تفسير سفر الأمثال ٢٨ للقمص تادرس يعقوب

الصدِّيق والاستقرار الداخلي

بسبب تزايد الجريمة تلتزم الدول بأن تضع قوانين صارمة للحد منها [ع2]. فإنه للأسف يخشى الناس القوانين الوضعية، ولا يبالون بالشرائع الإلهية.

أما ما هو أخطر أن يستلم الأشرار القيادة فيصيرون كوحوشٍ مفترسةٍ [ع15]. وإذ يعجز الشعب عن الخلاص منهم بإقامة غيرهم، يضطر الصدِّيقون أن يختفوا من المسرح [ع12، 28].

حقًا أن الحكام الأشرار والقوانين الظالمة غالبًا ما تسيء إلى الفقراء وتسند الأغنياء، لكن الحكمة لا تتخلى عن المظلومين بل تهبهم فرحًا داخليًا وفهمًا، مع ثقة واتكال على الله[913]. لهذا يدعونا الحكيم إلى اقتناء الحكمة الحقيقية، ويحذرنا من الانتماء إلى الفئات الشريرة الواردة في هذا الأصحاح، كما يطالبنا بالحياة المستقيمة التي بدونها لن ننعم بالحكمة السماوية.

V      الحياة الفاضلة بالحقيقة هي مصدر الحكمة وجذورها، كما أن الشر هو مصدر الحماقة. أقول هذا لأن المتبجِّح والعبد للشهوة هما أسيران لهذه الرذائل، وذلك بسبب نقص الحكمة. لهذا يقول النبي: “ليت في جسدي صحة… قد أنتنت، قاحت حُبر ضربي بسبب حماقتي” (مز 38: 3، 5)، مشيرًا إلى أن كل خطية تجد بدايتها في نقص الحكمة، وذلك كما أن الشخص الفاضل الذي يتقي الله هو أحكم الكل. هذا هو السبب الذي لأجله يقول أحد الحكماء: “مخافة الرب بدء الحكمة”. فإن كانت مخافة الرب هي أن تقتني الحكمة، فإن فاعل الشر لا يقتني هذه المخافة. المجرَّد من الحكمة هو بالحقيقة أحمق الجميع[914].

القديس يوحنا الذهبي الفم

  1. الصدِّيق والاستقرار الداخلي1-2.
  2. الفقير ظالم أخيه3.
  3. حفظ الشريعة 4-9.
  4. الصدِّيق والاستقامة 10-16.
  5. الصدِّيق والأمانة 17-28.
  6. الصدِّيق والاستقرار الداخلي

الشرِّيرُ يَهْرُبُ وَلاَ طَارِد،َ

أَمَّا الصدِّيقونَ فَكَشِبْلٍ ثَبِيتٍ [ع 1].

يعاني الشرير من عدوٍ داخليٍ خفي،ٍ ألا هو الشعور بالذنب، حتى وإن افتخر بشره، وبدا أمام الغير متهللاً وسعيدًا. إنه يعاني من مضطهدٍ داخليٍ لن يفارقه أينما وُجد، حتى وهو على سرير فراشه، وفي أحلامه. هذا ما حدث مع أبوينا الأولين، فإنهما إذ سمعا صوت الرب الإله ماشيَا في الجنة، حاولا الاختفاء من وجه الرب، وقال آدم: “سمعت صوتك في الجنة فخشيت، لأني عريان فاختبأت” (تك 3: 10). وعندما قتل قايين أخاه، قال لله في رعبٍٍ: “يكون كل من وجدني يقتلني” (تك 14: 14).

يقول الرب عن كاسري الناموس: “الباقون منكم ألقى الجَبَانة في قلوبهم في أراضي أعدائهم، فيهزمهم صوت ورَقة مندفعة، فيهربون كالهرب من السيف ويسقطون وليس طارد، ويعثر بعضهم ببعض كما من أمام السيف وليس طارد، ولا يكون لكم قيام أمام أعدائكم” (لا 26: 36-37). كما قيل: “يجعلك الرب منهزمًا أمام أعدائك. في طريقٍ واحدةٍ تخرج عليهم، وفي سبع طرق تهرب أمامهم، وتكون قلقًا في جميع ممالك الأرض” (تث 28: 25).

أما الصدِّيق فإنه وإن أخطأ، لكن بروح التواضع مع الاتكال على الله والرجاء في محبته، يرى مخلصه حالاً في قلبه، فيمتلئ قوة.

التقوى في الرب تدخل بنا إلى الحياة المطوبة وخبرة السلام السماوي، وعلى العكس، فإن الشر يُفقد الإنسان السلام الداخلي واستقراره، دون حاجة إلى عدوٍ خارجيٍ. لذا يليق بنا لا أن نتمتع بالمعرفة النظرية للصلاح، بل بالخبرة العملية، فنجلس مع الرب في السماويات.

V      كثيرة هي السيوف التي تعبر في أرضنا إن لم نحفظ ناموس الرب ونتبع وصاياه! ليدخل كل واحد إلى نفسه وليتأمل داخله، لئلا تكون أرضنا أي جسدنا مثارة بروح الزنا أو مضطربة بروح الغضب والهياج، أو بحركة البخل، أو بقوس الشهوة واللذات… هذا يعرفه الرسول بولس إذ يقول: “هادمين ظنونًا وكل علو يرتفع ضد معرفة الله” (2 كو 10: 5)، فلا نخضع لهذا السيف ولتلك الحروب بل يحفظ الرب أرضنا في أمان[915].

العلامة أوريجينوس

 

V      لا تكفي معرفة الصلاح للبلوغ إلى الطوباوية. بل يوضع الصلاح موضع الممارسة خلال الأعمال. التقوى في الرب بالحقيقة هي بداية المعرفة[916].

القديس ديديموس الضرير

V      كيف يهرب (الشرير) ولا طارد؟ يحدث هذا في الداخل الذي يقوده كمُتهمٍ لنفسه في ضميره، ويلاحقه في كل موضع. كما لا يمكن له أن يهرب من نفسه، هكذا لا يقدر أن يهرب من مضطهده الداخلي، وإنما أينما ذهب يُضرب ويُصاب بجرحٍ لا يُمكن شفاؤه. أما البار فعلى خلاف ذلك[917].

V      هل ترون الصخرة؟ أرأيتم الرمل، كيف يغوص المبنى فيه بسهولة، وكيف يتأثر بالمصائب بسهولة؟ وكيف ينهزم؟ ورغم أنه مدعم بالملكية والجماعة والنبلاء، لا يسقط هكذا فحسب، بل يكون سقوطه عظيمًا. إذ يقول “كان سقوطه عظيمًا” (مت 7: 27).

فالخطورة ليست في الأمور التافهة، بل في ضياع النفس، وخسارة السماء والبركات الخالدة. وحتى قبل الخسارة ليست هناك حياة أتعس من حياة إنسان يعيش هكذا، في شقاء دائم، وانزعاج واضطرابات وهموم. والذي تحدث عنه الحكيم مرة قائلاً: “الشرير يهرب ولا مُطارد” (أم 28: 1). لأن مثل هؤلاء الناس يرتعدون حتى من مجرد رؤية ظلالهم، ويرتابون في أصدقائهم وفي أعدائهم وخدمهم، الذين يعرفونهم والذين لا يعرفونهم. لذلك قبل عقابهم النهائي، يُعاقبون هنا بالعقاب الشديد؛ إذ يمتنعون عن تنفيذ الوصايا الطيبة الصالحة، مخدوعين بأمور الزمان الحاضر، بدلاً من هروبهم من حياة الرذيلة. وكان اللائق بهم أن يهربوا من الشر[918].

القديس يوحنا الذهبي الفم

V      لتضطجع في راحة دون قلقٍ. يقول سليمان في سفر الأمثال: “إذا اضطجعت فلا تخاف، بل تضطجع ويلذ نومك. لا تخشى من خوفٍ باغتٍ ولا من خراب الأشرار إذا جاء” (أم 3: 24-25).

قال هذه الكلمات عن الإنسان الصدِّيق والحكيم… إن كنت صديقًا لا يستطيع أحد أن يخيفك. إن كنت تخاف الله لن تخاف آخر. الصدِّيق مثل أسد يشعر بثقة في نفسه (راجع أم 28: 1). وبحسب كلمات داود: “لا أخاف رعب الليل” (مز 91: 5) وهلم جرا. يضيف أيضًا: “الرب نوري وخلاصي، ممن أخاف؟ الرب حصن حياتي، ممن أجزع”؟ (مز 27: 3) ألا ترى شجاعة النفس التي تحفظ وصايا الله؟[919]

الأب قيصريوس أسقف آرل

V      لا يخشى (البار) من الأمور المعلنة هنا، كما هو مكتوب: “الصدِّيق كالأسد شجاع” (راجع أم 28: 1)، شجاع في كل شيءٍ بالإيمان، ليس كإنسانٍ يجرب الرب، بل كمن يثق في الروح القدس. ولما كان الله هو موضوع انشغاله الدائم، فإن الله سيقول له: “أنا معك في الضيقة، وأخلصك وأمجدك”[920].

 القديس مار اسحق السرياني

لِمَعْصِيَةِ أَرْضٍ تَكْثُرُ رُؤَسَاؤُهَا،

لَكِنْ بِذِي فَهْمٍ وَمَعْرِفَةٍ تَدُومُ [ع 2].

يتحدث هنا عن البلاد التي تكثر فيها حالات التمرد والثورة على الحكام. فإن كثرة الثورات تؤدي إلى خراب المملكة. أما إذا وُجد قائد حكيم ذو فهم ومعرفة، فيعطي البلد شيئًا من الاستقرار، ويجد الشعب فيه راحة. ينطبق هذا على كل مجتمعٍ، خاصة المجتمعات الكنسية، فهي في حاجة إلى قادة روحيين، يتسمون بالحب والهدوء والوادعة، لكسب الجميع ما أمكن، وضم الكل بروح المحبة والوحدة.

V      أيها المعلِّم شفيع الأسرار الإلهيَّة تكلَّم بالحب.

الذي يعلِّم ولا يحب يرتدع بالسكوت، لأنَّه باطلاً يتعب بتصنيف الكلام غير المربح.

الماهر العظيم إن شاء أن يربح سامعيه، فليحب كثيرًا ويتكلَّم قليلاً مع تلاميذه.

القدِّيس مار يعقوب السروجي

  1. الفقير ظالم أخيه

الرَّجُلُ الفَقِيرُ الذِي يَظْلِمُ فُقَرَاءَ،

هُوَ مَطَرٌ جَارِفٌ لاَ يُبْقِي طَعَامًا [ع 3].

أحيانًا يستلم فقير السلطة، فلا يذكر ما كان يعانيه في أيام فقره ويترفق بإخوته الفقراء، وإنما يعامل الفقراء بأسوأ مما يعاملهم به الآخرون. هؤلاء يكون كالمطر الجارف الذي عِوض أن يساعد على نمو البذور يجرفها، مدمرًا تربة قلبه كما تربة الآخرين.

إذ أراد السيِّد المسيح أن يقدّم مثلاً للترفُّق بالآخرين، ليذّكرنا أننا فقراء ومحتاجون إلى مراحم الله، فنترفق بإخوتنا الفقراء والمتضايقين قال: “لذلك يشبه ملكوت السماوات إنسانًا ملكًا أراد أن يحاسب عبيده. فلما ابتدأ في المحاسبة قدّم إليه واحد مديون بعشرة آلاف وزنة. وإذ لم يكن له ما يوفي أمر سيّده أن يُباع هو وامرأته وأولاده وكل ماله ويوفي الدين. فخرّ العبد وسجد له قائلاً: يا سيّد تمهل عليّ فأوفيك الجميع. فتحنّن سيّد ذلك العبد وأطلقه وترك له الدين. ولما خرج ذلك العبد وجد واحدًا من العبيد رفقائه كان مديونًا له بمئة دينار، فأمسكه وأخذ بعنقه قائلاً أوْفني ما لي عليك. فخر العبد رفيقه على قدميه، وطلب إليه قائلاً تمهل عليّ فأوفيك الجميع. فلم يرد بل مضى وألقاه في سجن حتى يوفي الدين. فلما رأى العبيد رفقاؤه ما كان حزنوا جدًا، وأتوا وقصّوا على سيّدهم كل ما جرى، فدعاه حينئذ سيّده وقال له: أيها العبد الشرّير كل ذلك الدين تركته لك لأنك طلبت إليّ، أفما كان ينبغي أنك أنت أيضًا ترحم العبد رفيقك كما رحمتَك أنا؟!” (مت 18: 23-33).

V      إذ لم يكن بعد صوت المغفرة يدوي في أذنيه إذا به ينسى محبّة سيّده المترفّقة! اُنظر أي صلاح أن تتذكَّر خطاياك! فلو أن هذا الإنسان احتفظ بها بوضوح في ذاكرته ما كان قد صار هكذا قاسيًا وعنيفًا. لهذا أكرّر القول… إن تذكار معاصينا أمر مفيد للغاية وضروري جدًا. ليس شيء يجعل النفس حكيمة بحقٍ ووديعة ومترفّقة مثل تذكار خطايانا على الدوام. لهذا كان بولس يتذكّر خطاياه التي ارتكبها ليس فقط بعد التطهير، وإنما تلك التي ارتكبها قبل عماده، مع أن هذه جميعها قد غُفرت في الحال وأزيلت.

V      أما ترون رحمة الرب؟ أما ترون على العكس نقص مراحم العبد…. حتى إيماءة التوسل التي (للعبد رفيقه نحوه) لم تذَّكره بلطف سيده. في جشعه نزع من فكره كل هذا، وبعنفٍ وضغينةٍ صار أكثر وحشية من أي حيوانٍ مفترسٍ، إذ أمسكه من عنقه… لقد نال عفوًا كاملاً، بينما يطلب منه الآخر تأجيلاً، ولم يعطه هذا، بل ألقاه في سجن[921].

القدّيس يوحنا الذهبي الفم

  1. حفظ الشريعة

تَارِكُو الشَرِيعَةِ يَمْدَحُونَ الأَشْرَار،َ

وَحَافِظُو الشَرِيعَةِ يُخَاصِمُونَهُمْ [ع 4].

ما يشغل ذهن القضاة وأصحاب السلطة الأشرار الظالمين، ليس الطاعة للوصية الإلهية والسلوك حسب الشريعة، إنما تهدئة ضمائرهم. إنهم يساندون الأشرار الذين يسلكون مثلهم إذ يمارسون الظلم، حاسبين أن سعادتهم تكمن في التمتع بالزمنيات، أيا كان مصدرها، وبغض النظر عن الوسيلة. أما محبو الله، فيجدون لذتهم ومتعتهم في الوصية الإلهية، يرفضون الظلم، ولا يبررون تصرفات الظالمين بل يوبخونهم.

V      يضع الرواقيون تعاليمهم على أساس أن الهدف هو التمتع بالحياة (بالملذات) حسب الطبيعة، مستخدمين كلمة “طبيعة” بطريقة غير لائقة عوض كلمة “الله”، حيث أن الطبيعة تخص النباتات والمحاصيل والأشجار والحجارة. على أي الأوضاع العبارة واضحة: “لا يفكر الأنذال قط في الشريعة، أما محبو الشريعة فيقفون أمامهم كحائطٍ”. فإن حكمة الناس القادرين تفهم طرق الحكمة، أما حماقة الجهال فتسلك في اتجاه خاطئ[922].

القديس إكليمنضس السكندري

النَاسُ الأَشْرَارُ لاَ يَفْهَمُونَ الحَقَّ،

وَطَالِبُو الرَبِّ يَفْهَمُونَ كُلَّ شَيْءٍ [ع 5].

لا يفهم الأشرار الحق، إذ لا يختبرونه عمليًا، حتى وإن كانوا أعضاء في الكنيسة الجامعة، ولهم دور ظاهر فيها. أما من يطلب الرب ويتقيه، فيسلك بالحكمة والفهم. وكما يقول الرسول: “نحن لم نأخذ روح العالم، بل الروح الذي من الله، لنعرف الأشياء… وهو لا يُحكم فيه من أحدٍ” (1 كو 2: 12، 15).

يفسد الشر البصيرة الداخلية، ويغطي على العقل بضباب الجهالة، أما برّ المسيح فيهب فهمًا وحكمةً وعلمًا ومعرفةً.

V      السالكون في حياة شريرة، حتى وإن كانوا أعضاء في الكنيسة الجامعة، يلزمهم أن يسرعوا بالتوقف عن هذه الحياة الشريرة قبل خروجهم من هذه الحياة، وليضعوا في اعتبارهم أن اسم “الجامعة” ليس كافيًا للخلاص… ففي سفر الأمثال أُوصي كل أحدٍ أن يخاف الرب ويترك الشر. فقد قيل فيه: “اِتقٍ الرب، واِبعد عن الشر، فيكون شفاء لجسدك وقوت لجسمك” (راجع أم 3: 7-8)[923].

فولجينتيوس

V      كما هو مكتوب: “بنورك نعاين النور”، أي باستنارة الروح القدس “النور الحقيقي الذي يضيء لكل إنسان آت إلى العالم”… فيظهر مجد الابن الوحيد، ويهب معرفة الله للعابدين الحقيقيِّين.

V      يهمنا جدًا ألاَّ ننكبْ بجهلٍ على العلوم، وإنَّما أن نعرف ما هو الأكثر فائدة منها… وخوفًا من أن نتعلَّق بها وننسى علم الله منغمسين في أبحاث باطلة، يبيِّن أنه من الضروري أن نستعمل التمييز في التربية بطريقة نختار فيها العلم المفيد، ونتجنَّب كل ما هو مضر وشؤم[924].

القدِّيس باسيليوس الكبير

الفَقِيرُ السَالِكُ بِاسْتِقَامَتِهِ،

خَيْرٌ مِنْ مُعَوَّجِ الطُرُقِ وَهُوَ غَنِيٌّ [ع 6].

يظن البعض أن الفقر هو علامة من علامات غضب الله على الإنسان، وأن الغنى ووفرة الخيرات علامة على رضى الله. لكن يوجد فقراء قديسون يسلكون باستقامة مثل لعازر (في مَثَل لعازر والغني) بينما كان الغني شريرًا.

ما يزكينا أمام الله ليس غنانا ولا فقرنا، ليس كرامتنا الزمنية أو خزينا في أعين البشر، وليس مكانة أسلافنا الروحية أو الزمنية، وإنما شركتنا مع الله، وعشقنا للوصية الإلهية.

V      النبل الحقيقي ليس في سمو مكانة الأسلاف، ولكن في صلاح شخصيتك أنت. لا تقل لي إن أبي والي حاكم؛ بماذا يهم ذلك؟… حتى لو كان أبوك هو القديس بولس، حتى لو كان إخوتك شهداء، ولكنك لا تماثلهم في صلاحهم، فإن القرابة لن تفيدك. ولكنها بالأحرى تضرك وتدينك. قد يقول أحدكم إن أمي محسِنة تتبرع بالأموال. بماذا يفيدك هذا وأنت في قسوتك هذه؟ إن حنوها علي البشر هو اتهام يضاف إلى قائمة خطاياك. ماذا قال يوحنا المعمدان لليهود؟ “فاصنعوا أثمارًا تليق بالتوبة. ولا تبتدئُوا تقولون في أنفسكم لنا إبراهيم أبًا” (لو 3: 8).

هل أحد أجدادك قديس مُمجد (يدعو للفخر)؟ إن كنت تماثله فإنك تربح، ولكن إن كنت لا تماثله فإن هذا الجد الصالح يصبح هو متهِمًا لك، لأنك ستكون ثمرة مرة من شجرة صالحة. لا تعتقد أبدًا أن من له قريب بار هو من حسن حظه، إن لم يماثل سلوكه سلوك قريبه الصالح هذا. هل والدتك شريرة؟ فإن هذا ليس له علاقة بك (إن هذا لا يؤثر عليك)، تمامًا مثل صلاح الأم التقية لن ينفعك على الإطلاق إن لم تماثلها.

كذلك شرور الأم السيئة (الغير صالحة)، لن يضرك إذا اتخذت طريقًا مختلفًا لحياتك. كما أنك في الآخرة سوف تستحق اللوم الكثير لأنه كان عندك مثالاً صالحًا داخل بيتك ولم تتمثل به، لذلك أيضًا الشخص الذي له أم غير صالحة ولم يماثلها في شرورها، فإنه سيستحق مكافأة عظيمة لأنه ثمرة جيدة ناضجة من جذع مُر.

لذا فإنه ليس سمو مكانة أجدادك، ولكن صلاح شخصك أنت هو الذي تحتاج إليه، فمن جهتي فإنني اَعتبر حتى العبد إنسانًا نبيلاً والسيد مقيدًا بالأغلال لو علمت صفات شخصيته. والشخص ذو المقام الرفيع إنما هو ينتسب لأقل طبقة لو أن له صفات العبودية. فمن هو حقًا وبالفعل العبد إن لم يكن هو الشخص الذي يقترف الآثام؟ أما العبودية الأخرى فليست إلا شأن من شئون ظروفنا الخارجية. ولكن هذه العبودية هي أهواء نوازعنا[925].

القدِّيس يوحنا الذهبي الفم

الحَافِظُ الشَرِيعَةَ هُوَ ابْنٌ فَهِيمٌ،

وَصَاحِبُ المُسْرِفِينَ يُخْجِلُ أَبَاهُ [ع 7].

من يحفظ الوصية الإلهية يختبر عذوبة حب الله أبيه له، أما من لا يبالي بأبوّة أبيه، ويسرف أمواله في الملذات والشهوات كما فعل الابن المسرف (لو15)، فإنه يُحزن قلب أبيه.

المُكْثِرُ مَالَهُ بِالرِبَا وَالمُرَابَحَة،ِ

فَلِمَنْ يَرْحَمُ الفُقَرَاءَ يَجْمَعُهُ! [ع 8].

الجشع مكروه لدى الله، فمن يقرض أخاه المحتاج لا للتجارة أو إقامة مشروعات، إنما لأجل المعيشة، ويطلب ربا، غالبًا ما يتركه الله إلى حين، وتتحول ثروته بطريقٍ أو آخر إلى إنسان يرحم الفقراء. إنه يجمع ويكنز ولا يدري لمن يتركه. وكما يقول المرتل: “إنما كخيال يتمشى الإنسان، إنما باطلاً يضجون، يذخر ذخائر، ولا يدري لمن يضمها” (مز 39: 6). يحاول الجشع أن يجمع لنفسه ما استطاع وبكل وسيلة، ولا يدرك أنه قد تُطلب نفسه في ذات اليوم، أو يفقد كل ممتلكاته، بينما قد يغتني الفقير. هذا ويعبر الزمن سريعًا ليقف الكل أمام الله، ولا يشفع الغنى في صاحبه.

V      “ومات الغني ودفن”… لا تمر ببساطة على هذه العبارة… “ودفن“.

يا حبيبي إن الموائد المطعَّمة بالفضة والأرائك والسجاجيد والملابس الفاخرة وغيرها من مختلف أنواع الرياش والزيوت المعطرة والأطايب والكميات الكبيرة من الخمور المعتَّقة، وكميات الطعام الكبيرة وأدوات المائدة الفاخرة ،والمتملقين والحراس والخدم وكل مظاهر التفاخر والتباهي، تخبو وتذوي… كل الأشياء تراب ورماد، ألحان حزينة وحداد، لأنه لا أحد يستطيع تقديم العون بعد فوات الأوان، أو أن يسترجع النفس التي رحلت. عندئذ تختبر قوة الذهب والثراء الفاحش، فمن بين زحام الموجودين فإنه قد أُخذ عاريًا وحيدًا، ولم يستطع أن يأخذ معه أي شيء من فيض غناه، لكنه أُخذ بدون رفيقٍ أو معينٍ. لم يستطع أحد من هؤلاء الذين كانوا يخدمونه أن ينقذه من العقاب والمجازاة، لكنه رحل بعيدًا عن حاشيته، فقد أُخذ بعيدًا بمفرده، ليتحمل العذاب الذي لا يُطاق، “كل جسدٍ عشب، وكل جمالهِ كزهر الحقل. يبس العشب، ذبل الزهر، لأن نفخة الرب هبَّت عليه. حقَّا الشَعب عشب. يبس العشب ذبل الزهر، وأما كلمة إلهنا فتثبت إلى الأبد” (إش 40: 6-8).

حقًا أتى الموت وأخمد كل هذه الرفاهية واقتاده كأسير منكسر الرأس، يئن خزيًا لا يستطيع الكلام، يرتعد خائفًا، وكأنما تمتعه بكل هذا الترف كان حلمًا[926].

V      إن العالم الحاضر هو مسرح، وأحوال الناس هي أدوار يؤدونها، الغني والفقير، الحاكم والمحكومون، وهكذا عندما ينتهي هذا النهار وتأتي هذه الليلة الرهيبة. فيا له من يوم هو ليل حالك علي الخطاة، لكنه نهار ساطع للأبرار. عندما تنتهي المسرحية، وتُخلع الأقنعة عندما يُحاكم كل واحدٍ حسب أعماله، وليس حسب غناه، أو بحسب وظيفته، أو مكانته، أو بحسب قوته، ولكن كل واحدٍ حسب أعماله، سواء كان حاكمًا أو ملكًا، سيدة أم رجلاً. فعندما يُطلب منا الحساب عن حياتنا وعن أعمالنا الصالحة، لا تقل إن مكانتنا أو وضاعة فقرنا سوف يكون لها تأثير[927].

القدِّيس يوحنا الذهبي الفم

مَنْ يُحَوِّلُ أُذْنَهُ عَنْ سَمَاعِ الشَرِيعَةِ،

فَصَلاَتُهُ أَيْضًا مَكْرَهَةٌ [ع 9].

يميل القدوس أذنيه ليسمع صلوات أولاده الصادرة عن قلبٍ مستقيمٍ ونيةٍ صادقةٍ، قبل أن ينطقوا بها بألسنتهم. أما المصممون على شرورهم بدون توبة، فلا يقبل ذبائحهم، ولا يستجيب لصلواتهم. يقول الله: “لماذا لي كثرة ذبائحكم، يقول الرب؟ أتخمت من محرقات كباش وشحم مسمنات، وبدم عجول وخرفان وتيوس ما أسر… البخور هو مكرهة لي… وإن أكثرتم الصلاة لا أسمع. أيديكم مملوءة دمًا” (إش 1: 11-15). كما يقول المرتل: “إن راعيت إثمًا في قلبي، لا يستمع لي الرب” (مز 66: 18).

V      يقول الكتاب: “من يُحول أذنه عن سماع الشريعة فصلاته أيضًا مكروهة“، فلماذا ندهش إن كان الله يبطئ في الاستماع إلى طلباتنا إن كنا نحن من جانبنا نبطئ في سماع وصية الله، أو لا نبالي بها نهائيًا؟

 البابا غريغوريوس )الكبير(

V      يليق بنا أن نقرأ المكتوب في سفر سليمان باهتمام عظيمٍ ومخافة، وليس بعدم مبالاة. “من يثقل أذنيه عن سماع الشريعة، فصلاته مكروهة“. يليق بالشخص أولاً أن يرغب في الاستماع إلى الله، إن أراد أن يسمع الله له. حقًا بأية جسارة يريد الإنسان من الله أن يسمع له، إن كان يحتقر الله هكذا حتى يرفض الاستماع إلى وصاياه. كيف هذا يا إخوتي؟ إن بعض المسيحيين – وما هو أردأ – حتى الكهنة أحيانًا عندما يتهيأون للقيام برحلة يعدون الخبز والخمر والزيت وكل ما يحتاجون إليه، وبينما يقومون باستعدادات ضخمة لرحلاتهم الأرضية لكي تحيا أجسامهم، لا ينشغل الواحد منهم بأن يقرأ سفرًا واحدًا لينعش نفسه هنا وهناك؟[928]

V       يلزم الخوف تمامًا مما يقوله الـرب بالنبي: “لذلك سُبي شعبي لعدم المعرفة” (إش 5: 13). علاوة على هذا: “من يُحول أذنيه عن سماع شريعة الرب فصلاته مكرهة” (راجع أم 28: 9)[929].

الأب قيصريوس أسقف آرل

V      لتكن هناك غيرة حب في الصلاة عندئذ تتحقق إجابة سامعها الفَعَّالة[930].

V      إن قرعت بحب تقَوي ومحبة قلبية خالصة، فإن ذاك يرى دافعك نحو القرع، فيفتح لك[931].

V      لا يتم الصراخ لله بصوت جسدي، بل بالقلب. كثيرون شفاههم صامتة، لكنهم يصرخون بالقلب، وكثيرون يقدمون ضجيجًا بشفاههم، أما قلوبهم فصارت عاجزة عن تقديم أي شيء. لذلك إن صرخت إلى الله، أصرخ إليه من الداخل حيث هناك يسمعك[932].

القديس أغسطينوس

  1. الصدِّيق والاستقامة

مَنْ يُضِلُّ الْمُسْتَقِيمِينَ فِي طَرِيقٍ رَدِيئَةٍ،

فَفِي حُفْرَتِهِ يَسْقُطُ هُوَ.

أَمَّا الكَمَلَةُ، فَيَمْتَلِكُونَ خَيْرًا [ع 10].

تضليل المستقيمين أو عثرتهم من عمل إبليس وجنوده، فمن يمارس هذا العمل يكون سفيرًا للشيطان، عمله مكروه جدًا لدى الله. وقد قدم بلعام مشورة لملك موآب ليسقط شعب الله في الزنا، فيتخلى الله عنهم (رؤ 2: 14، عد 31: 16).

الكَمَلَة” أي “الكاملون”، ينالون خيرًا من يد الرب.

V      اصنع كل شيءٍ برقةٍ ونظامٍ من أجل البنيان. يجب أن تختار الشخص والوقت والحاجة والمكان بما يليق، وتصمم على ذلك. فإنك إذ تأخذ في اعتبارك كل هذه التفاصيل تتجنب كل ظلٍ لأثرٍ شريرٍ[933].

V      لا تكن عثرة بأية وسيلة لمن تلتقي بهم. كن بشوشًا لمن تلتقي بهم. كن بشوشًا، محبًا للإخوة، لطيفًا ومتواضعًا. لا تسيء إلى هدف الكرم بأن تطلب طعامًا مبالغًا فيه[934].

القديس باسيليوس الكبير

الرَجُلُ الغَنِيُّ حَكِيمٌ فِي عَيْنَيْ نَفْسِه،ِ

والفَقِيرُ الفَهِيمُ يَفْحَصُهُ [ع 11].

كثيرًا ما تدفع الثروة الغني إلى الغرور والكبرياء، فيبرر ظلمه للآخرين وبخله على إخوته الفقراء، وينسب لنفسه الحكمة. غير أن المسكين التقى يكشف خداع الغني المتكبر لنفسه، متذكرًا قول الرب لملاك كنيسة اللاودكيين: “لأنك تقول إني أنا غني، وقد استغنيت، ولا حاجة لي إلى شيء، ولست تعلم أنك أنت الشقي والبائس وفقير وأعمي وعريان… كحلّ عينيك بكحلٍ لكي تبصر” (رؤ 3: 17-18).

إِذَا فَرِحَ الصدِّيقونَ عَظُمَ الفَخْرُ،

َعِنْدَ قِيَامِ الأَشْرَارِ تَخْتَفِي النَاسُ [ع 12].

متى نجح الصدِّيقون يفرح الكثيرون، لأن نجاح الصدِّيقين فيه بنيان للجماعة. أما نجاح الأشرار، وتسلمهم لمراكزٍ قيادية، فيسبب حالة من الرعب والإحباط في نفوس الناس، خشية مؤامراتهم الشريرة.

هذا ما حدث في أيام إيليا النبي حين تسلم المُلك أخآب الشرير وزوجته إيزابيل، اختفى الأنبياء والأبرار، حتى ظن إيليا أنه بقي وحده يعبد الرب (1 مل 19: 10، 14).

مَنْ يَكْتُمُ خَطَايَاهُ لاَ يَنْجَحُ،

وَمَنْ يُقِرُّ بِهَا وَيَتْرُكُهَا يُرْحَمُ [ع 13].

يميل الإنسان المخطئ إلى تبرير نفسه وعدم الاعتراف بخطئه، كما فعل أبوانا الأولان آدم وحواء، بل ويلقي أحيانًا الخاطئ باللوم على الظروف المحيطة به، وأحيانًا على الله نفسه. وقد طالبنا الله بالاعتراف بخطايانا، كما اعترف داود النبي أمام ناثان النبي (2 صم 12: 13). وجاء الشعب إلى الأردن، واعتمدوا من يوحنا المعمدان، معترفين بخطاياهم (مت 3: 6؛ مر 1: 5). ويقول القديس يوحنا الرسول: “إن اعترفنا بخطايانا، فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا، ويطهرنا من كل إثم” (1 يو 1: 9).

V      من أُصيب في الحرب لا يستحي من تسليم نفسه إلي يد طبيب حكيم، لأنه غُلب على أمره وأُصيب. وإذ يُشفى، لا يرذله الملك بل يحسبه مع جيشه. هكذا يليق بالإنسان الذي جرحه الشيطان ألا يستحي من الاعتراف بجهالاته، وأن يبتعد عنها، طالبًا التوبة دواءً لنفسه.

فمن يستحي من إظهار جرحه يمتد الضرر إلي جسده كله.

من لا يستحي من ذلك يُشفى جرحه، ويعود إلي المعركة[935].

القديس أفراهاط

V      الخاطي الذي يعترف بخطاياه ويقول: “جراحاتي أنتنت وفسدت من جهة حماقتي” (راجع مز 38: 5)، تُنزع عنه جراحاته الكريهة، ويصير طاهرًا في صحة. أما من يكتم خطاياه فلا ينجح[936].

 القديس جيروم

V      “من يكتم خطاياه لا ينجح، ومن يُقرّ بها ويتركها يُرحم” (أم 28: 13).

من يظن أنه يخفي جُرمه، إنما يهلك في رجاءٍ فارغٍ، لأن ذلك مجرد حديث واهٍ وليس الحق. حقًا “حديث الخطاة الفارغ مكروه” (سيراخ 27: 13)، لا يعطي ثمرًا بل نواحًا فقط! لأن “حديث الأحمق كحِمْلٍ في الطريق” (سيراخ 21: 16). وما الخطية إلاَّ ثقلٍ؟ ثقلٍ على كاهل عابر السبيل في هذا العالم، حتى أنه يتثقل بحملٍ ثقيلٍ من الجُرم! فإن كان راغبًا في عدم الخضوع لحمل الثقل، عليه أن يلتفت إلى الرب الذي قال: “تعالوا إليَّ يا جميع المتعبين وثقيلي الأحمال وأنا أريحكم” (مت 11: 28)…

أية تعاسة يمكن أن تكون أكثر من ذلك؟ فحتى الفِرَاش الذي يمنح كل الناس الراحة، يسبب ألمًا مروعًا. وآنذاك نتذكر حقًا ما قد صنعناه، ويوخز ضميرنا الداخلي بمناخس أعماله الذاتية. لأنه لأي سبب يقول الكتاب المقدس لمثل هؤلاء الناس: “ما تقولونه في قلوبكم، تندَّمون عليه في مضاجعكم” (مز 4:4).

فهذا بحق هو علاجُ الخطية، لكن لا يزال الضمير مجروحًا![937]

V      “من يكتم خطاياه لا ينجح، ومن يُقرّ بها ويتركها يرحم” (أم 28: 13).

بالحقيقة يتحرك الإنسان الحكيم نحو التوبة عن أخطائه، أما الغبي فيجد مسرة فيها. “البار يتهم نفسه” (أم 18: 17)، أما الشرير فمدافع عن نفسه. البار يود أن يسبق متهمه في ذكر خطاياه، أما الشرير فيود أن يخفيها. واحد يندفع في بدء حديثه ليكشف عن خطيته، والآخر يحاول أن يستبعد الاتهام عنه بثرثرة حديثه كمن لا يكشف عن خطيته[938].

القدِّيس أمبروسيوس

طُوبَى لِلإِنْسَانِ المُتَّقِي دَائِمًا،

أَمَّا المُقَسِّي قَلْبَهُ، فَيَسْقُطُ فِي الشَرِّ [ع 14].

الإنسان التقي أو الذي فيه خوف الرب يتمتع بالحياة المطوَّبة، إذ ينعم بالحكمة السماوية. أما الذي يعطي ظهره لله، ولا يحمل فيه مخافة الرب، فيحمل فيه روح العنف والقسوة.

V      من يخاف (يتقي) الرب يبتعد عن الخطأ، ويوجه طرقه إلى سبيل الفضيلة. فيما عدا الإنسان الذي يتقي الرب، يعجز الإنسان عن جحد الخطية[939].

القديس أمبروسيوس

V      لتكن طلباتك روحية… ليكن عقلك يقظًا، لتكن اهتماماتك مركزة على الكلمات (الإلهية). اطلب الأمور التي يليق طلبها من الله، فتنال ما تطلبه. لذات الهدف احرص على السهر الدائم، اليقظة، اهتمامك غير مظلم، عدم تردد عقلك في اتجاه وآخر، بل تمارس خلاصك في مخافة ورعدة. يقول الكتاب: “طوبى للإنسان المتَّقي وبه مخافة الرب في كل شيء”[940].

القديس يوحنا الذهبي الفم

V      اعمل باجتهاد في التربة التي لك. قلِّب أرضك بالمحراث. اطرح الحجارة بعيدًا عن حقلك، واقتلع الأشواك. كن غير مريد أن يكون لك القلب القاسي الذي يجعل كلمة الله بلا فاعلية (مز 95: 8، مر 16: 14). كن غير مريد أن تكون لك طبقة خفيفة من التربة حيث لا يجد الحب الإلهي عمقًا يدخل إليه[941].

القديس أغسطينوس

V      ذاك الذي في كل شيء يقف في مخافة عن حياءٍ وقورٍ طوباوي، ويثبت في الحق، إذ يقدر أن يقول: “جعلت الرب أمامي في كل حين، لأنه عن يميني كي لا أتزعزع” (مز 16: 8)[942].

V      يلزم على النفوس التي تريد الحديث معها بحكمة أن تتطهر أولاً بالخوف الإلهي. فإن من يوزع أسرار الخلاص للعامة، ويقبل كل الأشخاص على حدٍ سواء، بما فيهم الذين لم يتزينوا بالطهارة، ولم يُختبروا ويتأهلوا لاستخدام الأسرار بلياقة، يكون كمن يسكب طيبًا ثمينًا للغاية في أوانٍ قذرة[943],

القديس باسيليوس الكبير

أَسَدٌ زَائِرٌ وَدُبٌّ ثَائِرٌ،

الْمُتَسَلِّطُ الشِرِّيرُ عَلَى شَعْبٍ فَقِيرٍ [ع 15].     

القائد الذي ليس فيه فهم للحب حقيقي يتحول عن الأبوة الحانية إلى أسدٍ زائر يود أن يفترس، ودبٍ ثائر بلا سبب. إنه يفترس الفقراء، ويحطم الضعفاء، عوض أن يكون سفيرًا للسيد المسيح محب البشر، يقتدي إبليس القتَّال للناس منذ البدء. أما القائد المحب، فيحمل روح السيد المسيح الباذل.

V      عليك أن تُقرن الوداعة بالعمل الجسداني. لأنَّه لا يكفيك أن تتعب كثيرًا، بل يلزمك أن تفعله بلطفٍ. وتبلِّل كلامك بالوداعة والحنو. ليعرف الآخرون أنَّك تعمل أعمالك كلَّها بروح المحبَّة، ومن ثم يسرُّون أوفر سرور بخدمتك. وهذا يعلِّمك إيَّاه الحكيم بقوله: “يا ابني لا تبدي شكوى في الخيرات، ولا تظهر حزنًا بقولٍ شرِّيرٍ في كل عطيَّةٍ. أليس الندى يبرِّد الحر، كذلك القول هو خير من العطيَّة”.

القدِّيس باسيليوس الكبير

V      “يا سمعان بن يونا أتحبُّني؟… ارع غنمي” (يو٢١).

ليتنا لا نحب ذواتنا إنَّما نحبُّه هو، وبرعايتنا لغنمه نطلب ما له وليس ما لنا، لأنَّه من يقدر أن يحيا بذاته، يموت بالتأكيد إن أحب ذاته. وهو بهذا لا يكون محبًا لنفسه، إذ بحبُّه لنفسه يفقد حياته.

ليت رعاة القطيع لا يكونوا محبِّين لذواتهم، لئلاَّ يرعوا القطيع كما لو كان مِلكًا لهم وليس قطيع المسيح.

فيطلبون ربحًا ماديًا بكونهم “محبِّين للمال”،

أو يتحكَّمون في الشعب بكونهم “متشامخين”،

أو يطلبون مجدًا من الكرامة المقدَّمة لهم بكونهم “متكبِّرين”،

أو يسقطون في هرطقات “كمجدِّفين”،

ويحتقرون الآباء القدِّيسين “كعصاة على الوالدين”،

ويردُّون الخير بالشرّ على من يرغبون في إصلاحهم حتى لا يهلكوا بكونهم “ناكرين للمعروف”،

ويقتلون أرواحهم وأرواح الغير “كمن هم بلا رحمة”،

ويحاولون تشويه شخصيَّات القدِّيسين “كشهود زور”،

ويطلقون العنان للشهوات الدنيئة “كغير طاهرين”،

ويشتكون دائمًا… “كغير رحماء”،

ولا يعرفون شيئًا عن خدمة الحب، “كمن لا عطف فيهم”،

ويقلقلون البشريَّة بمناقشاتهم الغبيَّة “كعنيدين”،

ولا يفهمون ما يقولونه أو ما يصرُّون عليه “كعميان”،

ويفضِّلون المباهج الجسديَّة عن الفرح الروحي “كمحبِّين للذات أكثر من حبُّهم لله”.

هذه وغيرها من الرذائل المشابهة سواء كانت كلَّها في مجموعها في شخصٍ واحد، أو إحداها تسيطر على شخص وغيرها على آخر، فإنَّها تظهر بشكلٍ أو آخر من هذا الجذر، وهو أن يكونوا “محبِّين لأنفسهم”. هذه الرذيلة التي يلزم أن يتحفَّظ منها من يرعون قطيع المسيح، لئلاَّ يطلبوا ما لذواتهم وليس ما ليسوع المسيح، ويستخدمون من سفك المسيح دمه لأجلهم، يستخدمونهم لأجل تحقيق شهواتهم.

هؤلاء الذين يرعون قطيعه، يلزم أن يكون حبُّهم عظيمًا، بغيرة روحيَّة حتى يتغلَّب على الخوف من الموت، هذا الذي يجعلنا (الخوف من الموت) لا نرغب في الموت لكي نحيا مع المسيح. فالرسول بولس أيضًا يود أن يُنفَق ويكون مع المسيح (في ١: ٢٣).

القدِّيس أغسطينوس

رَئِيسٌ نَاقِصُ الفَهْمِ، وكَثِيرُ المَظَالِمِ.

مُبْغِضُ الرَشْوَةِ تَطُولُ أَيَّامُهُ [ع 16].

إذ يتحول القائد عن روح الأبوة الحانية يصير متسلطًا، يفترس الرعية المسكينة. يسلك بلا فهم، إذ يحمل روح إبليس الأسد الزائر الذي يجول ملتمسًا من يبتلعه هو (1 بط 5: 8). قانونه الظلم والافتراس وطلب الرشوة مع أن من يبغض الرشوة تطول أيامه بالخير.

  1. الصدِّيق والأمانة

الرَجُلُ المُثَقَّلُ بِدَمِ نَفْسٍ يَهْرُبُ إلى الجُبِّ.

لاَ يُمْسِكَنَّهُ أَحَدٌ [ع 17].

ينسى القائد الظالم المفترس أن سافك دم أخيه – أيا كان مركزه أو سلطانه،  مادام قد سفك الدم ظلمًا بروح السطوة والكبرياء – إنه وإن هرب من القضاء البشري لن يهرب من حكم ضميره الداخلي، ومن يوم الدينونة. يبحث عن جبٍ يخفيه، ولكن من يخفيه من ضميره الداخلي، ومن يخفيه من عينيّ الرب. لقد ظل قايين قاتل أخيه هاربًا دون أن تستقر نفسه، ولم يجد يهوذا سافك الدم البريء بالخيانة ملجأ له سوي الانتحار، فشنق نفسه.

V      الشيطان الذي علَّم يهوذا أن يُسلم معلمه، عاد فعلَّمه أن يشنق نفسه، ليرث بالاثنين الهاوية التي تأهَّل لها.

يخاف الظلام من النور، ويخشى الدنس الطهارة.

لماذا خنت يا يهوذا معلِّمك؟ وإلى أين تذهب أيها الأعمى الضال؟ أتُفضِّل الخطية والخداع والشر على الخير والنور والوفاء؟

أتترك كرسيك المحُاط بالنور، لتأخذ كرسيًا تلهبه النيران؟ أتفضِّل البغضة عن الإخاء، وتترك إخوتك لتنضم إلى مبغضيك؟ كل من عرفك يأسف لمصيرك ويتألم.

أتبيع ربك بدُريْهمات، وتخسر خيرات الأرض والسماوات؟

إن ما قبضته ثمن خيانتك لا يساوي ثمن الحبل الذي ستَشنق به نفسك!

القدِّيس مار يعقوب السروجي

السَالِكُ بالكَمَالِ يَخْلُصُ،

المُلْتَوِي فِي طَرِيقَيْنِ يَسْقُطُ فِي إِحْدَاهُمَا [ع 18].

ليس أحد كاملاً إلا الله وحده، لكن الكمال هنا نسبي، يُقصد به الاستقامة والنية الصادقة والإخلاص في التعامل مع الله والناس. من يسلك بهذا الروح تسنده نعمة الله، وتحفظه من التجارب التي يوجهها العدو إبليس أو الناس ضده. بمعنى آخر، الشركة مع الله القدوس تنجي الإنسان في هذا العالم وفي الدهر الآتي.

أما الإنسان الذي لا يعرف بساطة القلب ولا استقامة السلوك، فيُعرِّج بين الطرق، يسقط ويَهلك ما لم يرجع إلى نفسه، وينظر إلى الله مخلصه.

المُشْتَغِلُ بأَرْضِهِ يَشْبَعُ خُبْزًا،

تابِعُ البَطَّالِينَ يَشْبَعُ فَقْرًا [ع 19].

كثيرًا ما يكرر الحكيم الحث على العمل باجتهاد، فإنه لا طعم للحياة بدون عمل، ولا قيمة لها بدون الاجتهاد. فالعمل وصية إلهية، تمس حياتنا على الأرض، ومكافأتنا في السماء. نعمل ليس لأننا في عوزٍ ماديْ، ولا لكي نُكثر ما لدينا، وإنما لأننا أبناء الله الحيّ العامل في محبة لخليقته.

أما الإنسان الكسول في أعماله اليومية، كما في سلوكه الروحي، فيخيم عليه الفقر المادي والروحي، ويسيطر عليه.

V      بحسب خبرتنا نستطيع بالتمسك بالله إماتة إرادتنا وقطع شهوات هذا العالم، ونتعلم من أولئك الذين في علاقتهم بالله يقولون بكل إيمان: “التصقت نفسي بك” (مز 63: 8)، “لصقتُ بشهادتك. يا رب لا تخزِني” (مز 119: 31)، “أما أنا فالاقتراب إلى الله حسن لي” (مز 73: 28)، فعلينا ألا نكل بسبب تشتت العقل والتراخي لأن “المشتغل بأرضهِ يشبع خبزًا وتابع البطالين يشبع فقرًا” (أم  28: 19)[944].

الأب سيرينوس

الرَجُلُ الأَمِينُ كَثِيرُ البَرَكَاتِ،

والمُسْتَعْجِلُ إِلَى الغِنَى لاَ يُبْرَّأُ [ع 20].

كثيرون يحسبون الغش والكذب والخداع وما إلى ذلك، هي خبرات يتعلمها الإنسان لكي ينجح في هذه الحياة، ويكوِّن ثروات طائلة في فترة وجيزة. وأن الأمانة والصدق والتدقيق في السلوك نوع من ضيق الأفق والحرفية، تسبب له خسائر ومتاعب. لكن الأمين يكتشف غناه الداخلي، وتتهلل نفسه بالميراث المُعد له، وينال الكثير من البركات، حتى في هذا العالم. أما ما يُجمع بالغش فلن يعطي راحة للنفس، وُيفقد الكثير في هذا العالم وفي الدهر الآتي.

مُحَابَاةُ الوُجُوهِ لَيْسَتْ صَالِحَةً،

فَيُذْنِبُ الإنْسَانُ لأَجْلِ كِسْرَةِ خُبْزٍ [ع 21].

من أجل المصلحة الخاصة – سواء المادية أو المعنوية – يحابي الإنسان الوجوه، فيعيش بلا مبادئ، ويستتفه نفسه، حتى يبلغ به أن يسلك بالالتواء من أجل كسرة خبز يحتاج إليها. بمعنى آخر من يحابي الوجوه من أجل مكاسبٍ تبدو عظيمة، يفعل ذلك أيضًا من أجل الأمورٍ التافهة.

ذُو العَيْنِ الشِرِّيرَةِ يَعْجَلُ إلى الغِنَى،

وَلاَ يَعْلَمُ أَنَّ الفَقْرَ يَأْتِيهِ [ع 22].

يُقصد بالعين الشريرة هنا العين التي بلا ضابط، فلا تشبع قط، بل في جشعٍ وطمعٍ تطلب المزيد بلا توقف ولا اكتفاء. مثل هذا يجري وراء الماديات لكي يغتني، فيهرب كل شيءٍ منه، ويعاني من الفقر.

مَنْ يُوَبِّخُ إنسَانًا يَجِدُ أَخِيرًا نِعْمَةً،

أَكْثَرَ مِنَ المُطْرِي بِاللِّسَانِ [ع 23].

كثيرًا ما يحذرنا الحكيم من كلمات الإطراء التي تنبع عن قلبٍ متملقٍ، فإنها تفقد مسير الاثنين، من ينطق بالإطراء، ومن ينتفخ بسماعه. إنها كلمات تملقٍ مهلك. أما كلمات التوبيخ الصادرة عن إنسانٍ أمين وقلبٍ محب فهي نافعة وبنَّاءة.

السَالِبُ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ وَهُوَ يَقُولُ: “لا بَأْسَ”،

فَهُوَ رَفِيقٌ لِرَجُلٍ مُخْرِبٍ [ع 24].

من يبذر أموال والديه، مدعيًا أنها من حقه، وأنه غير مسئول عن رعايتهما، يكون مجرمًا في حقهما.

هذا يشبه ما سمح به بعض الفريسيون أن يقدم الإنسان من ماله للهيكل، ويترك والديه في احتياج، وإن لامه أحد يقول إنه قدم ما كان يجب عليه من نحوهما قربانًا لله. وقد وبّخهم السيد المسيح، لأن تقديم القربان لا يكون على حساب معيشة الوالدين المحتاجين.

المُنْتَفِخُ النَفْسُ يُهَيِّجُ الخِصَامَ،

والمُتَّكِلُ عَلَى الرَبِّ يُسَمَّنُ [ع 25].

يولد الكبرياء خصومات، فالإنسان في تصلُّفه برأيه يسبب انشقاقات. أما المتواضع الوديع فيكون صانعًا سلامًا للآخرين.

العجيب يضع هنا المتكل على الرب مقابل المنتفخ النفس، فإنه لا يتكل على الله إلا من يرتمي بروح التواضع على الصدر الإلهي، ويثق في العناية الإلهية، فيشبع من حنو الله ومراحمه وتسمن نفسه.

V      “لا شيئًا بتحزب أو بعجبٍ، بل بتواضع حاسبين بعضكم البعض أفضل من أنفسهم” (في 2: 3)… لم يقل أفضل من أنفسكم بل أفضل من أنفسهم… فماذا يقصد الرسول من هذا؟ إنه يقصد أن نعطي لكل واحد كرامة وتقديرًا واعتبارًا أكثر مما يستحق… نقدر الناس بأكثر مما يستحقون… “فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح”… إنه فكر التواضع. “فليكن فيكم”، أي ضرورة وجود هذا الفكر في حياتنا، لأنه هو العمود الفقري لكافة الأفكار المستقيمة، وهو الضمان الوحيد للهروب من التحزب والانقسام والخصام والعجب والكبرياء والمجد الباطل وتمجيد الذات…

لا تظن فيه أنه مجرد أعظم منك، بل هو “أفضل” منك، أي له سمو أعظم جدًا، فلا تستغرب ولا تتألم إن رأيته يُكرم. نعم، حتى وإن عاملك باستخفافٍ، احتمل هذا بنبلٍ، إذ تحسبه أعظم منك. وإن شتمك، تخضع له. وإن عاملك رديًا تحمل ذلك في صمتٍ. لأنه إذ يتأكد الإنسان تمامًا أن الآخر أعظم منه لا يغضب إن عامله رديًا، ولا يسقط في الحسد لأنه لا يحسد أحدًا أعظم منه بكثير، بل ينسب كل شيء إلى سموه[945].

القديس يوحنا الذهبي الفم

المُتَّكِلُ عَلَى قَلْبِهِ هُوَ جَاهِلٌ،

والسَالِكُ بِحِكْمَةٍ هُوَ يَنْجُو [ع 26].

انفراد الإنسان برأيه، وعدم التجائه إلى الحكمة الإلهية، وعدم تقديره لمشورة الآخرين وخبرتهم وحكمتهم،جهالة. أما من يلجأ إلى الله، ويطلب مشورة الغير، فيسلك في أمان.

مَنْ يُعْطِي الفَقِيرَ لا يَحْتَاجُ،

وَلِمَنْ يَحْجِبُ عَنْهُ عَيْنَيْهِ لَعَنَاتٌ كَثِيرَةٌ [ع 27].

من يهتم بإخوته الفقراء، يهتم الله به، ولا يتركه في عوزٍ، أما من يحجب عنهم عينيه، ويسد عن سماع أصواتهم، لن ينال بركة إلهية، بل تحل عليه اللعنة.

V      لا تنسى هذه القاعدة حيث يُقال: “من يعطي الفقير لا يحتاج”. هل تنسى ما سيقوله الرب للذين يعطون للفقراء: “تعالوا يا مباركي أبي، رثوا الملكوت”[946].

 القديس أغسطينوس

V      إن كنت تخاف وترتعد لئلا بصنعك هذا بسخاء يتبدد ميراثك… وربما تسقط في الفقر، لا تقلق، بل تشجع، فإنه لا يمكن أن تتعب مُنهكًا وأنت تقوم بخدمة المسيح مهتمًا بعمل سماوي!

إنني لست اضمن لك عدم عوزك تحت مسئوليتي، إنما أعدك بهذا معتمدًا على الإيمان بالأسفار المقدسة وتحت مسئولية الوعد الإلهي.

فالروح القدس تكلم على لسان سليمان قائلاً: “من يعطي الفقير لا يحتاج، ولمن يحجب عنه عينيه لعنات كثيرة” (أم 28: 27)، مظهرًا أن الرحماء والذين يقدمون أعمالاً صالحة لن يحتاجوا، بل بالأحرى من يحتجز أمواله – أي العقيم – سوف يحتاج.

أضف إلى ذلك قول الرسول الطوباوي بولس، الممتلئ بنعمة الوحي الإلهي: “والذي يقدم بذارًا للزارع وخبزًا للآكل سيقدم ويكثر بذاركم، وينمي غلات برَّكم مستغنين في كل شيء”. وأيضًا: “لأن افتعال هذه الخدمة لا يسد أعواز القديسين فقط بل يزيد بشكر كثير لله” (2 كو 9: 10، 12). فبينما تصعد التشكرات بواسطة صلوات الفقراء من أجل عطايانا وأعمالنا تزداد ثروتنا كمكافأة من الله[947].

الشهيد كبريانوس

عِنْدَ قِيَامِ الأَشْرَارِ تَخْتَبِئُ النَاسُ،

وَبِهَلاَكِهِمْ يَكْثُرُ الصدِّيقونَ [ع 28].

عندما يحتل شرير مركزًا قياديًا، يهرب الناس خشية أن تحل بهم شرور، وعندما يفقد المركز القيادي ليحتله إنسان صديق، يلتف حوله الصدِّيقون ويعملون معه ويسندونه.

 


 

من وحي الأمثال 28

لاتحد بك فأتمتع ببرِّك!

V      من يقتنيك يا حكمة الله،

ينعم ببرِّك، ويسلك حسب مسرتك!

أنت هو الحكمة والفضيلة والصلاح والسلام!

V      بدونك يحتل الشر قلبي،

يملك ويسيطر بعنفه وشراسته.

لا أذوق طعم الراحة،

ولا أجد لذة للحياة!

V       لتملك يا أيها القدوس في أعماقي.

فيحل سلامك في داخلي،

لا يجسر عدو الخير أن يتسلل إليَّ.

ولا يمكن للقلق والاضطراب أن يحتلاَّ نفسي،

بل اختبر عربون سماواتك!

وتتهلل أعماقي بأمجادك.

V      ليحل سلامك في كنيستك،

ولتسكب حبك في قلوب البشرية.

فيمتلئ الكل من معرفتك،

ويختبر الجميع سلامك.

V      هب لي أن أذكر حبك ورحمتك.

وأنت خالق الكل، افتقرت بإرادتك،

لكي بفقرك تغنيني.

هب لي أن أفتقر من أجل إخوتي،

اَشتهي أن أقدم حياتي مبذولة من أجل الكل!

هب لي الحنو الداخلي نحو كل إنسان!

لقد أشبعتني بمراحمك.

لأرد لك مما وهبتني في إخوتي المحتاجين إليك!

V      أنت تغفر لي الكثير،

وبحبك تطيل أناتك عليّ.

وتهبني أكثر مما أطلب وفوق ما أحتاج.

هب لي أن أطيل أناتي على إخوتي.

هب لي أن أحفظ شريعتك،

فأشهد للحق الإلهي،

ولا أحابي ظالمًا لأجل منفعة.

V      ليكن حقك هو كنزي،

وشريعتك هي غناي.

أحفظ وصيتك،

وأتمتع بمسرتك.

V      هب لي مع الحق الحب والرحمة.

فأجد مسرتي فيك، يا أيها الحب الحقيقي.

هب لي روح المعرفة والفهم،

فإني مدين لك بكل خير فيّ!

أما خطاياي فأعترف لك بها.

لن أكتمها ولا أبررها،

حتى أنعم برحمتك،

ويحالفني النجاح في كل شيء.

V      أعماقي تشهد ضدي بسبب خطاياي.

لست أخاف متهمًا بشريًا،

ولا حكم الناس عليّ.

إنما أخشى الفساد الذي يدب فيّ.

وضميري الذي يصرخ في داخلي.

ارحمني، واغفر لي، فإني خاطي!

V      هب لي روح الاستقامة والأمانة.

فتسندني بالأكثر نعمتك، 

وتحفظني من كل تجارب الحياة.

هب لي بساطة القلب، فلا أعرج بين الطرق.

V      انزع عني روح الغش والخداع،

فإنني لست أطلب ما للعالم بل ما هو لك!

أسير بروح الحق،

ولا التزم إلا برضاك ومسرتك.

تشبع عيناي بالتطلع إليك،

   وبشبع قلبي من خزائن حبك!

V      لألتزم بالحق من أجل رضاك،

لا أحابي إنسانًا،

ولا أخشى أحدًا،

أنطق بالحق الممتزج بروح الحب.

أحترم الجميع وأُكرِّم الكل،

ولكن بدون مداهنة.

V      لألتزم بروح الوداعة والتواضع.

لكي بك أكون صانعًا للسلام.

أهرب من كل جوٍ للخصومة.

ولا أَستريح لروح النزاع.

أنتَ هو سلامنا وتهليل قلوبنا.

فاصل

فاصل

زر الذهاب إلى الأعلى