تفسير سفر حزقيال ٢٧ للقمص تادرس يعقوب

الأصحاح السابع والعشرين

مرثاة على صور

طلب الرب من حزقيال النبي أن يرفع مرثاة على صور، جاءت عناصرها هكذا:

  1. صور السفينة الفينيقية الكاملة    [1-11].
  2. حمولتها الثمينة                   [12-24].
  3. تحطيم السفينة                    [25-36].

صور السفينة الفينيقية الكاملة:

إن كانت أورشليم تشير إلى النفس التي قبلت نعمة الله – ففي العهد القديم تشير إلى الكنيسة المتمتعة بالناموس الموسوي والأنبياء، وفي العهد الجديد تشير إلى الكنيسة وقد تمتعت بالخلاص الأبدي من خلال النعمة الإلهية في المسيح يسوع – فإن صور هنا تمثل الإنسان الطبيعي: مركزه وإمكانياته وعطايا الله له ثم سقوطه وانهياره من خلال الخطيئة. فما يقوله هنا عن صور إنما يقوله عن الطبيعة الإنسانية كلها. لقد شبهها بسفينة فينيقية في موقع ممتاز، تتعامل مع كثرة من الشعوب، قوية البناء، ثمينة للغاية، فاخرة في صناعتها، طاقمها ممتاز، لا ينقصها  شيء. هذا هو الإنسان “عمل يديْ الله محب البشر”.

لقد أقامها الله “عند مداخل البحر“، إذ تقع صور في شرق البحر الأبيض المتوسط كجزيرة جميلة لها ميناءان، موقعها يجعلها قادرة على جلب التجار من كل بلاد الشرق؛ “تاجرة الشعوب إلى جزائر كثيرة” [3]، “تخومك في كل البحار” [4]. لقد أقام الله الإنسان عند مداخل البحار “فوق كل خليقة أرضية” بكونه على صورة الله، فيتسلط على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى البهائم وعلى الأرض وعلى جميع الدبابات التي تدب على الأرض (تك 1: 26)، سلمه هذه التجارة ليصير سيدًا لا عبدًا للأمور الأرضية الزمنية؛ جعل تخومه في كل البحار، أي صاحب سلطان على كل شيء. إنه لم يرد أن يخلقنا لنعيش في حالة حرمان مادي أو نفسي، بل أراد لنا شبعًا في كل شيء.

وكما يقول القديس غريغوريوس أسقف نيصص: [في مقاله عن الخليقة أن الله لم يخلق الإنسان إلا بعدما خلق العالم كقصر ملوكي، فإنه لا يليق الإعلان عن الملك ما لم

يُعد قصره].

أقام الله الإنسان جميلاً في كل شيء، أكمل خليقته على الأرض، لهذا بعد أن خلقه قيل: “ورأى الله كل ما عمله فإذا هو حسن جدًا” (تك 1: 31)… وتقول المرثاة: “بنَّاؤوك تمموا جمالك” [4]، سر جمالنا هو الله الذي بنى حياتنا، ووهبنا الإمكانيات الداخلية والجسد كعطية مجانية من قبله. لكن الإنسان في كبرياء قبله عوض أن يشكر الله ويمجده ينسب كل كمال لنفسه، إذ تقول المرثاة: “يا صور أنت قلت أنا كاملة الجمال” [3].

أما سر جمالها فهو:

ألواحها من سرْو سَنير[235]،

سواريها من أرز لبنان،

مجاذيفها من بلوط باشان[236]،

مقاعدها من عاج مطعم في البقس من جزائر كتيم.

شراعها كتان مطرز من مصر،

غطاؤها أسمانجوني وأرجوان من جزائر أليشة[237].

ملاحوها من أهل صيدون[238] وأارواد[239]،

وربابنتها حكماء من صور ذاتها،

قلافوها من شيوخ جبيل وحكمائها،

رجال حربها (حراسها) من فارس ولود[240] وفوط[241]،..

هكذا قدمت المرثاة تفاصيل كثيرة لمواد البناء للسفينة وجنسية طاقمها وحراسها. ومما يلزم ملاحظته أن السفينة عند الأمم كثيرًا ما تشير إلى رحلة الحياة التي يعيشها الإنسان في العالم ليدخل إلى الميناء، كما أن سفينة نوح رمزت إلى الكنيسة أو إلى الإنسانية المتمتعة بالخلاص الإلهي، لهذا كثيرًا ما تُبنى الكنائس على شكل سفينة[242]، وكما يقول الأب هيبوليتس: [البحر هو العالم، نزلت إليه الكنيسة حتى العمق لكنها لم تهلك لأن قبطانها المسيح ماهر. إذ تحمل صليب الرب إنما تحمل الغلبة على الموت في داخلها…

 البحارة هما العهدان (القديم والجديد).

والجبال المحيطة بها هي محبة المسيح التي تربط الكنيسة.

 الشبكة التي معها هي جرن الميلاًد الجديد الذي يجدد المؤمنين.

الروح القدس حال فيها كبحار ماهر يُختم به المؤمنون…

لها مراسي من حديد تحتفظ بها، هي وصايا المسيح نفسه، قوية كالحديد!

 بها نوتية على اليمين واليسار، خدام كالملائكة القديسين يديرون الكنيسة ويحفظونها.

 السلم الذي نصعد به إلى ظهر السفينة هو تذكار آلام المسيح، به ترتفع قلوب المؤمنين إلى السماء.

القلاع فوق السفينة هي شركة الأنبياء والشهداء والرسل الذين يدخلون راحتهم…[243]].

وكما تشير السفينة إلى الإنسانية المتجددة من خلال صليب المسيح، فهي تشير أيضًا إلى الطبيعة الإنسانية قبل السقوط، ولهذا فإن ما ورد في المرثاة من تفاصيل إنما تشير إلى عطايا الله لنا خلال إنسانيتنا من جسد صالح، ونفس عاقلة وعواطف وأحاسيس وميول ودوافع وطاقات مباركة، لأنها هي عمل يدي الله الصالح محب البشر.

نستطيع القول أن ألواح السفينة أو عوارضها هي أعضاء الجسد، وساريتها هي العقل، والمجداف هو اللسان، والمقاعد هي بقية الحواس، والشراع هو القلب، والغطاء هو السلوك اللظاهري، والملاحين هم طاقات النفس الداخلية، وربانها هو روح الإفراز والتمييز، والقلافون هم المواهب، والحراس هم الدوافع الداخلية.

أ. كل الألواح من سرو سنيز، أي أن كل أعضاء الجسد التي هي بمثابة عوارض السفينة تأتي من جبل النور (سنيز)، وليس كما ظن الغنوصيون أنه من مملكة الظلمة. لهذا كثيرًا ما عالج الآباء هذا الأمر، فيقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [هؤلاء (أتباع ماني) يدعون الجسد غدارًا، من أصل شرير… ألا يلزمهم بذلك أن يفقأوا أعينهم لأن الشهوة تدخل إلى النفس عن طريقها؟! لكن الحقيقة ليست العين ولا أيعضو آخر هو الذي يلام إنما إرادتنا الفاسدة وحدها هي موضع اللوم[244]]. كما يقول: [لقد وُهبت لنا الأعين لننظر بها الخليقة، فنمجد السيد الرب، لكننا إن كنا نسيء استخدامها تصير خادمة للزنا…[245]]. كما يقول القديس أغسطينوس: [الروح صالحة، والجسد صالح. والإنسان المكون من الاثنين هو بالتأكيد صالح، سواء كان صلاحه هذا قليلاً أو كثيرًا[246]].

ب. السارية: أي العقل، مأخوذ من أرز لبنان، هذا الذي يُعرف باستقامته، فقد خلق الله للإنسان عقلاً مستقيمًا يقوده كل الطريق بغير انحراف إذ “الإنسان العاقل حقًا له اهتمام واحد، وهو أن يطيع الله القدير من كل القلب وأن يرضيه، وهو يُعّلم نفسه شيئًا واحدًا فقط، وهو كيف يصنع قدر استطاعته ما يوافق الله، شاكرًا إياه على عنايته المتحننة التي تعمل في كل ما يحدث له في حياته”[247].

ج. المجداف الذي يقود السفينة هو اللسان، إذ يقول معلمنا يعقوب: “هوذا السفن أيضًا وهي عظيمة بهذا المقدار وتسوقها رياح عاصفة تديرها دفة صغيرة جدًا إلى حيثما شاء قصد المدبر، هكذا اللسان وهو عضو صغير ويفتخر متعاظمًا” (يع 3: 4-5). ويقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [أُعطينا لسانًا نعلم ونسبح به الخالق، لكننا إن لم نحترز لأنفسنا يصير علة تجديف[248]].

