهِ،”

هُوَذَا أَنْتَ تُسَمَّى يَهُودِيًّا = كان اسم يهودي يثير عند صاحبه الكبرياء فهم يظنون في أنفسهم أنهم أفضل من باقي الناس، محبوبين عند الله، مكرمين لذلك كانوا يصلون “اللهم أشكرك أنك لم تخلقني أمميًا ولا امرأة ولا عبدًا” فهو يشعر أنه فوق العالم. هنا يوبخ الرسول استعلائهم وشهوتهم للعظمة. ولاحظ استخفافهم بالمسيح والناس. ولاحظ قولهم للأعمى “ولدت في الخطية أنت بجملتك وأنت تعلمنا” (يو34:9). وكأن الناموس للافتخار دون أن ينفذوه. ويفتخرون بالله كما لو كان إلههم وحدهم، فهم تكبروا على الأمم وأسموهم كلاب. ولكن الناموس للتنفيذ وليس للافتخار. وراجع (لا26 + تث28) لترى عقوبة مَنْ لا ينفذ الناموس. قيل عن اليهود الذين يفتخرون بالناموس، أنهم كمجرم محكوم عليه بالإعدام ويفتخر بقانون الجنايات.

 

آية (18): “وَتَعْرِفُ مَشِيئَتَهُ، وَتُمَيِّزُ الأُمُورَ الْمُتَخَالِفَةَ، مُتَعَلِّمًا مِنَ النَّامُوسِ.”

تعرف مشيئته= الخبرة النظرية في معرفة مشيئة الله. تميز الأمور المتخالفة أي تميز بين الخير والشر. إذ تثقفوا بثقافة الناموس.

 

آية (19-20):- “وَتَثِقُ أَنَّكَ قَائِدٌ لِلْعُمْيَانِ، وَنُورٌ لِلَّذِينَ فِي الظُّلْمَةِ، وَمُهَذِّبٌ لِلأَغْبِيَاءِ، وَمُعَلِّمٌ لِلأَطْفَالِ، وَلَكَ صُورَةُ الْعِلْمِ وَالْحَقِّ فِي النَّامُوسِ.”

وَتَثِقُ = تنتفخ. أَنَّكَ قَائِدٌ لِلْعُمْيَانِ = هذه كلماتهم عن أنفسهم وهي تدينهم بالأكثر. فكانوا يسمون أنفسهم قائد للعميان/ نُورٌ لِلَّذِينَ فِي الظُّلْمَةِ / مهذب للأغبياء/ معلم للأطفال. وهذه لا بُد أن تكون صفات المعلمين فعلًا. لكن على المعلم أن لا يفتخر بل يَعْلَمْ أن الله يعمل من خلاله (العميان والأغبياء والذين في الظلمة كان يقصد بهم الأمميين). وكان اليهود يستهويهم الألقاب لذلك حين قال الشاب للسيد المسيح أيها المعلم الصالح، كانت إجابة المسيح تحمل معنى “يا إبني أنا لست مثل هؤلاء الذين يعجبون بالألقاب” (لو18: 18، 19) والمسيح بكت من يقبل مجدًا من الآخرين ولا يعطي المجد لله (يو44:5).

مُعَلِّمٌ لِلأَطْفَالِ = الذين في طفولة الحياة الروحية.

 

الآيات (21، 22): “فَأَنْتَ إِذًا الَّذِي تُعَلِّمُ غَيْرَكَ، أَلَسْتَ تُعَلِّمُ نَفْسَكَ؟ الَّذِي تَكْرِزُ: أَنْ لاَ يُسْرَقَ، أَتَسْرِقُ؟ الَّذِي تَقُولُ: أَنْ لاَ يُزْنَى، أَتَزْنِي؟ الَّذِي تَسْتَكْرِهُ الأَوْثَانَ، أَتَسْرِقُ الْهَيَاكِلَ؟”

الرسول يوبخهم إذ أنهم اهتموا بالوعظ دون الحياة ففقدت الكلمة قوتها (1تي12:4، 13، 16). أتسرق الهياكل= أباح اليهود سرقة هياكل الأوثان. ولنلاحظ أنه على من يعلِّم غيره أن يعلِّم نفسه أولًا ليكون قدوة.

 

آية (23): “الَّذِي تَفْتَخِرُ بِالنَّامُوسِ، أَبِتَعَدِّي النَّامُوسِ تُهِينُ اللهَ؟”

هم يفتخرون بأن الله أعطاهم الناموس. ولكنهم لم يدركوا أنهم حينما يخالفونه فهم بهذا يهينون الله الذي أعطاه.

 

آية (24): “لأَنَّ اسْمَ اللهِ يُجَدَّفُ عَلَيْهِ بِسَبَبِكُمْ بَيْنَ الأُمَمِ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ.”

هم بعصيانهم يتسببون في أن اسم الله يُهان بين الأمم (أش5:52 + حز20:36-23 + 2 صم 12: 14). لذلك نصلي ليتقدس اسمك. فإنه لا يوجد حل وسط، إما أن يتقدس اسم الله فينا أو يجدف عليه بسببنا.

واسم الله يتقدس فينا عندما نتقدس نحن ونعمل ما يليق بالقداسة. ليرى الناس أعمالنا الصالحة فيقدسوا اسم الله. والعكس فبسبب أعمالنا الشريرة يجدفوا على اسم الله أي يوجهوا له الإهانة.

ملحوظة: الله كان يتمنى أن يفيض من خيراته على شعبه الملتزم بناموسه وتكون هذه علامة على أن الله خَيِّرْ . وتكون هذه كرازة بالله الطيب الخيِّر. وهذا ما حدث لأبيمالك إذ رأى خيرات الله لإسحق فخاف من إله إسحق، فإسحق أظهر لأبيمالك محبة الله ومجد الله والبركات التي يهبها الله لأبنائه (تك26:26-31).

فالله أعطاهم الناموس ليلتزموا به فيفيض عليهم من خيراته أمام الأمم، وبهذا يتمجد اسم الله وسط الأمم، ويكون هذا كرازة وسط الأمم، فيعرف الأمم الله ويؤمنوا به. وهنا الرسول يوبخ اليهود لأنهم فشلوا فيما خلقهم الله لأجله وأعطاهم الناموس لأجله أي في أنهم يكونوا سببًا لمجد اسمه.

 

آية (25): “فَإِنَّ الْخِتَانَ يَنْفَعُ إِنْ عَمِلْتَ بِالنَّامُوسِ. وَلكِنْ إِنْ كُنْتَ مُتَعَدِّيًا النَّامُوسَ، فَقَدْ صَارَ خِتَانُكَ غُرْلَةً!”

فإن الختان ينفع إن عملت بالناموس، ولكن إن كنت متعديًا على الناموس، فسيفقد الختان كل قيمة له أمام الله، ويصير كما لو كان غرلة= المقصود أنه يصير كمن هو غير مختتن، فإن الختان هو علامة الانتماء لله كذلك العمل بالناموس هو علامة انتماء لله، فكسر الختان أي الإبقاء على الغرلة يتساوى بالامتناع عن عمل الأعمال الصالحة، فكلاهما يعني عدم الانتماء لله. والمقصود هو أن المهم تكميل أعمال الناموس لا الاهتمام بمظاهره فقط كالختان. وقد لخَّص القديس يعقوب ذلك في رسالته حين قال “لِأَنَّ مَنْ حَفِظَ كُلَّ ٱلنَّامُوسِ، وَإِنَّمَا عَثَرَ فِي وَاحِدَةٍ، فَقَدْ صَارَ مُجْرِمًا فِي ٱلْكُلِّ” (يع2: 10).

 

آية (26): “إِذًا إِنْ كَانَ الأَغْرَلُ يَحْفَظُ أَحْكَامَ النَّامُوسِ، أَفَمَا تُحْسَبُ غُرْلَتُهُ خِتَانًا؟”

وبنفس المفهوم السابق، إن كان الأمم غير المختونين يحفظون بالتمام وصايا الناموس، فمما لا شك فيه أن غُرلتهم ستحسب لهم كما لو كانت ختانًا، أي كما لو كانوا مختونين، والمختون هنا هو قلبهم الذي قطعت منه محبة الخطية = أَفَمَا تُحْسَبُ غُرْلَتُهُ خِتَانًا. فالله يطلب أن يكون الإنسان ملتزمًا بالعمل الفاضل حتى يصير في علاقة مع الله، والعمل الفاضل يجعله منتميًا لله (نينوي/ كرنيليوس).

في البدء لم يكن هناك ناموس مكتوب ، بل كانت وصايا الله مكتوبة على قلب آدم، وهذا ما يسمى الضمير، وكان هذا لكل البشر، وبالخطية بدأ قلب الإنسان يتحجر، فما عاد يدرك الوصية. فأعطاه الله الناموس على ألواح حجرية تناسب حالة قلبه، وكان ذلك عونا للإنسان. فمن يسلك بحسب الناموس وهو بدون ناموس، فهذا دليل على أنه ذو قلب نقى أو قل قلب مختون أي مقطوع منه محبة الخطية أو أنه ما زال مكتوبا عليه وصايا الله ولم يتحجر.

وكان وعد الله “وَأُعْطِيهِمْ قَلْبًا وَاحِدًا، وَأَجْعَلُ فِي دَاخِلِكُمْ رُوحًا جَدِيدًا، وَأَنْزِعُ قَلْبَ ٱلْحَجَرِ مِنْ لَحْمِهِمْ وَأُعْطِيهِمْ قَلْبَ لَحْمٍ” (حز11: 19). وهذا تم بالروح القدس الذي سكب محبة الله في قلوبنا (رو5: 5). فتحولت لقلوب لحمية أي قلوب تحب الله، ومن يحب الله يحفظ وصاياه (يو14: 23).

 

آية (27): “وَتَكُونُ الْغُرْلَةُ الَّتِي مِنَ الطَّبِيعَةِ، وَهِيَ تُكَمِّلُ النَّامُوسَ، تَدِينُكَ أَنْتَ الَّذِي فِي الْكِتَابِ وَالْخِتَانِ تَتَعَدَّى النَّامُوسَ؟”

وهذا ما حدث مع كرنيليوس. فالأممي الذي حفظ الناموس الطبيعي أفضل من اليهودي غير الحافظ للناموس. فكرنيليوس بغرلته وقلبه المختون، أفضل من قيافا المختون ورئيس الكهنة.

 

آية (28): “لأَنَّ الْيَهُودِيَّ فِي الظَّاهِرِ لَيْسَ هُوَ يَهُودِيًّا، وَلاَ الْخِتَانُ الَّذِي فِي الظَّاهِرِ فِي اللَّحْمِ خِتَانًا،”

اليهودي في الظاهر= هو يهودي أعمال الناموس أي طقوسه، فهو في الظاهر مختون، ويتطهر بالماء.. إلخ. ولكنه يتعدى على الناموس، إذ لا يحفظ وصاياه. وبسببه يجدف على اسم الله في الأمم. ولنفهم أن الله لا يهتم بالمظاهر، بل بالقلب التقي الذي يخاف الله ويحفظ وصاياه. إذًا القصد من قوله اليهودي في الظاهر هو هذا اليهودي المكتفي بالأعمال الظاهرية.

 

آية (29): “بَلِ الْيَهُودِيُّ فِي الْخَفَاءِ هُوَ الْيَهُودِيُّ، وَخِتَانُ الْقَلْبِ بِالرُّوحِ لاَ بِالْكِتَابِ هُوَ الْخِتَانُ، الَّذِي مَدْحُهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ بَلْ مِنَ اللهِ.”

الْيَهُودِيُّ فِي الْخَفَاءِ = أي الذي يعمل ويحفظ وصايا الناموس لا ليراه الناس، بل ليراه الله، هذا يهتم بقلبه بمجد الله. وهذا ما يمدحه الله. أما اليهودي في الظاهر فهو يأخذ مديحه من الناس لأنه يهتم بأن يظهر أمام الناس ليرضي الناس. إذًا لنسعى أن يمدحنا الله عوضًا عن أن نسعى للمجد الباطل من الناس.

هُوَ الْيَهُودِيُّ = اليهودي الكامل، أو الإسرائيلي الحقيقي كما قال الرب عن نثنائيل (يو47:1). وهذا ما تعمله النعمة الآن في المسيحي، فالإيمان حَلَّ محل الناموس الذي أخفق اليهود في أن يستخدموه للحصول على علاقة مع الله.

خِتَانُ الْقَلْبِ = عَرَّفه الرسول في (كو11:2، 12) بأنه خلع جسم خطايا البشرية، وهذا يعني رفض الخطية في القلب.

بِالرُّوحِ = قارن مع (رو13:8) فهذا يتم بالروح لمن يميت أعضاءه التي على الأرض (كو5:3) ويقف ميتًا أمام الخطايا (رو11:6). وهذا يتم بالروح وليس بالناموس الذي ليس له قوة على التغيير. أمّا النعمة فتقطع حب الخطية من القلب وتميتها كما يقطع الختان جزء من الجسم ويتركه ليموت. لكن هذا لمن يصلب الجسد مع الأهواء والشهوات (غل24:5). لاَ بِالْكِتَابِ = بحسب طقوس الناموس فالختان هو وصية بالناموس. الروح يعطينا أن نكون خليقة جديدة (2كو17:5).

 

تفسير رومية 1 تفسير رسالة رومية تفسير العهد الجديد تفسير رومية 3
 القمص أنطونيوس فكري
تفاسير رسالة رومية تفاسير العهد الجديد

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى