تفسير المزمور 24 للقديس أغسطينوس

عظة في المزمور الثالث والعشرين
(بحسب السبعينية)
صعود المسيح

يُرنّم النبي هنا غلبة يسوع المسيح، ويراه صاعدًا إلى السماء، ومسيطرا على القوى الشيطانية التي ادّعت الكرامات الإلهية.

مزمور لداود، لغداة السبت 

1 – مزمور لداود في القيامة المجيدة التي حدثت فجر اليوم الأوّل بعد السبت، وهو اليوم الذي ندعوه منذئذ يوم الأحد، أو يوم الربّ. 

2-« للربّ الأرضُ، وملؤها المسكونة والساكنون فيها» (24: 1)؛ لأن مجده مُعلَنٌ في كلّ مكان لكي تؤمن به الأمم، ولأنّ كنيسته تعانق المسكونة كلّها «على البحار أسسها » (24: 2). رسخ بنيان كنيسته على أمواج الدهر التي عليها أن تُطيعه، ولا تؤذيه أبداً. ورفعها فوق الأنهار كالأنهار التي تصب في البحر، هكذا ينسكب الإنسان العطشان في العالم؛ لكنّ الكنيسة تُسيطر عليها، وتطرد بالنعمة الشهوات الدنيوية، وتتهيّا بالمحبة للمجد الذي لا يزول.

3 – «من يصعد إلى جبل الربّ؟» (24: 3). من يستطيع أن يبلغ قمم البر الإلهي؟ أو من يقوم في موضع قُدسِه؟» وبعد أن يصعد إلى القدس المؤسس على البحار والمرفوع فوق الأنهار، من ذا يستطيع أن يُقيم فيه؟

4- «النقي الكفّين والطاهر القلب» (24: 4) من تراه يستطيع أن يبلغ تلك الأعالي ويثبت فيها غير الإنسان ذي الأعمال البارة والقلب النقي؟ «الذي لم يحمل نفسَه إلى الباطل»، أي الذي لم يدع نفسه تتعلّق بكل ما هو فان، ولافتخاره بخلودِها يحثّها على ابتغاء الأبدية التي لا تحول ولا تزول. ولم يحلف بالغش، أي لا يتحايل على إخوته، بل يُعاملهم بالبساطة والحق لكلّ ما هو أبدي.

5- «إنّه ينال بركة الربّ ورحمةً من الإله مخلّصه» (24: 5).

6- «ذاك هو جيل طالبي الربّ» (24: 6). هكذا يولد جميع الذين يطلبونه «ويلتمسون وجه إله يعقوب» «سلاه». يطلبون وجه ذاك الإله نفسه الذي أعطى الأولوية للأخ الأصغر.

7- «إفتحوا الأبواب أنتم أيها الرؤساء» (24: 7)، أنتم الذين تطلبون السيادة على الناس إخلعوا أبواب الخوف والرذيلة التي أقمتموها ، لئلا تنزل بكم سوءًا. إرتفعي أيّتها الأبواب الدهرية» (24: 7)، يا أبواب الحياة الأبدية يا أبواب الكفر بالعالم والتوبة إلى الله . فيدخل ملك المجد». إذ ذاك يدخل ذلك الملك الذي نستطيع أن نفاخر به بلا كبرياء ؛ الذي حطّم أبواب الموت، وشرّع لنفسه أبواب السماء، متمما بذلك ما قاله : تهللوا، إنّى غلبت العالم (يو 16: 33)

8- «من هذا ملك المجد ؟» (24: 8) تسأل الطبيعة البشرية بذهول : «من هذا ملك المجد»؟ – هو الربّ العزيز الجبار الذي اعتقدتم أنه ضعيفٌ ومنهزم الربّ الجبار في القتال». ألمسوا جراحه تجدوها ،اندملت، والسقم البشري صار إلى الخلود. لقد اكتمل مجد الربّ الذي سطع على الأرض بعد أن حارب الموت.

9 «إفتحوا أبوابكم أيها الرؤساء» (24: 9)، فيتسنى لنا أن نمضي من هنا إلى السماء. وليصدح مجددًا بوق النبي. «إرفعوا، يا رؤساء السموات، تلك الأبواب التي منها تدخلون إلى نفوس الذين يسجدون لجند السماء» (الملوك الرابع 17: 16)؛ «إرتفعي أيتها الأبواب الدهرية»، يا أبواب البرّ الأبدي يا أبواب المحبة والعفّة التي بها تتصل نفوسنا بالإله الحق الواحد وبه تتحد، وتمتنع عن تقديم عبادة زانية لكثيرين آخرين يُدعون آلهة. «فيدخل ملك المجد». سيدخل ملك المجد هذا ويجلس عن يمين ابيه ليشفع فينا (رو 8: 34) .

10- «من هذا ملك المجد ؟ » (24: 10). ماذا، إذًا؟ أتعجب أنت أيضًا وتسأل يا رئيس سلطان الهواء من هذا ملك المجد؟ – «ربّ الجنود هو ملك المجد». لقد قام ذاك الذي حاولت أن تُجربه ذات يوم. ها هو يدوس رأسك، ويرتفع فوق الملائكة ذاك الذي جربه الملاك الساقط. فلا يحتالنّ علينا بعد اليوم أحد، ولا يُعيقن طريقنا، ساعيًا إلى دفعنا لكي نسجد له كإله فلا ملائكة ولا رئاسات ولا قوّات تقدر أن تفصلنا عن محبّة المسيح (رو 8: 39). «الإعتصام بالرب خير من الاتكال على الرؤساء» (مز 117: 9)، حتّى إذا أراد أحد أن يفتخر، فليفتخر بالربّ فقط (1كو 1: 31). صحيح أن أرواح الهواء هي جنود في مفاهيم هذا العالم، غير أنّ «ربّ الجنود هو ملك المجد».

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى