تفسير سفر حزقيال ١٢ للقس أنطونيوس فكري

الإصحاح الثانى عشر

الآيات 1 – 16 :-

و كان الي كلام الرب قائلا. يا ابن ادم انت ساكن في وسط بيت متمرد الذين لهم اعين لينظروا و لا ينظرون لهم اذان ليسمعوا و لا يسمعون لانهم بيت متمرد. و انت يا ابن ادم فهيئ لنفسك اهبة جلاء و ارتحل قدام عيونهم نهارا و ارتحل من مكانك الى مكان اخر قدام عيونهم لعلهم ينظرون انهم بيت متمرد. فتخرج اهبتك كاهبة الجلاء قدام عيونهم نهارا و انت تخرج مساء قدام عيونهم كالخارجين الى الجلاء. و انقب لنفسك في الحائط قدام عيونهم و اخرجها منه. و احمل على كتفك قدام عيونهم في العتمة تخرجها تغطي وجهك فلا ترى الارض لاني جعلتك اية لبيت اسرائيل. ففعلت هكذا كما امرت فاخرجت اهبتي كاهبة الجلاء نهارا و في المساء نقبت لنفسي في الحائط بيدي و اخرجت في العتمة و حملت على كتفي قدام عيونهم. و في الصباح كانت الي كلمة الرب قائلة. يا ابن ادم الم يقل لك بيت اسرائيل البيت المتمرد ماذا تصنع. قل لهم هكذا قال السيد الرب هذا الوحي هو الرئيس في اورشليم و كل بيت اسرائيل و الذين هم في وسطهم. قل انا اية لكم كما صنعت هكذا يصنع بهم الى الجلاء الى السبي يذهبون. و الرئيس الذي في وسطهم يحمل على الكتف في العتمة و يخرج ينقبون في الحائط ليخرجوا منه يغطي وجهه لكيلا ينظر الارض بعينيه. و ابسط شبكتي عليه فيؤخذ في شركي و اتي به الى بابل الى ارض الكلدانيين و لكن لا يراها و هناك يموت. و اذري في كل ريح جميع الذين حوله لنصره و كل جيوشه و استل السيف وراءهم. فيعلمون اني انا الرب حين ابددهم بين الامم و اذريهم في الاراضي. و ابقي منهم رجالا معدودين من السيف و من الجوع و من الوبا لكي يحدثوا بكل رجاساتهم بين الامم التي ياتون اليها فيعلمون اني انا الرب.

ساكن وسط بيت متمرد = المقصود هنا هم المسبيين، فهم مشابيهن فى تمردهم لمن هم فى أورشليم. والله جعل النبى آية للشعب، أى ما يقوم به هو نموذج لما سوف يحدث. فالله طلب منه أن يحمل أمتعته الشخصية كمن يهجر مكانه، ويكون ذلك نهاراً، رمزاً لهجرة الشعب وسبيه إلى بابل. ثم ينقب ليلاً فى الحائط ويهرب رمزاً لما سيفعله صدقيا ملك يهوذا الشرير إذ نقب السور ليهرب، ولكنه سقط فى يد الله، أو الشرك الذى أعده له الله، أى فى يد ملك بابل فيفقأ عينيه وسيُحمل لبابل، ولكنه لن يراها بعد أن فقأت عينيه. والله يطلب من النبى أن يصنع هذا لأنه يتعامل مع شعب فقد حواسه بسبب الخطية، فإستعان بهذه الحركات التصويرية حتى يصدقوا. وهكذا فعل أغابوس مع بولس الرسول ليقنعه أنه سيتم أسره. وقطعا ستثير تصرفات النبى الشعب فيسألونه عن معنى ما يصنعه فيبدأ يشرح لهم. ولاحظ أن الله يؤكد لمن فى السبى أنهم أفضل حالاً ممن فى أورشليم التى ستخرب، بل أن حتى الملك سيحدث له ما سيحدث. وهذا سيقنعهم بألا يفكروا فى العودة إلى أورشليم. وأبسط شبكتى عليه فيؤخذ فى شركى = هذه الشبكة هم يتصورون أنها شبكة نبوخذ نصر ولكنها شبكة الله. وهناك بقية ستبقى من السيف وتذهب للأمم لكى يحدثوا بكل رجاساتهم = هم سيعترفون بخطاياهم وسيعرفون أن كل ما وقع عليهم كان بعدل وتكون هذه كرازة = فيعلمون أنى أنا الرب

 

الآيات 17 – 20 :-

و كانت الي كلمة الرب قائلة. يا ابن ادم كل خبزك بارتعاش و اشرب ماءك بارتعاد و غم. و قل لشعب الارض هكذا قال السيد الرب على سكان اورشليم في ارض اسرائيل ياكلون خبزهم بالغم و يشربون ماءهم بحيرة لكي تخرب ارضها عن ملئها من ظلم كل الساكنين فيها. و المدن المسكونة تخرب و الارض تقفر فتعلمون اني انا الرب.

أكل الخبز بإرتعاش وشرب الماء بإرتعاد وغم = هذا ما سيحدث لسكان أورشليم أثناء الحصار من رعب مما سوف يحل عليهم، ولكن ذلك نتيجة طبيعية لشرورهم وظلمهم.وكان النبى يصنع هذا بشعور واقعى بعد أن أعطاه الله أن يرى ويحس بنفس الأحاسيس التى سيشعر بها سكان أورشليم، وليس مجرد تمثيلية، لكن الله يريه ما سوف يحدث وهو ينفعل وينفذ بشعور حقيقى. ولكن ما فائدة كل هذه الألام = فتعرفون أنى أنا الرب = بهذه الألام سيتعلمون كيف يعرفون الله بالحقيقة، كم هو قدوس وعادل إذاً هذه الأحزان هى أحزان مفرحة.

 

الآيات 21 – 28 :-

و كان الي كلام الرب قائلا. يا ابن ادم ما هذا المثل الذي لكم على ارض اسرائيل القائل قد طالت الايام و خابت كل رؤيا. لذلك قل لهم هكذا قال السيد الرب ابطل هذا المثل فلا يمثلون به بعد في اسرائيل بل قل لهم قد اقتربت الايام و كلام كل رؤيا. لانه لا تكون بعد رؤيا باطلة و لا عرافة ملقة في وسط بيت اسرائيل. لاني انا الرب اتكلم و الكلمة التي اتكلم بها تكون لا تطول بعد لاني في ايامكم ايها البيت المتمرد اقول الكلمة و اجريها يقول السيد الرب. و كان الي كلام الرب قائلا. يا ابن ادم هوذا بيت اسرائيل قائلون الرؤيا التي هو رائيها هي الى ايام كثيرة و هو متنبئ لازمنة بعيدة. لذلك قل لهم هكذا قال السيد الرب لا يطول بعد شيء من كلامي الكلمة التي تكلمت بها تكون يقول السيد الرب

هنا يقول الله أن هذه الضربات ستأتى سريعاً ولن تتأخر. فهم إستغلوا طول أناة الله، وتصوروا أن الضربات لن تأتى وإن أتت فسيحدث هذا بعد زمن بعيد. وهكذا الشيطان يصور أولاً أن الضربات لن تأتى، ولكن إذا أقتنع الإنسان بأنها آتية، فتكون محاولته الثانية أن يقول.. ولكن ليس الأن بل ستأتى بعد أمد بعيد. وهنا نجد أن الأنبياء الكذبة المنقادين لإبليس قد أشاعوا بعض الأمثال على مستوى شعبى لتشكيك الناس فى النبوات الحقيقية ومنها = قد طالت الأيام وخابت كل رؤيا = أى أن رؤى الأنبياء الحقيقيين مثل أرمياء قد خابت، فلقد إنقضى وقت طويل منذ تنبأ بخراب أورشليم ولم يحدث شئ من هذا. وأيضاً قالوا الرؤيا التى هو رائيها هى إلى أيام كثيرة وهو متنبئ لأزمنة بعيدة= لذلك ينبه الله لا يطول بعد شئ من كلامى. ولنلاحظ أن الله يستعمل وسائل متعددة حتى يوقظهم من حالة الأمان الكاذب واللامبالاة التى هم فيها، ويدفعهم لحالة التوقع بخوف من الأحكام القادمة، فربما دفعهم هذا للتوبة. بل أن الأحكام القادمة التى ستطهر، ستمنع أيضاً الأنبياء والكذبة من مزاولة كذبهم = لا تكون بعد رؤيا باطلة ولا عرافة ملقة فى وسط بيت إسرائيل. وأيضاً فإن تحققت النبوات سيكفون عن أمثالهم الفاسدة = أبطل هذا المثل. ولنلاحظ أن الأمة حين تنحل تستخدم أمثالاً شريرة مثل هذه. ولكن حينما تأتى الأحكام مصدقة لما قاله الأنبياء الحقيقيين سيخجل الجميع، فيخجل الأنبياء الكذبة الذين قالوا المثل، ويخجل الشعب الذى ردد هذا المثل. ولنلاحظ، فإنه ليس عذراً مقبولاً لدى الله أن نردد كلمات أو نعتنق مبادئ فاسدة لمجرد أنها منتشرة. وبالنسبة لنا فلنفتدى الوقت سريعاً ونقدم توبة، فالوقت منذ الأن مقصر فبينما ينام الخطاة فى أمان كاذب فإن النهاية آتية سريعاً ولعنتهم الأخيرة لا تنام.

 

زر الذهاب إلى الأعلى