تفسير سفر حزقيال ٤٨ للقمص تادرس يعقوب

الأصحاح الثامن والأربعون

تقسيم الأرض المقدسة

نختتم الرؤيا بتقسيم الأرض المقدسة، وتحديد أنصبة الأسباط، مع وضع خطة للمدينة المقدسة وأبوابها وإعطائها الاسم الجديد:

 

تقسيم الأرض المقدسة [1-29]:

في اختصار حددت الرؤيا تقسيم الأرض المقدسة هكذا:

أ. حددت سبعة أسباط شمال الهيكل [1-7] وخمسة أسباط  جنوب الهيكل [23-29]، فصار الهيكل بهذا يمثل القلب النابض لجميع الأنصبة، سر حياة سكانها وتقديسهم.

ب. قبل السبي كان الشعب منقسمًا إلى مملكتين، إحداهما تضم عشر أسباط سباهم أشور، والثانية تضم سبطين سباهما بابل… أما هنا في ظل نعمة الله الغنية، في الهيكل الجديد، فتوجد مملكة المسيح الواحدة بلا انقسام.

ج. تحديد أرض الهيكل والكهنة (8-11)، حيث يوجد الهيكل يوجد الكهنة يخدمونه، لهم تقدم القرابين. مرة أخرى يؤكد مكافأة بني صادوق على أمانتهم على قدسية الهيكل حينما ضلَّ اللاَّويُّون [11] لهذا استحقوا وحدهم دون سواهم تقديم الذبائح على المذبح والاقتراب من هذه المقدسات.

د. التقسيم هنا مختلف تمامًا عن التقسيم الذي حدث في أيام يشوع بن نون، ويرى المفسرون أن هذا التقسيم لا يمكن فهمه بطريقة حرفية بل يُفهم بمعنى رمزي.

في تقسيم أرض كنعان في أيام يشوع بن نون نال سبط دان نصيبه في نهاية كل الأسباط (يش 19: 40)، بينما هنا ينال نصيبه في بداية كل الأسباط [2]. وكأن الإعلان الإلهي يود أن يؤكد لنا أننا سنرى في يوم الرب أمورًا عجيبة لم نكن نتوقعها… أولون يصيرون آخرين، وآخرون يصيرون أولين.

يقول العلامة أوريجانوس: [إننا نجد جبابرة عظماء هنا يظهرون كأطفال صغار في يوم الرب، والعكس أيضًا. كما يقول إننا نرى رجالاً أبطال في الإيمان الظاهري يظهرون ضعفاء، وأيضًا العكس!].

وكأن يوم الرب يكشف خفايًا عجيبة لا نتوقعها!

هـ. كل سبط يأخذ نصيبه من الله بما يناسبه، ينال ما يكفيه فلا يكون في عوز، ليردد مع المرتل قائلاً: “يختار لنا نصيبنا فخر يعقوب الذي أحبه (مز 47: 4). ويلاحظ أن حدود كل سبط تمثل حدًا للسبط الآخر، علامة الشركة والوحدة خلال الحب المقدس المشترك.

و. الأرض المخصَّصة للخدمة لا يجوز التصرف فيها بالبيع أو بالتبادل، كما لا يقدم عنها بكورًا لأنها هي بعينها تمثل بكرًا للرب، مقدسة له [14].

ز. المدينة المقدسة مربعة الشكل، أضلاعها متساوية من كل ناحية، كما كانت مدن اللاويين قبلاً… وهي – كما يرى بعض المفسرين – لا يمكن تطبيقها عمليًا بطريقة حرفية لكنها تمثل مدينة الله الحيّ.

كان سكانها قبلاً غالبيتهم من يهوذا وأيضًا بنيامين حيث تقع المدينة في حدود السبطين، أما في المدينة الجديدة فيعمل فيها جميع الأسباط [19] بكونها تمثل ملكوت الله على الأرض لكل البشرية.

ح. يُعطى للملك نصيب خاص به يناسب مسئولياته [1] لكي لا يطمع في أنصبة الشعب.

المدينة المقدسة [30-35]:

يلاحظ أنها تشبه المدينة الجديدة التي رآها القديس يوحنا الحبيب. والتي سبق لنا الحديث عنها في تفسيرنا لسفر الرؤيا (أصحاح 21) من حيث كونها مربعة، لها اثنا عشر بابًا، ثلاثة أبواب من كل جانب إشارة للدخول إلى السماء من خلال الثالوث القدوس، وعلامة انفتاح أبوابها على المشارق والمغارب والشمال والجنوب لتضم المؤمنين من كل لسان وأمة. وعلى الأبواب نقشت أسماء الأسباط رمزًا للكنيسة الجامعة التي تضم كل أسباط البشرية.

ويلاحظ أنه لم يَدْعُ المدينة “أورشليم” ولا “كنعان” بل أعطاها اسمًا جديًدا هو “يهوه شَمَّهْ” أي “الله هناك”. هكذا سمع القديس يوحنا الحبيب صوتًا من السماء عن هذه المدينة قائلاً: “هوذا مسكن الله مع الناس، وهو سيسكن معهم وهم يكونون له شعبًا والله نفسه يكون معهم إلهًا لهم” (رؤ 21: 3). وكأن ختام السفر كله هو الدخول مع الله في سكنى دائمة، وشركة واتحاد نوجد معه وفيه، وهو يسكن فينا إلى الأبد.

بدأ السفر برؤيا سماوية حيث المركبة الإلهية النارية المهوبة، فيسقط حزقيال نفسه على الأرض، من هناك الحكم الإلهي بتأديب الشعب، ومفارقة مجد الرب الهيكل والمدينة وينتهي السفر بانفتاح أبواب السماء أمام البشرية من المشارق والمغارب، من كل الأمم والشعوب والألسنة، يتمتعون بشركة المجد الإلهي!

 

من وحي حزقيال 48

أنت نصيبي! أنت مجدي!

v   فتحت أبواب السماء أمام نبيك حزقيال،

فارتعب أمام المركبة الإلهية النارية وسقط!

أقمته وسندته ليعلن أسرارك!

سمع عن تأديبات الشعب فاضطرب!

رأى مجدك يُفارق هيكلك ومدينتك فحزن!

هوذا الآن تريه خطة خلاصك،

سماء مفتوحة،

وشعب من كل لسان ينعم بشركة مجدك أبديًا!

v   لتحملني إلى سمواتك،

أُريد أن أرى مدينة أورشليم العليا،

ألتقي بك وجهًا لوجه،

وارتمى في أحضانك إلى الأبد!

أنت نصيبي!

أنت فرحي وبهجة قلبي!

أنت إكليلي ومجدي!

متى أراك وأبقى معك يا شهوة قلبي؟!

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى