تفسير سفر أخبار الأيام الأول أصحاح 12 للقمص أنطونيوس فكري
نلاحظ هنا نمو مملكة داود تدريجيًا بعد طول انتظاره. فهو قد بدأ بـ600 رجل والآن يجتمع حوله الآلاف يبايعونه ملكًا عليهم، رمزًا لمملكة المسيح في كل الأرض والتي بدأها المسيح بـ12 تلميذًا فقط.
الآيات 1-15
“وَهؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ جَاءُوا إِلَى دَاوُدَ إِلَى صِقْلَغَ وَهُوَ بَعْدُ مَحْجُوزٌ عَنْ وَجْهِ شَاوُلَ بْنِ قَيْسَ، وَهُمْ مِنَ الأَبْطَالِ مُسَاعِدُونَ فِي الْحَرْبِ، نَازِعُونَ فِي الْقِسِيِّ، يَرْمُونَ الْحِجَارَةَ وَالسِّهَامَ مِنَ الْقِسِيِّ بِالْيَمِينِ وَالْيَسَارِ، مِنْ إِخْوَةِ شَاوُلَ مِنْ بَنْيَامِينَ. الرَّأْسُ أَخِيعَزَرُ ثُمَّ يُوآشُ ابْنَا شَمَاعَةَ الْجِبْعِيُّ، وَيَزُوئِيلُ وَفَالَطُ ابْنَا عَزْمُوتَ، وَبَرَاخَةُ وَيَاهُو الْعَنَاثُوثِيُّ، وَيَشْمَعْيَا الْجِبْعُونِيُّ الْبَطَلُ بَيْنَ الثَّلاَثِينَ وَعَلَى الثَّلاَثِينَ، وَيَرْمِيَا وَيَحْزِيئِيلُ وَيُوحَانَانُ وَيُوزَابَادُ الْجَدِيرِيُّ، وَإِلْعُوزَايُ وَيَرِيمُوثُ وَبَعْلِيَا وَشَمَرْيَا وَشَفَطْيَا الْحَرُوفِيُّ، وَأَلْقَانَةُ وَيَشِيَّا وَعَزْرِيئِيلُ وَيُوعَزَرُ وَيَشُبْعَامُ الْقُورَحِيُّونَ، وَيُوعِيلَةُ وَزَبَدْيَا ابْنَا يَرُوحَامَ مِنْ جَدُورَ. وَمِنَ الْجَادِيِّينَ انْفَصَلَ إِلَى دَاوُدَ إِلَى الْحِصْنِ فِي الْبَرِّيَّةِ جَبَابِرَةُ الْبَأْسِ رِجَالُ جَيْشٍ لِلْحَرْبِ، صَافُّو أَتْرَاسٍ وَرِمَاحٍ، وَوُجُوهُهُمْ كَوُجُوهِ الأُسُودِ، وَهُمْ كَالظَّبْيِ عَلَى الْجِبَالِ فِي السُّرْعَةِ: عَازَرُ الرَّأْسُ، وَعُوبَدْيَا الثَّانِي، وَأَلِيآبُ الثَّالِثُ، وَمِشْمِنَّةُ الرَّابعُ، وَيَرْمِيَا الْخَامِسُ، وَعَتَّايُ السَّادِسُ، وَإِيلِيئِيلُ السَّابعُ، وَيُوحَانَانُ الثَّامِنُ، وَأَلْزَابَادُ التَّاسِعُ وَيَرْمِيَا الْعَّاشِرُ، وَمَخْبَنَّايُ الْحَادِي عَشَرَ. هؤُلاَءِ مِنْ بَنِي جَادَ رُؤُوسُ الْجَيْشِ. صَغِيرُهُمْ لِمِئَةٍ، وَالْكَبِيرُ لأَلْفٍ. هؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ عَبَرُوا الأُرْدُنَّ فِي الشَّهْرِ الأَوَّلِ وَهُوَ مُمْتَلِئٌ إِلَى جَمِيعِ شُطُوطِهِ وَهَزَمُوا كُلَّ أَهْلِ الأَوْدِيَةِ شَرْقًا وَغَرْبًا.”
صقلغ = أنظر 1 صم 2:27-6 وصقلغ أعطاها أخيش ملك جت لداود حين كان داود هاربا فيها من شاول. وصقلغ هي مدينة في جنوب يهوذا كانت أولًا لشمعون (يش 5:19) ثم للفلسطينيين ثم ليهوذا. وداود بقى في صقلغ سنة وأربعة أشهر حتى مات شاول. وفي (2) من بنيامين = مما يستحق الذكر هنا انهم تركوا شاول الذي كان من سبطهم والتصقوا بداود وأنهم كانوا أبطالًا ماهرين في جميع أنواع الأسلحة، وقادرين على استخدام اليد اليمنى واليسرى كلتيهما معًا وعلى السواء. وكان تركهم شاول وإتيانهم لداود عملًا غريبًا فكان شاول مازال ملكًا وداود مازال منفيًا وهذا هو الإيمان الذي إتضح في هؤلاء، أبناء بنيامين الذي أتوا لداود ليكونوا من رجاله. وهو درس لنا لنترك إبليس الملك المرفوض رئيس هذا العالم ونذهب للمسيح حتى وإن لم نرى مجده الآن. ولكن لنأتي بإيمان فنكون من أبناء اليمين (بنيامين = ابن اليمين). وفي (4) ويشمعيا.. بين الثلاثين يقصد المذكورين في (1 أخ 11: 26-47) فلم يرد اسم يشمعيا في هذه القائمة، ولكن داود ملك 40 سنة فهل لم تتغير هذه القائمة عبر الأربعين سنة وهل لم يموت أحدهم في وسط المدة ويضاف آخرين. وآية (8) إلى الحصن = ربما مغارة عدلام (2 صم 13:23) وهؤلاء مع أن عددهم 11 فقط إلا أن الله يذكر محبتهم وأن لهم عمل مؤثر فهم شاركوا داود في الضيق. وكان لهم فضل أيضًا نظرًا لقوتهم وشجاعتهم في الحرب على اختلاف أنواعها. انفصل إلى داود = أي عكس إرادة باقي السبط وهذا يدل على شجاعتهم فهم بهذا يتعرضون لسخط شاول.
في الشهر الأول = حين يمتلئ نهر الأردن إلى جميع شطوطه، وتجري فيه مياه سريعة الجريان ويتسع عرضه وهم بعبورهم نهر الأردن بهذا الحال تخطوا عقبة طبيعية فنرى الله يذكر لهم هذا أيضًا ولاحظ أنهم تخطوا عقبتين:
1- عوائق طبيعية (نهر الأردن).
2- عشيرتهم وسبطهم ومملكة الملك المرفوض شاول.
ونحن هكذا نتعرض إلى حروب من طبيعتنا الفاسدة (عوائق طبيعية) وحروب ممن حولنا (أعداء ظاهرين نعرفهم وأعداء خفيين لا نعرفهم، منهم الشياطين مثلًا). ولكن من يحارب معه المسيح يصير جبار وينتصر.
الآيات 16-20
“وَجَاءَ قَوْمٌ مِنْ بَنِي بَنْيَامِينَ وَيَهُوذَا إِلَى الْحِصْنِ إِلَى دَاوُدَ. فَخَرَجَ دَاوُدُ لاسْتِقْبَالِهِمْ وَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ: «إِنْ كُنْتُمْ قَدْ جِئْتُمْ بِسَلاَمٍ إِلَيَّ لِتُسَاعِدُونِي، يَكُونُ لِي مَعَكُمْ قَلْبٌ وَاحِدٌ. وَإِنْ كَانَ لِكَيْ تَدْفَعُونِي لِعَدُوِّي وَلاَ ظُلْمَ فِي يَدَيَّ، فَلْيَنْظُرْ إِلهُ آبَائِنَا وَيُنْصِفْ». فَحَلَّ الرُّوحُ عَلَى عَمَاسَايَ رَأْسِ الثَّوَالِثِ فَقَالَ: «لَكَ نَحْنُ يَا دَاوُدُ، وَمَعَكَ نَحْنُ يَا ابْنَ يَسَّى. سَلاَمٌ سَلاَمٌ لَكَ، وَسَلاَمٌ لِمُسَاعِدِيكَ. لأَنَّ إِلهَكَ مُعِينُكَ». فَقَبِلَهُمْ دَاوُدُ وَجَعَلَهُمْ رُؤُوسَ الْجُيُوشِ. وَسَقَطَ إِلَى دَاوُدَ بَعْضٌ مِنْ مَنَسَّى حِينَ جَاءَ مَعَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ ضِدَّ شَاوُلَ لِلْقِتَالِ وَلَمْ يُسَاعِدُوهُمْ، لأَنَّ أَقْطَابَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ أَرْسَلُوهُ بِمَشُورَةٍ قَائِلِينَ: «إِنَّمَا بِرُؤُوسِنَا يَسْقُطُ إِلَى سَيِّدِهِ شَاوُلَ». حِينَ انْطَلَقَ إِلَى صِقْلَغَ سَقَطَ إِلَيْهِ مِنْ مَنَسَّى عَدْنَاحُ وَيُوزَابَادُ وَيَدِيعَئِيلُ وَمِيخَائِيلُ وَيُوزَابَادُ وَأَلِيهُو وَصِلْتَايُ رُؤُوسُ أُلُوفِ مَنَسَّى.”
إن كنتم قد جئتم بسلام = إشارة إلى أن بعض الناس كانوا قد خدعوه. ولا عجب لأن بعض الذين إجتمعوا إليه كانوا من الهاربين والخارجين على القانون (1 صم 2:22) فحل الروح على عماساى = ربما هو عماسا وكان كلامه كأنه نبوءة عن المسيح ملك السلام الذي يجب أن نخضع لهُ. وفي (20) نجد اثنين باسم يوزاباد. وفي (21) الغزاة = من العمالقة وكان داود ورجاله يدافعون عن إسرائيل فشاول أهمل واجبه. كجيش الله = أي جيش عظيم. والناس كانوا قد لاحظوا أن روح الرب ترك شاول وحل على داود وأن داود صار هو المدعو من الله.
الآيات 21-22:- “وَهُمْ سَاعَدُوا دَاوُدَ عَلَى الْغُزَاةِ لأَنَّهُمْ جَمِيعًا جَبَابِرَةُ بَأْسٍ، وَكَانُوا رُؤَسَاءَ فِي الْجَيْشِ. لأَنَّهُ وَقْتَئِذٍ أَتَى أُنَاسٌ إِلَى دَاوُدَ يَوْمًا فَيَوْمًا لِمُسَاعَدَتِهِ حَتَّى صَارُوا جَيْشًا عَظِيمًا كَجَيْشِ اللهِ.”
الآيات 23-40
“وَهذَا عَدَدُ رُؤُوسِ الْمُتَجَرِّدِينَ لِلْقِتَالِ الَّذِينَ جَاءُوا إِلَى دَاوُدَ إِلَى حَبْرُونَ لِيُحَوِّلُوا مَمْلَكَةَ شَاوُلَ إِلَيْهِ حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ. بَنُو يَهُوذَا حَامِلُو الأَتْرَاسِ وَالرِّمَاحِ سِتَّةُ آلاَفٍ وَثَمَانِ مِئَةِ مُتَجَرِّدٍ لِلْقِتَالِ. مِنْ بَنِي شِمْعُونَ جَبَابِرَةُ بَأْسٍ فِي الْحَرْبِ سَبْعَةُ آلاَفٍ وَمِئَةٌ. مِنْ بَنِي لاَوِي أَرْبَعَةُ آلاَفٍ وَسِتُّ مِئَةٍ. وَيَهُويَادَاعُ رَئِيسُ الْهرُونِيِّينَ وَمَعَهُ ثَلاَثَةُ آلاَفٍ وَسَبْعُ مِئَةٍ. وَصَادُوقُ غُلاَمٌ جَبَّارُ بَأْسٍ وَبَيْتُ أَبِيهِ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ قَائِدًا. وَمِنْ بَنِي بَنْيَامِينَ إِخْوَةُ شَاوُلَ ثَلاَثَةُ آلاَفٍ، وَإِلَى هُنَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ يَحْرُسُونَ حِرَاسَةَ بَيْتِ شَاوُلَ. وَمِنْ بَنِي أَفْرَايِمَ عِشْرُونَ أَلْفًا وَثَمَانُ مِئَةٍ، جَبَابِرَةُ بَأْسٍ وَذَوُو اسْمٍ فِي بُيُوتِ آبَائِهِمْ. وَمِنْ نِصْفِ سِبْطِ مَنَسَّى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفًا قَدْ تَعَيَّنُوا بِأَسْمَائِهِمْ لِكَيْ يَأْتُوا وَيُمَلِّكُوا دَاوُدَ. وَمِنْ بَنِي يَسَّاكَرَ الْخَبِيرِينَ بِالأَوْقَاتِ لِمَعْرِفَةِ مَا يَعْمَلُ إِسْرَائِيلُ، رُؤُوسُهُمْ مِئَتَانِ، وَكُلُّ إِخْوَتِهِمْ تَحْتَ أَمْرِهِمْ. مِنْ زَبُولُونَ الْخَارِجُونَ لِلْقِتَالِ الْمُصْطَفُّونَ لِلْحَرْبِ بِجَمِيعِ أَدَوَاتِ الْحَرْبِ خَمْسُونَ أَلْفًا، وَلِلاصْطِفَافِ مِنْ دُونِ خِلاَفٍ. وَمِنْ نَفْتَالِي أَلْفُ رَئِيسٍ وَمَعَهُمْ سَبْعَةٌ وَثَلاَثُونَ أَلْفًا بِالأَتْرَاسِ وَالرِّمَاحِ. وَمِنَ الدَّانِيِّينَ مُصْطَفُّونَ لِلْحَرْبِ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا وَسِتُّ مِئَةٍ. وَمِنْ أَشِيرَ الْخَارِجُونَ لِلْجَيْشِ لأَجْلِ الاصْطِفَافِ لِلْحَرْبِ أَرْبَعُونَ أَلْفًا. وَمِنْ عَبْرِ الأُرْدُنِّ مِنَ الرَّأُوبَيْنِيِّينَ وَالْجَادِيِّينَ وَنِصْفِ سِبْطِ مَنَسَّى بِجَمِيعِ أَدَوَاتِ جَيْشِ الْحَرْبِ مِئَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا. كُلُّ هؤُلاَءِ رِجَالُ حَرْبٍ يَصْطَفُّونَ صُفُوفًا، أَتَوْا بِقَلْبٍ تَامٍّ إِلَى حَبْرُونَ لِيُمَلِّكُوا دَاوُدَ عَلَى كُلِّ إِسْرَائِيلَ. وَكَذلِكَ كُلُّ بَقِيَّةِ إِسْرَائِيلَ بِقَلْبٍ وَاحِدٍ لِتَمْلِيكِ دَاوُدَ. وَكَانُوا هُنَاكَ مَعَ دَاوُدَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ لأَنَّ إِخْوَتَهُمْ أَعَدُّوا لَهُمْ. وَكَذلِكَ الْقَرِيبُونَ مِنْهُمْ حَتَّى يَسَّاكَرَ وَزَبُولُونَ وَنَفْتَالِي، كَانُوا يَأْتُونَ بِخُبْزٍ عَلَى الْحَمِيرِ وَالْجِمَالِ وَالْبِغَالِ وَالْبَقَرِ، وَبِطَعَامٍ مِنْ دَقِيق وَتِينٍ وَزَبِيبٍ وَخَمْرٍ وَزَيْتٍ وَبَقَرٍ وَغَنَمٍ بِكَثْرَةٍ، لأَنَّهُ كَانَ فَرَحٌ فِي إِسْرَائِيلَ.”
نجد هنا أعداد من أتوا ليُمَلِّكوا داود عليهم بالآلاف ومجموعهم 339,000 ولم يعد الذين من يساكر والذين مع صادوق. ونجد أن يهوذا قد أرسل عددًا رمزيًا لأنهم انشغلوا في إعداد الطعام لكل هؤلاء الضيوف. وفرح الشعب فقد ملك عليهم ملك واحد وهو رجل معروف ومحبوب وقد اختبروا أمانته وشجاعته واحترامه لشاول مسيح الرب وعفوه عنه. وكانت سياسة داود المتسامحة أحسن استعداد لجمع شمل المملكة
وفي (27) يهوياداع = هو أبو بناياهو الذي صار قائد جيش سليمان (1 مل 35:2) وفي (28) صادوق = صار رئيس كهنة أيام سليمان وكان أمينًا لداود دائمًا. وفي (32) خبيرين في الأوقات لمعرفة ما يعمل إسرائيل = كان عددهم قليلًا ولكنهم كان لهم منفعة كبيرة فهم كانوا خبراء في مواعيد الزراعة والحرث والحصاد ومواعيد الأعياد وذلك للطقوس الدينية وخبراء في تحديد بدايات الشهور والسنين القمرية ونظامها وربما أكثر من هذا فهم عرفوا الوقت المناسب ليملكوا داود. وفي (33) من دون خلاف = يمشون كرجل واحد كالجيوش الآن. وفي (40،39):- نرى الفرح والشبع في مملكة داود الملك رمزًا لمملكة المسيح. ونجد في نهاية الإصحاح أنه كان فرح = هو فرح بعد حزن بعد أن تألموا مع شاول وانهزامهم أمام الأعداء، وتألموا لحروب انشقاق بقيادة أبنير وإيشبوشث. الآن يفرحون بالوحدة ويملك داود عليهم وهذا الألم كان لداود أيضًا لأنه كان هاربًا من شاول وصار الآن فرح لداود وفرح للشعب. وأورشليم السماوية هي أفراح بعد شتاء الأرض هي فرح لنا وللمسيح الذي يفرح بخلاصنا ونجد يهوذا يشبع إخوته كما أشبع المسيح الجموع وأعد لهم مائدة مشبعة. فالمسيح حين يملك يعطي شبع وفرح.
نرى هنا صورة لمملكة المسيح فهي مملكة شبع وفرح ونصرة.