تفسير سفر صموئيل الثاني أصحاح 21 للقمص أنطونيوس فكري
الآيات (1-14)
“وَكَانَ جُوعٌ فِي أَيَّامِ دَاوُدَ ثَلاَثَ سِنِينَ، سَنَةً بَعْدَ سَنَةٍ، فَطَلَبَ دَاوُدُ وَجْهَ الرَّبِّ. فَقَالَ الرَّبُّ: «هُوَ لأَجْلِ شَاوُلَ وَلأَجْلِ بَيْتِ الدِّمَاءِ، لأَنَّهُ قَتَلَ الْجِبْعُونِيِّينَ». فَدَعَا الْمَلِكُ الْجِبْعُونِيِّينَ وَقَالَ لَهُمْ. وَالْجِبْعُونِيُّونَ لَيْسُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ بَلْ مِنْ بَقَايَا الأَمُورِيِّينَ، وَقَدْ حَلَفَ لَهُمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ، وَطَلَبَ شَاوُلُ أَنْ يَقْتُلَهُمْ لأَجْلِ غَيْرَتِهِ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا. قَالَ دَاوُدُ لِلْجِبْعُونِيِّينَ: «مَاذَا أَفْعَلُ لَكُمْ؟ وَبِمَاذَا أُكَفِّرُ فَتُبَارِكُوا نَصِيبَ الرَّبِّ؟» فَقَالَ لَهُ الْجِبْعُونِيُّونَ: «لَيْسَ لَنَا فِضَّةٌ وَلاَ ذَهَبٌ عِنْدَ شَاوُلَ وَلاَ عِنْدَ بَيْتِهِ، وَلَيْسَ لَنَا أَنْ نُمِيتَ أَحَدًا فِي إِسْرَائِيلَ». فَقَالَ: «مَهْمَا قُلْتُمْ أَفْعَلُهُ لَكُمْ». فَقَالُوا لِلْمَلِكِ: «الرَّجُلُ الَّذِي أَفْنَانَا وَالَّذِي تَآمَرَ عَلَيْنَا لِيُبِيدَنَا لِكَيْ لاَ نُقِيمَ فِي كُلِّ تُخُومِ إِسْرَائِيلَ، فَلْنُعْطَ سَبْعَةَ رِجَال مِنْ بَنِيهِ فَنَصْلِبَهُمْ لِلرَّبِّ فِي جِبْعَةِ شَاوُلَ مُخْتَارِ الرَّبِّ». فَقَالَ الْمَلِكُ: «أَنَا أُعْطِي». وَأَشْفَقَ الْمَلِكُ عَلَى مَفِيبُوشَثَ بْنِ يُونَاثَانَ بْنِ شَاوُلَ مِنْ أَجْلِ يَمِينِ الرَّبِّ الَّتِي بَيْنَهُمَا، بَيْنَ دَاوُدَ وَيُونَاثَانَ بْنِ شَاوُلَ. فَأَخَذَ الْمَلِكُ ابْنَيْ رِصْفَةَ ابْنَةِ أَيَّةَ اللَّذَيْنِ وَلَدَتْهُمَا لِشَاوُلَ: أَرْمُونِيَ وَمَفِيبُوشَثَ، وَبَنِي مِيكَالَ ابْنَةِ شَاوُلَ الْخَمْسَةَ الَّذِينَ وَلَدَتْهُمْ لِعَدْرِئِيلَ بْنِ بَرْزِلاَّيَ الْمَحُولِيِّ، وَسَلَّمَهُمْ إِلَى يَدِ الْجِبْعُونِيِّينَ، فَصَلَبُوهُمْ عَلَى الْجَبَلِ أَمَامَ الرَّبِّ. فَسَقَطَ السَّبْعَةُ مَعًا وَقُتِلُوا فِي أَيَّامِ الْحَصَادِ، فِي أَوَّلِهَا فِي ابْتِدَاءِ حَصَادِ الشَّعِيرِ. فَأَخَذَتْ رِصْفَةُ ابْنَةُ أَيَّةَ مِسْحًا وَفَرَشَتْهُ لِنَفْسِهَا عَلَى الصَّخْرِ مِنِ ابْتِدَاءِ الْحَصَادِ حَتَّى انْصَبَّ الْمَاءُ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَمْ تَدَعْ طُيُورَ السَّمَاءِ تَنْزِلُ عَلَيْهِمْ نَهَارًا، وَلاَ حَيَوَانَاتِ الْحَقْلِ لَيْلًا. فَأُخْبِرَ دَاوُدُ بِمَا فَعَلَتْ رِصْفَةُ ابْنَةُ أَيَّةَ سُرِّيَّةُ شَاوُلَ. فَذَهَبَ دَاوُدُ وَأَخَذَ عِظَامَ شَاوُلَ وَعِظَامَ يُونَاثَانَ ابْنِهِ مِنْ أَهْلِ يَابِيشِ جِلْعَادَ الَّذِينَ سَرِقُوهَا مِنْ شَارِعِ بَيْتِ شَانَ، حَيْثُ عَلَّقَهُمَا الْفِلِسْطِينِيُّونَ يَوْمَ ضَرَبَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ شَاوُلَ فِي جِلْبُوعَ. فَأَصْعَدَ مِنْ هُنَاكَ عِظَامَ شَاوُلَ وَعِظَامَ يُونَاثَانَ ابْنِهِ، وَجَمَعُوا عِظَامَ الْمَصْلُوبِينَ، وَدَفَنُوا عِظَامَ شَاوُلَ وَيُونَاثَانَ ابْنِهِ فِي أَرْضِ بَنْيَامِينَ فِي صَيْلَعَ، فِي قَبْرِ قَيْسَ أَبِيهِ، وَعَمِلُوا كُلَّ مَا أَمَرَ بِهِ الْمَلِكُ. وَبَعْدَ ذلِكَ اسْتَجَابَ اللهُ مِنْ أَجْلِ الأَرْضِ.”
هذه قصة محزنة جدًا من قصص الكتاب المقدس ونلاحظ الآتي:-
1- أهل جبعون خدعوا يشوع وإدّعوا أنهم من سكان بلد بعيد لأنهم خافوا أن يحرمهم يشوع أي يبيدهم. وأعطاهم يشوع عهدًا وحلف لهم رؤساء الجماعة وعملوا معهم صلحًا (يش9) فعاشوا وسط الشعب وعينهم يشوع مُحْتَطِبِي حَطَبٍ ووَمُسْتَقِي مَاءٍ.
2- جاء شاول الملك فقتلهم عن غيرة وبجهالة لكي يستولى سبطه على مالهم دون مراعاة لقسم يشوع لهم. ولقد عانى الجبعونيين من شاول ورجاله الكثير إذ قتلوا منهم وطردوا البقية من موضعهم حانثين العهد المقام بين الشعبين. وربما فرح الشعب بما عَمِلَهُ شاول ورجاله فهم ورثوا أرضهم وأملاكهم. ولقد أخطأ شاول بفعله.
3- من أكثر الأشياء التي تغضب الله ظلم المساكين. فلأن أصدقاء أيوب ظلموه طلب الله من أيوب أن يصلي لهم فالله سيسامحهم إن باركهم أيوب المظلوم (أى42: 7-9) وراجع (مل2: 13،14). وشاول ظلم هؤلاء الجبعونيين الذين ذبحهم بلا سبب بينما أيضًا هم لهم وَعْدْ.
4- هذه المجاعة لم تُذْكر في أثناء الحديث عن شاول في (1صم) فالكتاب لم يسجل كل أخبار الملوك بل بعضًا منها لأجل تعليمنا. وفي (2) لأجل غيرته= هي ليست غيرة للرب بل تعصب لسبطه.
5- لقد حدثت مجاعة بسبب انقطاع المطر 3 سنوات. والمجاعة كانت لكل سكان الأمة وهذا تعبير عن غضب الله على الظلم. والمجاعة مثلًا رهيبًا للمسئولية القومية تجاه العهود المقطوعة. والعقوبة عامة فالشعب فرِح بأن ورث أرض الجبعونيين دون أن يتحرك ضمير أحد لأن (1) هناك ظلم على أبرياء. (2) هنا عهد وقسم مكسورين.
6- متى حدثت هذه المجاعة؟ هناك رأيين:-
أ- ربما حدثت بعد أحداث الإصحاح التاسع وقبل فتنة إبشالوم وبعد الخطية (خطية أوريا) وأصحاب هذا الرأي يبررونه بأن شمعي حين قال لداود “يا رجل الدماء” كان يقصد قتله الرجال السبعة من أبناء شاول الذين سلمهم داود للجبعونيين.
ب- وربما حدثت هذه المجاعة بعد حادثة شبع بن بكرى أي في أواخر أيام داود فتكون كل أيام ملكه بعد سقوطه في موضوع أوريا أيام محزنة وهذه نتائج الخطية.
7- في أية (1) فطلب داود وجه الرب= لقد أدرك داود أن وراء المجاعة سرًا. لهذا سأل الرب عن سببها. لكن واضح أنه تأخّر في السؤال. ولو أنه سأل مبكرًا لانتهت المجاعة مبكرًا. ولكننا للأسف لا نلجأ سريعًا للرب بل بعد أن تفرغ حيلنا.
8- في (1) الله يخبر داود بالسبب وهو ظلم شاول للجبعونيين. فحقًا شعب إسرائيل هو شعب الله ولكن هذا يعني أنه به كانت خميرة الإيمان وليهيئ العالم لقبول المسيح. ولكن هذا لا يعني أن الله لا يتعامل مع بقية الشعوب بل هو وبطرق متنوعة شرح للشعب أنه في سبيله لقبول الأمم. والله ليس عنده محاباة. فالله لن يقبل ظلم أحد من بني آدم. ومع أن شاول قد مات لكن الله لم يسكت على ظلم الجبعونيين. بل الله يسمح بمجاعة في أرض تفيض لبنًا وعسلًا وتحت حُكم أحسن وأقدس ملوك إسرائيل لأن هناك ظلمًا واقع على أبرياء. إذًا ما حدث ليس صدفة ولا توجد صدفة في حياتنا ولا هو راجع لظروف طبيعية قاسية فالطبيعة في يد الله فهو ضابط الكل. وعلينا أن نفهم أن كل ما يقع في حياتنا إنما هو بحسب تدبير إلهي عجيب لبنيان الكل.
9- قول داود ماذا أفعل لكم وبماذا أكفر فتباركوا نصيب الرب= معنى الكلام. ماذا أفعل لكم لأغطى (أكفر) على ما فعلناه بكم فلا يراه الرب ولا ترونه أنتم ثانية ويكون رضاكم سببًا لبركة الرب علينا.
10- كانت طلبات الجبعونيين كالآتي:-
أ- لم يطلبوا فضة أو ذهب ولم يستغلوا الموقف لكي يحصلوا على مصلحة مادية. أية (4).
ب- لم يطلبوا سفك دم بريء= وليس لنا أن نميت أحدًا في إسرائيل أية (4).
ت- طلبوا تأديب بيت شاول وصلب 7 رجال من بنيه. وهذا مبدأ كتابي عمومًا أن الدم لا يُفدى بفضة بل بدم (تك 6:9 + عد31:35). لكن هذا المبدأ عن نفس القاتل وليس أبنائِهِ. وهم لم يحددوا أسماء لكي لا يحرجوا داود فهم يعلمون أنه يحمى نفس مفيبوشث خصوصًا أنه أقسم ليوناثان ولن يستطيع أن يحنث في وعده.
ث- هم يعفون داود من قيامه بالصلب حتى لا يتحرج لأنهم من شعبه وهم أمميون.
ج- أن يتم الصلب في جبعة شاول لأن شاول هو الذي أخطأ. ولأنه مختار الرب فخطيته أكبر.
11- فقال الملك أنا أعطى (أية 6:-) هو أعطى وعدًا دون أن يسأل الله وفي هذا أخطأ. فلربما كان الله قد وجد لهُ حلًا أفضل من تعليق أجساد على الصلبان. على أن هناك من قال أن أولاد شاول اشتركوا معهُ في قتل الجبعونيين فهم مسئولون عن القتل. عمومًا فالله لا يَرْضَى بالذبائح البشرية. فإن كان أبناء شاول هؤلاء اشتركوا في قتل وذبح الجبعونيين فهم يستحقون القتل وإن لم يكن فيكون داود قد أخطأ في عدم سؤال الرب الذي ما كان يسمح بتقديم ذبائح بشرية.
12- آية (8) بني ميكال الخمسة الذين ولدتهم لعدريئيل= وميكال لم تنجب لداود ولم تتزوج عدريئيل. بل التي تزوجت عدريئيل هي ميرب أخت ميكال الكبرى. وحل هذه المشكلة مشروح في ترجمات كثيرة ومشروح في الترجوم اليهودي أن ميرب ماتت وتولت ميكال تربية أولادها وتبنتهم. ورصفة= هي سرية شاول التي حدثت بسببها المشكلة بين أبنير وإيشبوشث.
13- صلب الجبعونيين السبعة ربما بعد قتلهم. ورقم (7) رقم كامل.
14- جاءت رصفة سرية شاول إلى ذلك الموضع وجلست على المسوح على الصخرة غالبًا ما نصبت خيمة وكانت تحرس الأجساد المطلوبة حتى لا تدع طيور السماء تنزل عليها ولا حيوانات الحقل تقترب إليها آية (10).
15- كان المفروض أن لا تبقى الأجساد على الصلبان أكثر من اليوم نفسه أي لا تبيت معلقة وكان هدف الناموس مشروحًا وهو عدم احتقار المصلوب، فالمصلوب أخطأ ضد القانون ونال عقوبته. وربما تغاضى الجبعونيين عن القانون وسكت الشعب لأن هؤلاء مقدمون كذبائح خطية عن الأمة كلها ملكًا وشعبًا، فالكل اشترك في جريمة الظلم ضد الجبعونيين. وتعليقهم كمنظر للناس وللملائكة فيه شهادة للكل على عدم محاباة الله وعدم قبوله الظلم. هكذا فَهِمَ الشعب وقتها هذا العمل لذلك تركوا الأجساد على الصلبان. لكن هل يرضَى الله عن عمل مثل هذا أو يقبل ذبائح بشرية بهذا الأسلوب؟ الاحتمال الأكبر أنه لا يرضَى بهذا الأسلوب ولكن هكذا فَهِمَ شعب العهد القديم الناموس.
16- في الآيات (9، 10):- علقت الأجساد في أول أيام الحصاد أي شهر أبريل ومايو حتى إنصّبَ الماء عليهم من السماء. والمطر ينزل غزيرًا في الخريف وهناك رأيين:-
أ- أن الأجساد بقيت معلقة حوالي 5-6 شهور وهذا احتمال مرعب.
ب-حيث أن الكتاب لم ينص على أن الماء الذي إنصّب عليهم من السماء قد جاء في وقته فهناك احتمال كبير أن الله تدخل بمعجزة وإنهمر الماء في وقت غير وقته. فهم كانوا سيتركون الأجساد على الصلبان حتى تسقط المياه في الخريف ولكن غالبًا لم يقبل الله هذا وإنصب الماء مبكرًا وهذا من مراحم الله. وبهذا قد لا تكون الأجساد قد بقيت معلقة أكثر من يوم أو يومين. فالله الذي في يده أن يمنع المطر في الأوقات المعتادة فتحدث مجاعة لأجل تأديب الشعب هو نفسه الله القادر أن ينزل مياه الأمطار في غير مواعيدها من أجل الرحمة.
ج- كانت هذه الحادثة نموذجًا لصلب المسيح الذي بصلبه رُفِعَ غضب الله عنا لينسكب علينا الروح القدس من السماء (رمزهُ المطر) فالمسيح قُدّم ذبيحة لتهدئة غضب الله فكم هو مرعب غضب الله.
18- الله لا يرضَى بظلم شاول للجبعونيين. ولا يرضَى أيضًا بتعليق ذبائح بشرية. ولكن علينا أن نسأل سؤال. من هي النوعيات التي يتعامل معها الله؟ أليست هي التي قدم لها الله شريعة عين بعين وسن بسن ونفس بنفس…. والله وضع هذه الشريعة حتى لا ينتقم الإنسان لعينه التي فقدها بنفس المعتدى أي قتله. فكيف كانت تهدأ نفوس هؤلاء الجبعونيين بعد الذي عانوه على يد شاول. وهناك من يرى في هذه القصة صورة قاسية من الله الذي قَبِلَ تعليق الأجساد 5-6 شهور حتى يقبل أن ينزل المطر لكن:-
أ- من قال أن المطر احتاج لخمسة أشهر فربما نزل المطر بعد يوم أو أثنين.
ب-من يرى صورة المرأة وهي واقفة لتدافع عن أجساد أبنائها يرى فيها صورة المحبة الحقيقية والعطف. وإذا عرفنا أن الكتاب يقول “إن نسيت الأم رضيعها فأنا لا أنساكم” فعلينا أن نتصور كم وكم هي محبة الله وعنايته بخليقته. ونقول إذا كانت الأم قد دافعت عن أجساد أولادها فقد أحاطهم الله برعاية أكبر وهو شمل هؤلاء المصلوبين بتعزياته ومراحمه قبل موتهم وحفظ أجسادهم بأن سمح للمطر بأن ينزل سريعًا ولا ينتظر الخريف.
ج-هذه القسوة في القصة هي شيء دخيل على البشرية والله يحتملها حتى تنتهي صورة هذا العالم فلنحتملها نحن كما يحتملها الله ومازال يحتملها بخطايانا.
19- تأثر داود الملك جدًا بما فعلته هذه الأم العجوز، ولكي يظهر أنه لا يحتمل حقدًا أو كراهية ضد بيت شاول أخذ عظام شاول ويوناثان التي دفنت خفية تحت شجرة (1صم31: 12،13) في يابيش جلعاد حتى لا يُنكل بها الأعداء وقام بدفنها مع عظام المصلوبين. مرة ثانية إن كان داود يشفق على عظام المصلوبين ألا يشفق الله بالأكثر على جثثهم وعلى مشاعر الناس ويسمح بنزول المطر مبكرًا.
20- شارع بيت شان= وفي (1صم12:31) يقول سور بيت شان. فهم علقوها على سور البيت في الشارع الخارجي وهو مكان المرور والاجتماع ليراها المارة.
الآيات (15-22)
“وَكَانَتْ أَيْضًا حَرْبٌ بَيْنَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ وَإِسْرَائِيلَ، فَانْحَدَرَ دَاوُدُ وَعَبِيدُهُ مَعَهُ وَحَارَبُوا الْفِلِسْطِينِيِّينَ، فَأَعْيَا دَاوُدُ. وَيِشْبِي بَنُوبُ الَّذِي مِنْ أَوْلاَدِ رَافَا، وَوَزْنُ رُمْحِهِ ثَلاَثُ مِئَةِ شَاقِلِ نُحَاسٍ وَقَدْ تَقَلَّدَ جَدِيدًا، افْتَكَرَ أَنْ يَقْتُلَ دَاوُدَ. فَأَنْجَدَهُ أَبِيشَايُ ابْنُ صَرُويَةَ، فَضَرَبَ الْفِلِسْطِينِيَّ وَقَتَلَهُ. حِينَئِذٍ حَلَفَ رِجَالُ دَاوُدَ لَهُ قَائِلِينَ: «لاَ تَخْرُجُ أَيْضًا مَعَنَا إِلَى الْحَرْبِ، وَلاَ تُطْفِئُ سِرَاجَ إِسْرَائِيلَ». ثُمَّ بَعْدَ ذلِكَ كَانَتْ أَيْضًا حَرْبٌ فِي جُوبَ مَعَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ. حِينَئِذٍ سَبْكَايُ الْحُوشِيُّ قَتَلَ سَافَ الَّذِي هُوَ مِنْ أَوْلاَدِ رَافَا. ثُمَّ كَانَتْ أَيْضًا حَرْبٌ فِي جُوبَ مَعَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ. فَأَلْحَانَانُ بْنُ يَعْرِي أُرَجِيمَ الْبَيْتَلَحْمِيُّ قَتَلَ جِلْيَاتَ الْجَتِّيَّ، وَكَانَتْ قَنَاةُ رُمْحِهِ كَنَوْلِ النَّسَّاجِينَ. وَكَانَتْ أَيْضًا حَرْبٌ فِي جَتَّ، وَكَانَ رَجُلٌ طَوِيلَ الْقَامَةِ أَصَابعُ كُلّ مِنْ يَدَيْهِ سِتٌّ، وَأَصَابعُ كُلّ مِنْ رِجْلَيْهِ سِتٌّ، عَدَدُهَا أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ، وَهُوَ أَيْضًا وُلِدَ لِرَافَا. وَلَمَّا عَيَّرَ إِسْرَائِيلَ ضَرَبَهُ يُونَاثَانُ بْنُ شِمْعَى أَخِي دَاوُدَ. هؤُلاَءِ الأَرْبَعَةُ وُلِدُوا لِرَافَا فِي جَتَّ وَسَقَطُوا بِيَدِ دَاوُدَ وَبِيَدِ عَبِيدِهِ.”
غالبًا كانت هذه الحروب في نهاية حكم داود. فداود أخضع الفلسطينيين ولكن غالبًا كانوا إذا وجدوا في وسطهم جبار قادر على قيادتهم مثل جليات كانوا يتمردون. وهذه الحروب كانت حروب تأديب وإخضاع غالبًا ضد ثوراتهم وتمردهم. ولكننا نجد داود هنا قد شاخ: فأعيا داود= وكاد يشبي بنوب أن يقتله لولا أن أنجده قائده أبيشاي. حينئذ حلف رجال داود ألا يخرج معهم إلى الحرب. حتى لا يطفئ سراج إسرائيل فهو بحكمته ونور قداسته ومحبته وعدالته هو نور وسراج إسرائيل. وقوله انحدر داود من جبال يهوذا إلى سهل الفلسطينيين= يُظهر أنها حرب تأديب على تمرد. ويبدو أن داود بعد أن سقط في موضوع أوريا إذ زنا مع زوجته أثناء حرب الشعب مع بني عمون بينما هو لم ينزل إلى ساحة الجهاد وكان يتمشى على السطح قرر أن ينزل كل معارك شعبه ويستمر في جهاده حتى آخر عمره. ولذلك نجد داود هنا يحارب وهو في شيخوخته وهكذا على كل واحد منّا أن يستمر في جهاده حتى آخر نسمة في حياته فيقول مع بولس الرسول جاهدت الجهاد الحسن، أكملت السعي، حفظت الإيمان. أخيرًا وضع لي إكليل البر. أولاد رافا= رافا معناها الجبار لذلك يظن أنه جليات وكان أولادهُ الأربعة جبابرة مثلهُ. تقلد جديدًا= أي تقلد سيفًا جديدًا. ويقال أن جديدًا هي كلمة عبرية تشير إلى سلاح كان وقتها جديدًا. سراج إسرائيل= وجود سراج في بيت يشير إلى أن البيت به سكان وانطفاء السراج يشير أن البيت بلا سكان أي لو مات داود تسقط المملكة كلها وداود الآن مثل المصباح يهدى طريق إسرائيل. وفي (19) الحانان قتل جليات بالرجوع إلى (1أى5:20) نجد الآية بالتفصيل ونجد أن الحانان قتل أخو جليات ويبدو أن أخيه كان مثله في الطول وجبارًا مثله فسمّى بالشهرة جليات.؟ ففي آية (19) حين يقول أن ألحانان قتل جليات يُفهم أنه قتل أخوه المشهور باسم جليات أيضًا ولأن قصة جليات مع داود هي المشهورة جدًا والمعروفة جدًا. يوناثان بن شمعي أخي داود آية (21) هو أخو يُونَادَابُ بْنُ شِمْعَى (2صم3:13) وبينما كان يوناثان محارب شجاع وسَجّل الكتاب اسمه في سجل الشرف نجد أن يوناداب لهُ مشورات ردية على أمنون إذ علّمه كيف يزني مع أخته ثامار. وقوله أخي داود فهو قريبه بالجسد لأن شمعي (شمة) أخو داود فيكون داود هو عم يُونَاثَانُ بْنُ شِمْعَى.
ملحوظة:- في (13) قوله عظام المصلوبين لا يعني بقائهم على الصلبان حتى يتحولوا إلى عظام فكلمة عظام تعني جثث الموتى (1مل31:13). فليس معنى كلام الرجل أن يدفنوه بعد أن يصير عظامًا.