تفسير سفر الجامعة ٢ للقمص أنطونيوس فكري
الإصحاح الثاني
الآيات (1-3): “قلت أنا في قلبي هلم امتحنك بالفرح فترى خيراً وإذا هذا أيضاً باطل. للضحك قلت مجنون وللفرح ماذا يفعل. افتكرت في قلبي أن أعلل جسدي بالخمر وقلبي يلهج بالحكمة وأن اخذ بالحماقة حتى أرى ما هو الخير لبني البشر حتى يفعلوه تحت السماوات مدة أيام حياتهم.”
قلت أنا في قلبي= مازال سليمان يناجي قلبه عوضاً عن أن يرفع قلبه لله مصلياً، وذلك لأنه مازال في بحثه العقلي بعيداً عن روح التقوى، ومازال في مراحل حياته الخاطئة يفتش عن طريق السعادة. وقد رأيناه في الإصحاح الماضي يبحث عن سعادته في اللذات العقلية والمعرفة ولم يجدها. وهنا نجده يبحث عن سعادته في اللذات الجسدانية الحسية وقد ظن أنها تعطيه الشبع. فراح يأكل ويشرب= أعلل جسدي بالخمر= فالخمر هنا كناية عن ملذات الطعام. وجرَّب أن يلهو ويضحك= أمتحنك بالفرح. وكثيرون يظنون أن السعادة تكمن في حياة اللهو والحفلات والأفراح الزمنية بما تحويه من أكل وشرب وضحك. وهؤلاء لا يميزون بين الفرح الداخلي الذي يهب بشاشة دائمة وسلاماً حقيقياً وبين ضحكات اللهو التي تنبع عن فراغ داخلي. الفرح الداخلي الذي يعطيه الله لا تؤثر عليه الظروف الخارجية فالشهداء كانوا يذهبون لساحات الاستشهاد المرعبة وهم متهللين فملكوت الله كان في داخلهم أما الأفراح الزمنية فمؤقتة، هي خارج دائرة الله، هي تخدر الإنسان ولا تشبعه بل تزيده حزناً. ولكن الإنسان ينخدع إذ يظن أنه لو حصل على هذه الملذات الزمنية لصار سعيداً، عموماً فالطالب يشعر أن سعادته تكتمل حين ينهي دراسته ويعمل، والموظف يظن أن سعادته تكتمل بترقيته، ولكن الخبرة العملية تقول أن هذه الأنواع من الأفراح لا تستمر أكثر من ساعات يعود بعدها الإنسان لما كان عليه، فالنفس الخالدة لن تشعر بفرح حقيقي من الزمنيات. (راجع لو19:12). وحينما اختبر سليمان أن هذا الفرح يزيده حزناً وكآبة دعاه جنوناً= للضحك قلت مجنون. ومجنون من يحاول أن يجد سعادته في البحث وراء الأفراح المجنونة للعالم وينفصل عن الله. وللفرح ماذا يفعل= هو يقصد الفرح الزمني الظاهري الذي ليس من القلب، هو أدرك أنه لا يصلح القلب ولا ينزع عنه كآبته (أم20:25) ولا يهدئ هذا الفرح العالمي الضمير المذنب. أما دموع التوبة فتهب فرحاً داخلياً وبشاشة صادقة لأن الخطية تحطم القلب وتملأه كآبة مرة. ولقد اكتشف سليمان بالتجربة أن هذا أيضاً باطل.
أعلل جسدي بالخمر= أي يشرح صدره ويمتع جسده بالخمر. وقلبي يلهج بالحكمة= كان يشرب ليختبر ويتحقق هل الخمر قادرة أن تشبع حياته. وحتى يتمكن من الحكم، لم ينزلق إلى درجة فقدان الوعي، واستمر واعياً ليحكم ويعرف هل في هذا الطريق أي مسرة، ونلاحظ أنه يعترف مقدماً أنه كان يعلم أن هذا الطريق خطأ= وأن أّخذ بالحماقة= هو كان يسمع أن الخمر تسعد الناس فقرر أن يجربها ليرشد الناس للطريق الصحيح لسعادتهم. نرى سليمان هنا مستخدماً حكمته الزمنية بعيداً عن الحكمة الإلهية. إن الله يتعجب على من يبحث عن أفراحه بعيداً عنه، يبحث عنها في ملذات العالم. هذا يشبهه الله بمن ترك ينبوع الماء الحي لينقر لنفسه أباراً مشققة لا تضبط ماء (أر12:2،13).
الآيات (4-11): “فعظمت عملي بنيت لنفسي بيوتاً غرست لنفسي كروماً. عملت لنفسي جنات وفراديس وغرست فيها أشجاراً من كل نوع ثمر. عملت لنفسي برك مياه لتسقى بها المغارس المنبتة الشجر. قنيت عبيداً وجواري وكان لي ولدان البيت وكانت لي أيضاً قنية بقر وغنم اكثر من جميع الذين كانوا في أورشليم قبلي. جمعت لنفسي أيضاً فضة وذهباً وخصوصيات الملوك والبلدان اتخذت لنفسي مغنين ومغنيات وتنعمات بني البشر سيدة وسيدات. فعظمت وازددت اكثر من جميع الذين كانوا قبلي في أورشليم وبقيت أيضاً حكمتي معي. ومهما اشتهته عيناي لم امسكه عنهما لم امنع قلبي من كل فرح لأن قلبي فرح بكل تعبي وهذا كان نصيبي من كل تعبي. ثم التفت أنا إلى كل أعمالي التي عملتها يداي وإلى التعب الذي تعبته في عمله فإذا الكل باطل وقبض الريح ولا منفعة تحت الشمس.”
زود الجامعة نفسه بالمباهج العالمية والمباني الفخمة والعبيد والفضة والذهب وخصوصيات الملوك= أي ما يخص الملوك أو ما ينفرد به الملوك عن سائر العظماء من ممتلكات أو قنية معينة، فالملوك أرسلوا له هدايا ثمينة ملوكية ليستعطفوا وجهه ويسمعوا حكمته.
(تأمل: شعب الله دُعِيَ شعب إقتناء فهو ثمين جداً في عينيه (خر5:19) وملك الملوك يقدم لك ذاته لتقتنيه. فهو يقتنيك وأنت تقتنيه، أنت خصوصيات الملك= أنا لحبيبي وحبيبي لي). وراجع (1مل15:9-19). فعظمت عملي= هذه هي المشكلة أن سليمان نظر إلى نفسه وأعجب بذاته وبما عمله ولم ينظر لله ويشكره، وهذه نفس سقطة نبوخذ نصر الملك (دا 30:4،31). وكما زال الملك عن نبوخذ نصر لتأديبه هكذا تعب سليمان وفارقه سلامه. لقد بني هيكلاً للرب ولكن ما كان ينقص سليمان أن يبني للرب بيتاً في قلبه، وهذا يكون بحفظ الوصايا (يو23:14) فمن يحفظ الوصايا يصنع الله عنده منزلاً وهيكلاً ووجود الهيكل داخلنا كان سيكون سبب فرح لا ينطق به ولكن كان خطأ سليمان أنه ظن في المجد الزمني سبباً للفرح ففشل. وليس العيب في المقتنيات أو الغني بل في فساد الإرادة حين يتحول الغني أو تتحول المقتنيات إلى هدف. سيدة وسيدات= قد يكون المقصود سيدات كثيرات أو أن السيدة هي بنت فرعون أول زوجة له ثم أضاف سيدات كثيرات الذين كانوا قبلي في أورشليم= ربما داود أو من كانوا رؤساء على يهوذا في زمن القضاة. لم أمنع قلبي من كل فرح= وهذا خطأ كثيرين حينما يشعرون بالضيق يظنون أن فرحهم سيكمل لو حققوا كذا أو كذا من الأفراح العالمية (سينما / تليفزيون.. بل هناك من يلجأ للخمر أو للمخدرات) ولكن لا شئ من هذا يمنع الضيق. والسلام الحقيقي لا يأتي سوى من ملك السلام “سلامي أعطيكم ليس كما يعطي العالم أعطيكم” أما مباهج العالم فتنسينا مشاكلنا إلى لحظات كمخدر موضعي ولكنه لا يحل المشكلة. أما المسيح فيعطينا السلام الحقيقي بأن يحل بنفسه في النفس ويشبعها ويهبها سلاماً. لذلك فلنستعمل العالم باعتدال ناظرين للمسيح حافظين وصاياه فنمتلئ سلاماً. ولاحظ أن سليمان وسط هذا كله إهتم بأن يكون عقله صاحياً راجحاً ليستطيع أن يحكم، فهو لم ينجرف بجنون وراء شهواته= وبقيت أيضاً حكمتي معي= وهذا يحسب له. ولكن ليحذر كل إنسان أن يعمل مثل سليمان فهل يضمن أن تكون له حكمة سليمان بل أن سليمان مع كل حكمته إنجرف إلى عبادة الأوثان في أواخره.
آية (12): “ثم التفت لأنظر الحكمة والحماقة والجهل فما الإنسان الذي يأتي وراء الملك الذي قد نصبوه منذ زمان.”
فما الإنسان الذي يأتي وراء الملك= يبدو أن هذا كان مثلاً شائعاً بمعنى هل يأتي بعد سليمان من يكون أحكم منه أو أغنى منه أو أسعد منه، فسليمان في كل هذا كان مضرباً للأمثال. وسليمان هنا يوجه نصيحة لكل إنسان يريد أن يختبر طرق اللذات الدنيوية من نساء وغني و.. .. الخ ويقول له يا ابني لن تتمكن من أن تجرب كل ما جربته أنت فمن يستطيع أن يتزوج 1000سيدة ويقول له سليمان بالرغم من كل ما جربت وإمتلكت فأنا أعطيك خبرتي “الكل باطل” لقد جرَّب سليمان كل الملذات العقلية والشهوانية كملك ذو سلطان يفعل ولا يرده أحد، وكل من يأتي بعده لن يستطيع أن يحصل إلا على النذر اليسير من هذه المتع. الذي قد نصبوه منذ زمان= أي مدة تمتعه كانت أيضاً طويلة.
الآيات (13-19): “فرأيت أن للحكمة منفعة اكثر من الجهل كما أن للنور منفعة اكثر من الظلمة. الحكيم عيناه في رأسه أما الجاهل فيسلك في الظلام وعرفت أنا أيضاً أن حادثة واحدة تحدث لكليهما. فقلت في قلبي كما يحدث للجاهل كذلك يحدث أيضاً لي أنا وإذ ذاك فلماذا أنا أوفر حكمة فقلت في قلبي هذا أيضا باطل. لأنه ليس ذكر للحكيم ولا للجاهل إلى الأبد كما منذ زمان كذا الأيام الآتية الكل ينسى وكيف يموت الحكيم كالجاهل. فكرهت الحياة لأنه رديء عندي العمل الذي عمل تحت الشمس لأن الكل باطل وقبض الريح. فكرهت كل تعبي الذي تعبت فيه تحت الشمس حيث اتركه للإنسان الذي يكون بعدي. ومن يعلم هل يكون حكيماً أو جاهلاً ويستولي على كل تعبي الذي تعبت فيه وأظهرت فيه حكمتي تحت الشمس هذا أيضاً باطل.”
في الآية السابقة نراه يقول أنه ينظر الحكمة والحماقة والجهل= والمقصود بالحكمة اللذات العقلية وزيادة العلوم والمعارف. والمقصود بالحماقة أي اللذات الشهوانية الحسية أي شهوات البطن والجسد والجهل هو عدم إدراك أي علوم أو معارف أي هو ضد الحكمة. وسليمان هنا نراه يقارن بين هذا كله بعد أن اختبر اللذات العقلية والحسية وحتى لا يظن أحد أن سليمان يدعو للجهل يقول أن المسافة بين العلم والجهل هي المسافة بين النور والظلمة، فهو ليس ضد العلوم ولا يدعو لبطلانها ولا يدعو للجهل. بل في نظره أنه لا مقارنة بين ملذات الحكمة وبين ملذات الخمر فهو يسمى الملذات الحسية حماقة. والمسافة بين الحكمة والحماقة أيضاً هي المسافة بين النور والظلمة. ومع هذا فهو رأى أن اللذات العقلية لا تكفي لإسعاد الناس وحدها. ومع هذا شبه الحكمة والعلوم بالنور فالحكمة تكبح جماح الجسد وطلبه للذات البهيمية. والعكس فالشهوات البهيمية تظلم العقل. ولنفهم أنه هنا يتكلم عن الحكمة الطبيعية والخبرات البشرية والعلوم والمعارف واللذات العقلانية ولكن شتان الفارق بين هذه اللذات العقلانية وبين السيد المسيح أقنوم الحكمة السماوي المشبع لنفوسنا وعقولنا وأرواحنا، هو وحده القادر على أن يعطينا الشبع، وإذا كانت الحكمة الإنسانية تعطي إستنارة فكم وكم الحكمة الإلهية حين يكون المسيح فينا سر إستنارة، وهذه تعطي تفسير للآية (14) الحكيم عيناه في رأسه= فإذا كان المسيح هو رأس الجسد، فالحكيم هو من له المسيح رأساً لجسده وعيناه في رأسه أي في السيد المسيح ومثل هذا يرتفع قلبه إلى السماء. وهذا معنى ما قاله القديس يوحنا “فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس” فالمسيح هو الحياة الأبدية التي حصلنا عليها وبه وهو النور نعاين النور. وهذا معنى (كو2:2،3). ونحصل على هذا ببساطة بدراستنا للكتاب المقدس. ولكن كلام سليمان المباشر في هذه الآية هو عن الحكمة الإنسانية التي تعطي إستنارة وميزة للحكيم عن الجاهل. ولذلك لم تعط هذه الحكمة راحة لسليمان إذ تأمل في مصير كل من الحكيم والجاهل فوجد أن نهايتهما واحدة وهي الموت= حادثة واحدة تحدث لكليهما= ونجد هنا نغمة اليأس والسبب أنه يفكر بعيني حكمته البشرية اللتين في رأسه البشرية. أما من يفكر بعينيه اللتين في المسيح فيكون له نظرته السماوية ويعلم أنه مكلف بعمل ما فالله قد خلقنا لأعمال صالحة سبق فأعدها لنسلك فيها (أف10:2) والله خلقنا لننفذ خطة معينة إلهية وحين ننتهي من عملنا على الأرض ندخل إلى الراحة السماوية. ومن يكتشف ما هو مكلف به ويعمله بأمانة هذا سيفرح وسيجد سعادته. وقارن مع قول بولس الرسول “أنا محصور بين الاثنين .. .. لي اشتهاء أن انطلق .. لكن أن أبقى ألزم لأجلكم” فهو هنا يشعر بأنه مكلف بعمل ما يحيا لأجله وهو غير خائف من الموت فهو في المسيح سواء على الأرض أو في السماء (في23:1،24). ولأن سليمان كان يفكر بحكمته البشرية شعر أن الحكيم لن ينتفع شيئاً بل حكمته باطلة بل قال أنها تزيده غماً فالجاهل لا يفكر في شئ ولا يشغل باله شئ. بل الحكيم الذي إزداد علماً وشهرة سيموت وينساه الناس (16) بل كل ما صنعه من مجد وغني وثروة قد يرثهم إبنه الجاهل فيضيعهم (19) وهذا ما حدث فعلاً من رحبعام إبنه. وحينما استغرقته أفكاره هذه السوداوية إزداد غماً وحزناً وقال فكرهت الحياة .. لأنه ردىٌّ عندي العمل الذي عُمِل تحت الشمس لأن الكل باطل نغمة اليأس هذه هي نغمة الحكمة البشرية العاجزة عن أن ترفع الإنسان إلى التمتع بالحياة الأبدية. ولكن الحكمة الإلهية تحملنا فوق الزمن للتطلع في السماويات. الحكمة الإنسانية لا تقدر أن تواجه الموت أو تتحداه وبأقنوم الحكمة الإلهية غلبنا الموت (1كو26:15،54-57) ونرى هنا الحكيم في (16) خائفاً من أنه بعد الموت سينسى الناس إسمه ولكن الإنسان الروحي لا يهتم بأن يذكر أحد اسمه هنا بل يهتم بأن يكتب اسمه في سفر الحياة ولا يمحى (رؤ5:3 + لو20:10) فمن يربط نفسه بعجلة الزمن الذي يدور معها إلى أعلى وإلى أسفل يبقي في تغير مستمر، ثم ينتهي ذكره مع الزمن، أما من يربط حياته بحياة المسيح الأبدي تصير حياته في مصاعد دائمة وينعم بقوة فوق قوة. نعود لسليمان الذي ظن الفرح في ملذات الحياة، هو هنا مازال تائهاً يبحث عن الفرح الحقيقي، هو كالطفل يشتهي لعبة وما أن يلعب بها حتى يسأمها لذلك قال فكرهت كل تعبي= أي أنه لم يجد فيه راحة. بل قال كرهت الحياة= لأنه إنشغل بالعمل وبنفسه فمل وتعب. والمسيح يعلم هذا ويعلم أن راحتنا فيه وحده لذلك قال لنا “تعالوا إلىّ يا جميع المتعبين.. وأنا أريحكم” (مت28:11). العمل الذي عُمِلَ تحت الشمس كل الأمور العالمية كالغني والكرامة والملذات، أما العمل فوق الشمس فهو عمل الملائكة أو من يعمل عملهم الروحي من تسبيح وصلاة وكل عمل لمجد الله، هدفه مجد الله. وملاحظة أخيرة على آية (19) فسليمان يحزنه أن يترك ثروته لابن جاهل يضيعها وهذا يصدق على الثروات العالمية أما من يترك لأولاده بركات روحية يورثهم بركة مثل الركابيين (أر35) ومن يملك ثروة يعيش في قلق لا يعرف ما سيحدث في المستقبل أو ما سيفعله وَرَثَتَهُ بما تركه فيعيش أيامه في هم وحزن بل في الليل لا يستريح قلبه (آية23). أما من إنشغل بالمسيح اللؤلؤة الكثيرة الثمن فلا يخشى من المجهول ولا المستقبل، يقول لي الحياة هي المسيح والموت هو ربح. وأن عمل يعمل أعمالاً صالحة يعلم أنه مخلوق ليؤديها (أف10:2). وأما الذي يعيش وهدفه العالم يدخل في حالة اليأس لا شعورياً ويكره حياته وعمله ويراه بلا قيمة، يجمع ثماراً تقع في قبضة آخر.
آية (20): “فتحولت لكي اجعل قلبي ييئس من كل التعب الذي تعبت فيه تحت الشمس.”
من يرتبط بالحكمة الزمنية يعاني من اليأس والبؤس، ومن يرتبط بالحكمة الإلهية ينعم بالرجاء السماوي المفرح. ويعمل لأن الله يريده أن يعمل فلا يتعب من عمله لا الدنيوي ولا الروحي.
آية (21): “لأنه قد يكون إنسان تعبه بالحكمة والمعرفة وبالفلاح فيتركه نصيباً لإنسان لم يتعب فيه هذا أيضاً باطل وشر عظيم.”
ربما يشير لابنه رحبعام الذي كان يشعر أنه بلا حكمة. باطل وشر عظيم= لأنه يفكر بنفسه ويطلب أن يخطط مستقبله بنفسه.
الآيات (22،23): “لأنه ماذا للإنسان من كل تعبه ومن اجتهاد قلبه الذي تعب فيه تحت الشمس. لأن كل أيامه أحزان وعمله غم أيضاً بالليل لا يستريح قلبه هذا أيضاً باطل هو.”
تصور حالة اليأس لمن يفكر ويعمل بالانفصال عن الله.
الآيات (24-26): “ليس للإنسان خير من أن يأكل ويشرب ويري نفسه خيراً في تعبه رأيت هذا أيضاً انه من يد الله. لأنه من يأكل ومن يلتذ غيري. لأنه يؤتي الإنسان الصالح قدامه حكمة ومعرفة وفرحاً أما الخاطئ فيعطيه شغل الجمع والتكويم ليعطي للصالح قدام الله هذا أيضا باطل وقبض الريح.”
لئلا يُظن أن الجامعة يدفعنا نحو اليأس أو أنه يشوه صورة العالم والجسد اللذين خلقهما الله من أجلنا نجده يقدم هنا نصيحة عملية لكل واحد، وهي أن نقبل الظروف التي نعيش فيها وأن نتمتع بالحياة قدر المستطاع متطلعين إلى كل شئ حتى الأكل والشرب والقدرة على العمل والتعب كعطية إلهية، بكون الله قد وهبنا هذه الحياة وهو الذي خطط لها كما هي عليه= ورأيت هذا أيضاً أنه من يد الله. والمنطق الذي نراه هنا ليس للإنسان خيرٌ من أن يأكل ويشرب ويُرى (يذيق) نفسه خيرا ًفي تعبه هو نفس منطق بولس الرسول في (1تي3:4-5) الذي أكمل الصورة بأن نأكل ونشرب مع الشكر لله على ما أعطانا. وهذا ما يؤكد أن الخليقة صالحة وأما بطلانها فيتوقف على نظرتنا لها. أما لو شكرنا الله وكنا نحيا شاكرين الله على كل ما أعطانا (طعام/ شراب/ عمل/ صحة) لن نشعر أن الحياة باطلة، بل سنعمل بفرح ولذة، سنتلذذ بالله الذي يعمل معنا. ولن يشعر بهذا سوى الإنسان الصالح= لأنه يؤتي الإنسان الصالح قدامه حكمة ومعرفة وفرحاً والصالح هو من يحفظ الوصايا ويعبد الله ويحبه، ويحبه الناس. وقوله في تعبه (24) هي دعوة لكل إنسان أن يعمل بجدية ويتعب فلا نتخذ العبادة حجة للبطالة والهرب.
وآية (25) يترجمها البعض “إذ كيف نستلذ بغيره” والترجمتين متكاملتين. فمن يعمل بخوف الله سيتلذذ بالله، ولا فرح حقيقي بغير بركة الله. والصالح الذي يعمل في خوف الله سيعطيه الله أن يتذوق لذة محبته وعطاياه، بل سيعطيه مع الأكل والشرب حكمة ومعرفة وفرحاً (26). أما الخاطئ فيعطيه شغل التكويم= هنا نرى أن الشرير يكد ويعمل بعرق جبينه، وهو في هم من ناحية عمله نجده خائفاً من المستقبل فيكنز ويكنز ويكوم المال متصوراً أن المال سيحميه من شرور المستقبل، هو يخزن حارماً نفسه من أن يتمتع بما أعطاه له الله، يحيا بلا فرح وبلا شكر بل يحيا في هم وقلق، بل سوف يذهب ما يكنزه لإنسان صالح= ليعطي للصالح= وهكذا ترك الكنعانيون الأشرار الأرض لشعب الله فالشرير يضيع أجره الأرضي وأجره السمائي. والجامعة يرى أن الأشرار حين يكومون المال ويحيون في خوف ثم يضيع منهم ما كنزوه، أن هذا باطل. هذا باطل إذ لا بركة فيما يعملون أو يكنزون.
سفر الجامعة: 1 – 2 – 3 – 4 – 5 – 6 – 7 – 8 – 9 – 10 – 11 – 12
تفسير سفر الجامعة: مقدمة – 1 – 2 – 3 – 4 – 5 – 6 – 7 – 8 – 9 – 10 – 11 – 12