تفسير سفر حزقيال ١٠ للقس أنطونيوس فكري

الإصحاح العاشر

تكلمنا فى الإصحاح الثامن عن التطهير، فالإبن الكلمة النارى يظهر لحزقيال ليطهره فيحمله الروح. وفى الإصحاح التاسع نرى الكلمة الإبن كشفيع يخلص شعبه. ولو تأملنا معظم نبوات حزقيال سنراها تحدثنا عن الخراب الآتى على أورشليم بسبب خطاياها، والله يضرب ليطهر حز 24 : 11. الضربات الآتية ستهلك من لا رجاء فيه، ولكنها ستطهر الباقين، فالله لا يطفئ فتيلة مدخنة و الآيات هنا (1 – 8) تحدثنا عن الضربات الآتية وحريق أورشليم بنار بتدبير الملائكة الكاروبيم، وذلك لتطهير أورشليم، ولكن صيغت هذه الآيات لتظهر عمل التطهير الحقيقى المزمع أن يصنعه الإبن الكلمة بتجسده وألامه. وهذا الإصحاح شبيه تماماً بالإصحاح الأول فلن نكرر مرة أخرى ولكن نستعرض الفروق، وطالما هناك فروق فلابد أن الله يريد أن نلاحظها، فهى تخبرنا بشئ.

 

الآيات 1 – 8 :-

ثم نظرت و اذا على المقبب الذي على راس الكروبيم شيء كحجر العقيق الازرق كمنظر شبه عرش. و كلم الرجل اللابس الكتان و قال ادخل بين البكرات تحت الكروب و املا حفنتيك جمر نار من بين الكروبيم و ذرها على المدينة فدخل قدام عيني. و الكروبيم واقفون عن يمين البيت حين دخل الرجل و السحابة ملات الدار الداخلية. فارتفع مجد الرب عن الكروب الى عتبة البيت فامتلا البيت من السحابة و امتلات الدار من لمعان مجد الرب. و سمع صوت اجنحة الكروبيم الى الدار الخارجية كصوت الله القدير اذا تكلم. و كان لما امر الرجل اللابس الكتان قائلا خذ نارا من بين البكرات من بين الكروبيم انه دخل و وقف بجانب البكرة. و مد كروب يده من بين الكروبيم الى النار التي بين الكروبيم فرفع منها و وضعها في حفنتي اللابس الكتان فاخذها و خرج. فظهر في الكروبيم شبه يد انسان من تحت اجنحتها.

وإذا على المقبب الذى على رأس الكروبيم =  هنا يذكر صراحة إسم المخلوقات الحية وأنها هى الملائكة الكروبيم. وفى هذه الآيات نرى نبوة عن الألام التى ستقع على أورشليم وهى كنار. ولاحظ إملأ حفنتيك جمر نار.. وذرها على المدينة = هذا يقال للرجل اللابس الكتان. فما معنى هذا وهو المحامى والشفيع ؟ علينا الآ ننسى أنه أيضاً هو الديان والقاضى. وذر النار إشارة لحريق المدينة بيد بابل. ولقد تم هذا فعلاً سنة 586 ق م. ونلاحظ أن الخطية الأساسية التى يعاقب الله عليها هنا هى العبادة الوثنية (راجع إصحاح 8). ولقد أتى التطهير بثماره فعلاً فاليهود بعد عودتهم من السبى لم يعودوا أبداً للعبادة الوثنية بل تطهروا منها تماماً. وكان هذا التطهير بحسب التدبير الإلهى = ادخل بين البكرات = فالبكرات هى إشارة لتدبير الله الذى ينفذ على الأرض. ولاحظ غضب الكاروبيم من رجاسات أورشليم، فهم واقفون عن يمين البيت = أى ناحية الجنوب فناحية الشمال بها تمثال الغيرة 8 : 3. وإبتعادهم عنه علامة إحتجاج على ما يحدث. فإرتفع مجد الرب عن الكروب إلى عتبة البيت = هنا نرى الله يبدأ فى مغادرة هيكله إعلاناً عن قداسته ورفضه للخطايا التى تحدث فى بيته، فلا شركة للنور مع الظلمة 2كو 6 : 14. ولاحظ مدى الخسارة التى سيخسرها هذا الشعب فلقد صاحب رؤية حزقيال لمجد الله سحابة ملأت البيت و لمعان مجد الله لقد كان الله بمجده وسط هذا الشعب وهم لا يدرون. والسحاب حتى يحجب عن النبى مالا يستطيع النبى أن يراه من مجد الرب وإلا يموت، ولاحظ أن الدار إمتلأت لمعاناً من مجد الرب كما لمع وجه موسى حين رأى مجد الله. ونحن حين نخلع هذا الجسد ونلبس النورانى سنرى الله وجهاً لوجه، فيكون لنا هذا الجسد الممجد اللامع. إذاً هذه النار التى سيذرها لابس الكتان على المدينة هى جيش بابل، الذى سيأتى بتدبير الله كنار مطهرة على أورشليم. ولكن هذه الآيات تنظر أيضاً للتطهير الذى سيصنعه المسيح بدمه، إذ يتجسد وبتجسده يدخل المسيح فى تدبير الله الذى ينفذ على الأرض = ادخل بين البكرات = كان تجسد المسيح بحسب خطة الله الأزلية، والإبن اللازمنى صار زمنياً، وأصبح له بداية زمنية إذ ولد من العذراء تحت الناموس غل 4 : 4 بل صار فى تجسده = تحت الكاروب وهذه تساوى “وضعته قليلاً عن الملائكة عب 2 : 7 فدخل قدام عينى = إشارة لأن المسيح سيصير ظاهراً للبشر بتجسده

وإذا فهمنا أن البكرات تشير أيضاً للعهدين (القديم والجديد)، فيكون دخول الإبن الكلمة بين البكرات هو تطبيق لأن المسيح هو روح النبوة وهو محور العهدين (رؤ 19 : 10). وطريقة التطهير التى إتبعها المسيح هى فدائه على الصليب، وألام الصليب كانت كنار مذبح المحرقة التى تحرق الذبيحة وألام المسيح تم التعبير عنها هكذا. ومد كروب يده من بين الكروبيم إلى النار.. فرفع منها ووضعها فى حفنتى اللابس الكتان. الحفنتين هما يديه، وهذا إشارة لجسده، الذى إحترق بنار ألام الصليب. وكون أن الكروبيم هم الذين يضعون النار فى حفنتيه، فهذا كما فهمنا أن الكروبيم يسيطرون على البكرات، أى يسهرون على تنفيذ خطة الله الأزلية. فتدبير الصليب لم يكن إلا لأن الله يريد هذا، ولذلك نسمع أن الله كان يضحك مز 2 : 4 فالشيطان كان يدبر ويهيج الجموع ورؤساء الكهنة، ولم يكن يدرى أنه إنما ينفذ ما يريده الله تماماً، بل أن بما ينفذه سيهلك هو به. والعجيب أن نسمع فظهر فى الكروبيم شبه يد إنسان من تحت أجنحتهاÅ = يد الإنسان هى يد المسيح الذى يحمل الكل. ولكن هذه الآية فيها إشارة لأن المسيح أو الإبن الكلمة وهو ضابط الكل، كان يخطط لما يحدث ويحرك الملائكة، فهو لم يكن مجبراً على الصليب، بل هو الذى قال عن نفسه “لى سلطان أن أضعها” يو 10 : 18. فهو بسلطانههذا كان يحرك الملائكة. وطريقة التطهير للبشر ستكون بأن يرسل المسيح بعد فدائه الروح القدس الذى نولد به من جديد ويعطينا أن نثبت فى المسيح فنطهر ونخلص كخليقة جديدة 2كو 5 : 17. وهذا تم التعبير عنه فى آية 2 إملأ حفنتيك جمر نار من بين الكروبيم وذرها على المدينة = فالنار هنا هى إشارة للروح القدس الذى حل بهيئة ألسنة نارية. وهو نار إحراق وتطهير أش 4 : 4. وحينما يتطهر البيت أى الكنيسة جسد المسيح نسمع أن الكروبيم واقفون عن يمين البيت = اليمين إشارة للقوة، فالكاروبيم يساندون جسد المسيح أى الكنيسة بقوة. بل أن المسيح يملأ كنيستة مجداً. إمتلأت الدار من لمعان مجد الرب. وقارن مع زك 2 : 5 “أكون فى وسطها مجداً” ولكن مجد المسيح محتجب لا نراه وهذا معنى وجود السحابة. ونسمع فى أش 6 : 5 – 7 عن الجمرة المأخوذة من على المذبح لتطهر النبى، وهذه إشارة لجسد المسيح ودمه فى سر الإفخارستيا الذى يعطى لغفران الخطايا. ولاحظ صوت الملائكة أنه وصل للدار الخارجية = فى هذا إشارة لأن الكرازة بالمسيح وصلت للأمم، عن طريق الرسل بمساعدة الكروبيم. وهنا صوت الملائكة هو تعبير عن فرحتهم بالكنيسة وبالفداء والخلاص رؤ 5 : 9 أما فى التفسير الأول الذى يحدثنا عن حريق أورشليم لتطهيرها فيكون صوتهم تعبير عن ما سيحدث من أحكام مرعبة ضد أورشليم. وفى كلا التفسيرين فصوتهم إنما هو تعبير عن إعطائهم المجد لله فى كل ما يعمله وقارن آية 2 مع آية 7. فآية 2 نسمع فيها إملأ حفنتيك جمر نار وفى آية 2 هذه فالإبن الكلمة هو الذى يملأ يده ليذر لأنها تتكلم عن إرسال الروح القدس، وهذا لا دخلللملائكة به. أما فى آية 7 فالنار يعطيها الكروب للإبن الكلمة، وهذه ليست عن الروح القدس بل عن الألام التى سيقبلها الإبن المتجسد.

 

الآيات 9 – 22 :-

و نظرت و اذا اربع بكرات بجانب الكروبيم بكرة واحدة بجانب الكروب الواحد و بكرة اخرى بجانب الكروب الاخر و منظر البكرات كشبه حجر الزبرجد. و منظرهن شكل واحد للاربع كانه كان بكرة وسط بكرة. لما سارت سارت على جوانبها الاربع لم تدر عند سيرها بل الى الموضع الذي توجه اليه الراس ذهبت وراءه لم تدر عند سيرها. و كل جسمها و ظهورها و ايديها و اجنحتها و البكرات ملانة عيونا حواليها لبكراتها الاربع. اما البكرات فنودي اليها في سماعي يا بكرة. و لكل واحد اربعة اوجه الوجه الاول وجه كروب و الوجه الثاني وجه انسان و الثالث وجه اسد و الرابع وجه نسر. ثم صعد الكروبيم هذا هو الحيوان الذي رايته عند نهر خابور. و عند سير الكروبيم سارت البكرات بجانبها و عند رفع الكروبيم اجنحتها للارتفاع عن الارض لم تدر البكرات ايضا عن جانبها. عند وقوفها وقفت هذه و عند ارتفاعها ارتفعت معها لان فيها روح الحيوان. و خرج مجد الرب من على عتبة البيت و وقف على الكروبيم. فرفعت الكروبيم اجنحتها و صعدت عن الارض قدام عيني عند خروجها كانت البكرات معها و وقفت عند مدخل باب بيت الرب الشرقي و مجد اله اسرائيل عليها من فوق. هذا هو الحيوان الذي رايته تحت اله اسرائيل عند نهر خابور و علمت انها هي الكروبيم. لكل واحد اربعة اوجه و لكل واحد اربعة اجنحة و شبه ايدي انسان تحت اجنحتها. و شكل وجوهها هو شكل الوجوه التي رايتها عند نهر خابور مناظرها و ذواتها كل واحد يسير الى جهة وجهه

أما البكرات فنودى إليها سماعى يابكرة = مع أنها بكرات متعددة أى أحكام مختلفة، قد تدعو البشر للإرتباك وعدم الفهم، إلا أن تدبير الله يكون فى تناسق وتناغم ووحده تعمل معاً وفق خطة أزلية واحدة = يا بكرة.. لتحقيق هدف الله الذى هو حياة للأبرار الذين يستحقون ذلك، لذلك رأينا فى الإصحاح الأول البكرات كشبه الزبرجد (اللون الأخضر هو لون الحياة) وهنا نجد خلاف فى وجه أحد الكروبيم عن الإصحاح الأول، فهنا إستبدل وجه الثور بوجه كروب. والسبب أن الثور يرمز لعمل الذبيحة الكفارى وغفران الخطية، أما الأن فقد صدر حكم الله بالخراب، ولن تقبل ذبائح ولم يقبل الله شفاعة النبى، فقد أغلق الله الباب وهو “إذا أغلق لا أحد يفتح رؤ 3 : 7”. وهذا معنى ما جاء فى سفر الرؤيا 15 : 8. وظهر بدلاً من وجه الثور وجه كروب. لأن الكروبيم كانوا مكلفين بتنفيذ أحكام الله ضد أورشليم كما رأينا فى حز 9 : 2. فالله يستخدم الملائكة فى العالم السفلى بأكثر مما نتصور. فكل بكرة لها كاروب، أليست هى أرواح خادمة للعتيدين أن يرثوا الخلاص عب 1 : 14. فالأحداث لا يتم تدبيرها بعجلة الحظ العمياء، بل ببكرات التدبير الإلهى المملوءة عيوناً. ولاحظ أن الملائكة خاضعة للمسيح رأس الخليقة = إلى الموضع الذى توجه إليه الرأس ذهبت وراءه، وهذا يناظر ما ذكر فى 10 : 8

 

زر الذهاب إلى الأعلى