تفسير سفر حزقيال ١٨ للقس أنطونيوس فكري

الإصحاح الثامن عشر

نجد هنا مثل شرير آخر قاله هؤلاء الأشرار الأباء أكلوا الحصرم وأسنان الأبناء ضرست = أى أن الخراب الذى نحن فيه سببه خطايا أبائنا، فما ذنبنا نحن، إذ أننا لم نخطئ مثلهم. وهذا الكلام فيه إتهام مباشر لله بأنه ظالم. ولاحظ أن الله منذ بداية السفر يقول أن هذا الشعب مستمر فى خطاياه حتى الآن (2 : 3) وهم إستندوا للآية التى تقول “أفتقد ذنوب الأباء فى الأبناء فى الجيل الثالث والرابع من مبغضىَ خر 20 : 5. لكنهم فى مكرهم أخذوا نصف الآية وتركوا كلمة “من مبغضىَ” أى أن ضربات الله ستكون على الأولاد إذا هم إستمروا فى شرور أبائهم، وإستمروا فى بغضهم لله. ولكن نلاحظ أن الله يؤدب الخاطئ بطريقة فردية، ولكن إذا إستمرت الخطية حتى الجيل الثالث والرابع، فهى تصبح كالوباء المنتشر، فحينئذ تكون الضربة عامة وشاملة، لذلك نسمع هنا وفى سفر أرمياء عن ضربة عامة ضد أورشليم ويهوذا ككل لأن الخطية قد تفشت فى وسط الجميع. الله من طول أناته لا يعاقب مباشرة بل يتأنى. وقد يتأنى ثلاثة أو أربع أجيال، فإذا إستمرت البغضة وإنتشرت الخطية تكون الضربة عامة. وفى هذا الإصحاح يركز الله على المسئولية الفردية لكل شخص، ولنا أمثله واضحة فى الكتاب المقدس. فأحاز كان ملكاً شريراً ولكنه أنجب ملكاً قديساً هو حزقيا، ولم يعاقب الله حزقيا بذنب أحاز أبيه، بل بارك الله حزقيا. وحزقيا القديس هذا أنجب منسى أشر ملوك إسرائيل (أى يهوذا التى أصبح يطلق عليها إسم إسرائيل بعد سبى أشور للمملكة الشمالية إسرائيل) وإبن منسى آمون كان شريراً كأبيه، ولكنه أنجب ملكاً باراً هو يوشيا الملك الصالح. وواضح هنا مسئولية كل فرد بالإستقلال عن أبيه. ولكن هذا لا يمنع أن بعض ذنوب الأباء تؤثر على الأبناء، فالأب السكير يضر أولاده. ولكن لا ننسى محاولات الله لدعوة كل إنسان للتوبة، ويكون الإنسان حراً فى أن يستجيب لعمل الروح القدس فيه ويتوب، أو ينجذب من شهوته مقلداً أبيه. والنفس التى تخطئ هى تموت = فموت الجسد هو إنفصال النفس عن الجسد، أما موت النفس فهو إنفصالها عن الله ثم هلاكها أبدياً فى جهنم بعد أن تتحد بجسدها ثانية. ها كل الأنفس هى لى = سيادة الله مطلقة على كل نفس فهو أبو الجميع، وصورته مطبوعة على كل أرواح البشر. فأكيد أن الله يريد الخير لكل نفس ولن يظلم أى أحد، فهو له نفس الأب ونفس الإبن. وليكن ردنا على هذه الآية… يارب نفسى هى لك، فيقول.. يا إبنى أعطنى قلبك ونرد يا أبتاه لك قلبى. ولم يأكل على الجبال = أى لم يشترك فى العبادات الوثنية التى تنتهى بأن يأكل الجميع مما ذبح للأوثان كطقس عبادة وثنى.

ولنلاحظ أن بعض ما يطلبه الله هو إمتناع عن خطايا = لم ينجس إمرأة قريبه والبعض هو أعمال بر إيجابية = بذل خبزه للجوعان. عموماً فالإنسان يخلص بالإمتناع عن الخطايا وبعمل أعمال بر (لذلك فالروح القدس يبكت على خطية وعلى بر، يبكت على خطية لنكف عنها، ويبكت على بر لا نصنعه). أضف لذلك أن نسلك فى فرائضه = أى نكون أمناء مع الله. ولا يظلم إنساناً = أى نكون أمناء مع الناس. وإذا ولد الإنسان البار إبنا معتنفاً = أى عنيفاً فى كسر الوصية وظلم الناس فهذا يموت. ولاحظ الآية الرائعة المعزية هنا والتى تشير لقبول التوبة = فإذا رجع الشرير عن جميع خطاياه التى فعلها وحفظ كل فرائضى، وفعل حقاً وعدلاً فحياة يحيا. لا يموت.. وأنظر أية محبة يحبنا بها الله = هل مسرة أسر بموت الشرير.. ألا برجوعه عن طرقه فيحيا. وإذا إرتد البار يموت. فهناك كثيرون يحيون فى بر ظاهرى لأنه لا توجد لهم فرصة للخطية، ومتى جاءت لهم فرصة للخطية فإنهم يخطئون ويرتدون، وحينئذ لا ينفعهم ما كانوا فيه من بر ظاهرى.

ولاحظ أية وقاحة وصل لها هذا الشعب فهم يقولون عن الله أن طرقه غير مستوية. وأنظر أية بساطة ومحبة من الله فى إجابته، فبدلاً من أن يميت من قال هذا فوراً، نجد الله يرد عليهم فىبساطة قلب متناهية… بل أنتم طرقكم غير مستوية = أى إله هو إلهنا هذا !! إلهنا هو بسيط جداً ومحبة فائضة، ويعجز الإنسان أن يتصور أية محبة قد أحبنا بها الله. ومازال ندائه توبوا وإرجعوا عن كل معاصيكم. وأنظر لقوة التوبة وأعملوا لأنفسكم قلباً جديداً وروحاً جديدة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى