حدود أم سدود

 

هل يمكن أن أحمل حمل شخص آخر ، أو أرفض أن أحمل حملي وأطلب من غيرى أن يحمله ؟ 

يجب علينا أن نضع حدوداً ما بين الأحمال والأثقال . والا بدأت المشاكل في الظهور عندما يتصرف البعض كما لو كانت ( أحمالهم اليومية ) صخوراً لا يريدون أن يحملوها .. والعكس أن يرفض البعض أن يساعدهم غيرهم في حمل أثقالهم التي هي صخور.
من هنا جاءت أهمية معرفة المفهوم الصحيح للحدود.

فالحدود هنا تعني أن هناك أمراً يجب عليك أن تقوم به بنفسك ( الحمل ) ، وآخر تحتاج أن يساعدك فيه الآخرون .. وعدم وجود حدود واضحة بين الاثنين قد يسبب مشاكل. فأنت مسئول عن القيام بالجزء الخاص بك. ولن يقوم با آخر بدلا منك.
كما أن هناك حدودا في مسئولياتك .. هناك أيضاً -وهو الأهم- حدود في علاقاتك .

لماذا العلاقات؟

العلاقات احتياج إنساني لأن الإنسان خلق كائناً اجتماعياً يحتاج دائماً إلى الآخر ، في شتى صوره .. يحتاج إلى الأسرة والأخ والصديق ، والأقارب وأب الاعتراف والزملاء .. الخ.

كذلك أيضا العلاقات فرصة نمو وفهم لأنفسنا ، ومن خلال تقييم الآخرين والاحتكاكات معهم نتغير إلى الأفضل ، فأحيانا يكون الآخر هو مرآة أعرف منه ما يجب علي أن أغيره في نفسي .. وأيضا العلاقات امتحان للشخصية .. وفرصة لنتعلم كيف نضع حدوداً بيننا وبين الأخرين ونتعلم متى وكيف نقول لا.

الحدود مصدرها الحب والاحترام .. لأن الحب يعطي حرية للآخر .. والحرية تعبير عن الاحترام.

لماذا تضع الدول حدوداً بينها وبين الدول الأخرى حتى الصديقة منها ؟

مهما كانت الدول صديقة لابد من وجود حدود وعلاقات دبلوماسية وقواعد تحترم ، وإذا حدث وتغاضت دولة عن حدودها مع أخرى قد يؤدي هذا إلى تسرب المجرمين عبر الحدود .. وتحدث مشاكل قد تؤدي إلى حروب بسبب عدم احترام الحدود.

لاحظ .. إننا نطالب بوجود حدود لا سدود ، فقد يكون من شدة الخوف أن تقيم دولة سدوداً بينها وبين أخرى .. هذا مرفوض ، لأن السدود تمنع العلاقات وتميت المشاعر ، ولكن المطلوب هو الحدود السليمة التي فيها بوابات تسمح بانتقال الآراء والأفكار والمشاعر من شخص لآخر .

لماذا الحدود إذن؟
1- توضح ما هو لي وما هو للأخر .. حقوق كل منا .
2- ترشدني أين تنتهي حقوقی لتبدأ حقوق الآخر .. فليس لطرف أن يتعدى حدوده في التعامل .
3- الحدود تعطي إحساسا بالخصوصية والمسئولية.

خطورة غياب الحدود .. ( بين الأصدقاء – الجنس الآخر ) . وباعتبارنا شباب .. دعونا نركز على خطورة غياب الحدود في علاقاتنا معا كأصدقاء من نفس الجنس / أو مع الجنس الآخر .

فاصل

ماذا لو تعاملنا معاً بدون حدود؟

1- الفهم الخاطئ : قد يتسبب هذا في الفهم الخاطئ لأحد الطرفين .. فالتباسط الزائد مع أي شخص من الجنس الآخر قد يؤدي إلى فهمي بطريقة خاطئة ، قد لا أستطيع إصلاحها إلا بعد مجهود.

2- عدم الاحترام : التهريج الزائد والتباسط قد يؤدي إلى عدم احترام الآخرين لك ، وقد لا يفصحون عن هذا .

3- انعدام الخصوصية : بمعنى أن يشعر الشخص أن أموره على ألسنة كل الناس … كل الناس تعرف أسراره … وبهذا يفقد خصوصيته .

4- التعب أو العثرة : بمعنى أن غياب الحدود يجعلك تستمع إلى مشاكل أو أمور خاصة قد تتعبك في المستقبل ، وقد يصعب عليك أن تعتذر عن الاستماع … لأنك لم تضع لنفسك حدودة في علاقتك مع الآخر … ما يجب أن تسمعه وما يجب الاعتذار عن سماعه … عليك بالأعتذار بلطف أن هذا الحديث قد يسبب لك تعباً, أو يمكنك استشارة أب الاعتراف فهذا أفضل .

5- الندم : عدم احترام الحدود قد يسبب لأحد الطرفين ندماً في المستقبل ، وقد يصعب علاجه.

6- خطورة التعلق : عدم وجود حدود في التعامل قد يؤدي إلى نوع مرضى من العلاقات ، وهو التعلق بأخر حتى ولو من نفس الجنس ، بحيث يعتبر الشخص أنه يمتلك الأخر ، فلا يحق له أن يقيم علاقات مع أحد غيره بدون استئذاته ، أو أن يحكي مع آخر ، فانعدام الحدود قد يؤدي إلى تطرف في العلاقة إلى درجة التعلق المريض .. نعم نحن أصدقاء .. ولكن الصداقة ليست قيداً، وهذا الشخص المتعلق قد يصاب بتعب شديد لو انفصل عن صديقه لأي سبب ، سواء ارتباط أو أي شيء آخر.

7- المجاراة : انعدام الحدود أيضا قد يؤدي بالشخص لأن يجاري صديقه ويوافقه في كل تصرفاته ، سواء خطا أو لا , بسبب أنه مرتبط و متعلق به ، وحتى إن أخطأ يجد الشخص صعوبة في مواجهته وأن يقول له كده غلط “stop ” ، أو أن هذا الأمر لا يناسبني .

 8- قبول التجاوزات : غياب الحدود قد يجعل الشخص يقبل التجاوزات … بمعنى لو وجد شخص ما عدم اعتراضك على تصرف معين ، فلا مانع من أن أحداً يزداد في تجاوزاته معك … لا يوجد شخص هنا يضع لك حدوداً، وإنما يجب عليك بنفسك أن تضع هذه الحدود وتظهرها للآخرين.

9- فقدان الحرية : عدم وجود حدود قد يفقد الشخص قدراً من حريته أو سيطرته على الأمور، بمعنى أنه يمكن لشخص أن يفرض علىَّ صداقة أو علاقة لا أريدها ، ويظل يلاحقني بصور مختلفة ، ولأني أخجل أن أقول له لا … يزداد في ملاحقتی . قد يكون حديثك عذب ، وحوارك ممتع , فتجد زملاءك في المدرسة يتصلون بك يومياً لمدة ساعة ، ويضيعون وقتك … وأنت تخجل أن تظهر انشغالك بالمذاكرة .. عليك أن تضع حدوداً.. لأنه لن يضعها لك شخص آخر بديل عنك.

10- عدم ترتيب الأولويات … لو طلب منك أصدقاؤك الخروج في نزهة لمدة ساعتين … إذا لم يكن لديك حدود في علاقاتك بالآخرين ستجد نفسك وقد تنازلت عن أولوياتك الأساسية لئلا يغضبوا منك … عليك أن تضع حدودا لعلاقاتك حتى تنضبط أولوياتك .
– غير مقبول أن يحكي شخص عن ضعفاته لصديقه لئلا ( بعد موقف معين تتلاشى الصداقة .
– مهما كانت عمق العلاقة مع الأصدقاء فلا يليق أن أحكي أسرار الأسرة – الوالدين والإخوة والظروف الأسرية التي قد تمر بها .
– نقطة أخيرة وهي الحدود في العلاقات من جهة الوقت ، ليس لأننا أصدقاء أن يكون من حق الصديق أن يتكلم في أي وقت ويأخذ أي مدة زمنية … لكن يجب أن تكون هناك :
أ- حدود فيما أسمعه لئلا يسبب لي عثرة أو تعبا في المستقبل .
ب- حدود في الوقت من جهة ميعاده وكميته .

11- الوقت كعامل هام في الحدود :
– هل لديك وقت ؟ ( هذا من حيث الكم )
– هل الوقت مناسب ؟ ( هذا من حيث الميعاد ) 
أحيانا نتعب من أقرب الأصدقاء لنا ، والسبب لأنك قد تقابل شخصية عندها مشاكل في أسرتها ، وتحتاج أن تحكى لك كل يوم لمدة ساعتين . وأنت تخجل أن تقول : أن ليس لديك وقت ..

فاصل

ما هي سمات العلاقات السليمة ؟

1- مبنية على القبول غير المشروط للآخر : وعدم الرغبة في تغييره أو محاولة ذلك . تغيير كل إنسان مسئوليته هو الشخصية . نحن لا نستطيع أن نغير الآخرين ، إذا استطعنا قبول الآخرين كما هم فربما يساعدهم هذا على التغيير ، لكن في النهاية يكون القرار هو قرارهم ، والمسئولية مسئوليتهم .

2- يكون الأشخاص لديهم القدرة والشجاعة والسماحة : أن يعبروا بعضهم للأخر عما يحدث فالعلاقة تكون بدون خجل أو خوف ، فالعلاقات الصحيحة هي العلاقات التي يتم فيها العتاب ومناقشة سوء الفهم والاعتذار والاعتراف بالأخطاء بسهولة , وبأقل قدر من الألم المحتمل .

3- بها حدود صحية تسمح بالخصوصية: والمسئولية الفردية ، ففي العلاقات الصحية بين أشخاص بالغين لا يعتبر أحد نفسه مسئولاً عن الآخر . وإنما نحن مسئولون بسبب العلاقة أن نفعل كل ما نستطيع بأمانة وإخلاص للطرف الآخر ، لكن في النهاية كل إنسان مسئول عن حياته واختياراته.

4– تسمح بالاختلاف ولا تتهدد به : ولا تظن أن الاتفاق في كل شيء شرط من شروط العلاقة الحميمة .

5- تؤمن بمبدأ النمو التدريجي للعلاقة بنفس القدر الذي فيه من قدرة على الانفتاح .

6- تسمح بالاعتماد الصحى بين الناس : بحيث يساعد كل منا الآخر فيما لا يستطيع أن يفعله ، لكنها لا تسمح بالاعتمادية المرضية التي تحولتا إلى عجزة ومرضی .

 7- تمارس الغفران والاحتمال : وتعطى فرصة جديدة ، ولا تحاسب على أخطاء الماضي . من يعيشون علاقات صحية يؤمنون بالتغيير والنمو من مرحلة إلى أخرى من النضوج في الحياة والعلاقات .

8- تهدف إلى إطلاق الآخر حراً: والثقة في ولائه وانتمائه . هي العلاقات التي لا تمارس السيطرة باسم الحب والصداقة ، لا تمارس اللوم أو التأنيب والاقتراب والابتعاد كمناورات للسيطرة ، فالعلاقات الصحيحة تحتمل الابتعاد والاقتراب بكل حرية .

9- لا تستأثر بنا وإنما تساعدنا على الانفتاح : على كل الناس . وتؤدي إلى تقوية علاقاتنا بالأسرة والمجتمع والوطن . العلاقة التي تعزلنا عن الناس وتكتفي بها عن كل البشر هي علاقة غير صحية ، كما يحتاج الإنسان الصداقات وعلاقات قريبة وحميمة يحتاج أيضا إلى مجتمع کبیر به علاقات متنوعة .

فاصل

مجالات وضع الحدود

1- الحدود في حب الاستطلاع ومعرفة الأسرار ( الفضول ) .
2- الحدود في التعبير عن الرأي .
3- الحدود في المشاعر والعلاقات .

فاصل

كيف أضع حدودأ في علاقاتي ؟

1- إن الأمر يحتاج في البداية إلى الاقتناع بضرورة وضع حدود في العلاقات مع الآخرين . وأن الحدود ضرورة للطرفين .. فالحدود فيها تقدير للشخص وللآخرين .

2- الأمر يحتاج إلى تدريب .. خاصة أننا لم نتعلم ونتعود من البداية كيف ومتى نقول ” لا ” ، أو “أسف هذا لا يناسبني” ، أو “وقتي لا يسمح الآن”.
قد تبدو البداية صعبة ، ولكنها تحتاج إلى محاولة البداية ، إلى أن يتعود الآخرون على تقدير حشودهم في التعامل معك.

3- أحيانا يحتاج الأمر إلى الإفصاح بشكل صريح أنا لا أرتاح للهزار بهذه الطريقة ” ، ” أنا أتضايق من هذا الأمر ، هذا الوضع لا يناسبني ” ، ” لا أفضل أن أذهب إلى هذا المكان … الخ .
ولكن عليك أن تقولها بلطف ويابتسامة حتى لا تحرج الطرف الآخر . وقد يفهم من الانسحاب من الموقف وعدم التجاوب وعدم الارتياح ضمنيا للتصرف , ومع الوقت سيعرف الآخرون ويحترمون أسلوك .. فقط ابدأ بوضع الحدود .

4- وإذا احتاج الأمر بعد ذلك إلى جرأة في المواجهة , فلا تخجل .. ولكن عليك أن تبدأ في وضع الحدود خطوة خطوة .. وتأكد إذا احتاج الأمر بعد ذلك إلى جرأة ستكون لديك القوة والقدرة على المواجهة.

زر الذهاب إلى الأعلى