تفسير رسالة كولوسي ٣ للقمص أنطونيوس فكري
شرح رسالة كولوسي – الإصحاح الثالث
الآيات 1 – 4
هنا نرى الرسول يطالب القارىء بأن يكون له جهاد إيجابى وجهاد سلبى. والإيجابى بأن يحيا متأملاً فى السماويات حيث هو ذاهب بعد هذه الحياة، ويحيا مصلياً ودارساً لكلمة الله فى الكتاب المقدس متطلعاً إلى اليوم الذى ينطلق فيه إلى موطنه السمائى الذى كله فرح ومجد إذ هو غريب هنا على الأرض. أما الجهاد السلبى فهو ان يحيا كميت أمام خطايا وشهوات العالم. ولاحظ تركيز الرسول على دور المؤمن وجهاده أطلبوا.. إهتموا.. أميتوا.. إطرحوا. فالنعمة تساند من يجاهد حتى الدم (عب4:12).
أيات 1-2:- فان كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله. اهتموا بما فوق لا بما على الارض.
إن كنتم قد قمتم = بما أنكم قد قمتم مع المسيح فإفعلوا كذا وكذا.. والقيامة مع المسيح تمت فى المعمودية. فالمسيح قد قام ونحن قمنا معه فى المعمودية، والمسيح صعد إلى السموات ورآه التلاميذ صاعداً ليجذب إنتباههم وإنتباهنا للسماويات التى ذهب إليها ليعد لنا مكاناً. فالسماء صارت موطناً لنا، ونحن غرباء هنا على الأرض. أماّ الإنسان العالمى فهو يهتم بما فى العالم. أما نحن فقد متنا عن العالم أى أنفصلنا عنه. والإهتمام بالعالم هو خاص بالإنسان العتيق “إن كان لنا قوت وكسوه فلنكتف بهما” (1تى18:6). وقول الرسول يعنى أنه طالما قد حصلتم على طبيعة جديدة فأطلبوا ما يتناسب معها، وبهذا تتأهلون للميراث السماوى. أبناء الله يتمتعون بالسماويات وهم على الأرض، أما الغنوسيون فهم أرضيون. لذلك ففى بداية كل قداس يسأل الكاهن “أين هى قلوبكم” وهذا لا يعنى ترك العالم بل أن نكون أمناء أن لا يدخل العالم لقلوبنا، أو نسلك بمبادئه.
أطلبوا / إهتموا = أطلبوا المسيح وإهتموا أن يكون لكم نصيب فى السماء وإنشغلوا بالسمائيات وبكلمة الله وبالصلاة بلا إنقطاع بدلاً من الإنشغال بملذات العالم وشهواته.وقوله إهتموا = أصلها إنشغال الفكر وإنحصاره فى أمر هام. وكلمة إهتموا هى درجة أعلى من أطلبوا، فهى تعبر عن أشواق داخلية وإلحاح فى الطلب حتى نحصل على ما نريد، أما الطلب فقد نطلب مرة ثم نسكت.
آيات 4،3:- لانكم قد متم و حياتكم مستترة مع المسيح في الله. متى اظهر المسيح حياتنا فحينئذ تظهرون انتم ايضا معه في المجد.
لأنكم قد متم = نحن متنا بإنساننا العتيق فى المعمودية. وقوله هذا “لأنكم قد متم” إجابة لما قال.. “إهتموا لا بما على الأرض“. ومن يظل ميتاً عن الخطية وعن العالم تستمر فيه حياة المسيح التى أخذها بقيامته مع المسيح فى المعمودية. وهذا ما قاله السيد المسيح من أضاع نفسه يجدها.. ومن وجد نفسه يضيعها. فقوله “أضاع نفسه” أى عاش كميت أمام خطايا وملذات العالم، مثل هذا يحيا المسيح فيه.
حياتكم مستترة = المسيح هو حياتنا، الله أحيانا روحياً به “لى الحياة هى المسيح فى” (21:1) “أحيا لا أنا بل المسيح يحيا فىّ” (غل20:2). هذه هى حياة النعمة التى نحياها الآن ولكن هذه الحياة لا تظهر أمام الناس أى انها مستترة لأن المسيح نفسه غير ظاهر. كل ما يظهر هو ثمار هذه الحياة. وما أخذناه الآن جعلنا بذرة حية، حياتها مستترة فيها والحياة التى فى البذور، لا تظهر إلا بعد أن تدفن البذور وتموت، فتظهر شجرة جميلة والحياة التى أخذناها الآن ستظهر بعد أن نموت وندفن ونقوم بجسد ممجد. والمسيح سيظهر فى نهاية الأيام وسنظهر معهُ فى المجد (1يو2:3) + (فى21:3). الحياة التى فينا لا يشعر بها العالم غير المستنير ولا يعرفها، ولكن نشعر بها داخلياً.
أماّ الذى يرتد لحياة الخطية بعد المعمودية فيكون كبذرة أكلها السوس، متى زُرعت لا تعطى شجرة، فلقد اختفت الحياة من داخلها. وهذا معنى قول السيد من وجد نفسه(عاش يتلذذ بخطايا العالم) يضيعها. (مت39:10).
فحينئذ تظهرون.. فى المجد = فى السماء سيكون المجد علنياً، “المجد العتيد أن يستعلن فينا” (رو18:8). المسيح سيظهر فى مجده فى نهاية الأيام ونحن معه. والمجد الآن مستتر. فى الله = الله هو مصدر حياتنا وحافظها وحياتنا مستترة فيه، فهو الحى مصدر كل حياة.
الآيات 5 – 8
آيات 6،5:- فاميتوا اعضاءكم التي على الارض الزنى النجاسة الهوى الشهوة الردية الطمع الذي هو عبادة الاوثان. الامور التي من اجلها ياتي غضب الله على ابناء المعصية.
أميتوا = يبدأ هنا دروساً فى السلوك العملى. وأميتوا لغوياً تعنى إذبحوا ذبحاً مستمراً، إحسبوا أعضاءكم ميتة أمام شهواتكم، ألم تموتوا مع المسيح فى المعمودية؟ إذاً حافظوا على هذا الموت عن العالم وشهواته “إحسبوا أنفسكم أمواتاً عن الخطية…” (رو11:6). ليظهر أمام العالم هذا الموت كطريق إختيارى، ومن يفعل ينال معونة من الروح القدس، فالروح القدس هو قوتنا لإماتة شهواتنا “فإن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد فستحيون” (رو13:8). ولكن الروح لن يعين سوى من يجاهد، وذلك بأن يقف أمام الخطية كميت، ويقف أمام الله فى الصلاة طالباً المعونة.
أعضاءكم = ليس المقصود قطعاً أن نقطع ونذبح أعضاءنا الجسدية، بل الخطايا والشهوات التى نرتكبها بها. هذه مثل قول السيد “إن أعثرتك يدك فإقطعها” (مت30:5). أعضاءكم التى على الأرض =
1. أى طالما نحن على الأرض ستتحرك الشهوات الخاطئة فى أعضائنا.
2. المقصود أن نحسب العضو الذى يشتهى شهوات أرضية، نحسبه عضواً ميتاً. فلو إستجبنا للشهوة الخاطئة الأرضية التى تعمل فى هذا العضو لصار آلة إثم.
3. أعضاء الجسد ليست نجاسة لكن المقصود أن لا نجعل العضو آلة فى يد الإنسان العتيق أى الشهوات المنحرفة. ولكن علينا أن نجعل اعضاءنا آلات بر يستعملها الإنسان الجديد المولود فى المعمودية، فاليد التى كانت تسرق تتحول ليد ترتفع فى الصلاة، والعين التى تشتهى إلى عين تدرس كلمة الله (رو13:6).
4. من يتجاوب مع الشهوات الخاطئة يطفىء الروح ومن يتجاوب مع الروح القدس ويجعل أعضاءه آلات بر يمتلىء بالروح وتزداد معونة الروح القدس لهذا الإنسان. فالله أعطانا الروح القدس كمعين حتى لا تسود الخطية علينا. والموضوع فى أيدينا: فمن يجاهد ليحفظ وصايا الله ويميت أعضاءه (أى شهواته أى يقف أمام الخطية كميت) يفرح به الروح ويعينه ومن يهمل يُحزن الروح ويطفئه ولا يجد معونة من الروح فقد أطفأهُ.
الزنا = راجع 1كو 18:6
النجاسة = كل ما يتصل بالإنحرافات الجنسية.
الهوى = الإنفعال الجنسى السريع (التحرق) = عواطف وشهوات خاطئة بلا ضابط.
الشهوة الردية = الرغبة فى إتمام الخطية وهى وليدة الهوى.
الطمع = إشتهاء ما للغير والرغبة فى إقتنائه وعدم الإكتفاء بشىء وأسماه الرسول عبادة أوثان =
1. يجعل صاحبه عبداً للمال.
2. تعلق القلب بالمال أو المقتنيات.
3. الشعور بالإطمئنان مع زيادة المال، هنا جعل الإنسان المال إلهاً يضمن له المستقبل.
أبناء المعصية = هم من يعيشون فى الخطايا السالف ذكرها.
آيات 8،7:- الذين بينهم انتم ايضا سلكتم قبلا حين كنتم تعيشون فيها. و اما الان فاطرحوا عنكم انتم ايضا الكل الغضب السخط الخبث التجديف الكلام القبيح من افواهكم.
سلكتم قبلاً = أهل كولوسى مثل كل الأمم سلكوا فى عبادة الأوثان وما يصاحبها من زنا ونجاسة.. قبل أن يؤمنوا. وأما الآن = لا تضيعوا الفرصة، فلا أحد يضمن عمره للغد، ولا يضمن هل توجد فرصة فى الغد للتوبة.
الغضب = من الرذائل المتأصلة فى الإنسان وتثمر فيه حقداً وكراهية.
السخط = التهيج السريع. الخبث = عمل مؤذ للآخرين ناتج عن حقد دفين وكراهية.
التجديف والكلام القبيح = هناك تجديف على الله وتجديف على الناس أى الإفتراء عليهم وهم صورة الله (أم5:17) والكلام القبيح هو ترجمة للأفكار والإنفعالات القلبية الخاطئة لكلمات ماكرة وبطالة.
الآيات 9 – 15
آيات 9-11:- لا تكذبوا بعضكم على بعض اذ خلعتم الانسان العتيق مع اعماله. و لبستم الجديد الذي يتجدد للمعرفة حسب صورة خالقه. حيث ليس يوناني و يهودي ختان و غرلة بربري و سكيثي عبد حر بل المسيح الكل و في الكل.
لا تكذبوا = الكذب من أعمال إبليس، فهو الكذاب وأبو الكذاب (يو44:8). وهو صاحب أول كذبة فى التاريخ على حواء. ولأنه أبو الكذاب فصار كل من يكذب إبناً لإبليس. وإبليس مازال يكذب على الناس مصوراً لهم أن فى الخطية سعادة وفرح. والكذب من أعمال الإنسان العتيق ولا يليق بأولاد الله. ومن يتسلط عليه الكذب تنقلب حياته تماماً فهو سيبيح لنفسه أى عمل خاطىء. لذلك فالكذب يساعد على نمو كل الخطايا السالفة. الكذب هو إخراج الله الحق من المشهد، فكل من يكذب يكذب على الله، ومن يتصور أن الله يقبل الكذب فهو يخطىء فى حق الله.
لبستم الجديد = هذا تم بالمعمودية، ففى المعمودية لبسنا المسيح وصارت لنا طبيعة جديدة. (راجع رو6) ملحوظة :- فى المعمودية مات الإنسان العتيق أى الشهوات القديمة الخاطئة. ووُلِدَ فينا إنسان جديد قادر على صنع البر. لكن الإنسان حر فى أن يُحيى الإنسان العتيق يأن يرتد لشهواته ويهمل علاقته بالله، وهو حر أيضاً بل قادر بمعونة الروح القدس على أن يُحيى الإنسان الجديد وينميه وذلك بأن يقف كميت أمام الخطية، ويجاهد فى صلاته وتسابيحه، أى أن يلتصق بالله تاركاً العالم بملذاته. فالمسيح أعطانا هذا الإنسان الجديد فماذا أعطت الغنوسية واليهودية فى المقابل ؟
يتجدد للمعرفة حسب صورة خالقه = خلق الله آدم فى الجنة، وكان آدم يرى الله ويعرفه ويعرف إرادته، وكان يحب الله قطعاً وهذا لأن الله حلو، إذا عرفه الإنسان يحبه. وكان آدم مخلوقاً على صورة الله. وسقط آدم فاختبأ من الله، وكلما زادت الخطية ابتعد الإنسان عن معرفة الله، بل عبد آلهة أخرى ولم يعد يحب الله، ولا عاد يعرف إرادته وصار الإنسان ظلمة (أف8:5) وأحب العالم وشهوات العالم، وصارت لذاته فى شهوات العالم. وجاء المسيح لفداء البشر، وأرسل الروح القدس ليجدد طبيعتنا.. فماذا عمل؟ كانت أول ثمار الروح القدس المحبة، بل صار يسكب محبة الله فى قلوبنا (غل22:5) + (رو5:5) وكلما تزداد محبة الله فى قلوبنا، ندرك إدراكاً فائقاً لله وللأمور الروحية، فبالمحبة يفتح الله سماءهُ وأسراره لنا أف 19:3. وكلما عرفنا أسرار الله ومحبة الله لنا والمجد الذى أعده لنا (1كو2: 10،9). نشتاق لنعرف أكثر، ونحب الله بالأكثر، وكلما عرفنا ماذا يعطيه الله لنا، إذ هو يملأنا بكل ما نحتاج إليه، نطلب أن نمتلىء منه، فنشبع به أى لا يعود فينا مكان لآخر. وهنا تتغير صورتنا إلى صورته بل نعكس مجده (2كو 18:3).
لقد أعطانا المسيح حياته، والروح القدس يقدسنا بأن يجعل كل عضو فينا مكرساً لله، فيستعملنا المسيح، أى يستعمل أعضاءنا، تصير أعضاؤنا أعضاءً له. ومع الوقت نتحول لصورة له “يا أولادى الذين أتمخص بكم إلى أن يتصور المسيح فيكم” (غل19:4) + “إلبسوا المسيح” (رو14:13). فالتجديد يكون بأن نعرف الله وندرك محبته فنشتاق أن يملأنا فنتحول إلى صورته، هذا ولن نعود إلى صورة آدم أبينا الأول، بل نتحول إلى صورة المسيح نفسه. والحب الذى سيملأ قلبنا لن يكون لله فقط، بل لكل خليقة الله اليونانى واليهودى والبربرى.. والتجديد ليس لواحد بل لكل الكنيسة. فيملاً المسيح الكل. المسيح هو الكل وسيملأ الكل = المسيح الكل فى الكل. وحينما يملأ المسيح الكل، والمسيح محبة، فلا مكان لكراهية احد، لذلك سنحب الكل اليونانى و… و عملية التجديد أى النمو فى المعرفة والحب تزداد كل يوم. فالمولود من الله ينمو. التجديد هو عمل جاء فينا بواسطة الروح القدس الذى يستعمل كلمة الله فى أن نعرف الله. فبكلمة الله المكتوبة نعرف كلمة الله المسيح ابن الله الحى.
والتجديد كما يُفهم من أصل الكلمة اليونانى هو عملية تستمر طول الحياة وليس كما تقول بعض الطوائف أنها تتم فى لحظة. وقوله للمعرفة فيه إشارة لأن الذى يتجدد سيعرف إرادة الله ومشيئه الله وينفذها. وقارن هذا الذى قيل مع قول السيد المسيح “وهذه الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقى وحدك ويسوع المسيح الذى أرسلته” (يو3:17) ” فعدم معرفة الله يعنى جهل وظلمة ومعرفة آلهه أخرى وملذات أخرى أى إستعباد وحزن وضياع. أما معرفة الله هى نور ومحبة وإمتلاء وشبع ومجد وفرح أبدى لا ينتهى. إذاً إماّ أن يعرف الإنسان الله فيحيا حراً فى فرح ومجد، أو لا يعرفه فيحيا فى عبودية وظلام. إماّ أن يعرفه فيتحول إلى صورته وإماّ لا يعرفه فيكون صورة للعالم، والعالم باطل وفانٍ.. فسيموت وينتهى للظلمة الخارجية.
يونانى = له مكانته المتميزة فى المجتمع عندئذ وبعد فتوحات الإسكندر صارت اليونانية هى اللغة السائدة فى العالم. بربرى = بحسب مفهوم اليونانيين فإن البربرى هو كل مالا يتكلم اليونانية. يهودى = هذا يعتز بأنه أبن إبراهيم، وهو الذى يعرف الله وله الشريعة والمواعيد. وفى نظر اليهودى فإن بقية الأمم ما هم إلاّ كلاب نجسة. وكان الرومان واليونانيون يحتقرون اليهود. وكان اليهود يحتقرونهم. سكيثى = من سكان شمال البحر الأسود وهم من التتار، وهم من أشد البربر وحشية وتخلفاً. حر = كان للسيد ان يقتل عبده دون مساءلة من أحد. وفى المسيح صار كل هؤلاء واحداً المسيح الكل فى الكل = الوحى هنا لا ينظر للمؤمنين كأفراد متفرقين بعضهم عن بعض بل كمن هم مخلوقون ثانية فى المسيح، الذى هو حياتهم ورأسهم. ولذلك أنتهت حياتهم السابقة وفروقهم الجنسية، الكل صار لابساً المسيح وخالعاً إنسانه العتيق. صار المسيح لنا كل شىء وهو حياة الكل أى الكل فى الكل = هو هدفنا الوحيد الذى ننظر إليه، هو فينا كلنا كحياة لنا، هو وحده يشبعنا من كل ما نحتاج إليه، هو ما نرجوه فى أبديتنا. ولاحظ ان الرسول يركز دائماً على المسيح ليرد على الغنوسيين. وهذه ضربة موجهة لليهود والمتهودين الذين يشعرون بكبرياء لكونهم يهوداً. وضربة للغنوسيين الذين يشعرون بتميز لمعرفته وفلسفاتهم. ولليونانيين الذين يشعرون بتفوقهم ويسمُّون الآخرين برابره.
ملحوظة :- الذى يتجدد حسب صورة خالقة هو إنسان مملوء بالروح، مملوء محبة، مات الإنسان العتيق الذى فيه، المسيح حياته، المسيح يستخدم أعضاءهُ كآلات بر. لا يخطىء، وإن أخطأ يشعر بتبكيت شديد فيقدم توبة سريعة، كل هذا ناشىء من أنه عَرِف الله وعرف مشيئته وأصبح غير قادر أن يخالف مشيئه الله لأنه أحبه، ولأنه حينما يخالفه يضربه قلبه بشدة، أصبح مختبراً ماذا يرضى الله مثل هذا يكتسب صورة المسيح حينما كان المسيح على الأرض، وفى السماء أيضاً ستكون له صورة المسيح فى مجده. راجع (1صم24: 4-6) + (1يو9:3) + (أف10:5) + (فى21:3) + (1يو2:3) + (غل19:4).
آيات 12-15:- فالبسوا كمختاري الله القديسين المحبوبين احشاء رافات و لطفا و تواضعا و وداعة و طول اناة. محتملين بعضكم بعضا و مسامحين بعضكم بعضا ان كان لاحد على احد شكوى كما غفر لكم المسيح هكذا انتم ايضا. و على جميع هذه البسوا المحبة التي هي رباط الكمال. و ليملك في قلوبكم سلام الله الذي اليه دعيتم في جسد واحد و كونوا شاكرين.
إلبسوا = يقصد المظهر الخارجى لابد أن يكون محلى بالفضائل. نحن تعرينا بالخطية وإفتضحنا. وبالمعمودية لبسنا المسيح. ولكن قوله إلبسوا يشير لأهمية الجهاد حتى نكتسب شكل المسيح وتكون لنا فضائل المسيح. ومن يجاهد يعطيه المسيح حياته وفضائله يظهر بها أمام الناس إلبسوا كمختارى الله = إلبسوا لأنكم مختارو الله، الله يريد أن يعطيكم هذه الهيئة أن يكون لكم شكل المسيح أى أن تلبسوا المسيح. هنا نرى أهمية الأعمال بالنسبة للخلاص، وينبه المؤمنين لأهمية السلوك المسيحى الواجب عليهم. القديسين = الذين كُرَّسْتُمْ لخدمة الله بالكلية. أحشاء رأفات = الأحشاء هى المشاعر الداخلية، وهى ما نعبر عنه الآن بالقلب. إذاً المطلوب قلب رحيم على الإخوة، وإظهار المحبة للآخرين وهم فى شدائدهم. والرأفات تجمع بين الرأفة واللطف. لطفاً = كلام بدون خشونة وتشجيع دون إثارة غضب أحد، ومعونة للآخرين. تواضع = ضد الكبرياء والإعجاب بالنفس، وهو شعور داخلى بعدم الإستحقاق للبركات الإلهية، عالماً أن كل خير هو من الله وليس من نفسه ويطلب المكان الأخير. وداعة = لا يجرح أحد ولا يُغضب أحد ويحتمل الإهانة ولا يرد بمثلها. قيل عن المسيح الوديع لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمع أحد فى الشوارع صوته (مت 19:12).
طول الأناة = ضبط النفس وقت الغضب والصبر على المسيئين. والوديع طويل الأناه أيضاً وكلاهما هادىء وبشوش.
محتملين بعضكم بعضاً. مسامحين = يكون المسيح قدوتنا فى الإحتمال. والبداية هى الإحتمال والتسامح نهاية المشوار. كونوا شاكرين = هذا إحساس بإحسانات الله علينا. وهذه أتت بعد وليملك فى قلوبكم سلام الله = فمن إمتلأ قلبه سلاماً يشعر ويثق أن كل الأمور للخير. فيشكر الله حتى فى ضيقته. والسلام اى أن يمتلىء القلب هدوءاً وسكينة ورضا وإطمئناناً. والعكس “لاسلام للأشرار” (أش 57 : 21،20). فالسلام ثمرة من ثمار الإمتلاء من الروح القدس، وهذا تجده محباً للجميع مملوء أحشاء رأفات للجميع المحبة رباط الكمال = المحبة هى أم الفضائل كلها وأشرفها وهى تجمع كل الفضائل. والكمال هو حالة لا يمكن التفوق عليها، والمقصود أن أكمل صورة يرتبط بها شعب الله، هى أن يرتبطوا بالمحبة. فهناك من يرتبطوا لمصالح متعددة ودائماً نهاية هذه الإرتباطات مشاكل، أما كمال الإرتباطات فهى المحبة والمحبة هى أولاً لله وثانياً لكل الناس حتى الأعداء.
الآيات 16 – 17
آيات 17،16:- لتسكن فيكم كلمة المسيح بغنى و انتم بكل حكمة معلمون و منذرون بعضكم بعضا بمزامير و تسابيح و اغاني روحية بنعمة مترنمين في قلوبكم للرب. و كل ما عملتم بقول او فعل فاعملوا الكل باسم الرب يسوع شاكرين الله و الاب به.
الوسائط التى يذكرها لنا الرسول لأجل تعزيتنا وبنياننا:-
1. سكنى كلمة الله فينا ودراستها والتأمل فيها وإتباع وصايا الإنجيل. وتكون كلمة الله فى أفكارنا نرددها بألسنتنا ونوراً دائماً لنا، فنرى فى حياة المسيح قدوة لنا ونتتبع وصاياه، ويكون الإنجيل معاشاً (أى ننفذ تعاليمه ولا يكون للجدال). بغنى = لا يكفى أن تكون المعرفة هامشية، بل بفيض وعمق، فهذا يحمينا من خداعات العدو، وينير أذهاننا، ويعطينا حكمة.. فنعلم الآخرين = معلمون = العقيدة والحياة الروحية (هذه إيجابيات). ومنذرون بالبعد عن الشر (وهذه سلبيات).
2. حياة التسبيح والترنيم خاصة المزامير المملوءة صلوات والتى تعلمنا كيف نصلى فالمزامير هى كلمات الروح القدس على فم داود. والتسابيح = فالتسبيح عمل الملائكة يرفع النفس للسماء فتتذوق عربون الملكوت. والأغانى الروحية = هى الترانيم التى تحمل إشتياقات للسماء وللرب يسوع. والصلاة والتسابيح يجب أن تكون بالقلب = فى قلوبكم وليست باللسان فقط أو الصوت الجميل.
3. إعملوا الكل بإسم الرب يسوع = أى مستمدين القوة منه. وهو لن يعطى قوة لعمل يكون ضد إرادته. فلنصلِ قبل كل عمل ونطلب إرشاد الله. ولاحظ تكرار قول الرب يسوع. ففى هذا رد على الهراطقة الذين يريدون أن يقللوا من مكانه المسيح بإسم = فهو قد إشترانا ونحن صرنا لهُ. وهو يعنى أن المسيح الكل فى الكل، هو الذى يمنحنا القوة لعمل أى شىء “بدونى لا تقدرون ان تعملوا شيئاً” (يو 15 :5).
4. شاكرين = المسيح وهبنا طبيعة جديدة هى طبيعة الشكر عوضاً عن طبيعة الجحود، ونحن لن ننمو سوى بالشكر “كل عطية بلا شكر هى بلا زيادة… القديس اسحق السريانى“. الله والآب = الواو ليست حرف عطف، وإلا يكون الله غير الآب، بل شاكرين الله الذى هو أبو يسوع المسيح، والذى أرسل إبنه يسوع المسيح لنصير نحن له أبناءً بإتحادنا بالمسيح.
وفي هذا الرد على من قال بقسوة إله العهد القديم.
الآيات 18 – 25
أيات 18 – 25 : – ايتها النساء اخضعن لرجالكن كما يليق في الرب. ايها الرجال احبوا نساءكم و لا تكونوا قساة عليهن. ايها الاولاد اطيعوا والديكم في كل شيء لان هذا مرضي في الرب. ايها الاباء لا تغيظوا اولادكم لئلا يفشلوا. ايها العبيد اطيعوا في كل شيء سادتكم حسب الجسد لا بخدمة العين كمن يرضي الناس بل ببساطة القلب خائفين الرب. و كل ما فعلتم فاعملوا من القلب كما للرب ليس للناس. عالمين انكم من الرب ستاخذون جزاء الميراث لانكم تخدمون الرب المسيح. و اما الظالم فسينال ما ظلم به و ليس محاباة.
راجع تفسير رسالة أفسس (أف 5 : 22 – 6 : 9).
كان النساء في ذلك العصر لا حقوق لهم، ومثل السلعة التي يشتريها الرجل وجاءت المسيحية لتعطي المساواة فتمردت بعض النساء على أزواجهن. ونلاحظ أن النساء مُجَّربات بعدم الطاعة، والشعور بأنهن طالما ساوتهن المسيحية بالرجال فعليهن أن لا يطعن، أما المحبة فهى غريزة طبيعية في النساء. والرجل مجرب بأن لا يحب إمرأته بل ينظر لغيرها ويقسو على إمرأته لذلك يقول الرسول للرجال أحبوا = من أغابي أي الحب الباذل المضحي الذي على شكل حب المسيح.
ويقول للنساء إخضعن. والأولاد مجربون بعدم الطاعة. ونلاحظ أن الأبن الذي يتعلم طاعة والديه يسهل عليه طاعة مدرسيه ثم رؤسائه في العمل… فيكون ناجحاً محبوباً في حياته، وهذا من بركة طاعة الوالدين.
والله لم يطلب طاعة وإكرام الوالدين القديسين فقط، بل أي والدين طالما لم يدعوا الإبن لأن يترك الإيمان، أو لعمل خطية تغضب الرب. والآباء مجرَّبون بالقسوة وعقاب أولادهم بشدة وبدون داعي، وهم أيضاً مجربون بإهمال أولادهم لذلك يقدم الرسول لكل واحد ما يتناسب معه.
والله يشجع العبيد بالجزاء العظيم إن كانوا آمناء لسادتهم وسيعاقب سادتهم لو ظلموهم. وسيعاقب العبد غير الأمين، فالله ليس عنده محاباة. وهنا بولس يتمشى مع القوانين السائدة التي تسمح بالعبودية. وهو حين يطلب من العبد أن يكون أميناً فهذا لا ليرضي سيده فقط، بل ليرضي الرب. إذاً علينا أن نعمل كل عمل بإخلاص من الأعماق كمن يقدم عمله لله.
وحين تخضع النساء لرجالهن والأولاد لأبائهم والعبيد لسادتهم، قد يكون هذا سبباً لإيمان الأزواج أو الآباء أو السادة، قد يُربحوا للمسيح بدلاً من أن تكون الزوجات والعبيد سبباً في التجديف على الله (تي 2 : 4، 5) + (1 بط 3 : 1) + (1تي 6 : 1).
تفسير كولوسي 2 | تفسير رسالة كولوسي | تفسير العهد الجديد |
تفسير كولوسي 4 |
القمص أنطونيوس فكري | |||
تفاسير رسالة كولوسي | تفاسير العهد الجديد |