تفسير سفر حزقيال ٤٣ للقمص أنطونيوس فكري

الإصحاح الثالث والأربعون

ذهب به الروح إلى الباب الشرقى فى ذات الموضع الذى منه إنطلقت المركبة الكاروبيمية لتفارق بيت الله (10 : 19) ثم تفارق المدينة كلها (إصحاح 11) بسبب خطايا الشعب. والأن بعد تأسيس هذا الهيكل الفخم صار مشابهاً للأجسام التى تكونت من العظام اليابسة وإكتست لحماً وأعصاباً ثم حل فيها الروح. هكذا فى هذا الهيكل حل فيه مجد الله. وكم كان الله الذى لذته فى بنى البشر مشتاقاً لهذه اللحظة. والمجد الإلهى جاء من الشرق معلناً أن عودة المجد الإلهى إلى الطبيعة البشرية إنما يتحقق بمجئ السيد المسيح شمس البر (مل 4 : 2) والمسيح ظهر نجمه فى المشرق. ولهذا يصرخ الشماس وإلى الشرق أنظروا. والكنيسة تصلى نحو الشرق كتقليد، فنحن فى إشتياق دائم لمجئ المسيح الثانى فى مجده لنتمجد معه.

 

آية 2 – 12 :

و اذا بمجد اله اسرائيل جاء من طريق الشرق و صوته كصوت مياه كثيرة و الارض اضاءت من مجده.و المنظر كالمنظر الذي رايته كالمنظر الذي رايته لما جئت لاخرب المدينة و المناظر كالمنظر الذي رايت عند نهر خابور فخررت على وجهي. فجاء مجد الرب الى البيت من طريق الباب المتجه نحو الشرق. فحملني روح و اتى بي الى الدار الداخلية و اذا بمجد الرب قد ملا البيت.و سمعته يكلمني من البيت و كان رجل واقفا عندي.و قال لي يا ابن ادم هذا مكان كرسيي و مكان باطن قدمي حيث اسكن في وسط بني اسرائيل الى الابد و لا ينجس بعد بيت اسرائيل اسمي القدوس لا هم و لا ملوكهم لا بزناهم و لا بجثث ملوكهم في مرتفعاتهم. بجعلهم عتبتهم لدى عتبتي و قوائمهم لدى قوائمي و بيني و بينهم حائط فنجسوا اسمي القدوس برجاساتهم التي فعلوها فافنيتهم بغضبي. فليبعدوا عني الان زناهم و جثث ملوكهم فاسكن في وسطهم الى الابد. و انت يا ابن ادم فاخبر بيت اسرائيل عن البيت ليخزوا من اثامهم و ليقيسوا الرسم. فان خزوا من كل ما فعلوه فعرفهم صورة البيت و رسمه و مخارجه و مداخله و كل اشكاله و كل فرائضه و كل اشكاله و كل شرائعه و اكتب ذلك قدام اعينهم ليحفظوا كل رسومه و كل فرائضه و يعملوا بها. هذه سنة البيت على راس الجبل كل تخمه حواليه قدس اقداس هذه هي سنة البيت.

صوته كصوت مياه كثيرة = رؤ 1 : 15. أى أن هذا الذى جاء هو المسيح نفسه، صوته مرعب كصوت مياه كثيرة بالنسبة للخطاة وبالنسبة لأحبائه فالمياه الكثيرة تشير لفيض نعمته عليهم وحلول الروح عليهم. والأرض أضاءت = لأنه هو نور العالم + أف 5 : 8 وحينما رأى هذا المنظر ثانية خر على وجهه وحمله الروح للدار الداخلية وإذا بمجد الرب قد ملأ البيت = فكل مجد إبنة الملك من داخل. ولنلاحظ أن هذا هو عمل الروح القدس أن يكشف لنا مجد المسيح فى الداخل “يأخذ مما لى ويخبركم” + 1كو 2 : 9، 10.

مكان كرسيَ…حيث أسكن = فهو حل وسطنا وسكن فينا نحن جسده وأصبحنا أعضاء جسمه من لحمه ومن عظامه. ولا نجد هنا سحابة فالرؤيا الأن أوضح كثيراً جداً من العهد القديم وكان رجلاً واقفاً عندى = غالباً ما يكون هذا الرجل هو السيد المسيح كإعلان أن تجسده هو الطريق لهذا المجد. ولكن هناك شرط ليبقى مجد الله وهو التوبة لا ينجس بيت إسرائيل إسمى القدوس لا هم ولا ملوكهم = هم وملوكهم بخطاياهم جلبوا على أنفسهم كل هذه الأحكام ولكن غالباً كلمة ملوكهم المقصود بها الأوثان التى سموها ملوكاً فهكذا كان إسم الإله بعل أو مولوك أى سادة عليهم ولكن الله يسمى هؤلاء السادة جثث ملوكهم. والجثث تعنى نجاسة. والعجيب أنهم جعلوا عتبتهم لدى عتبة الله = أى أن مساكنهم كانت ملتصقة ببيت الله ولكنهم لم يستطيعوا أن يتقدسوا، وللأسف فهذا حال كثيرين ممن فى الكنيسة ملتصقين بالله ولكنهم بعيدين بقلوبهم عنه. إلا أن عبارة جثث ملوكهم = يمكن فهمها على المؤمنين الآن، فالله جعلنا ملوكاً وكهنة رؤ 1 : 9، وجعلنا ملتصقين به وقريبين جداً منه = عتبتهم لدى عتبة الله ولكننا مع وجودنا فى هيكله ننجس هذا المكان الطاهر ولا نستفيد من وجودنا فيه. فالله فى وسطنا يسكن وقادر أن يطهرنا فنصير أحياء وليس جثث ملوك. وليقيسوا الرسم = المعنى أن عليهم أن يعرفوا ويفهموا حجم الخيرات التى أعدها الله لهم. وبالنسبة للعهد القديم فهم يسعدون أن الله سيقيم لهم هيكل أفخم من الهيكل الأول. وبالنسبة لنا فهذا الهيكل هو جسده، وهو يحل فينا بمجده وحينما نعرف هذا علينا أن نخجل من خطايانا. ولنعرف أن الجبل كله قدس أقداس = أى الكنيسة كلها، فلم يعد هناك قدس أقداس منفصل، بل الجسد، جسد المسيح أى الكنيسة كلها مقدسة

 

الآيات 13 – 17 :

و هذه اقيسة المذبح بالاذرع و الذراع هي ذراع و فتر الحضن ذراع و العرض ذراع و حاشيته الى شفته حواليه شبر واحد هذا ظهر المذبح.و من الحضن عند الارض الى الخصم الاسفل ذراعان و العرض ذراع و من الخصم الاصغر الى الخصم الاكبر اربع اذرع و العرض ذراع.و الموقد اربع اذرع و من الموقد الى فوق اربعة قرون. و الموقد اثنتا عشرة طولا باثنتي عشرة عرضا مربعا على جوانبه الاربعة. و الخصم اربع عشرة طولا باربع عشرة عرضا على جوانبه الاربعة و الحاشية حواليه نصف ذراع و حضنه ذراع حواليه و درجاته تجاه المشرق.

إذ تحدث عن عودة مجد الرب تكلم عن التوبة. ولكن توبة بدون دم المسيح هى بلا فائدة، لذلك جاء الحديث مباشرة عن المذبح، وقطعاً نحن لا ننتظر أن يوجد مذبح الآن تقدم عليه ذبائح حيوانية، فهذه لا مكان لها فى العبادة بعد أن قدم

المسيح نفسه على الصليب. ولكن هذا المذبح يشير لأن المسيح قد قدم نفسه ذبيحة عنا ومازال فى كل قداس تقدم ذبيحة الإفخارستيا وهى تعطى لمغفرة الخطايا. ويشير المذبح، للمسيح شفيعنا الذى يشفع فينا بدمه وللأبد.

ولكن لنلاحظ أن أبعاد هذا المذبح لا معنى لها لو نفذوها حرفياً طبقاً للقياسات الموجودة هنا. فطول هذا المذبح (إرتفاعه) = 2 + 4 + 4 = 10 ذراع أى حوالى 5 متر. ومن يتصور أن كل هذا سيتم تنفيذه حرفياً، يقول أن هناك كهنة يقفون على الحضن ويتسلمون الذبائح ليسلموها لكهنة آخرين واقفين على الخصم الأسفل، وهؤلاء يضعون الذبيحة فى نيران الموقد !! فما معنى هذا ؟ هذا لا يمكن فهمه إلا بالمعنى الرمزى ولنلاحظ

الحضن                = 18 ذراع = 2 × 9 (9 رقم الدينونة)

الخصم الأسفل       = 16 ذراع = 2 × 8 (8 رقم الأبدية السعيدة)

