تفسير سفر حزقيال ٨ للقس أنطونيوس فكري

الإصحاح الثامن

فيما سبق أعطى الله فكرة عن الضربات، وأنه سمح بخراب الهيكل، وهنا يظهر الله لماذا سمح بهذا، يظهر خطايا الشعب وكيف نجسوا هم الهيكل بأوثانهم، لذلك تركه لهم. وكأن الله حينما يظهر بشاعة خطيتهم للنبى، كأنه يسأل “هل مثل هؤلاء يُرحَمون”. الله ما كان سيتخلى عن الهيكل إلا حينما نجسه هؤلاء، فلا شركة للنور مع الظلمة، وحين تركه الله دخله البابليون. وهذا ما حدث مع شاول الملك إذ حينما فارقه روح الرب باغته روح ردئ 1صم 16 : 14

 

الآيات 1 – 6 :-

و كان في السنة السادسة في الشهر السادس في الخامس من الشهر و انا جالس في بيتي و مشايخ يهوذا جالسون امامي ان يد السيد الرب وقعت علي هناك. فنظرت و اذا شبه كمنظر نار من منظر حقويه الى تحت نار و من حقويه الى فوق كمنظر لمعان كشبه النحاس اللامع. و مد شبه يد و اخذني بناصية راسي و رفعني روح بين الارض و السماء و اتى بي في رؤى الله الى اورشليم الى مدخل الباب الداخلي المتجه نحو الشمال حيث مجلس تمثال الغيرة المهيج الغيرة. و اذا مجد اله اسرائيل هناك مثل الرؤيا التي رايتها في البقعة. ثم قال لي يا ابن ادم ارفع عينيك نحو طريق الشمال فرفعت عيني نحو طريق الشمال و اذا من شمالي باب المذبح تمثال الغيرة هذا في المدخل. و قال لي يا ابن ادم هل رايت ما هم عاملون الرجاسات العظيمة التي بيت اسرائيل عاملها هنا لابعادي عن مقدسي و بعد تعود تنظر رجاسات اعظم.

جاء شيوخ إسرائيل الذين فى السبى ليسمعوا من النبى. وهنا رأى النبى رؤيا، والشيوخ لم يروا شيئاً (كما حدث مع بولس فى الطريق). وما لاحظه غالباً هؤلاء الشيوخ، أن النبى فى شبه غيبوبة روحية. أما المنظر الذى رآه فهو منظر كلمة الله المتجسد، الذى هو شبه منظر إنسان له حقوين، ورآه يتقد ناراً من حقويه إلى أسفل ومملوء بهاء من حقويه إلى أعلى. والمعنى من هذه الرؤيا، أن المسيح بتجسده سيدين الخطية (النحاس يشير للدينونة.. أنظر إصحاح 1 آيات 4-14) وهو الذى سيطهر الناس من خطاياهم وهو يطهر النبى نفسه ليرفعه الروح، وليصل إلى هذه الدرجة الروحية، أن يختطف بالروح إلى أورشليم، بينما هو بالجسد فى بابل. الروح هنا وضع النبى فى حالة روحية مثل التى قال عنها بولس الرسول “أفى الجسد أم خارج الجسد لست أعلم” 2كو 12 : 1 – 4. وبهذه الحالة نقله لأورشليم، فلم يكن على الأرض فهو محمول بالروح، وهو لم يصل للسماء فهو مازال فى الجسد = رفعنى الروح بين الأرض والسماء. وهذه هى نفس الحالة التى عبر عنها يوحنا فى رؤ 1 : 10، 4 : 2 مد شبه يد.. ورفعنى روح = اليد هى يد كلمة الله الذى يطهر حزقيال حتى يرفعة الروح لهذه الدرجة. وفى أورشليم رأى النبى نفس ما رآه أولاً من مجد الله، فكان الله بمجده مازال فى الهيكل. وهذا مما يزيد بشاعة خطية يهوذا أنهم يتركون هذا المجد ليعبدوا تمثال الغيرة = وليس من المهم أن نعرف أى إله هذا الذى صنعوا له تمثالاً يعبدونه، فأى صنم يسبب لله غيرة، فهذا تعدى على حقوقه. والله إلهنا إله غيور. ولاحظ انه كان متجهاً للشمال، ومن الشمال جاء البابليون. فالضربات تأتى للأشرار من حيث توجد خطيتهم. ولاحظ أيضاً عبارة لإبعادى عن مقدسى = فحينما يدخل إلى قلوبنا حب آخر غير حب الله يكون هذا كأنه دعوة لإبعاده عن مقدسه أى قلبنا.

 

الآيات 7 – 12 :-

ثم جاء بي الى باب الدار فنظرت و اذا ثقب في الحائط. ثم قال لي يا ابن ادم انقب في الحائط فنقبت في الحائط فاذا باب. و قال لي ادخل و انظر الرجاسات الشريرة التي هم عاملوها هنا. فدخلت و نظرت و اذا كل شكل دبابات و حيوان نجس و كل اصنام بيت اسرائيل مرسومة على الحائط على دائره. و واقف قدامها سبعون رجلا من شيوخ بيت اسرائيل و يازنيا بن شافان قائم في وسطهم و كل واحد مجمرته في يده و عطر عنان البخور صاعد. ثم قال لي ارايت يا ابن ادم ما تفعله شيوخ بيت اسرائيل في الظلام كل واحد في مخادع تصاويره لانهم يقولون الرب لا يرانا الرب قد ترك الارض.

أقام هؤلاء الشيوخ، قادة الشعب المرائين، الذين يحكمون ضد عابدى الأوثان، وهو يعبدونها سراً، أقام هؤلاء حائطاً ليستر عملهم، ولكن كان هناك ثقب، فمهما حاول المرائى أن يستر خطيته، فهناك ثقب يظهرها. وإذا إستمر المرائى فى خطيته، فالله يعمل على أن يتسع هذا الثقب ليفضح هذا الخاطئ المرائى، هكذا طلب الله من حزقيال توسيع الثقب. وللأسف كانوا يعبدون فى الداخل وبكل توقير أشكال متعددة ويقدمون لها البخور الذى كان يجب أن يقدم لله. وحزقيال عرف منهم أحدهم بإسمه وذكر أسمه ربما لسابق معرفته به أو لشهرته. وكانوا يقولون الله لا يرانا = وهذا إلى حد بعيد فكر كل من يرتكب خطية أنه لا يشعر بأن الله يراه ويراقبه.إذاً عدم الإيمان العملى أى الإيمان والشعور بأن الله موجود دائماً، هو السبب فى خطايانا. ويقولون الله ترك الأرض = والحقيقة أنهم هم الذين تركوا الله.

 

الآيات 13 – 18 :-

و قال لي بعد تعود تنظر رجاسات اعظم هم عاملوها. فجاء بي الى مدخل باب بيت الرب الذي من جهة الشمال و اذا هناك نسوة جالسات يبكين على تموز. فقال لي ارايت هذا يا ابن ادم بعد تعود تنظر رجاسات اعظم من هذه. فجاء بي الى دار بيت الرب الداخلية و اذا عند باب هيكل الرب بين الرواق و المذبح نحو خمسة و عشرين رجلا ظهورهم نحو هيكل الرب و وجوههم نحو الشرق و هم ساجدون للشمس نحو الشرق. و قال لي ارايت يا ابن ادم اقليل لبيت يهوذا عمل الرجاسات التي عملوها هنا لانهم قد ملاوا الارض ظلما و يعودون لاغاظتي و ها هم يقربون الغصن الى انفهم. فانا ايضا اعامل بالغضب لا تشفق عيني و لا اعفو و ان صرخوا في اذني بصوت عال لا اسمعهم

كانت عبادة تموز عبادة كلدانية، يقدمون فيها ذبائح بشرية، وتمارس فى هذه الاحتفالات العلاقات الجنسية كجزء من العبادة وكانوا يقيمون هذه الإحتفالات لتموز مرتين، الأولى فى زمن إشتداد الحر وفيها يبكون موت تموز (وشهور الحر هى يوليو وأغسطس، وطالما هم يبكون هنا، فهم فى حوالى شهر أغسطس = الشهر السادس بحسب التوقيت اليهودى (8 : 1). ثم يقيمون حفلات الفرح بعودة تموز فى شهور الربيع. وهنا كان النساء اليهوديات يشتركن فى هذه العبادة بالبكاء على تموز عوضاً عن البكاء على خطاياهن. وما يأتى هو أسوأ الكل. فهناك 25 رجلاً وغالباً كانوا من الكهنة، كانوا واقفين بين الرواق والمذبح حيث تؤدى أقدس الشعائر الدينية، وكانوا يعبدون الشمس ناظرين للشرق، أى أعطوا ظهورهم للهيكل، لأن الهيكل اليهودى كان متجهاً للغرب لا للشرق، وهذا يتطابق مع قول الله “هذا الشعب أعطانى القفا لا الوجه أر 2 : 27” ويالغباء الإنسان الذى يترك الله أبى الأنوار يع 1 : 17 ويعبد نور الشمس. وهؤلاء يقول عنهم الله أنهم كمن يضع غصناً فى الأنف = وهذه يبدو أنها عادة وثنية، فبعد أن يحضروا الزهور للآلهة يضعون الغصن فى أنوفهم. ووضع الغصن فى الأنف يثير جداً ويدعو للغيظ، وكأنهم حينما يفعلون هذا فهم لا يغيظوا إلا أنفسهم، فالغصن فى أنفهم هم، والمعنى أن ما يفعلوه سيجلب عليهم ضربات تغيظهم وتؤدبهم. ومرعب جداً أن نسمع هذه العبارة = وإن صرخوا فى أذنى بصوت عال لا أسمعهم = هذه تشبه أعطيتها زماناً لكى تتوب.. رؤ 2 : 21. فكان الله يحدد زماناً يقبل فيه التوبة وبعد ذلك لابد وستأتى الضربات. هكذا قيل عن عيسو أنه طلب التوبة بدموع ولكنه رُفِض عب 12 : 17 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى