تفسير رسالة رومية 5 – كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة
الأصحاح الخامس
بر المسيح يخلصنا من الخطية ويهبنا ثمارا صالحة
(1) ثمار بر المسيح (ع1-5):
1 فَإِذْ قَدْ تَبَرَّرْنَا بِالإِيمَانِ، لَنَا سَلاَمٌ مَعَ اللهِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، 2 الَّذِى بِهِ أَيْضًا، قَدْ صَارَ لَنَا الدُّخُولُ، بِالإِيمَانِ، إِلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا مُقِيمُونَ، وَنَفْتَخِرُ عَلَى رَجَاءِ مَجْدِ اللهِ. 3 وَلَيْسَ ذَلِكَ فَقَطْ، بَلْ نَفْتَخِرُ أَيْضًا فِي الضِّيقَاتِ، عَالِمِينَ أَنَّ الضِّيقَ يُنْشِئُ صَبْرًا، 4 وَالصَّبْرُ تَزْكِيَةً، وَالتَّزْكِيَةُ رَجَاءً، 5 وَالرَّجَاءُ لاَ يُخْزِى، لأَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا.
ع1: عندما نلنا التبرير بالإيمان، والذي هو غفران الخطايا بالمعمودية، وبدء حياة القداسة بالروح القدس في مسحة الميرون، أصبحنا في حالة سلام مع الله، وهذا الصلح تم بربنا يسوع المسيح. والإيمان هنا هو إيمان المُعَمَد إن كان كبيرًا، أو إيمان أبويه إن كان صغيرًا.
ع2: بالمسيح أيضًا “صار لنا الدخول“. وكلمة صار تعني أننا تحولنا من موقف الخاطئ المرفوض المطرود، إلى المبرر المحبوب المدعو للدخول إلى حظيرة المسيح بالإيمان، للتمتع بنعمة الفداء فالتبرير فالسلام.
وكلمة (نحن مقيمون) تعني استمرارية التمتع بالنعمة، وذلك بواسطة سر التوبة والاعتراف، الذي هو تجديد للمعمودية.
ونفتخر ونفرح أيضًا بما ننتظره من المجد، الذي يعده الله لنا في السماء.
ع3: الضيقات بدلًا من أن تكون مصدر إحساس الإنسان المسيحي بالقهر والظلم، أصبحت مصدر فخر ومجد للإنسان، فلماذا؟ لأن الضيقات تدربنا على الصبر والاحتمال.
ع4-5: الصابر يتذكى أي ينجح في امتحان الإيمان، إذ أنه لم يشك في الله أثناء التجربة، والناجح له رجاء أنه سيرث الحياة الأبدية، وكل من وضع رجاءه في المسيح لن يخيب ظنه. والذي يجعلنا نحتمل الضيقات هو أن الروح القدس المسكوب في قلوبنا، يؤكد لنا على الدوام حب الله لنا، لذا لا نخشى أي شر.
† لا تنظر أيها الحبيب إلى مرارة الضيقة، بل إلى يد الله الحانية المتحكمة في الضيقة، فلن يصيبك منها إلا ما هو لخيرك على الأرض، ولمجدك في السماء.
(2) المسيح البار فادي الخطاة (ع6-11):
6 لأَنَّ الْمَسِيحَ، إِذْ كُنَّا بَعْدُ ضُعَفَاءَ، مَاتَ فِي الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ لأَجْلِ الْفُجَّارِ. 7 فَإِنَّهُ بِالْجَهْدِ يَمُوتُ أَحَدٌ لأَجْلِ بَارٍّ. رُبَّمَا لأَجْلِ الصَّالِحِ يَجْسُرُ أَحَدٌ أَيْضًا أَنْ يَمُوتَ. 8 وَلَكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا لأَنَّهُ، وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ، مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا. 9 فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا، وَنَحْنُ مُتَبَرِّرُونَ الآنَ بِدَمِهِ، نَخْلُصُ بِهِ مِنَ الْغَضَبِ. 10 لأَنَّهُ، إِنْ كُنَّا وَنَحْنُ أَعْدَاءٌ، قَدْ صُولِحْنَا مَعَ اللهِ بِمَوْتِ ابْنِهِ، فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا وَنَحْنُ مُصَالَحُونَ نَخْلُصُ بِحَيَاتِهِ. 11 وَلَيْسَ ذَلِكَ فَقَطْ، بَلْ نَفْتَخِرُ أَيْضًا بِاللَّهِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ الَّذِي نِلْنَا بِهِ الآنَ الْمُصَالَحَةَ.
ع6: قد عرفنا حب الله لنا بالأكثر عندما مات المسيح لأجلنا، إذ لضعفنا تمادينا في الخطية.
ع7: البار: النقى ومغفورة خطاياه
الصالح: نقى ويعمل أعمالا صالحة.
يعلمنا المنطق البشرى أنه بالكاد قد يموت إنسان من أجل إنسان بار منشغل بالعبادة والتقوى، أو ربما يموت شخص من أجل إنسان صالح (وهو أكثر تفوقًا من الإنسان البار في خدمته وأعماله الخيرة وبذله لنفسه من أجل الآخرين). ولكن من ذا الذي يموت ويضحى بحياته من أجل فاجر، غير مستحق للحياة أصلًا؟!!
ع8: هنا يبين المسيح عظم محبته للبشر، عندما مات وهو البار من أجل خطاة مثلى ومثلك.
ع9: كما بدأ المسيح خلاصه لنا بقوة عندما كنا خطاة، فبالأولى سيكمل خلاصنا على المستوى السماوي، فنعفى من العقاب في يوم الغضب (الدينونة)، وذلك بشرط سلوكنا في حياة البر والتقوى.
ع10: هنا يصل بنا القديس بولس إلى فكرة منطقية، وهي أنه بما أن المسيح عندما كان ميتًا بالجسد كان سبب صلحنا مع الآب نحن الخطاة، فبالأولى بعدما نلنا الصلح، ننال الخلاص بالنمو في محبته والالتصاق به.
نخلص بحياته: يكشف القديس بولس عن جزء هام من عمل الخلاص، وهو حياة السيد المسيح نفسه وتشمل:
- حياته بالجسد التي عاشها في الأرض، والتي فيها أكمل كل بر عنا، فصار مرضيًا للآب نيابة عن بشريتنا، كما صار لنا مثالًا لنتبعه.
- حياته في جسدنا، فعندما نتناول من جسده ودمه الأقدسين، يثبت فينا ونحن فيه. وعندئذ يعمل فينا وبنا أعمالًا حسنة مرضية للآب، تكون سبب خلاص لنا.
ع11: هكذا نفرح ونفتخر بمصالحتنا مع الله، المدبر لحظة خلاص البشرية من خلال ابنه الذي بذله لأجلنا. وهنا يلفت القديس بولس نظرنا إلى أن الخلاص ليس عمل الابن فقط، بل هو من تدبير الآب أيضا، لنفرح ونفتخر بالآب والابن.
† إن كنت يا أخي قد اصطلحت مع الله، فاستغل محبته بأن تقيم علاقة قوية معه، فتهتم بصلواتك وتأملاتك في كلامه والذهاب إلى بيته (الكنيسة)، لتثبت علاقتك به، بل وتختبر أعماق جديدة من محبته. وليكن لك طموح متجدد كل يوم نحو الله.
(3) خطية آدم وبر المسيح (ع12-21):
12 مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ، كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهَكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ. 13 فَإِنَّهُ حَتَّى النَّامُوسِ كَانَتِ الْخَطِيَّةُ فِي الْعَالَمِ. عَلَى أَنَّ الْخَطِيَّةَ لاَ تُحْسَبُ إِنْ لَمْ يَكُنْ نَامُوسٌ. 14 لَكِنْ قَدْ مَلَكَ الْمَوْتُ مِنْ آدَمَ إِلَى مُوسَى، وَذَلِكَ عَلَى الَّذِينَ لَمْ يُخْطِئُوا عَلَى شِبْهِ تَعَدِّى آدَمَ الَّذِي هُوَ مِثَالُ الآتِى. 15 وَلَكِنْ لَيْسَ كَالْخَطِيَّةِ هَكَذَا أَيْضًا الْهِبَةُ. لأَنَّهُ إِنْ كَانَ بِخَطِيَّةِ وَاحِدٍ مَاتَ الْكَثِيرُونَ، فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا نِعْمَةُ اللهِ، وَالْعَطِيَّةُ بِالنِّعْمَةِ الَّتِي بِالإِنْسَانِ الْوَاحِدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ قَدِ ازْدَادَتْ لِلْكَثِيرِينَ. 16 وَلَيْسَ كَمَا بِوَاحِدٍ قَدْ أَخْطَأَ هَكَذَا الْعَطِيَّةُ. لأَنَّ الْحُكْمَ مِنْ وَاحِدٍ لِلدَّيْنُونَةِ، وَأَمَّا الْهِبَةُ فَمِنْ جَرَّى خَطَايَا كَثِيرَةٍ لِلتَّبْرِيرِ. 17 لأَنَّهُ، إِنْ كَانَ بِخَطِيَّةِ الْوَاحِدِ قَدْ مَلَكَ الْمَوْتُ بِالْوَاحِدِ، فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا الَّذِينَ يَنَالُونَ فَيْضَ النِّعْمَةِ وَعَطِيَّةَ الْبِرِّ، سَيَمْلِكُونَ فِي الْحَيَاةِ بِالْوَاحِدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. 18 فَإِذًا؛ كَمَا بِخَطِيَّةٍ وَاحِدَةٍ صَارَ الْحُكْمُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ لِلدَّيْنُونَةِ، هَكَذَا بِبِرٍّ وَاحِدٍ صَارَتِ الْهِبَةُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ لِتَبْرِيرِ الْحَيَاةِ. 19 لأَنَّهُ، كَمَا بِمَعْصِيَةِ الإِنْسَانِ الْوَاحِدِ جُعِلَ الْكَثِيرُونَ خُطَاةً، هَكَذَا أَيْضًا بِإِطَاعَةِ الْوَاحِدِ سَيُجْعَلُ الْكَثِيرُونَ أَبْرَارًا. 20 وَأَمَّا النَّامُوسُ، فَدَخَلَ لِكَيْ تَكْثُرَ الْخَطِيَّةُ. وَلَكِنْ، حَيْثُ كَثُرَتِ الْخَطِيَّةُ، ازْدَادَتِ النِّعْمَةُ جِدًّا. 21 حَتَّى كَمَا مَلَكَتِ الْخَطِيَّةُ فِي الْمَوْتِ، هَكَذَا تَمْلِكُ النِّعْمَةُ بِالْبِرِّ لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ رَبِّنَا.
ع12: عندما أخطأ آدم بأكله من شجرة معرفة الخير والشر، واستهان بتحذير الله الواضح “يوم تأكل منها موتًا تموت”، أدخل الخطية إلى العالم لأول مرة، لأنها كانت من قبل مجهولة، وبالتالي نال عقوبة الموت. وأورث آدم لذريته الطبيعة الفاسدة العارفة بالشر والضعيفة في مقاومته، واجتاز الموت كأجرة للخطية إلى جميع الناس. وفي ترجمة أخرى وهي الترجمة اليسوعية عن النص اليوناني تقول “بالذى جميعهم خطئوا فيه” بدلًا من إذ أخطأ الجميع، أي أن كل البشر كانوا في صُلب آدم عندما أخطأ، فخطئوا فيه، مثل عبد تزوج جارية فيلدوا عبيدًا.
ع13: لا تحسب: لا يظهر ويحدد جرمها إلا بالناموس، لأن الإنسان عوج الناموس الطبيعي الذي داخله، وهو الضمير، بابتعاده عن الله. فلم يعد قادرًا على تمييز الخطأ من الصواب.
بالطبع كانت الخطية موجودة في العالم منذ آدم وحتى مجيء الناموس، بدليل وجود الأشرار كقايين وأهل سدوم… إلخ. وقد ظن الأشرار أن الله لن يحسب لهم خطاياهم، لأنه لم يكن قد أنزل الناموس (القانون) بعد، الذي سيحاسبهم بمقتضاه. فسلكوا بقانون الغابة، واستحقوا الموت، مع أنهم كان ينبغي أن يسلكوا بصوت الله داخلهم، وهو الضمير.
ع14: شبه تعدى آدم: نفس خطية آدم، وكانت خطاياهم أقل.
مات الأبرار أيضا، الذين لم يخطئوا مثل آدم المتعدى على الله. ولعلك أيها القارئ تتساءل، ما ذنب الأبرار مثل نوح وإبراهيم إذًا، وهم الذين أرضوا الله وخطاياهم كانت قليلة ومحدودة؟
هنا يطمئنا القديس بولس أن عدل ورحمة الله سيصححان الأوضاع بمجىء الآتي (المسيح)، الذي هو مثل آدم من حيث فاعليته وتأثيره على البشرية كلها. فآدم الأول أورثنا الموت بالخطية، والمسيح أورثنا الحياة بالبر.
في الآيات (15 – 19) سيعقد بولس الرسول مقارنة بين خطية آدم وبر المسيح، وخلاصتها أن البركات التي جلبها لنا المسيح (آدم الثاني) تفوق بآلاف المرات الموت بالخطية، الذي جلبه لنا آدم “الإنسان الأول”.
ع15: إن كانت خطية آدم قد سرت في الجنس البشرى كله، فنعمة المسيح تبرر المؤمنين به وتملأ حياتهم بالقداسة. أي أن نعمة المسيح فائضة ومشبعة لكل من يؤمن به.
ع16: إن كان آدم قد أورث خطيته للبشر، فنعمة المسيح تغفر ليس فقط الخطية الجدية، بل كل ما صنعه البشر من خطايا، وينالون طبيعة جديدة نقية في المعمودية، بل وتغفر خطاياهم مرات كثيرة بعد ذلك في سر التوبة والاعتراف.
ع17: ملك الموت: الجميع ماتوا بسبب خطية آدم.
سيملكون بالواحد: ينالون الملكوت بالمسيح.
جلبت خطية آدم الموت على كل البشر، أما نعمة المسيح فتهب المؤمنين أن يملكوا إلى الأبد مع المسيح بالسماوات.
ع18: كما انتشرت خطية آدم في الجنس البشرى، فبر المسيح يحررهم من الدينونة الأخيرة ويهبهم السعادة الأبدية.
ع19: ورث الكل الخطية بخطية آدم، أما طاعة المسيح فتهب النقاوة والحياة الجديدة لكل المؤمنين.
† لا تخضع للخطية، فهي أمر دخيل علينا. ولنتب ونتمتع ببر المسيح، ونواصل جهادنا في سلوك روحي حتى نملك إلى الأبد في السماوات.
ع20: بهذا يظهر أن المسيح له الدور الكامل في التبرير، وليس للناموس أي دور. فلماذا إذًا جاء الناموس؟
لقد جاء (لتكثر الخطية) أي تتضح، ويبطل حجة البشر بأن الخطية لا تحسب إذ لم يكن ناموس (ص5: 13). فقد جاء الناموس حاملًا قائمة طويلة من الممنوعات بلا أي ثغرات، ليسد على البشر فرصة السقوط في الخطايا بحجة عدم معرفتهم أنها خطايا. إذًا الناموس كان كمرآة كشفت للبشرية بشاعة وكثرة خطاياها. ولكن كما كثرت أسماء وأشكال وأنواع الخطايا بالناموس، كثرت وفاقت وفاضت نعمة ربنا يسوع المسيح، لتستطيع أن تغفر وتمحو كل إثم مهما عظم.
† إن كنت تحيا في ظروف صعبة تحاول إبعادك عن الله، فلا تضطرب. إهرب منها قدر ما تستطيع، وثق أن قوة الله تساندك وتحفظك بمعونة أكبر من الذي يحيا في ظروف عادية. أي لا تلقِ باللوم على الظروف عندما تخطئ، بل تب وأطلب معونة الله، فتنتصر على الخطية مهما كانت صعبة أو مسيطرة.
ع21: الخلاصة هى، إن كنت أيها الإنسان حزينًا لأن خطية آدم جلبت لنا الموت بالجسد بعد شقاء الحياة، بالرغم من عدم مسئوليتنا المباشرة عن أكل آدم من الشجرة، فها المسيح مات لأجلنا بلا ذنب لكي نرث الحياة الأبدية، إن سلكنا في حياة البر بالإيمان والأعمال مستندين على نعمة المسيح.
تفسير رومية 4 | تفسير رسالة رومية | تفسير العهد الجديد |
تفسير رومية 6 |
كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة | |||
تفاسير رسالة رومية | تفاسير العهد الجديد |