الخصم الأعلى       = 14 ذراع = 2 × 7 (7 رقم الكمال)

الوقد                   = 12 × 12 ذراع     (12 هم شعب الله)

ومعنى الأرقام أن من يأتى للمذبح، يكون أول ما يجذبه هو الخوف من الدينونة، ولكنه حينما ينضج روحياً تنفتح عيناه ليرى الأبدية السعيدة فيفرح بالمسيح الذى أعد له هذا، ومع إستمرار النضج، يكمل الشخص ويفرح بالمسيح الذى بمحبته يكمله ويعده للسماء، ومن محبته يحسب نفسه ذبيحة تقدم من أجل المسيح، ويقبل أن يلقى فى موقد التجارب والألم متقبلاً الصليب فى حب. وهذا ما قالة بولس الرسول تماماً “من سيفصلنا عن محبة المسيح أشدة أم… من أجلك نمات كل النهار قد حسبنا مثل غنم للذبح رو 8 : 35، 36 “. ولاحظ أن أبعاد الموقد 12 × 12 وهذا إشارة لشعبى الله، شعب العهد القديم وشعب العهد الجديد. ولاحظ تكرار رقم 2 (2 × 9، 2 × 8، 2 × 7) فرقم 2 هو رقم المسيح المتجسد، والذى قدم نفسه ذبيحة ليجعل الأثنين واحداً. فما يدفعنا لأن نقدم أنفسنا ذبائح، سواء حية (بصلب أهوائنا مع شهواتنا) أو ذبائح حقيقية (كالشهداء)، ما يدفعنا هذا هو محبة المسيح الذى سبق وقدم نفسه ذبيحة عنا، “فنحن نحبه لأنه هو أحبنا أولاً 1يو 4 : 19. ولذلك نجد  أقيسة المذبح بالأذرع والذراع هو ذراع وفتر  = الفتر هو المسافة الممتدة من الإبهام إلى رأس الخنصر إذا كانت الأصابع منفرجة بقدر ما يمكن. فالذراع هنا يشير للمسيح ذراع الله الذى تجسد ليقدم نفسه ذبيحة أش 51 : 5، 9 + 59 : 1. والفتر يشير لجهادى فى أن أقدم نفسى ذبيحة، جهاد بقدر ما أستطيع. أما الكهنة الواقفين على درجات المذبح ليتسلموا الذبائح ويسلموها لمن فى الدرجة الأعلى، حتى تصل للموقد، فهذا يشير أولاً للمسيح كاهننا الأعظم الذى يعمل فينا لنكمل، وثانياً لكهنة الكنيسة وخدامها الذين يحملون لنا التعليم الصحيح فنصل للكمال ونقبل أن نقدم أنفسنا ذبائح.

الحضن = هو جزء الأساس الملامس للأرض مباشرة.

المذبح = هو مركز الهيكل، فكل شئ فى هذا الهيكل مؤسس على ذبيحة الصليب وحتى يوحنا فى رؤياه رأى المسيح على أنه “خروف قائم كأنه مذبوح رؤ 5 : 6

القرون = تشير لأن عمل المسيح الكفارى وهزيمته للشيطان كان بقوة، وأن عمله فى تكميل المؤمنين هو عمل قوى أيضاً.

3 درجات للوصول للموقد = قد تشير لدرجات الكهنوت الثلاث (الأسقفية والقسيسية والشموسية). أو تشير لدرجات الإرتفاع للسماويات، كما كانت الغرف الثلاث طبقات، هكذا هناك 3 درجات فيمن يقتربون للذبيحة، وكلما إقتربنا لأعلى روحياً كان عمل الذبيحة فينا نارياً يلهب قلوبنا، وكلما أقتربنا لأعلى إزداد إشتياقنا لتقديم أنفسنا ذبائح. وموضوع أن المسيح يقدم نفسه ذبيحة، وكنيسته تقدم نفسها ذبيحة سبق أبونا يعقوب وتنبأ عنه فى نبوته لإبنه يهوذا (جد المسيح بالجسد)، حين قال “جثا وربض (أى صلب) كأسد (المسيح) وكلبوة (الكنيسة) تك 49 : 9. فالصليب هو نصيب المسيح ونصيب من يريد أن يكون تلميذاً للمسيح وهذا ما قاله السيد المسيح مر 8 : 34 “من أراد أن يأتى ورائى فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعنى ” هذا هو طريق الكمال = الخصم الأعلى = 2 × 7 (رقم الكمال).

 

الآيات 18 – 27 :

و قال لي يا ابن ادم هكذا قال السيد الرب هذه فرائض المذبح يوم صنعه لاصعاد المحرقة عليه و لرش الدم عليه.فتعطي الكهنة اللاويين الذين من نسل صادوق المقتربين الي ليخدموني يقول السيد الرب ثورا من البقر لذبيحة خطية. و تاخذ من دمه و تضعه على قرونه الاربعة و على اربع زوايا الخصم و على الحاشية حواليها فتطهره و تكفر عنه. و تاخذ ثور الخطية فيحرق في الموضع المعين من البيت خارج المقدس. و في اليوم الثاني تقرب تيسا من المعز صحيحا ذبيحة خطية فيطهرون المذبح كما طهروه بالثور. و اذا اكملت التطهير تقرب ثورا من البقر صحيحا و كبشا من الضان صحيحا. و تقربهما قدام الرب و يلقي عليهما الكهنة ملحا و يصعدونهما محرقة للرب.سبعة ايام تعمل في كل يوم تيس الخطية و يعملون ثورا من البقر و كبشا من الضان صحيحين. سبعة ايام يكفرون عن المذبح و يطهرونه و يملاون يده. فاذا تمت هذه الايام يكون في اليوم الثامن فصاعدا ان الكهنة يعملون على المذبح محرقاتكم و ذبائحكم السلامية فارضى عنكم يقول السيد الرب

الكهنة من نسل صادوق = وصادوق تعنى صديق وبار. وهذا هو كهنوت العهد الجديد. كهنوت خلال المسيح نفسه. لا يمكن أن نقترب إلى مذبح الله إلا خلال التمتع ببر المسيح لنكون نسل صادوق روحياً. وهناك طقس لتكريس المذبح بتقديم ثوراً من البقر كذبيحة خطية. ويكرس هذا المذبح بالدم وكلمة يكرس هذه هى نفس كلمة يملأون يده (آية 26) فهنا تكريس للمذبح وتكريس للكهنة أى أن الكهنة سوف يعطون أنفسهم بالكامل لله لخدمته. والتكريس بهذا المفهوم هو للكهنة. ولكن هناك تكريس مطلوب من كل من يقترب للمذبح أن يكون القلب لله بالكامل. وكان هذا التقديس يستغرق 7 أيام (آية 25) كأن عمل المسيح كذبيحة عنا يشمل كل أيام غربتنا وهذا معناه إزالة تامة لخطايانا. ويبدأ الرضى عنهم فى اليوم الثامن وهو اليوم الأول من الأسبوع الجديد وهو يوم قيامة السيد المسيح من الأموات والذى فيه نقوم نحن أيضاً ونحسب جالسين فى السماويات. وحتى المسيح قال عن نفسه “من أجلهم أقدس أنا ذاتى ليكونوا هم مقدسين فى الحق” فهو قدوس بطبعه وليس له خطية يطهر منها لكنه قدس نفسه أى كرس نفسه كذبيحة عنا ليقدسنا. فعلينا أن نقدس مذبح قلبنا لتكون نار الحب المقدس مشتعلة فيه دائماً ونتطهر ونتنقى من حب العالم وشهوات الجسد. وكان عليهم أن يملحوا الذبيحة وهذا إشارة للنعمة الإلهية “ليكن كلامهم كل حين مصلحاً بملح” ونعمة الله هى الملح الذى يصلح اللسان وكل أعضاء الجسد (كو 4 : 6) والملح حفظ الطعام من الفساد. والمجد المحفوظ لنا غير فاسد وغير دنس والنعمة العاملة فينا هى إنسان القلب الخفى فى عديمة الفساد. ولنلاحظ أنه بعد أن كلمنا عن المذبح فى الآيات 13 – 17 ها هو يكلمنا عن عمل المسيح الذبيح على الصليب، فهو سيكون ذبيحة محرقة و ذبيحة خطية وأن عمل دم المسيح سيكون بقوة = تضع الدم على قرون المذبح. وأن المسيح لن يرى فساداً بل سيقوم مز 16 : 10 = يلقى الكهنة عليهما ملحاً. وكهنة الله، خدامه سيملأهم الله من نعمته ليملأوا هم شعبه = هذا معنى ذبيحة الملء. ولاحظ تكرار القول أن كل شئ يطهر بالدم. وتكون آخر ذبيحة مقبولة قدمها كهنة اليهود = نسل صادوق هى المسيح.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى