تفسير سفر الملوك الثاني ٢٠ للقمص أنطونيوس فكري

 


 

الإصحاح العشرون

الآيات 1-11:- في تلك الايام مرض حزقيا للموت فجاء اليه اشعياء بن اموص النبي وقال له هكذا قال الرب اوص بيتك لانك تموت ولا تعيش.فوجه وجهه الى الحائط وصلى الى الرب قائلا.اه يا رب اذكر كيف سرت امامك بالامانة وبقلب سليم وفعلت الحسن في عينيك وبكى حزقيا بكاء عظيما.و لم يخرج اشعياء الى المدينة الوسطى حتى كان كلام الرب اليه قائلا.ارجع وقل لحزقيا رئيس شعبي هكذا قال الرب اله داود ابيك قد سمعت صلاتك قد رايت دموعك هانذا اشفيك في اليوم الثالث تصعد الى بيت الرب.و ازيد على ايامك خمس عشرة سنة وانقذك من يد ملك اشور مع هذه المدينة واحامي عن هذه المدينة من اجل نفسي ومن اجل داود عبدي. فقال اشعيا خذوا قرص تين فاخذوها ووضعوها على الدبل فبرئ.و قال حزقيا لاشعياء ما العلامة ان الرب يشفيني فاصعد في اليوم الثالث الى بيت الرب. فقال اشعياء هذه لك علامة من قبل الرب على ان الرب يفعل الامر الذي تكلم به هل يسير الظل عشر درجات او يرجع عشر درجات.فقال حزقيا انه يسير على الظل ان يمتد عشر درجات لا بل يرجع الظل الى الوراء عشر درجات.فدعا اشعياء النبي الرب فارجع الظل بالدرجات التي نزل بها بدرجات احاز عشر درجات الى الوراء.

رأينا فى الإصحاح السابق سنحاريب الذى جدف على الله فمات بيد إبنيه وفى هذا الإصحاح نجد حزقيا القديس ينجو من الموت فالأول قصر الله أيامه والثانى أطال الله أيامه.

 إوص بيتك لأنك تموت = وهى وصية لكل منا أن يرتب حياته بالتوبة ليستعد لهذه اللحظة. فوجه وجهه إلى الحائط = الصلاة هى حياة خاصة مع الله وهذا أقصى ما يستطيعه وهو على فراش المرض. وهناك من يرى أنه أدار وجهه نحو الهيكل مشتاقاً أن يراه مرة أخرى. وفى (6) أنقذك من يد ملك أشور وأحامى عن هذه المدينة = وبالرجوع لآية (1) فى تلك الأيام = من الآتين يرى البعض أن هذه الحادثة حدثت قبل الحصار الأشورى وأثناءهُ ويرى البعض أنها جاءت مباشرة بعدهُ. المهم أن الله يعد حزقيا بخلاصه من العدو الأشورى وأنه هو الذى يحامى عن هذه المدينة. ونلاحظ أن علاج أشعياء كان شيئاً بسيطاً جداً ورخيصاً جداً فهو قرص تين (وهذا مثل الدقيق والملح ونزول نعمان السريانى فى مياه الأردن) ولاحظ أن حزقيا يطلب علامة ليعود إلى بيت الرب (8) هل يسير الظل أو يرجع = هو يسير للأمام قبل الظهر وهكذا قال حزقيا أنه يمتد وطلب أن يرجع للخلف أى عكس الشىء الطبيعى ليتأكد من المعجزة. وقد حدث ورجع الظل فى كل مكان على الأرض وليس فى أورشليم وحدها بل رجع حتى فى بابل (2 أى 31:32) ولاحظ أن البابليين يعبدون الشمس وهم تعجبوا ونظروا لحزقيا برهبة إذ بسبب رجع إلههم. ربما فى رجوع الشمس إشارة لرجوع حزقيا لأيام شبابه أى إطالة عمره. وحزقيا ملك 29 سنة (2:18) وهو ملك 14 سنة قبل حرب سنحاريب (13:18) و15 سنة بعد مرضه ولنلاحظ أن الله لا يغير رايه فيزيد عمر أحد، إنما هو بسابق معرفته يعلم ما سيكون عليه حزقيا من إتضاع فيعطيه أن يزيد عمره بل أعطاه دفاعاً عن المدينة ونجاه من يد ملك أشور. ولكن لهذه القصة معنى رمزى فالله لا يزيد عمر أحد مكافأة له إلا لو كان فى هذا رمز لشىء خطير يريد الله أن يلفت نظر الناس إليه. ولنقارن مع مز 6:61 “إلى أيام الملك تضيف أياماً سنينه كدور فدور ” ومزمور 4:21 حيوة سألك فأعطيته طول الأيام إلى الدهر والأبد. فعمن يدور الحديث فى هذه المزامير إلا عن المسيح الذى بعد أن مات قام وزادت أيامه وأخذ حياة طول الأيام وإلى الدهر والأبد ولنتيقن أن الكلام نبوة عن المسيح نرى فى آية (5) هأنذا أشفيك فى اليوم الثالث تصعد إلى بيت الرب فكان الشفاء والصعود لبيت الرب فى اليوم الثالث والمسيح قام فى اليوم الثالث. ووعد الرب أن يحامى عن هذه المدينة (هى الكنيسة التى يحامى الله عنها) من أجل داود عبدى (من أجل المسيح شفيعنا لدى الآب) وأنقذك من يد ملك اشور = قارن مع مز 21،20:22 فالله لم يترك المسيح فى يد الشيطان وهو لن يترك الكنيسة ولا نفس واحدة ممن لهُ يهلكها الشيطان.

 

الايات 12-21:- في ذلك الزمان ارسل برودخ بلادان بن بلادان ملك بابل رسائل وهدية الى حزقيا لانه سمع ان حزقيا قد مرض.فسمع لهم حزقيا واراهم كل بيت ذخائره والفضة والذهب والاطياب والزيت الطيب وكل بيت اسلحته وكل ما وجد في خزائنه لم يكن شيء لم يرهم اياه حزقيا في بيته وفي كل سلطنته. فجاء اشعياء النبي الى الملك حزقيا وقال له ماذا قال هؤلاء الرجال ومن اين جاءوا اليك فقال حزقيا جاءوا من ارض بعيدة من بابل.فقال ماذا راوا في بيتك فقال حزقيا راوا كل ما في بيتي ليس في خزائني شيء لم ارهم اياه.فقال اشعياء لحزقيا اسمع قول الرب.هوذا تاتي ايام يحمل فيها كل ما في بيتك وما ذخره اباؤك الى هذا اليوم الى بابل لا يترك شيء يقول الرب.و يؤخذ من بنيك الذين يخرجون منك الذين تلدهم فيكونون خصيانا في قصر ملك بابل.فقال حزقيا لاشعياء جيد هو قول الرب الذي تكلمت به ثم قال فكيف لا ان يكن سلام وامان في ايامي.و بقية امور حزقيا وكل جبروته وكيف عمل البركة والقناة وادخل الماء الى المدينة اما هي مكتوبة في سفر اخبار الايام لملوك يهوذا.ثم اضطجع حزقيا مع ابائه وملك منسى ابنه عوضا عنه

البعثة البابلية أتت لحزقيا لتهنئته بالشفاء وكانت بابل فى ذلك الوقت مازالت خاضعة لأشور لكن نجمها كان قد بدأ فى الظهور. ونلاحظ أن البابليين قد اتوا مبهورين بحزقيا الذى أكرمته الشمس برجوعها والشمس هى آلهتهم وإكراماً لمن أهلكت السماء بصلواته جيش أشور الجبار. وكان المفروض أن يكرم حزقيا ضيوفه مع الإعتبار أنهم وثنيين ولكن حزقيا إهتم بالسياسة ورأى أنهم حلفاء أقوياء للمستقبل وفضل أن يتحالف معهم وأعطاهم كل ما آتوا لأجله. وكانت هذه فرصة لحزقيا ليشهد لإلهه الذى أمر الشمس إلههم بالرجوع لكنه لم يفعل. لقد تكبر قلبه ومر فى لحظة ضعف بشرى. لقد نجح فى تجربة اشور ونشر رسائل سنحاريب وصلى لكنه رسب فى الضربة اليمينية ولم يستشر الرب. لأن الرسائل كانت تمجده ومعها هدايا بل كان فى قوله جاءوا من أرض بعيدة = أنه سعيد بانه يستحق هذا لعظمته أن هؤلاء الرجال العظماء من بابل العظيمة تجشموا السفر لأجله وكان السؤال الذى يوجه لحزقيا… ما هى الكرامة التى سيعطيها لهُ هؤلاء الوثنيون بعد أن كرمه الله امام العالم. وما الحماية التى يمكن أن يوفروها لهُ لكى يتعاهد ويتحالف معهم إن كان الله يحميه وهو رأى يد الله. لقد أراهم حزقيا كل مالهُ حتى يعطوا تقريراً لملكهم عن قوة حزقيا فيقبل الدخول معهُ فى تحالف لقد أظهر مجده الشخصى عوضاً عن أن يشهد لله الذى أنقذه فضيع فرصة للبشارة. وكان أثمن كنز عند حزقيا هو النبى أشعياء الذى بصلواته وشفاعته كان مركبة إسرائيل وفرسانها ولكن لم يخطر على بال حزقيا أن يذهب بهؤلاء السفراء لهُ. ولكن إشعياء أتى ليوبخه على ما فعله. ولو كان حزقيا قد ذهب لإشعياء من أول يوم لمنعه من هذا وكان ذلك أجدى لهُ. ولكن لنلاحظ أن نبوة إشعياء عن ذهاب كل هذا المجد والغنى لبابل ليس عقوبة لحزقيا على خطئه بل كان عقوبة لمنسى إبنه على وثنيته وإنحرافه، وبالنسبة لحزقيا فكان ذلك التأنيب لكى يخجل من فعلته ويتوب والمعنى أن هذا الذى حاولت أن تتحالف معهُ هو لا يحبك ولن يساندك بل هو سيفعل بأولادك كذا وكذا ولاحظ أن كل المغرمين ببابل ستكون بابل هى خرابهم وهكذا العلاقة بين العالم وأولاد الله المغرمين بالعالم. ولذلك حكماء هم من يهربون من بابل (رؤ 4:18).

على أننا نرى تقوى حزقيا فى خضوعه لأحكام الله وهذا يحسب لهُ بلا شك والتائب الحقيقى لا يتذمر على أحكام الله بل يخضع لها حاسباً أن الله صالح وكل أعمالهُ صالحة.

ملحوظة:-

جيش أشور يمثل خطايا ظاهرة كثيرة فى حياتنا (وحزقيا عرف كيف ينتصر على هذه) اما بابل فتمثل خطايا الكبرياء والغرور وهذه سقط فيها حزقيا فكان كمن أخذ يعلن فضائله وصلاحه امام الاخرين فياليتنا نخفى كل ما اعطانا الرب من صلاح فى داخل أنفسنا حتى لا يسرق عدو الخيركل مالنا كما سرقت بابل كل كنوز أورشليم التى أراها حزقيا لسفراء بابل.

 

زر الذهاب إلى الأعلى