تفسير رسالة رومية أصحاح 5 للأنبا أثناسيوس
الاصحاح الخامس
المصالحة
سلام المصالحة رو5: 1-11
الصلح يرفع الخوف ويقرب المبتعد ولـذا يثمر سلاماً . وإذ نؤمن بالفداء ننال المصالحة ، كقول الرسول يوحنا “من له الابن فله الحياة ، ومن ليس له ابن الله فليست له الحياة ” (1يو5: 12)، وقوله “الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية ، والذي لا يؤمن بالابن لن يرى حياة بل يمكث عليـه غـضب الله” (يو3 : 36) ( أنظر رو1: 18 و أف5: 6 ) كقول الرب نفـسـه ” إن لم تؤمنوا أني أنا هو تموتون في خطاياكم” (يو8: 24).
هذا هو الإله المتجسد القائل « هذا هو عمل الله ( أعمال المؤمنين التي ترضى الله ) أن تؤمنوا بالذي أرسله » (يو6: 29). وقوله « إن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارا » (يو8: 36) . الذي تكلمت عنه ايضاً النبية حنة بنت فنوئيل التي « وقفت تسبح الرب وتكلمت عنه مع جميع المنتظرين فداء في أورشليم » (لو2: 38). نعم هو الذي « لم يأت ليخـدم بل ليخدم ويبذل نفسه فدية عن كـثـيـرين . » (مر10: 45) الذي تختم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية خدماتها بقول الكاهن « بخرستوس بينـوتى ( المسيح إلهنا ) و فيرد عليه الشعب ، آمين أيس إيشوبي (نعم هو كذلك) هو الذي أدخلنا دائرة النعمة.
ومن الغريب أو بالأحرى هو أمر ثابت أنه كلما وصلنا إلى الكلام عن المجد أو دخلنا السعادة الحقيقية والتمتع بالنعمة ، نجد الآلام تواجهنا سريعاً ، مثل قوله « متى جاء المعزى الذي أرسله أنا إليكم …. سيخرجونكم من المجامع بل تأتى ساعة فيها يظن كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة الله » (يو14: 26 – 15: 2) ومثلما في قصة التجلي ، فأنه خلال الفرح بمجد التجلي كان موسى وأيليا يتكلمان “عن خروجه الذي كان عتيداً أن يكمله في أورشليم” (لو9: 31)، بل أنه هو قـال ” كذلك ابن الانسـان أيضاً سوف يتألم منهم ( من الحكام والـيـهـود )”( مت 17: 12). وهنا ما أن ذكر السلام والنعمة ومجد الله حتى تكلم عن الضيقات “وليس ذلك فقط بل نفتخر أيضاً في الضيقات عالمين أن الضيق ينشئ صبراً ( وكلمة صبر هنا hupomone هیبومونی تعنى الثبات والاحتمال ) والصبر ( الثبات ) ينشئ تزكية ( وكلمة تزكية هنا Dokimé تعنى التخلص من الشوائب كتزكية الذهب أو أي معدن بالنار )” فالمؤمن ينال التبرير الذي يثمر فيه بالسلام ويفرح بالمجد العتيد أن يدخل فيه ، ويقابل الضيقات بثبات ، فيتزكي كما تزكى أيوب ويكون عنده رجاء في الرب . “ها نحن نطوب الصابرين . قد سمعتم بصبر أيوب ورأيتم عاقبة الرب” (يع5: 11) “ومفديو الرب يرجعون ويأتون إلى صهيون بالترنم وعلى روسـهـم فـرح أبـدى” (إش51: 11) ” الرجاء لا يخزى لأن مـحـبـة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا” (رو5: 7 رو 5 : 5 وبمحبته الثابتة 5: 6 – 11 أحبنا الله ونحن خطاة وأعداء ، وفدانا ، وبمحبته الثابتة يرعانا . “لأنه إن كنا ونحن أعداء قـد صـولحنا مع الله بموت ابنه ، فبالأولى كـثـيـراً ونحن مـصـالحـون نخلص بحياته” 5: 10.
البر الفائض رو5: 12-21
” بإنسـان واحـد دخلت الخطيـة إلى الـعـالـم وبالخطيـة الموت وهكذا اجـتـاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع” آية 12، يقول البعض أننا نرث خطية آدم . ونؤمن لكى تغفر لنا خطية آدم . ولكن الكتاب يقـول على لسان أرميا النبي “في تلك الأيام لا يقولون بعد الآباء أكلوا حـصـرمـا وأسنان الأبناء ضـرست ، بل كل واحد يموت بذنبه . كل انسان يأكل الحصـرم تـضـرس أسنانه” (إر31: 29– 30) ويقول حزقيال أيضاً “ما لكم أيضا تضربون هذا المثل …. قائلين الآباء أكلوا الحصرم وأسنان الأبناء ضرست . حى أنا يقول السيد الرب لا يكون لكم من بعد ( بعد الآن – من الآن فصاعدا ) ان تضربوا هذا المثل …. ها كل النفوس هي لي . نفس الأب كنفس الابن . كلاهما لي . النفس التي تخطئ هي تموت” (حز18: 2- 4) . بل ان الخطية ساكنة في الطبيعة البشرية ونحن نؤخذ منها ، ونحاسب على خطايانا نحن “لا يقل أحد إذ جرب اني أجرب من قبل الله …. كل واحد يجرب إذا إنجذب وانخدع من شهوته “(يع1: 13 – 14) . ولو كنا نحاسب عن خطية أبينا آدم لكانت غفرت منذ تم الفـداء والعـفـو عن آدم والذين كانوا في الانتظار ” وأنت أيضاً فأنى يوم عـهـدك قد أطلقت أسراك من الجب الذي ليس فيه ماء . ارجعوا إلى الحصن يا أسرى الرجاء » (زك9: 11– 12) فالإنسان يؤمن بالفادى لكى ينال الحياة الجديدة وقوة الانتصار « من آمن واعتمد خلص ومن لم يؤمن يدن » ، (مر 16: 16).
ولكن رب المجد لما تجسد كان لجسده الألهى البشرى صفة اللانهائية فمهما كانت خطايا البشر وجمعت كلها فأنها تعد محدودة . أما فداء يسوع فأنه غير محدود بحكم ذاته غير المحدودة . “حيث كثرت الخطية ازدادت النعمة جداً ، حتى كما ملكت الخطية في الموت ، هكذا تملك النعمة بالبر للحياة الأبدية بيسوع المسيح ربنا . ” (رو5: 20-21).
أما الناموس فكان مرآة أو ميزاناً يظهر الخطيئة ، وبدونه قد لا يدرك الإنسان الخطيئة جيداً . فعلى الرغم من وجود الضمير في الإنسان إلا أن الناموس يوضح الحدود والطريق ، كالإنسان في المجتمع يعرف الواجبات في المعاملة أو الأمانة أو المذاكرة أو السير في الطرق ، ولكن القوانين والاختبارات والقواعد توضح المسالك والجزاء والعقاب وحدود حرية الفرد في تصرفه إزاء غيره . فالناموس الموسوى إذن أبرز الخطية وأظهر مداها . ولذا يقول ” الخطية لا تحسب إن لم يكن ناموسط آية 13 . .
وعلى الرغم من تأخـر إرسال النامـوس الموسـوى تاريخـيـاً ، إلا أن الضمائر كانت تشير إلى الخطية ، فالخطية إذن كانت موجودة ومعروفة في كثير من الظروف.
أمـا قـوله ” ملك الموت من آدم إلى مـوسى ، وذلك على الذين لم يخطئوا على مثال تعدى آدم ” آية ١٤ . فتعنى أمرين ، أن آدم تعدى ولم تكن بداخله خطية ، وكان أمامه تحذير منها أما البشر فكان عندهم ضمير يحذرهم ولكن الخطيئة كانت بداخلهم . أما الآتى المشار إليه في نهاية الآية فيقصد به السيد المسيح الذي هو بلا خطيئة . وبذا يمكن أن تصاغ الآية ( ملك الموت من آدم إلى موسى على الذين أخطأوا بصورة تختلف عن آدم ( الذي لم تكن فيه خطيئة ) الذي جاء المسيح مشابها له ( في الصورة وفى كون الخطيئة لم تكن ساكنة فيه ).
والمعنى الثاني أنه فاضت نعمة ربنا يسوع المسيح غير المحدودة لتخلص سواء آدم أو في الفترة التي سبقت الناموس أو فيما بعدها “باطاعة الواحـد يجعـل الكثيرون أبراراً ” رو 15: 19.
تفسير رومية 4 | تفسير رسالة رومية | تفسير العهد الجديد | تفسير رومية 6 |
الأنبا أثناسيوس مطران بني سويف |
|||
تفاسير رسالة رومية | تفاسير العهد الجديد |