د. المقاعد هي الحواس التي ينبغي أن تكون من العاج المطعم، أي مملوءة طهارة ونقاوة. يقول القديس يوحنا سابا: [كل من يشاء الآن أن يحفظ نفسه وضميره من الأعمال الشريرة، فليحفظ هذه الحواس ويسلمها في يد الله الأمين معين الضعفاء[249]].

هـ. الشراع هو القلب ينبغي أن يكون من الكتان الطرَّز، نقيًا طاهرًا، فإذ يتقدس القلب يصير الإنسان مسكنًا لله، لهذا يصرخ المرتل: “قلبًا نقيًا اخلقه فيَّ يا الله، وروحًا مستقيمًا جدد في أحشائي” (مز 51).

و. غطاء السفينة الذي هو السلوك، فمن أسمانجوني أي يحمل الطبيعة السماوية، ومن الأرجوان أييحمل سمة الملوك. فالسلوك إنما يعبر عما يحمله القلب في الداخل، إن كان القلب مرتفعًا إلى السماء حيث يوجد كنزنا يكون سلوكنا أيضًا متجهًا نحو السمويات، وحيث يوجد عند الله الملك الحقيقي يكون سلوكًا لائقًا بأبناء هذا الملك. لهذا يقول الرسول بولس: “أقامنا معه وأجلسنا معه في السمويات”.

“أطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله” (كو 3: 1).

ويقول القديس يوحنا الدرجي: [عظيم هو ذاك الذي يقهر النار الناشئة عن اللذات الأرضية بواسطة التأمل في مباهج السماء![250]].

ز. الملاحون أي الطاقات الداخلية للنفس، فيأتي بهم من صيدون وإرواد. فإن كانت “صيدون” تعني “مكان الصيد”، فإن الإنسان الحيّ هو الذي يستخدم كل طاقاته الداخلية للبناء، يعيش كصياد ماهر يعرف كيف يقتنى ما هو للبنيان. إن لم تستخدم للبنيان تصير تلك الطاقات ذاتها للهدم، وإن لم تكن كجنود روحيين لحساب مملكة الله تصير كجنود أشرار لحساب مملكة الظلمة.

س. ربانها الذي هو روح الإفراز أو التمييز من صور، أي كالصخرة لا يهتز. هذا هو سر قوة الإنسان الروحي، إنه يسلك بتمييز، يعرف كيف يفصل بين الخير والشر، والحق والباطل، النور والظلمة. فيتقبل ما هو لبنيانه ويرفض ما هو للهدم بقوة دون أن يتزحزح.

ش. القلافون أي المواهب، هم من شيوخ جبيل وحكمائها. فقد أعطى الله لكل إنسان مواهب خاصة يضرمها بقوة وحكمة فتكون فيه كشيوخ حكماء، تعمل معًا مع مواهب الآخرين لأجل بنيان البشرية كأسرة واحدة.

ص. أما حراسها الذين هم دوافع النفس الداخلية فمن فارس ولود وفوط، رجال حرب متمرنون ومتنوعوا الخبرة، يعملون لحمايتها. من هذه الدوافع الغضب والخوف والأمومة والأبوة والحب الخ… هذه جميعها دوافع مقدسة إن كانت تعمل في الإطار الروحي للبنيان. فبالغضب ينتفض الإنسان من الخطيئة ويلوم نفسه، وبالخوف يهاب الله ولا يجرح مشاعره وبالأمومة والأبوة والحب يجمع في قلبه محبة طاهرة نحو البشرية بروح الحكمة غير المتهورة. هذه هي رجال الحرب الذين في داخل النفس، يحاربون إما لحسابنا أو ضدنا. فمن يغضب على الآخرين لا على نفسه ومن يخاف الناس لا الله ومن يحب لأجل الشهوة الجسدية يحوّل رجال الحرب ضده.

هذه صورة سريعة ومختصرة للسفينة “كاملة الجمال” التي وهبها الله إيانا، أي الطبيعة البشرية قبل انحرافها وسقوطها!

  1. حمولتها الثمينة:

بعد أن عرض لمواد بناء السفينة الثمين وطاقمها الممتاز وحراسها كجبابرة خبرة، بدأ يتحدث عن حمولتها الثمينة، فقد امتلأت ببضائع قيمة جاءت بها من بلاد كثيرة. إنها تشبه النفس الحكيمة التي تعرف كيف تستفيد من كل إنسان روحيًا، لا تحتقر أحدًا ولا تعتمد على خبرتها منفردة. الإنسان كالنحلة يعرف كيف يمتص من كل زهرة ما هو عذب وجميل!

في حديثه عن المواد التي تاجرت فيها السفينة، جاء الترتيب حسب مواقع البلاد، فبدأ بسواحل البحر الأبيض المتوسط، ثم الأراضي الشرقية في ثلاثة خطوط متوازية من الجنوب إلى الشمال. وفيما يلي البلاد المذكورة والمواد التي تتاجر فيها.

ترشيش: الفضة والحديد والقصدير والرصاص.

ياوان وتوبال وماشك: العبيد وآنية النحاس.

بيت توجرمة: الخيل والبغال.

ددان Rhodes أو Rodam: العاج والأبنوس.

آرام: البهرمان والأرجوان والمطرز والبوص والمرجان والياقوت.

يهوذا وإسرائيل: حنطة مِنِّيت وباناج Pannag: اسم مكان أو ربما نوع من الحلوى، ربما قصد به تين مبكر كما في بعض الطبعات وعسل وزيت وبلسان.

دمشق: خمر حليون والصوف الأبيض.

دان وياوان: الغزل والحديد المشغول والسليخة وقصب الذريرة.

دوان: لباد السروج للمركبات.

العرب وقيدار: الخراف والكباش والماعز.

شبا ورعمة: الطيب والحجارة الكريمة والذهب.

حُرَّان وكِنَّة وعدن: ثياب أسمانجونية نفيسة ومطرزة وسجاد غنى الألوان مربوط بحبال مصنوعة من الأرز.

هذه قائمة البلاد التي تقوم بالاتجار مع صور والمواد التي تتاجر فيها، وفيما يلي نبذة مبسطة عن بعض هذه البلاد:

ترشيش: هذا الاسم غالبًا مشتق من كلمة “رشش”، وجدت في اللغة الأكادية مرتبطة بالمعادن البراقة ومنتجات المناجم، لهذا اشتهر هذا الاسم بمعنى “تكرير المعان”[251].

شعب ترشيش جاء عن ياوان (تك 10: 4)، ويعتقد أنها ترتيسوس الواقعة في جنوب أسبانيا قرب جبل طارق[252]، ولعلها هي قرطاجنة المدينة الواقعة شمال غرب أفريقيا. كانت غنية جدًا بالمعادن كالفضة المطرقة، والمصنوعة ألواحًا (إر 10: 9) والحديد والقصدير والرصاص. إن كانت شبا وددان يمثلان التجارة في الشرق، فإن ترشيش تمثل التجارة في الغرب، لهذا جاء في حزقيال النبي: “شبا وددان وتجار ترشيش وكل أشبالها يقولون لك: هل لسلب سلب أنت جاء؟! هل لغنم غنيمة جمعت جماعتك لحمل الفضة والذهب؟! لأخذ الماشية والقنية لنهب نهب عظيم؟!” (13: 38).

وحينما يقال “سفن ترشيش” فلا تعني بالضرورة أنها سفن ملك ترشيش أو تقوم بالاتجار مع ترشيش، لكن لشهرتها التجارية أطلقت على السفن الضخمة العابرة المحيطات التي كانت تبحر خصيصًا لجلب المعادن الثمينة.

ولا ننسى أنه حينما طلب الرب من يونان أن يكرز في نينوى في الشرق هرب إلى الغرب في سفينة مبحرة إلى ترشيش (يونان 1: 3).

ياوان: جاءت ياوان مع توبال والجزائر البعيدة في (إش 66: 19) حيث يأتي إليها الأمم ويخبرون بمجد الله، وذُكر بنو الياوانيين كتجار يشترون أسرى يهوذا وإسرائيل ليبعدوهم عن تخومهم في (يوئيل 3: 6)، وهنا في (حز 27: 13) مع توبال وماشك كتجار للمسبيين والعبيد وآنية النحاس. هذه العبارات الثلاث إنما تشير إلى المستعمرات الياوانية أي اليونانية التي على ساحل آسيا الصغرى[253]. ويلاحظ أن تعبير ياوان Jonia يقترب جدًا من تعبير الأشوريين والمصريين عن “اليونان”.

هذا وإن “ياوان” الواردة في (حز 27: 19) تعني ياوان أخرى هي غالبًا قبيلة في العربية أو مستعمرة يونانية في العربية.

في (دا 8: 21، 10: 20، 11: 2) ترجمت ياوان “يونان”، وغالبًا ما تشير هنا إلى الإمبراطورية اليونانية المقدونية.

توباك وماشك: شعبان أو إقليمان في آسيا الصغرى، ارتبطا معًا (إش 66: 19)، وكانا ليافث (تك 10: 2، أي 1: 5)، ظهرا في التواريخ الأشورية باسمي Tabali و Mushki كمقاومين عنيفين ضد آشور في القرن الثاني عشر ق.م.

بيت توجرمة: يقع في جنوب أرمينيا، سكنه نسل توجرمة، الابن الثالث لجومر(تك 10: 1-3 أي 1: 6).

ددان [15]: شعب في شمال العربية، جاء عن كوش بن حام (تك 10: 7)، وجاء في (تك 25: 3) أنه من نسل إبراهيم عن قطورة بعد موت سارة. ليس صعبًا أن نفهم الارتباط هنا إن تذكرنا النسب بين العربية وكوش[254].

كانوا رجال تجارة، من بلاد العرب (إش 21: 3) يقطنون جنوب الأدوميين (إر 25: 23، 49: 8). لا يزال الاسم باقيًا في ديدان جنوب غربي تيماء. أما ددان الحديث فهو “العلا” واحة في وادي القرى شمال الحجاز.

آرام: مأخوذة عن الأكادية وتعني “الأرض المرتفعة” آرام أحد أبناء سام (تك 10: 22-23). تمتد آرام من جبال لبنان غربًا إلى ما وراء الفرات شرقًا ومن جبال طرسوس شمالاً إلى دقش جنوبًا. وقد أطلق على هذا الإقليم في الترجمة السبعينية سوريا. دُعي إبراهيم “آراميا تائهًا” لأنه خرج من حاران (إحدى مدن آرام تك 11: 3 إلى كنعان تث 26: 5). وقد ظهرت عدة دويلات آرامية مثل آرام النهرين (تك 24: 10) التي تقع فيها مدينتا نصيبين والرها، وآرام دمشق، وآرام صوبة أو صوبا غرب الفرات (وامتدت أحيانًا إلى حدود حماه)، وآرام معكة قرب جبل حرمون من نصيب منسي (يش 12: 5، 13: 11)، وحشور كدولة آرامية قرب معكة شرق الأردن أيضًا من نصيب منسي (تث 3: 14) وإليها هرب أبشالوم بعد قتله أخيه أمنون (2 صم 13: 37؛ 15: 8)، وآرام بيت رحوب غالبًا قرب مدخل حماه (عد 13: 21؛  يش 19: 28).

دمشق: عاصمة سوريا، عرفت منذ القدم كمركز تجارى هام. تقوم عند السفح الشرقي لجبل لبنان الصغير حيث ينبع في هذه السلسة من الجبال نهرَّي أبانه وفرفر (2 مل 5: 12) ويدعيان الآن بردى والأعوج.

دان: وهو اسم عبري معناه “قاضي” أو “ديان”، وهي مدينة في شمال حدود فلسطين؛ دعيت لايش (قض 28: 29) أو لشم (يش 19: 47)، لكنها ليست كما يظن البعض عند تل القاضي. فقد حدث اللبس بسبب تشابه الأسماء، لأن “دان” معناها “قاضي”.

قيدار: اسم سامي يعني “قدير أو أسود”، وهو الابن الثاني لإسماعيل (تك 25: 13). كان نسله غالبًا يعيشون على الرعي في خيام سوداء، لذلك صارت قيدار رمزًا للون الأسود (نش 1: 5). وكان بعضهم متحضرًا (إش 42: 11). كانوا أصحاب مواشي وبارعين في الحرب، خاصة في الرمي بالقوس، لذلك قاوموا نبوخذنصَّر كثيرًا لكنه نكَّل بهم.

شبا: ذكر شبا وأخوه دان كابني رعمة من بني كوش (تك 10: 7) كما ذكر الاسمان كابني يقطان بن إبراهيم من قطورة زوجته (تك 25: 7).

وتعتبر شبا إحدى أربع قبائل هامة أو شعوب قديمة قطنت جنوب العربية Qatabanians, Mineans و Chattramothites بالعبرية حضرموت Hazarmaueth وكانت أهمهم في أيام ستروبا. اشتهروا كتجار توابل وذهب وأحجار كريمة، وكانوا أغنياء جدًا. تاجروا في الرقيق (يؤ 4: 8) وحُسبوا حراسًا للصحراء (أي 1: 15، 6: 19).

أمدَّتنا النقوش الأشورية ربما بأقدام شهادة عن وجود شبا، إذ سجل الملك Tiglathpileser الثالث (745-727 ق.م.) عن قبول الجزية من إتعمارة ملك شبا…

يبدو أن هذا الشعب الذي أقام في جنوب غرب الجزيرة (تك 10: 28) هاجرت بعض عائلاته إلى الحبشة (كوش) فدعيت بالكوشيه (تك 25: 3)، والبعض امتد فيما بعد إلى

الشمال الغربي للجزيرة حتى بلغ إلى سوريا.

أما قصة ملكة سبأ فأعطتهم شهرة خاصة، وكشفت عن مكانة المرأة في وسط هذا الشعب اجتماعيًا وسياسيًا ودينيًا.

رعمة أو رعما: رعمة بن كوش، والد شيا وددان (تك 10: 7)…

يصعب تحديد مكان رعمة التي يُظن أن سكانها من ذرية رعمة أو رعما وظن البعض أنها رجمة بطليموس Patalmy غرب الخليج الفارسي، ويرى آخرون أنها رعمنيت Rammaitae في جنوب العربية، شمال غرب حضرموت وشرق شبا القديمة، وهذا الرأى الأخير أكثر احتمالاً.

حران (حاران): الاسم ربما من أصل أكادي، معناه “طريق” أو “قافلة” تقع المدينة في شمال غرب المصيصة Mesopotamia ، على نهر بليخ، فرع للفرات، تبعد حوالي 280 ميلاً شمال شرقي دمشق، و60 ميلاً شرق كرمشيش (تك 11: 31-32). وتعتبر ملتقى أحد الطرق الرئيسية بين بابل وساحل البحر الأبيض، تمثل مركزًا تجاريًا هامًا، كانت المركز الرئيسي لعبادة الإله Sim  إله القمر.

تغرب فيها تارح وإبراهيم زمانًا، واستقر فيها ناحور لذلك دعيت باسمه (تك 42: 10، 27: 43). استولى عليها الأشوريون (2 مل 19: 12). حاليًا قرية صغيرة لا تزال تحتفظ بالاسم حران.

كنة: ظن بعض الدارسين أنها “كلنة” (عا 6: 2)، لكن الأرجح أنها مدينة أكادية مجهولة “Kannu“، غالبًا في منطقة المصيصة (ما بين النهرين) بالقرب من حران.

عدن: اسم عبري يعني “بهجة”، وهي غير جنة عدن. مقاطعة ما بين النهرين، ورد ذكرها في النقوش الأشورية Bit Adini، جنوب حران، عند منتصف نهر الفرات.

  1. تحطيم السفينة (صور):

إن كانت صور قد صارت كسفينة ضخمة كاملة في بنائها، قوية من جهة حُراسها، صاحبة خبرة وحكمة من جهة طاقمها، محبوبة من كل الشعوب التي تتعامل معها وتطلب ودها، لكنها إذ طمعت وأرادت أن تغتنم أختها “يهوذا” يوم سبيها، كسرتها ريح شرقية ونزلت بها إلى الأعماق مع ثروتها وبضائعها وطاقمها وعملائها ورجال حراستها… ليس من ينقذ ولا من يُعين وقف الكثيرون في حزن ومرارة، حلقوا رؤوسهم فجعلوها قرعة كمن يندب ميتًا، وأقاموا مرثاة على من كانت تشبعهم بالخيرات [33]، صاروا في مرارة واقشعر ملوكهم ، بينما وقف البعض يصفرون مستهزئين بها لأنها طمعت فخسرت حتى وجودها إلى الأبد!

 

من وحي حزقيال 27

قُدْ سفينة حياتي!

v   “صور” المدينة العظيمة هي سفينة من صنع يديك،

أنت صانعها، وأنت واهبها كل غنى،

لكنها اتكلت على غناها،

وقاومت عملك،

فتحطمت تمامًا!!

v   إني سفينتك يا خالقي!

قُدْ سفينة حياتي، فإني من صنع يديك!

v   ما هذه الألواح التي من سرو إلا أعضاء جسدي؟!

إنها خليقتك الجميلة،

وهبتني الجسد مع النفس ليمجداك!

قدِّس عيني وكل حواسي فتشبع بك!

قدِّس عواطفي ومشاعري يا شهوة قلبي!

جسدي بين يديك، هو عطيتك الثمينة لي!

v   ما هذه السارية التي من أرز لبنان

التي أقمتها فيّ إلا العقل العجيب؟!

خلقته مستقيمًا لينشغل بك طوال رحلة حياتي القصيرة!

عقلي يتأمل مشيئتك، فيشتهي الطاعة لوصيتك،

يرى فيها عذوبة الشركة معك يا مصدر الحياة!

v   ما هذا المجداف الصغير الذي يحرك كل حياتي إلا اللسان؟!

قدّسه، فلا يجدف عليك،

ولا يلعن أحدًا،

ولا يتحرك باطلاً بلا هدف!

قُدْه فيباركك ويسبحك ويشكرك على الدوام،

ويبارك الناس ويفيض عذوبة على كل أحد!

v   ما هذه المقاعد التي من العاج المطعم،

إلا الحواس الطاهرة التي وهبتني إياها؟!

لتُشبعها بروحك القدوس فتراك عريس النفس السماوي،

تلتهب حبًا لك ولكل خليقتك! إنها ليست مسرحًا للشياطين،

ولا ملهي للشهوات الجسدية!

حواسي وعواطفي وكل مشاعري هي لك يا حبيب!

v   ما هذا الشراع الذي من الكتان المطرز،

إلا قلبي الصغير الذي وهبته النقاوة؟!

بروحك القدوس اتسع ليحمل من لا تسعه السماء والأرض!

مفاتيحه بين يديك يا ابن داود،

لتدخل وتتعشى فيه،

ولتجمع فيه أصدقاءك السمائيين والأرضيين،

تقيم منه ملكوتك المفرح وهيكلك المقدس!

v   ما هذه الأغطية التي لسفينة حياتي

إلا السلوك الذي أمارسه بعمل نعمتك؟!

إنه أسمانجوني يحمل لون السماء،

ومن الأرجوان لباس الملوك.

عجيب أنت يا ملك الملوك السماوي،

فإنك تريدني في سلوكي أن أحمل سماتك،

أسلك على الأرض بقلب سماوي،

وأحيا في ضيق العالم كملك صاحب سلطان!

v   من هم الملاحون الذين صيدون إلا طاقات النفس الداخلية؟!

هب لها أن تكون صيَّادة ماهرة،

تعمل دومًا لبنيان نفسي وبنيان أخوتي،

لا تعرف الهدم ولا التحطيم!

وهبتني طاقات عجيبة كجنود روحيين،

قُدْها للعمل لحساب ملكوتك،

فلا تكون جنودًا أشرارًا لحساب مملكة الظلمة!

v   من هو هذا الربان الذي من صور

إلا روح التمييز والإفراز؟!

هو عطية روحك القدوس،

به أتعرَّف على الخير وأميزه عن الشر،

به لا انحرف عن طريقك الملوكي يمينًا ولا يسارًا!

لا يخدعني البر الذاتي، ولا تجتذبني الشهوات!

به أتعرف عليك إيها الحق!

v   من هم القلاَّفون إلا مواهب التي سلمتني إياها؟!

أضرم يا رب مواهبك فيّ،

فأعمل بقوة وحكمة!

أعمل متناغمًا ومنسجمًا مع مواهب أخوتي،

بلا تشامخ وبلا صغر نفس.

أشكرك لأنك قدمت ليّ المواهب التي تناسبني!

v   من هم هؤلاء الحراس الذين من فارس ولود وفوط

ألا الدوافع التي خلقتها فيّ!

بدافع الحب التقى بك واحب خليقتك!

بدافع الغضب أثور على خطيتي وأشكو لك نفسي!

بدافع الخوف أخشاك في محبة!

قدّس كل الدوافع فلا تنحرف بعد!

v   بائسة هي صور، السفينة الجميلة الغنية،

اتكلت على ذاتها، وعصت خالقها،

فتحطمت وغرقت في بحر هذا العالم!

v   قُدْ أيها القبطان العجيب سفينة حياتي،

ليكن صليبك هو سارية حياتي،

ووصاياك هي البحارة!

هب ليّ حبالاً تسند سفينتي.

إنني في وسط تيارات بحر هذا العالم،

لكنني محمول بروحك القدوس إلى الميناء السماوي!

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى