تفسير سفر حزقيال ٢٥ للقس أنطونيوس فكري
الإصحاح الخامس والعشرون
هنا نبوات أربعة ضد بنى عمون / موآب / آدوم / فلسطين وهؤلاء عداوتهم قديمة للشعب، ولكنها تزايدت على مر الأيام. هذه الأمم كان يجمعهم شماتتهم فى سقوط الشعب تحت سبى بابل. والله هنا يخبرهم بسقوطهم قريباً. وهؤلاء يشبهون الشيطان الذى فرح بسقوط آدم ونسله. فكأن هذه النبوات هى ضد الشيطان والتنبؤ عليه بنهايته قريباً. ولنلاحظ أن الله ليس ضد هذه الشعوب بل
1) الله ضد الخطايا التى تمارسها هذه الشعوب خصوصاً الوثنية
2) هذه الشعوب فى كراهيتها لشعب الله صارت كرمز للشيطان. والنبوات ضدها هى نبوات ضد الشيطان فى الواقع، الذى يكره أولاد الله أينما كانوا.
3) لا يجب أن يتصور أحد، حينما يقرأ هذه النبوات أن الله يكره هذه الأمم بسبب محبته لشعبه المختار إسرائيل، وذلك للأسباب الآتية :-
أ – النبوات ضد الأمم إستغرقت آيات قليلة فمثلاً النبوة ضد بنى عمون 7 آيات فقط بينما أن النبوات ضد إسرائيل نفسها إستغرقت 23 إصحاح
ب – الله لم يبيد بنى عمون ولا فلسطين، لكن الله أباد عشرة أسباط من شعب إسرائيل وذلك بعد سبى أشور سنة 722 ق. م.
ج – إذاً فالله ليس ضد أحد بل هو ضد الخطية عموماً.
ء – الله لا يجامل إسرائيل بهذه النبوات، بل هو يرسل رسالة تحذير لهذه الشعوب لعلها تتوب، كما أرسل يونان لشعب نبنوى.
الآيات 1 – 7 :- و كان الي كلام الرب قائلا. يا ابن ادم اجعل وجهك نحو بني عمون و تنبا عليهم. و قل لبني عمون اسمعوا كلام السيد الرب هكذا قال السيد الرب من اجل انك قلت هه على مقدسي لانه تنجس و على ارض اسرائيل لانها خربت و على بيت يهوذا لانهم ذهبوا الى السبي. فلذلك هانذا اسلمك لبني المشرق ملكا فيقيمون صيرهم فيك و يجعلون مساكنهم فيك هم ياكلون غلتك و هم يشربون لبنك. و اجعل ربة مناخا للابل و بني عمون مربضا للغنم فتعلمون اني انا الرب. لانه هكذا قال السيد الرب من اجل انك صفقت بيديك و خبطت برجليك و فرحت بكل اهانتك للموت على ارض اسرائيل. فلذلك هانذا امد يدي عليك و اسلمك غنيمة للامم و استاصلك من الشعوب و ابيدك من الاراضي اخربك فتعلم اني انا الرب.
نبوة ضد بنى عمون لاحظ فى آية 3 أن حزقيال يتكلم عن خراب الهيكل على أنه قد حدث فى الماضى = قلت هه على مقدسى لأنه تنجس. وعلى أرض إسرائيل لأنها خربت. فهذه الآيات هى ضد بنى عمون الذين فرحوا بسقوط وموت الشعب وخراب الهيكلوفرحت بكل إهانتك للموت = أى فرحت بموتهم وخرابهم، بل أهنتيهم فى بلوتهم، بل هم إستولوا على بعض مدن يهوذا عند سقوطها أمام بابل أر 49 : 1. وهذا تماماً يساوىشماتة الشياطين وفرحهم بخراب آدم وأولاده الذين هم أولاد الله. ولذلك يقول الله للنبى إجعل وجهك نحو بنى عمون = وهذا إعلان بأن الله هو الذى يوجه وجهه ضدهم، فالنبى يتكلم بإسم الرب = وعلى بنى عمون أن يعرفوا بأن الذى يتكلم هو الله السيد الرب = أى أن الأحكام صدرت من الله ضدهم وضد الهتهم (ملكوم). وبنى عمون هم نسل إبن عمى وهو إبن لوط. وكان بنى عمون فى عداء دائم مع اليهود ويتضح من الكلام هنا فرح بنى عمون بخراب الهيكل، إذاً سبب الخلاف كان الدين. والحكم عليها = هأنذا أسلمك لبنى المشرق = أى بابل. وقد خرب البابليون بلاد العمونيون بعد خراب أورشليم بخمس سنوات. ثم دخل العرب هذه البلاد بموافقة الغزاة البابليين وأقاموا صيرهم فيها= أى خيامهم وقد سكنتها قيائل العرب وأكلوا غلتها وشربوا لبنها. بل جعلوا قصورها مناخاً لإبلهم = أى إصطبلاً وزرائب للإبل. والنتيجة فتعلمون أنى أنا الرب= إذاً فالهدف الأساسى لهذه النبوات هو الإنذار الموجه لهذه الشعوب لكى تترك وثنيتها وأصنامها وتعرف الرب. وياليتنا نعرف الرب ونحن فى فرح وسلام ونقدم توبة عوضاً عن أن يضربنا الله للخراب فنعرفه فى خرابنا.
الآيات 8 – 11 :- هكذا قال السيد الرب من اجل ان مواب و سعير يقولون هوذا بيت يهوذا مثل كل الامم. لذلك هانذا افتح جانب مواب من المدن من مدنه من اقصاها بهاء الارض بيت بشيموت و بعل معون و قريتايم. لبني المشرق على بني عمون و اجعلهم ملكا لكيلا يذكر بنو عمون بين الامم. و بمواب اجري احكاما فيعلمون اني انا الرب.
نبوة ضد موآب هذه الآيات ضد موآب فهم فرحوا أيضاً بخراب إسرائيل. وهنا ربط الله خطية موآب بخطية سعير فهم متحدين فى نفس الشر (وبنفس المفهوم نجده يربط معهم عمون آية 10 ويقول أن مصيرهم كلهم الخراب = هذا الكلام موجه للشياطين الشامتين فى سقوط الإنسان، والمتحدين فى هجومهم علينا)، وموآب هو الإبن الثانى للوط من إبنتيه، أما سعير فهى أرض أدوم أو عيسو، فكلمة سعير أى كثير الشعر وهكذا كان عيسو. وماذا كانت خطيتهم المشتركة ؟ هم قالوا هوذا بيت يهوذا مثل كل الأمم = أى أن إلههم غير قادر على خلاصهم كما لم يخلص آلهة الشعوب الأخرى شعوبهم أمام الغزو البابلى. فأين الأمجاد والوعود التى طالما حدثونا عنها التى وعدهم بها أنبيائهم. وأين إلههم الذى يحميهم، هو مثل كل الألهة، ولم يعلموا أن هذه الضربات هى ضد الأشرار، ولكن هناك بقية تقية سيتمجد بها الله. ولنلاحظ أن خطايا إسرائيل (وخطايانا) سببت إهانات توجه لله، وهذا عكس “ليرى الناس أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي فى السموات”. ولأجل خطايا موآب هأنذا أفتح جانب موآب من المدن = أى أزيل دفاعاتها فتسقط أمام غزو بابل. وغالباً سيتم هذا عند سقوط بنى عمون فى يد بابل فينفتح الطريق لبابل إلى مدن موآب. وستخرب أجمل مدنها التى هى بهاء الأرض مثل بيت بشيموث وغيرها. وحين يأتى العرب ليمتلكوا بنى عمون سيمتلكوا معها موآب. ولاحظ أن العقوبات هنا هى على موآب وبنى عمون ويلى هذا العقوبات على آدوم.
الآيات 12 – 14 :- هكذا قال السيد الرب من اجل ان ادوم قد عمل بالانتقام على بيت يهوذا و اساء اساءة و انتقم منه. لذلك هكذا قال السيد الرب و امد يدي على ادوم و اقطع منها الانسان و الحيوان و اصيرها خرابا من التيمن و الى ددان يسقطون بالسيف. و اجعل نقمتي في ادوم بيد شعبي اسرائيل فيفعلون بادوم كغضبي و كسخطي فيعرفون نقمتي يقول السيد الرب.
هذه الآيات هى ضد آدوم وحده. فآدوم إشترك مع موآب فى خطيته التى سبق فوردت فى (8 – 11). أما الآن فالله الذى لا ينسى شئ، لم ينسى لأدوم خطية جديدة، فأدوم لم يبتهجوا فقط بخراب يهوذا بل هم إستغلوا حالتهم السيئة وضربوهم وسفكوا دمهم وآذوهم أذى حقيقى بغزواتهم قائلين هدوا هدوا حتى الأساس منها مز 137 : 7. وهم ضربوا وقطعوا الهاربين من يهوذا من أمام وجه بابل. ويظهر أنهم فى عملهم هذا كانوا متوحشين جداً لذلك إستخدم الله هنا إسم أدوم = دموى أحمر وليس سعير كما سبق. وعقابهم سيكون بيد شعبى إسرائيل = وقد قام بهذا يهوذا المكابى حين إستولى على أدوم وأخضعها وأرغم حفيده يوحنا هركالوس الأدوميين على الختان وأدخلهم لشعب الله. إلا أنه لو فهمنا أن أدوم رمز للشياطين “فهذا كان قتالاً للناس منذ البدء يو 8 : 44 وهذا معنى دموى” فالمسيح جاء وضربهم بصليبه، وتركهم عرضة لكل المؤمنين، يضربونهم بإسم المسيح. وهذا معنى أن المسيح خرج غالباً (بصليبه) ولكى يغلب (بمؤمنيه الذين يضربون بإيمانهم وصلواتهم الشياطين، وهذا معنى وعد السيد المسيح لنا بأنه أعطانا سلطان أن ندوس الحيات والعقارب (رؤ 6 : 2 + لو 10 : 19)
الآيات 15 – 17 :- هكذا قال السيد الرب من اجل ان الفلسطينيين قد عملوا بالانتقام و انتقموا نقمة بالاهانة الى الموت للخراب من عداوة ابدية. فلذلك هكذا قال السيد الرب هانذا امد يدي على الفلسطينيين و استاصل الكريتيين و اهلك بقية ساحل البحر. و اجري عليهم نقمات عظيمة بتاديب سخط فيعلمون اني انا الرب اذ اجعل نقمتي عليهم
نبوة ضد الفلسطينيين خطية الفلسطينيين كما يبدو هى نفس خطية أدوم. وعقابهم وأستأصل الكريتيين = والكريتيين هم جماعة أتوا من كريت حوالى سنة 1200 ق. م. إلى فلسطين، فهم نواة شعب فلسطين ولاحظ أن خطية أدوم كانت سفك الدماء وظلم شعب الله. ولقد سمعنا هناك أن نقمة الله ضدهم ستكون بيد شعبه إسرائيل، وقلنا أن هذا تم بأن المؤمنين بالمسيح صاروا بعد الصليب لهم قوة على توجيه الضربات للشيطان. وهنا نرى صفة جديدة للشيطان، فهو فى غيظه مما حدث له بالصليب قد صار ينتقم من أولاد الله، وذلك بأن يخدعهم ليتركوا المسيح، سواء بأن يتركوا الإيمان، أو يتركوا طهارتهم، وسواء هذا أو ذاك فهذا يعرضهم للهلاك “ألم يكن الشيطان وما زال قتالاً للناس منذ البدء، وقتال أى يقتلهم روحياً. وهذا معنى = قد عملوا بالإنتقام هم ينتقمون مما لحقهم.. وإنتقموا نقمة من أولاد الله. بالإهانة = فهم يخدعون أولاد الله بالإغراء بملذات الخطايا، ولكن من يسقط فى حبائلهم، فهذا يهين نفسه. وبعد أن كان له سلطان أن يدوس الشيطان، يصير مهاناً بل يعرض نفسه للدوس من الشياطين، بل إلى الموت للخراب. وما يحدث يجب أن نفهم أنه ناتج عن عداوة أبدية بين الإنسان وإبليس. ولكن فليعلم إبليس أن نصيبه هو البحيرة المتقدة بالنار = وأستأصل الكريتيين (رؤ 20 : 10) ولكن المعنى المباشر، أن الله سيهلك الفلسطينين ذوو الأصل الكريتى وغيرهم بسبب خطاياهم وذلك على يد ملك بابل.
ونلاحظ أن خطية بنى عمون كانت الشماتة والسخرية والفرح فى خراب شعب الله. وكانتخطية موآب وبنى عمون وآدوم المشتركة هى عدم تمييز قوة الله، عدم إدراك أن الله قوى وقادر أن ينتقم، لقد تصورا أن طول أناته مدعاة لإستمرارهم فى شرورهم، أو أنه قابل لشرورهم. وكانت خطية آدوم هى قتل وإهلاك شعب الله. وخطية فلسطين هى الإنتقام من شعب الله. وهذه هى خطايا إبليس تماماً. لذلك نقول أن النبوات ضد الأمم هى فى الحقيقة نبوات ضد إبليس، وهذه الأمم ترمز له، وكما أن إسرائيل ترمز للكنيسة جسد المسيح.