تفسير سفر التكوين ١١ للقس أنطونيوس فكري
الإصحاح الحادي عشر
الإصحاح العاشر يأتي تاريخياً بعد الإصحاح الحادي عشر. ولكن الأسلوب الذي إتبعه الوحي أنه بدأ في العاشر شرح كيف أن نوح وأبناؤه إنتشروا في الأرض كلها ويأتي هنا ليشرح السبب وهو بلبلة الألسنة.
ونجد في هذا الإصحاح موضوعين مختلفين.
الموضوع الأول |
الموضوع الثاني |
سعي الأنسان للهروب من الله. تمثل هذا في بابل التي تبني برجاً. يمكن تسمية هؤلاء أبناء الناس. هؤلاء كل إهتمامهم بالأرض وكل إشتياقهم لها ليكون لهم إسماً فيها. هؤلاء لم يقيموا بيتاً أو مذبحاً للرب بل أقاموا مدناً لأنفسهم محصنة. |
دعوة الله للإنسان. تمثل هذا في أبرام الذي دعاه الله ليترك أرضه. يمكن تسمية أبرام ونسله أبناء الله. هؤلاء إشتياقهم للسماء وهم في إرتحال مستمر إلي كنعان السماوية (تك 9:12) فهم في غربة مستمرة. أبرام لم تفارقه الخيمة (غربة) ولا المذبح فلم تكن له هنا مدينة باقية عب 10:11. |
لهذه الأسباب صارت بابل من أول سفر التكوين حتي سفر الرؤيا رمزاً للمادية والعصيان علي الله وهذا ما حاول الله هنا أن يحطمه. نري في شعب بابل أنه عوضاً أن يتكا علي صدر الله إتكا علي ذاته، وأراد أن يقيم لنفسه برجاً من صنع يديه، وهذا نتيجة لقسوة قلب الخطاة فهم يصابوا بما يسمي العمي الروحي فبدلاً من أن يهرب إلي الله في وقت الشدة نراه يهرب من الله.
” 1 وكانت الارض كلها لسانا واحدا ولغة واحدة “
لغة واحدة: يظن البعض أن هذه اللغة كانت العبرانية ويدللون علي ذلك ان الأسماء الأولي مثل آدم وحواء وعدن عبرية. وأن بعد بلبلة الألسنة ظلت هذه اللغة هي لغة عابر وكان هذا مكافأة له علي قداسته (نادي بهذا القديس أغسطينوس) وإستمرت العبرية لغة اليهود حتي السبي ثم تحولت للأرامية لإختلاطهم بالبابليين. ويري البعض الأخر أنها كانت الكلدانية (السريانية) ويعللون ذلك بأن اللغات الشرقية كلها مشتقة من مصدر واحد وأن العبرية ليست إلا فرعاً من فروع هذه اللغة. عموماً يصعب تحديد هذه اللغة الواحدة قبل البلبلة.
ولكننا نري يوم الخمسين حين حل الروح القدس أنهم تكلموا بلغات مختلفة وفهموا بعضهم فمثلاً سمع المصريين أو الفرس بعض الرسل يتكلمون بلغتهم وفهموهم. ونستنتج أن الروح القدس روح المحبة قادر أن يضع فينا لغة مشتركة بها نتقاهم معاً هي لغة الحب الذي لا يعرف الإنقسام. لغة الشكر والتسبيح لله. هذه هي اللغة التي سنتكلم بها في السماء، فهي لغة كل السمائيين. ونفهم أن بلبلة الألسنة حدثت لتفضح البلبلة الداخلية.
” 2 وحدث في ارتحالهم شرقا انهم وجدوا بقعة في ارض شنعار وسكنوا هناك “
وحدث في ارتحالهم: غالباً للبحث عن مراعي للماشية. أو للإمتداد لباقي الأماكن لتعميرها. شرقاً: بعد الطوفان إستقر الفلك علي جبل أراراط وقوله شرقاً فهذا يشير إما انهم بعد الطوفان كانوا قد أتجهوا ناحية الغرب أولاً ثم أتجهوا شرقاً نحو أرض شنعار: وأرض شنعار هي سهل دجلة والفرات. أو أن جزء منهم إتجه شرقاً وهم الذين حاولوا بناء البرج. لأن جبل أراراط شمال أرض شنعار. أو لأن أرض شنعار عموماً تسمي الشرق (عد 7:23) فهي شرق أرض الميعاد.
” 3 وقال بعضهم لبعض هلم نصنع لبنا ونشويه شيا فكان لهم اللبن مكان الحجر وكان لهم الحمر مكان الطين “
قال بعضهم لبعض: هنا نري الأشرار يدعمون بعضهم بعض فهل نفعل هذا كأولاد الله. ونجد هنا بداية التمدن. فلأن سهل شنعار يفتقد وجود الحجر إستعملوا اللبن المحروق بالنار بعد تجفيفه في الشمس، كما يحدث حالياً في مصر لتصنيع الطوب الأحمر. والحُمر: نوع من القار المعدني متي جمد يدعي بالزفت. وهو يكثر في منطقة الفرات. مكان الطين: استخدم الطين لعمل المونة بين قطع الحجر. والأن يستخدم الحمر بدلاً منه. ولنلاحظ أن هؤلاء الذين بنوا لهم مدينة لتكون باقية في الأرض إستخدموا الطين والزفت. أما من عاش في خيمة مثل أبرام متغرباً فلنسمع ما أعده الله لمن هم مثله (أش 12،11:54+ رؤ 19:21).
” 4 وقالوا هلم نبن لانفسنا مدينة وبرجا راسه بالسماء ونصنع لانفسنا اسما لئلا نتبدد على وجه كل الارض “
ما هو هدف بناء البرج والمدينة؟
- قال البعض: ليهربوا من الطوفان إذا حاول الله إهلاكهم بسبب خطاياهم. ولكن إذا كان هذا صحيحاً لبنوا البرج فوق الجبل. عموماً هو إحتمال قائم.
- برجاً رأسه بالسماء: هذا القول يحمل نغمة تحدي الله فيصل للسماء أي يصل لله. ولكن الوصول للسماء يكون بالقداسة وليس بالأبراج العالية. وقال البعض أقاموه لعبادة نجوم السماء وأرادوه عالياً ليصلوا لأعلي مكان ليرضوا الهتهم ويتقربوا لها (بداية العبادة الوثنية).
- لنصنع لأنفسنا إسماً: كانوا يريدون أن يكون هذا البناء الرائع شاهداً لعظمتهم مخلداً لهم ليتحدث عنهم الجميع بمهابة وتعطيهم سيادة للعالم. وهناك من قال أنهم كتبوا أسماؤهم علي حجارة البرج. فهو علامة علي المجد الزمني العالمي، هم قوم مختالين بأنفسهم.
- لئلا نتبدد علي وجه كل الأرض: لقد أمرهم الله بالإنتشار ليملاؤا كل الأرض ولكنهم حاولوا أن يتمركزوا في بايل مؤسسين مملكة عظيمة غالباً بقيادة نمرود مخالفين رأي الله. وقيل عن الكنعانيين أن لهم مدن عظيمة محصنة إلي السماء (تث 28:1). ولم يكن الشر في أنهم أرادوا أن يقيموا مدينة ولا في بناء برج شاهق لكن في قلوبهم التي كانت في وضع تحدي لله ورفض لمشورته فهم لم يثقوا في حمايته ووعوده مع أن الله يكون سوراً من نار يحمي اولاده. (زك 5:2) وهم في بعدهم عن الله أرادوا أن يثبتوا ذواتهم فيقيموا لأنفسهم إسماً. وإذا كان الكنعانيين بنوا مدن عظيمة محصنة إلي السماء فلنا أن نتصور أن هؤلاء البابليين لم يكتفوا ببناء برج واحد بل أرادوا بناء أبراج عالية كثيرة. ولو عادوا الله بالحب لوجدوا فيه مدينتهم السماوية وحصنهم الحقيقي ولنالوا إسماً في السماء وليس علي الأرض فقط.
” 5 فنزل الرب لينظر المدينة والبرج اللذين كان بنو ادم يبنونهما “
فنزل الرب: الله موجود في كل مكان وقوله نزل لا يُفهم حرفياً لكن معناها:-
- نزل تشير لمدي تدني فكرهم فنزول الله معناها أن يتواضع ليري عملهم المتدني.
- هو نزول أن الله يهتم بتفاصيل حياة البشر حتي عصيانهم.
- بعد ذلك نزل الرب وتجسد ليخلص ويرفع مستوي البشر الهابط.
- قوله ينزل أي أنه سوف يفعل شيئاً غير عادي علي الأرض لتصير حضرته ملموسة.
لينظر: بنفس المفهوم لا يعني أن يتعلم شيئاً جديداً فهو لا يجهل شيئاً. إنما يقال ينظر ويعرف بالمعني الذي به يجعل الأخرين ينظرون ويعرفون. فالله يحدثنا بلغتنا بقدر ما نفهم ونحتمل.
بنو آدم: هم بنو آدم وليس أبناء الله. فهم هنا شابهوا آدم أبيهم في عصيانه. وهم علي شكل أبيهم سيموتون فلماذا يبحثون عن إسماً علي الأرض ولماذا يتحدون الله وهم ضعفاء.
6 وقال الرب هوذا شعب واحد ولسان واحد لجميعهم وهذا ابتداؤهم بالعمل والان لا يمتنع عليهم كل ما ينوون ان يعملوه 7 هلم ننزل ونبلبل هناك لسانهم حتى لا يسمع بعضهم لسان بعض 8 فبددهم الرب من هناك على وجه كل الارض فكفوا عن بنيان المدينة “
كان الله يمكنه بسهولة أن يعاقبهم بالموت لكن ليست هذه هي طريقة الله فالله لا يعاقب الأن في هذه الحياة بل هو يؤدب ويوقف إمتداد الشر حتي لا يؤثر علي خطة الله للبشر. ونجد الله هنا يؤدبهم بأن بلبل السنتهم وبددهم في الأرض ولنلاحظ:-
- هم خافوا أن يتبددوا فبنوا برجاً يجمعهم كنقطة تجمع ومركز لمملكة قوية لكن الله بددهم.
- ضربات الله تظهر عدله ومراحمه ممتزجين معاً.
أ. لقد بلبل الله ألسنتهم حتي لا يتفقوا علي صنع الشر. وبوقوف الأشرار ضد بعضهم وعدم إتحادهم نفهم كيف تعين الأرض المرأة (رؤ 16:12).
ب. بلبلة الألسنة أدت لإنتشارهم في الأرض كلها وتعميرها.
” 9 لذلك دعي اسمها بابل لان الرب هناك بلبل لسان كل الارض ومن هناك بددهم الرب على وجه كل الارض “
لذلك دعي إسمها بابل: إسم بابل يعني باب إيل أي باب الله. والله هنا يستخدم اسم بابل لبلبلة الألسنة. فهناك معان متعددة لبعض الأسماء ومنها بابل هذا. وهناك بيت شعر للمتنبي صنع فيه هذا فمدينة تدمر أعجمية معناها النخل وجاء المتنبي فوضعها في بيت شعر بمعني الدمار. وهكذا صنعت زوجة نابال مع داود فهي غيرت مفهوم اسم زوجها نابال فكلمة نابال تعني عود للطرب أو أحمق. وهذا يدل علي عدم رضاء الله علي أهل بابل ولا يريد أن ينسب أسمها له.
” 10 هذه مواليد سام لما كان سام ابن مئة سنة ولد ارفكشاد بعد الطوفان بسنتين. 11 وعاش سام بعدما ولد ارفكشاد خمس مئة سنة وولد بنين وبنات 12 وعاش ارفكشاد خمسا وثلاثين سنة وولد شالح 13 وعاش ارفكشاد بعدما ولد شالح اربع مئة وثلاث سنين وولد بنين وبنات 14 وعاش شالح ثلاثين سنة وولد عابر 15 وعاش شالح بعدما ولد عابر اربع مئة وثلاث سنين وولد بنين وبنات 16 وعاش عابر اربعا وثلاثين سنة وولد فالج 17 وعاش عابر بعدما ولد فالج اربع مئة وثلاثين سنة وولد بنين وبنات 18 وعاش فالج ثلاثين سنة وولد رعو 19 وعاش فالج بعدما ولد رعو مئتين وتسع سنين وولد بنين وبنات 20 وعاش رعو اثنتين وثلاثين سنة وولد سروج 21 وعاش رعو بعدما ولد سروج مئتين وسبع سنين وولد بنين وبنات 22 وعاش سروج ثلاثين سنة وولد ناحور 23 وعاش سروج بعدما ولد ناحور مئتي سنة وولد بنين وبنات 24 وعاش ناحور تسعا وعشرين سنة وولد تارح 25 وعاش ناحور بعدما ولد تارح مئة وتسع عشرة سنة وولد بنين وبنات 26 وعاش تارح سبعين سنة وولد ابرام وناحور وهاران “
هذه القائمة تشير أنه كما جاء من نسل حام من يقيم بابل رمز للمدينة الأرضية هكذا جاء من نسل سام من يقيم مدينة الله. وهنا يبدأ من سام ليصل لإبراهيم ونلاحظ :
- لا نسمع في هذه القائمة نغمة “ومات” كما في الأصحاح الخامس فهذا النسل سيأتي منه المسيح. وهذه القائمة مدعوة من الله لوعد بالحياة.
- كان منهم من عبد الأوثان. (يش 3،2:24+ أع 2،1:7) فالله دعا إبراهيم ليترك أرضه وعشيرته ولا يتشبه بأباه في عبادة الأوثان. لكن الوحي لم يذكر لهم هنا عبادتهم للأوثان.
- أعمار هذه القائمة صغيرة بالنسبة لقائمة إصحاح “5” لكن ماذا يهم لو أن الأعمار هنا قليلة لكن هناك وعد بالحياة في السماء.
- لقد كان كل أب يسلم أبنه وعداً ورجاء بالميراث.
” 27 وهذه مواليد تارح ولد تارح ابرام وناحور وهاران وولد هاران لوطا 28 ومات هاران قبل تارح ابيه في ارض ميلاده في اور الكلدانيين 29 واتخذ ابرام وناحور لانفسهما امراتين اسم امراة ابرام ساراي واسم امراة ناحور ملكة بنت هاران ابي ملكة وابي يسكة 30 وكانت ساراي عاقرا ليس لها ولد 31 واخذ تارح ابرام ابنه ولوطا بن هاران ابن ابنه وساراي كنته امراة ابرام ابنه فخرجوا معا من اور الكلدانيين ليذهبوا الى ارض كنعان فاتوا الى حاران واقاموا هناك 32 وكانت ايام تارح مئتين وخمس سنين ومات تارح في حاران “
هاران ولد إبناً هو لوط وإبنتين هما ملكة ويسكة. وتزوج ناحور أخو هاران ملكة بنته (بنت هاران) أي تزوج بنت أخيه. وهؤلاء ظلوا في أور وقد تزوج إسحق ويعقوب من هذه العائلة. ولاحظ فقد خرج تارح مع إبرام وساراي ولوط من أور ثم توقف في حاران ومات. وكثيرون خرجوا من أور (الخطية) لكنهم بقوا في حاران ولم يصلوا لكنعان
حياة إبراهيم
- يسمي الأباء الأولون مثل إبراهيم وأسحق ويعقوب ونوح وأيوب… الأباء البطاركة فكان كل منهم رأس لعائلته وكاهناً لها ويقدم الذبائح لله وكان هذا قبل تأسيس الكنهوت اللاوي.
- بدأ عصر البطاركة (الأباء) كطريق تمهيدي لدخول الله مع البشرية في عهود متتالية تختم بالعهد الذي يقيمه الله مع الأنسان في المسيح يسوع خلال الدم الذكي علي الصليب.
- بدأ العمل بدعوة إبراهيم كأب الأباء، خلاله أخذت البشرية كلها – أهل الختان وأهل الغرلة – الوعد بالبركة. فبإيمانه تبرر وهو بعد في الغرلة (رو4) وأخذ الختان كختم لهذا الإيمان، فحمل إبراهيم أبوة جسدية لأهل الختان وأبوة روحية لمن يسلك بإيمانه
رحلة حياة إبراهيم
- عاش إبراهيم مع أبيه تارح وأخوته في أور الكلدانيين حيث تزوج سارة.
- تلقي الدعوة الأولي للخروج وهو في أور وهذا ما أعلنه أسطفانوس أع 2:7.
- خرج من أور ومعه أبيه تارح وزوجته وابن اخيه لوط وسكنوا في حاران 15 سنة.
- بعد موت أبيه تارح جاءته الدعوة الثانية للذهاب إلي كنعان. فالله يكرر دعواته لعبيده. بمحبة ولطف وكرم بل وبإلحاح “ألححت علي فغلبت” (أر 7:20) وخرج إبراهيم من حاران وعمره “75” سنة.
- يبدو أنه اتخذ طريقه إلي كنعان عبر دمشق حيث أخذ عبده كبير بيته اليعازر الدمشقي.
- أقام أولا في شكيم (6:12) ثم ذهب إلي بيت إيل (8:12) ثم جنوباً.
- إذ حدث جوع إرتحل إلي مصر وقال عن سارة أنها اخته خوفا من فرعون.
- عاد إلي أرض الجنوب في فلسطين 1:13 ثم ذهب إلي بيت إيل 3:13.
- إفترق عن لوط فذهب إبراهيم إلي بلوطات ممرا في حبرون وذهب لوط إلي سدوم. وأقام إبراهيم في بلوطات ممرا بين 15-25 سنة ودخل في عهود مع ملوك الأموريين. وغلب كدرلعومر وحلفائه لينقذ لوط. وفي عودته باركه ملكي صادق.
- إنتقل من بلوطات ممرا إلي أرض الجنوب وهناك أخذ أبيمالك ملك جرار زوجته سارة.
- إمتحن الله إبراهيم وسأله أن يذبح إبنه أسحق علي جبل المريا.
- إرتحل إبراهيم بعد ذلك إلي بئر سبع.
- موت سارة ودفنها في مغارة المكفيلة.
- بعد موتها أوصي إبراهيم عبده أن يذهب لعائلته ليأخذ زوجة لإبنه إسحق.
- تزوج قطورة وأنجب منها 6 أولاد.
- مات إبراهيم وسنة 175 سنة ودفن في مغارة المكفيلة.
ملاحظات سريعة علي حياة إبراهيم
- دعوة الله لإبراهيم إن يخرج من أور ثم من حاران هي دعوة الله لكل نفس أن تعتزل أماكن الشر. فأهل أور من نسل حام كانوا يعبدون الأوثان. وكان دعوة الله لإبراهيم أن يترك أهله وعشيرته لأرض لا يعرفها ليحيا حياة الغربة في خيمة.
- هو تغرب من أهله وعن عشيرته لكنه لم يتغرب عن الله فأينما حَل أقام مذبحاً. لذلك ظهر في حياة إبراهيم دائما الخيمة والمذبح= غربة عن العالم وشركة مع الله.
- ظهر الإيمان واضحاً في حياته فصار أباً لجميع المؤمنين وأمنت جميع الأديان بقداسته ففيه إلتقي الجميع. فحينما دعاه الله خرج وراء الله وهو لا يعلم إلي إين. وحينما طلب منه الله تقديم أبنه قدمه دون مناقشة.
- دعوة الله لإعتزال الشر موجودة دائماً في الكتاب المقدس راجع (2كو 17:6 + رؤ 4:18 + تك 17:19). والأنسان لكى تدخله محبة المسيح لابد أن يترك شيئاً لأجله فالمرأة السامرية تركت جرتها والتلاميذ تركوا شباكهم بل تركوا المهنة كلها ومتي ترك مكان الجباية وإبراهيم ترك بيته وعشيرته وبلده.
- إتبع الله مع إبراهيم منهجاً عجيباً فهو يجرده من كل شئ حتي تزداد صلته بالله وتزداد محبته، بدأ بأباه تارح ثم بأرض حاران ومن قبل ذلك أخرجه من أور نفسها ثم جرده من هاجر وإسمعيل (رمز المحبة الجسدية) كما كان تارح رمزاً للمعطلات فهو عطل إبراهيم في حاران 15 سنة بعيداً عن كنعان. وجرده من المدينة الأمنة أور فهي مركز للعبادة الوثنية. ثم جرده من سارة وطلب منه تقديم إسحق. وهنا إرتفع إبراهيم في محبته للمستوي الذي قال عنه المسيح “من أحب أبا أو أما… أكثر مني فلا يستحقني” والمعني أن لا تكون العواطف البشرية الطبيعية عائقاً عن حب الله.
- إيمان إبراهيم وحياته مثالاً عجيباً في الكتاب المقدس. فهو إيمان عملي بإن الله يعوله عب 9،8:11. وعاش كغريب ينتظر المدينة السماوية ساكناً هنا في خيام. بل آمن بأن الله قادر ان يقيم إسحق من الموت بعد أن يقدمه ذبيحة لأن الله وعده بنسل من اسحق فهو رجل إيمان ورجل طاعة لله وله روح العبادة يقيم مذبحاً في كل مكان، متغرباً عن العالم بشروره. بل هو مثال للإتضاع (يسجد لبني حث طالباً منهم شراء مغارة المكفيلة) وللشجاعة فهو يحارب خمس ملوك لينقذ لوط. ومثال للتسامح فهو أنقذ لوط بالرغم مما فعله به لوط. ومثالا لعفة النفس فلم يقبل أي أجر عن حربه وأنقاذ أهل سدوم ومثال للكرم فهو يضيف الغرباء وهو لا يعرفهم. هو صديق لله يشفع عن أهل سدوم وحتي أن الله لا يخفي عنه شيئاً.
- بسبب كل هذه الفضائل في حياة إبراهيم كثرت وعود الله له وبركاته لإبراهيم ونسله وتركزت الوعود في
أ. يكون بركة وبه تتبارك الأمم: يأتي منه المسيح.
ب. وعود بالنسل الكثير: رمز لنمو الكنيسة (يهود وأمم).
ج. وعود بالأرض وميراثها: رمز الأرض الجديدة والملكوت.
ووعود الله لإبراهيم
- تك 2:12-3 كانت في حاران وعمره 75 سنة.
- تك 7:12 بعد أن ترك حاران حينما أمره الله.
- تك 14:13-17 بعد أن تركه لوط فوعده الله بميراث الأرض كلها.
- تك 4:15-18 بعد معركة كدر لعومر.
- تك 4:17 غير الله إسمه لإبراهيم.
- تك 17:22، 18 بعد تقديم إسحق محرقة.
علي إننا نلاحظ أن وعود الله لا تتحقق فورياً، فوعد الله الأول لإبراهيم كان وعمره 75 سنة ولم يتحقق أن يكون لإبراهيم نسل من سارة إلا وسنه 100 سنة. فالله لا يتعجل الأمور كالبشر المصابين بحمي السرعة ولكن هناك ميعاد لتحقيق وعود الله وهو الميعاد المناسب والذي يسمي “ملء الزمان”.
- ومع كل صفات إبراهيم الرائعة كان له سقطات فظيعة مثل
أ. النزول إلي مصر دون إستشارة الله حين حدثت المجاعة. فالله الذي عال إيليا كان يستطيع أن يعوله لكنه تعجل وبحث عن الحلول البشرية ونتعجب فهو لم يقيم مذبحاً لله في أرض مصر.
ب. كذبه وإدعائه أن سارة أخته (هي من أبيه وليست من أمه) لكن إخفاء جزء من الحقائق للخداع هو كذب وكانت النتيجة أن فرعون أخذها.
ج. قبوله هدايا فرعون مقابل زوجته. فهو إحتمي وراء زوجته بل كسب مادياً من ذلك.
د. تكرار نفس الخطأ مع إبيمالك ملك جرار. وفي قصة إبيمالك نري إبراهيم يعترف بأنها خطة إتفق عليها مع سارة حتي لا يقتله أحد بسبب جمالها. ونري إبراهيم هنا يحكم علي أهل جرار ظلماً بأن ليس فيهم خوف الله والسؤال “لماذا أتيت إذا”.
ه. لما أبطا الله في تنفيذ وعده بالنسل تعجل إبراهيم وتزوج هاجر فكان هذا سبب مشاكل أسرية ومرارة نفس للجميع وبعد أن كانت سارة تقول له يا سيدي بدأت تتشاجر معه وتقول له أنه ظلمها وتحولت السعادة العائلية لمشاجرات.
والسؤال لماذا يكشف الله ضعفات رجاله في الكتاب المقدس؟
- من المعزي حينما نقرأ الكتاب المقدس عن رجال الله القديسين نجدهم شخصيات بشرية مثلنا لهم ضعفاتهم ونقائصهم وسقطاتهم فلا نظن أنهم من عجينة أخري غيرنا أو من طبيعة مختلفة عنا (فنوح سكر وتعري وإبراهيم أخطأ) إذا
أ. لا نيأس إن أخطانا بل يكون لنا رجاء أن نقوم ونتوب وأن الله سيقبلنا.
ب. يكون لنا رجاء في حياة مقدسة مثلهم وتكون لنا أشواق روحية للقداسة.
- حينما نجد أن الجميع زاغوا وفسدوا…رو 12:3 نعرف أن الجنس البشري كله ساقط ويحتاج لمعونة من الله فنشعر بإحتياجنا جميعاً لدم المسيح ونعمته.
- الله لم يختار أشخاص معصومين لخدمته بل أشخاص عاديين لهم إيجابياتهم ولهم سلبياتهم ولكنه يقنعهم بأن يتخلوا عن سلبياتهم ليسيروا في طريق الكمال. وهكذا كل منا بالرغم من سلبياتنا فالله وضع لكل منا عمل وخدمة وعلينا أن نعمل بأمانة حتي نتممه ولا نسمع لمشورات عدو الخير بأن نترك خدمتنا لأننا غير مستحقين بل نتجاوب مع عمل الروح القدس الذي يتوبنا فتكون خدمتنا ناجحة.
- الله يتدخل لحماية أولاده وحياتهم حتي دون أن يسالوه وحتي لو كانت مشاكلهم بسبب أخطائهم الشخصية، هكذا أنقذ الله سارة في المرتين من يد فرعون ومن يد أبيمالك. بل نري الله يسعي لصداقة مع البشر ويكشف لهم أسراره “هل أخفي عن إبراهيم ما أنا فاعله. وإبراهيم يكون أمة كبيرة وقوية تك 17:18 هذه تساوي في الأمثال العامية ” إن كبر إبنك خاويه”. وعجيب هو الله في تواضعه ومحبته.
- يتضح من قصة سارة وهاجر. خطأ تعدد الزوجات وخطأ الحلول البشرية. والحلول البشرية قد تأتي بحلول سريعة لكن مشاكلها كثيرة. فما فشلت فيه سارة بأن تنجب ولداً لمدة 83 سنة عملته هاجر في سنة. ولكن حجم المشاكل كان رهيباً.
الخيمة والمذبح: هما علامتين ملازمتين لإبراهيم أينما ذهب. والخيمة تعني شعوره بالغربة في هذا العالم، لأنه يبتغي وطناً أفضل أي سماوي عب 16:11 والمذبح إشارة للعلاقة مع الله، وعبادة الله. ولنلاحظ أن خيمة بدون مذبح، لا تزيد عن كونها “مرضا” نفسياً وعزلة عن المجتمع فالشعور بالغربة والإنعزال عن المجتمع دون أن يكون هناك حياة وصلاة وعشرة لذيذة معزية مع الله، ستكون هذه العزلة، شيئاً غريباً مؤلماً للنفس. المؤمن الحقيقي يعتزل العالم بشره وخطاياه لأنه اكتشف لذة المخدع. ولذلك وجدنا حياة إبراهيم سلسلة من الرؤي والتعزيات الألهية بسبب عبادته (المذبح) التي كانت بجانب إحساسه بالغربة (الخيمة).
أبوكم إبراهيم راي يومي وفرح: يو 56:8 لقد رأي إبراهيم الله بعد أن قدم إسحق (تك 14:22). وغالباً في هذه الرؤيا فهم إبراهيم معني تقديم إبنه اسحق ذبيحة، وفهم معني الخلاص الذي سيتم بالمسيح…. ففرح وتهلل.
الوعد بأن اليهود لهم الأرض من النيل للفرات
هذا الوعد جاء في تك 18:15 ولنا عليه عدة تعليقات لأن اليهود كعادتهم يخدعون البسطاء وغير الدارسين.
- الوعد لم يقل من النيل… بل من نهر مصر (وهذا المقصود به فرع النيل الذي كان يصل إلي شرق العريش، وهذا الفرع إندثر الآن).
- نهر الفرات المقصود هو الفرع الذي يمر في سوريا وليس العراق.
- هذه المملكة تحققت فعلاً في أيام سليمان امل 21:4 فهذه النبوة قد تمت فعلاً.
- في الأيات تك 20،19:15 لم يذكر اسم المصريين ولا السوريين ضمن الشعوب التي سيخضعها اليهود لهم. بل ذكر الشعوب الكنعانية فقط (ولم يذكر أيضا الفلسطينيين).
- هذه الأية تك 18:15 لهما تطبيق روحي جميل يتمشي مع أش 23:19-25 وهو أنه في الأيام الأخيرة سيكون هناك إيمان قوي لمسيحيي مصر وسوريا بالإضافة لليهود في إسرائيل الذين سيؤمنون بالمسيح في نهاية الأيام.
سفر التكوين – أصحاح 11
تفاسير أخرى لسفر التكوين أصحاح 11
تفسير تكوين 10 | تفسير سفر التكوين القمص أنطونيوس فكري |
تفسير تكوين 12 |
تفسير العهد القديم |