تعليقات لامعة على سفر التكوين للقديس كيرلس الكبير

المقالة السابعة: عن بركة يعقوب لأبنائه – عن نفتالي

 

« نفتالي أيلة مسيبة يعطي أقوالا حسنة » ( تك 21:49)

أيضاً يمكن للمرء أن يطبق هذا على عمانوئيل ، وأيضا على هؤلاء الذين تبرروا بالإيمان وتقدسوا بالروح. لأنه قيل لأم اليهود ، أقصد أورشلیم ، بفم أرميا : “زيتونة خضراء ذات ثمر جميل الصورة دعا الرب اسمك . بصوت صنجة عظيمة أوقد ناراً عليها فانكسرت أغصانها ورب الجنود غارسك قد تكلم عليك شرا من أجل شر بيت إسرائيل وبيت يهوذا » ( أر 16:11، 17).

أي كان ينبغي أن يكون لديها رعاية لائقة، لكنه أمر أن حرق ؛ لأنها لم ترد أن تعترف بغارسها الذي كان حاضراً، الذي مثل منجل حاد ، بفعل الروح خلصنا من الأمور غير المفيدة ، أي الأمور الأرضية والجسدية ، لكي نشتهي ونتأهب لأي شيء من الأمور العجيبة . لأنه من الممكن أن نستمع إلى مخلصنا المسيح الذي قال بكل وضوح : “أنا الكرمة الحقيقية وأبي الكرام . كل غضن فيَّ لا يأتي بثمر ينزعه . وكل ما يأتي بثمر ينقيه ليأتي بثمر أكثر ” ( يو 1:15 ،2 ) . لأن جذر وثمرة الكرمة المزروعة بعمق وثبات لهؤلاء الذين اقتيدوا إلى الحياة الجديدة هو ربنا يسوع المسيح، ونحن نبتنا كأغصان باتحاد روحي معه، ونحن معلقون ذهنياً فيه ومرتبطون بمحبته ومتمتعون بطعامه الغني ومتغذون بالنعمة الإلهية لنثمر ثمار الفضيلة.

والآب نفسه مع الابن يعضد أعمالنا . وبالرغم من أن المسيح هو الكرمة والآب هو الغارس لكن بالمسيح سوف يقطع ما هو غير مفيد ، وسوف يعتني بما هو موجود في أحسن حالة ، وما له القدرة على الإثمار بمفرده.

حسنا ، عندما كان ينبغي توجد أم اليهود بين الفاضلات كزيتونة خضراء ذات ثمر جميل الصورة ، كما قال النبي ، دُمرت وأوقد النار فيها. لأجل هذا قال متى البشير : “والآن قد وضعت الفأس على أصل الشجرة . فكل شجرة لا تصنع ثمراً جيداً تُقطع وتُلقى في النار ” ( مت ۱۰:۳).

وكون أن المدينة الشهيرة سوف تقع في مصائب تصل إلى شرور قصوى ، فهذا هو ما ينبئنا عنه زکريا النبي قائلا : “في ذلك اليوم يعظم النوح في أورشلیم کنوح هدد رمون في بقعة مجدون ” ( زك ۱۱:۱۲ ) . وأيضا كأنه عن نفس المدينة يقول : “افتح أبوابك يا لبنان فتأكل النار أرزك . ولول یا سرو لأن الأرز سقط لأن الأعزاء قد ضربوا . ولول یا بلوط باشان لأن الوعر المنيع قد هبط” ( زك 1:11 ،2) . لأن لبنان هو جبل به أشجار كثيفة من الأرز ، أشجار بها رائحة زكية و منظرها رائع ومدهش . حسناً، يشبَّه أورشلیم بلبنان ، أورشليم التي لديها جمع من الكهنة الجديرين بالإعجاب قياساً بالطبع بكرامات الناموس. لأنهم عُيَّنوا رؤساء وكشجرة في غابة ، شجرة ضخمة وباسقة ، يتخطون قياس كل الآخرين ويتفوقون كثيرا بعملهم عن اختصاصات الشعب. لكن أُحرقت أورشليم ، أي لبنان وهؤلاء الذين هم مشهورون ومعروفون ، الذين كانوا في قمة المجد أحرق أحدهم الآخر ، وكذلك سقطوا وقتلوا كما لو كانوا قد سقطوا في أيدي جامعي الحطب العتاة ، في أيدي جنود الرومان . لكن ربنا يسوع المسيح ، من خلال هؤلاء الكهنة الذين أضمروا له شراً ، صار شجرة عالية.

حسنا ، افرحوا دائماً بمرتفعاته اللامتناهية تجاه الأعلى ، كما يقول الحديث ، امتد إلى كل الأرض . وهذا ما نادى به الله قبلا بوضوح بفم حزقيال ، قائلا : هكذا قال السيد الرب وآخذ أنا من فرع الأرز العالي وأغرسه وأقطف من رأس خراعیبه غصنا وأغرسه على جبل عال وشامخ. في جبل إسرائيل العالي أغرسه فينبت أغصاناً ويحمل ثمرة ويكون أرز واسعاً فيسكن تحته كل طائر كل ذي جناح ليسكن في ظل أغصانه. فتعلم جميع أشجار الحقل أني أنا الرب وضعت الشجرة الرفيعة ورفعت الشجرة الوضيعة ويبست الشجرة الخضراء وأفرخت الشجرة اليابسة . أنا الرب تكلمت وفعلت ’ ’ ( حز ۲۲:۱۷ – ۲۶).

أترى إذن ، أن الله الآب أخذ شجر الأرز المنتخب ، وأنبت شجرة الحياة داخلنا ، أقصد المسيح . بالطبع شجر الأرز يصف سبط يهوذا الذي كان القائد دائماً، وكان دائماً الأكثر مجداً والذي منه ولد يسي وداود والعذراء القديسة التي ولدت يسوع.

وأما أن الغصن الذي أُخذ من شجرة الأرز المختارة وصار نبتاً حسناً بثمر جميل ، غلق فوق الخشبة لأجلنا ، كيف من الممكن أن نشك في هذا الأمر ؟ فنحن قد زُرعنا مرة أخرى بإرادة الآب ، أما الأشجار الأخرى ، فهي عقيمة ويابسة ، وتلك الأشجار صارت هكذا ؛ لأنها وُجدت في رطوبة خانقة وعاشت حياة الناموس ، أقصد الأشجار الآتية من إسرائيل . وهؤلاء الذين من إسرائيل كانوا مرتفعين ، بينما نحن كنا وضيعين ومدوسين . لكننا ارتفعنا بإيماننا بالمسيح ، بينما أولئك سقطوا من المجد القديم وصاروا وضيعين . إذن ، رب الكل هو الله ، الذي بإشارة منه يتزل المرتفعين ويرفع المتضعين إلى أعلى ، ويُيبس الشجرة الخضراء ويجعل اليابسة تزدهر مرة أخرى وتنبت.

أما أن هؤلاء المنتمين للمجمع القديم لا يختلفون إطلاقا عن الأشواك والزوان وأنهم سوف يجزون من الأرض المقدسة ، وأنه سوف ينبت مكانهم جمع المؤمنين الذي يشبه بالأشجار ذات الرائحة الزكية، فهذا سوف تعلمه يقول : « افتح على الهضاب أنهار ، وفي وسط البقاع ينابيع . أجعل القفر أجمة ماء والأرض اليابسة مفاجر مياه . أجعل في البرية الأرز والسنط والآس وشجرة الزيت . أضع في البادية السرو والسنديان والشربين معاً» ( أش 18:41- 19) . وبعد ذلك يقول : « عوضاً عن الشوك ينبت سرو وعوضاً عن القريس يطلع آس . ويكون للرب اسماً علامة أبدية لا تنقطع » ( أش 13:55) .

يشير بالأرز إلى رجاء أولئك الذين آمنوا بالخلود ؛ لأن الأرز لا يفسد. ويشير بالصنوبر إلى أن أتباع المسيح لا ينبغي أن يكون لديهم عقل غير متزن ولا تصرفات طائشة. لأن الكل فاهمون ؛ إذ أن لهم فكر المسيح. لأن شجر الصنوبر ثابت و كثيف جداً. والآس يرمز إلى رائحة القداسة الزكية والنعمة المزدهرة دائما . والسرو أيضا يرمز إلى المرتفع وذو الرائحة الزكية . والعلو يعني سمو الفضيلة وعظمة العقائد. والسنديان الأبيض يرمز إلى لمعان ونصاعة البر. لأن أتباع المسيح ممجدون لأنهم يصيرون هكذا بنعمته . هكذا الشجرة الباسقة هي نفتالي ، أي تشير إلى المسيح أو إلى أحباء المسيح . ثم يقول أيضا : « يعطي أقوالاً حسنة » ( تك 21:49) . أي في البداية رأي بنو إسرائيل المسيح مثلنا في الشكل ؛ لأنه أخذ جسداً بشرياً، فلم يؤمنوا أنه إله بحسب الطبيعة. لأجل هذا أيضا اليهود تطاولوا عليه وأرادوا أن يرجموه . « فتناول اليهود أيضا حجارة ليرجموه . أجابهم يسوع أعمالا كثيرة حسنة أريتكم من عند أبي . بسبب أي عمل منها ترجموني . أجابه اليهود قائلين لسنا نرجمك لأجل عمل حسن بل لأجل تجديف . فإنك وأنت إنسان تجعل نفسك إلها » ( یو ۳۱:۱۰ – ۳۳).

سوف نجد الرسل القديسين أنفسهم يعجبون به بالطبع كصانع عجائب ، رغم أنهم لم يدركوا جيدا السر الخاص به . لأجل هذا ، بينما أمر البحر لكي يهدأ وهدأت العواصف الشديدة بأمر المسيح ، قال تلاميذه : « أي إنسان هذا . فإن الرياح والبحر جميعاً تطيعه » ( مت ۲۷:۸) . أرأيت كيف كان هو الله بحسب الطبيعة ، بالرغم من أنه صار إنسانا ، إلا أنه لم يكن معروفاً لأهل العالم ، ولم تكن أمجاده ظاهرة ؟ لكن عندما زادت معرفتنا به داخلنا ، آمنا بأنه الله بحسب الطبيعة ؛ « لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض » ( فيلي ۱۰:۲) ، أي أن كل المسكونة سوف تسجد له . وبما أن معرفتنا به تقدمت إلى الكمال ، عندئذ تحقق لنا أنه جميل و أكثر جمالاً من بني البشر ( انظر مز 3:45 ) . إذن عبارة « يعطي أقوالاً حسنة » هي واضحة جداً. لأن أحباءه سوف يتقدمون دائما في الفضيلة ليصلوا إلى الأسمى ، أي يمتدون إلى الأمام وفق کلام بولس الطوباوي صاعدين دائماً تجاه الأفضل والحسن ( انظر فيلبي 14:3 – 14 ) . وأقصد بالحسن هو الجمال الروحي حتى ينطبق علينا هذا القول « فيشتهي الملك حسنك » (مز12:45)

فاصل

عن أشير

المقالة السابعة 

عن يوسف

تعليقات لامعة على سفر التكوين
البابا كيرلس عمود الدين

 

زر الذهاب إلى الأعلى