تفسير سفر حزقيال ٢٢ للقس أنطونيوس فكري

الإصحاح الثانى والعشرون

هنا ثلاث رسائل مختلفة الأولى بيان بخطاياهم (1 – 16) ثم مقارنتهم بزغل المعادن الذى يذهب للنار (17 – 22). والكل وجد مدان، ولا يوجد بار واحد منهم ليشفع فيهم (23 – 31)

 

الآيات 1 – 16 :- و كان الي كلام الرب قائلا. و انت يا ابن ادم هل تدين هل تدين مدينة الدماء فعرفها كل رجاساتها. و قل هكذا قال السيد الرب ايتها المدينة السافكة الدم في وسطها لياتي وقتها الصانعة اصناما لنفسها لتتنجس بها. قد اثمت بدمك الذي سفكت و نجست نفسك باصنامك التي عملت و قربت ايامك و بلغت سنيك فلذلك جعلتك عارا للامم و سخرة لجميع الاراضي. القريبة اليك و البعيدة عنك يسخرون منك يا نجسة الاسم يا كثيرة الشغب. هوذا رؤساء اسرائيل كل واحد حسب استطاعته كانوا فيك لاجل سفك الدم. فيك اهانوا ابا و اما في وسطك عاملوا الغريب بالظلم فيك اضطهدوا اليتيم و الارملة. ازدريت اقداسي و نجست سبوتي. كان فيك اناس و شاة لسفك الدم و فيك اكلوا على الجبال في وسطك عملوا رذيلة. فيك كشف الانسان عورة ابيه فيك اذلوا المتنجسة بطمثها. انسان فعل الرجس بامراة قريبه انسان نجس كنته برذيلة انسان اذل فيك اخته بنت ابيه. فيك اخذوا الرشوة لسفك الدم اخذت الربا و المرابحة و سلبت اقرباءك بالظلم و نسيتني يقول السيد الرب. فهانذا قد صفقت بكفي بسبب خطفك الذي خطفت و بسبب دمك الذي كان في وسطك. فهل يثبت قلبك او تقوى يداك في الايام التي فيها اعاملك انا الرب تكلمت و سافعل. و ابددك بين الامم و اذريك في الاراضي و ازيل نجاستك منك. و تتدنسين بنفسك امام عيون الامم و تعلمين اني انا الرب.

سميت أورشليم هنا بالمدينة سافكة الدم ونجسة الإسم عوضاً عن تسميتها المدينة العادلة المقدسة. ومن أبشع خطاياها القتل فهى سافكة الدم فى وسطها = أى فى وسط المدينة حيث الحكام والقضاة. فالظلم تفشى فى السر والعلن وليس من يحكم على الظالم. والرؤساء سفكوا الدم كل واحد حسب إستطاعته آية (6). وهناك من كان يثير إشاعات كاذبة لسفك الدم (9) ومن أخذ رشوة لأجل ذلك (12). وقد يكون هؤلاء من القضاة وليحكموا على البرئ بالقتل من أجل الرشوة. ويجئ بعد ذلك عبادة الأصنام. فمنهم من يصنع أصناماً. ومنهم من يشترك فى الذبح والأكل على المرتفعات. ولقد إزداد فساد طبيعتهم فوصلت خطيتهم إلى إهانة الأب والأم. وظلموا الغريب والضعيف واليتيم والأرملة. ودنسوا السبت والمقدسات وإزدروا بشريعة الله وأعجبوا بالشرائع الوثنية. وفيك كشف الإنسان عورة أبيه = أى أصبحت له إمرأة أبيه 1كو 5 : 1. ومن إعتزلت لطمثها أذلوها ونجسوها. وصنعوا الخطية مع زوجات أبنائهم = كنتهم، ومع أخواتهم فهل لا يعاقب الله على كل هذا. ولكن هناك سبب لكل هذا، أنهم نسوا الرب (12). ينسون أنهم منه، ويعتمدون عليه، وينسون واجباتهم نحوه، وكم أن غضبه مدمر، ولكل هذا عرضها الله لإحتقار جيرانها = جعلتك عاراً للأمم وسخرية لجميع أراضى = أى يسخرون منها. والله يريدها أن تعلم أنه مستاء جداً من ذلك = فها أنذا قد صفقت بكفى بسبب خطفك = الخطف معناه إستيلائهم على ممتلكات الغير. وكيف يصفق الله بكفيه ؟ هو يصفق لكى ينذر قبل أن يضرب، وهو يستعمل أنبيائه للإنذار ولإعلان مقاصده. وهم قد تقسوا وظنوا أنهم يستطيعون مواجهة أحكام الله، لذلك يقول لهم فهل يثبت قلبك أو تقوى يداك = هل تستطيع أن تواجه غضب الله (مز 130 : 3). قد نستطيع أن نصمد أمام البشر، ولكن من يستطيع أن يصمد أمام غضب الله. ولكن من مراحم الله أن ضرباته ليست للإنتقام بل للتطهير = لأزيل نجاستك

 

الآيات 17 – 22 :- و كان الي كلام الرب قائلا. يا ابن ادم قد صار لي بيت اسرائيل زغلا كلهم نحاس و قصدير و حديد و رصاص في وسط كور صاروا زغل فضة. لاجل ذلك هكذا قال السيد الرب من حيث انكم كلكم صرتم زغلا فلذلك هانذا اجمعكم في وسط اورشليم. جمع فضة و نحاس و حديد و رصاص و قصدير الى وسط كور لنفخ النار عليها لسبكها كذلك اجمعكم بغضبي و سخطي و اطرحكم و اسبككم. فاجمعكم و انفخ عليكم في نار غضبي فتسبكون في وسطها. كما تسبك الفضة في وسط الكور كذلك تسبكون في وسطها فتعلمون اني انا الرب سكبت سخطي عليكم.

نفس الأنشودة المأساوية ولكن تعزف هنا بألفاظ أخرى ليكون لها تأثير أكبر، فهو هنا يظهر أن بيت إسرائيل أصبح كالزغل (أو الخبث أى صدأ المعادن) والزغل يجب أن يحرق. هذه المملكة التى كانت ذهباً أيام داود وسليمان، وحينما إنفصلت أيام رحبعام إبن سليمان صارت كذراعان من الفضة (بحسب تسلسل تمثال دانيال ص2) ولكن هذه المملكة قد إنحطت الآن لمعادن وضيعة لا تقارن بما سبق فهى نحاس وقصدير وحديد ورصاص. ويستخدم البعض أنواع المعادن هذه للتدليل على خطاياهم. فالنحاس يشير للوقاحة (كما يقال. لهم وجوه نحاسية أى لا يخجلون). و الحديد يشير للنزعة الوحشية والطبيعة القاسية. والرصاص يدل على غباوتهم وبلههم فالرصاص مع أنه مرن إلا أنه ثقيل، وهم لا يتحركون فى إتجاه الإصلاح. والقصدير يدل على طبيعتهم كمرائين يدعون القداسة ويغطون بمظهريتهم المخادعة إثمهم، وهى مظاهر بلا جوهر حقيقى فعلى. ومع هذا فهذه المعادن لها إستعمالاتها وفوائدها إلا أن شعب إسرائيل صار بلا فائدة، لذلك تم تشبيهه بالزغل، فهم صاروا غير صالحين لشئ إلا لحرقهم. وهم الآن مجتمعين فى أورشليم كمدينة حصينة ليحتموا بها، ولكن الله يخبرهم بأن أورشليم ستتحول لهم كبوتقة أو فرن حتوى يحترق الزغل الذى فيهم، أما المعادن فتذوب وتطهر من الخبث الذى فيها، ثم تخرج المعادن من الفرن نقية. فدائماً هناك بقية ينقيها الله بهذه التجارب = كما تسبك الفضة= إذاً فما زال هناك فضة، والله ينقيها. وما سيشعل هذه البوتقة هو غضب الله. و أنفخ عليكم فى نار غضبى = والنفخ فى النار يصدر صوتاً عظيماً، وهكذا أحكام الله حينما تنفذ على أورشليم.

 

الآيات 23 – 31 :- و كان الي كلام الرب قائلا. يا ابن ادم قل لها انت الارض التي لم تطهر لم يمطر عليها في يوم الغضب. فتنة انبيائها في وسطها كاسد مزمجر يخطف الفريسة اكلوا نفوسا اخذوا الكنز و النفيس اكثروا اراملها في وسطها. كهنتها خالفوا شريعتي و نجسوا اقداسي لم يميزوا بين المقدس و المحلل و لم يعلموا الفرق بين النجس و الطاهر و حجبوا عيونهم عن سبوتي فتدنست في وسطهم. رؤساؤها في وسطها كذئاب خاطفة خطفا لسفك الدم لاهلاك النفوس لاكتساب كسب. و انبياؤها قد طينوا لهم بالطفال رائين باطلا و عارفين لهم كذبا قائلين هكذا قال السيد الرب و الرب لم يتكلم. شعب الارض ظلموا ظلما و غصبوا غصبا و اضطهدوا الفقير و المسكين و ظلموا الغريب بغير الحق. و طلبت من بينهم رجلا يبني جدارا و يقف في الثغر امامي عن الارض لكي لا اخربها فلم اجد. فسكبت سخطي عليهم افنيتهم بنار غضبي جلبت طريقهم على رؤوسهم يقول السيد الرب

هنا يؤكد أن هذا الوباء حل بالجميع، الأنبياء والكهنة والرؤساء والشعب. وهنا يقول أنبيائها وكهنتها ولا يقول أنبيائى وكهنتى وهذا بسبب غضبه عليهم، فلا يريد أن ينسبهم إليه فى شرهم لأنهم رفضوه. أنت كالأرض التى لم تطهر. لم يُمطر عليها =فنجاستها فيها لم تغسل. هى كمدينة لم يغسلها ماء المطر فتنظف. وما هو المطر الذى ينظف  1) قد يشير لضربات الله كما أمطر الله فى الطوفان ليغرق الأرض، وكما أمطر على سدوم وعمورة كبريتاً وناراً تك 19 : 24، وأخرج الرب من الضربات نوح ولوط (البقية)  2) يشير المطر للروح القدس الذى ينسكب على المؤمنين فيطهرهم فيثمرون أش 44 : 3، 4. والمطر يشير للروح القدس فهو أتى من السماء ليروى أرضنا (أجسادنا) والكل أخطأوا. فهناك فتنة أنبيائها = أى مؤامرات الأنبياء الكذبة، فهم غشوا الشعب وقسوا قلبه، وكانت مؤامراتهم هذه ليست ضد الله فقط بل هى كانت ضد الشعب الذى سيهلك بنبواتهم الكاذبة. هذه مؤامرة مع الشيطان الذى هو كأسد يجول يلتمس من يبتلعه = فى وسطها كأسد. وهم أكلوا نفوساً أى تسببوا فى هلاكها بنبواتهم حين قالوا للخطاه سلام سلام فلم يقدموا توبة، فكانت خطيتهم سبباً فى هلاكهم. وهم إلتهموا أموال الشعب كأجر على نبواتهم الكاذبة هذه = أخذوا الكنز والنفيس بل أن من لم يطعمهم ربما تسببوا فى قتله فأكثروا أراملها فى وسطها. أما الكهنة فخالفوا الشرائع والناموس وتعدوا واجباتهم ودنسوا مقدسات الله ولم يعلموا الناس الفرق بين المقدس والمحلل = المقدس هو المحرم أكله على الشعب والمحلل هو ما يأكله الشعب من الذبائح أو المقدس هو ما يأكله الكاهن والمحلل ما هو مسموح لعائلته أن تأكله. وكان رؤسائهم كذئاب خاطفة = أى ينهبون الشعب بالظلم، فهم كانوا قوة بلا عدالة. فهم جبابرة مستبدين يسهل عليهم سفك الدماء وإهلاك النفوس. والأدهى أن الرؤساء إستخدموا الأنبياء الكذبة فهم طينوا لهم بالطفال = أى إدعوا أنهم رأوا رؤى لصالح الرؤساء، أو أنهم رأوا رؤيا بأنه يجب قتل فلان الذى لا يرضى هذا الرئيس أو ذاك. ولكن هذا الحائط الذى أقامه هؤلاء الأنبياء الكذبة لا يثبت طويلاً. بل حتى الشعب، فكان كل من فى يده سلطة أو قوة إستغلها ضد جاره. فالغنى ظلم الفقير، والسيد ظلم خادمه، وأصحاب الأرض ظلموا المستأجرين، والأباء ظلموا أبنائهم والمشترى ظلم البائع، والبائع ظلم المشترى، إذاً فالمرض وبائى. ولا يبدو أن هناك شفيع = رجلاً يبنى الجدار ويقف فى الثغر أمامى عن الأرض لكيلا أخربها الشفيع هنا كموسى الذى طلب من الله أن لا يهلك الشعب، وكإبراهيم الذى طلب أن لا يهلك الله سدوم، والله يرغب فى أن يظهر مراحمه. ولكن قبل أن يصلى أحد عن هذا الشعب، كان يجب أن يكون هناك قائد يصلح من حال هذا الشعب، كما فعل صموئيل إذ نادى بتوبة عامة وصلاة وصوم. وكان يوجد مثل هذا المصلح وهو أرمياء النبى لكنهم رفضوه. فهم رفضوا الأصلاح ورفضوا التوبة وهم ما كانوا يصلوا، ولا كان من يصلى عنهم فما هو المنتظر = فسكبت سخطى عليهم وأفنيتهم. ونحن الآن لنا فى دم المسيح شفاعة كفارية ولنا فى صلوات القديسين شفاعة توسلية، فهل نقدم توبة فلا يغضب الله علينا.  

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى