يو6: 58 هذا هو الخبز الذي نزل من السماء، ليس كما أكل آباؤكم المن وماتوا…
“52فَخَاصَمَ الْيَهُودُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا قَائِلِينَ:«كَيْفَ يَقْدِرُ هذَا أَنْ يُعْطِيَنَا جَسَدَهُ لِنَأْكُلَ؟» 53فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ:«الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَأْكُلُوا جَسَدَ ابْنِ الإِنْسَانِ وَتَشْرَبُوا دَمَهُ، فَلَيْسَ لَكُمْ حَيَاةٌ فِيكُمْ. 54مَنْ يَأْكُلُ جَسَدِي وَيَشْرَبُ دَمِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ، 55لأَنَّ جَسَدِي مَأْكَلٌ حَق وَدَمِي مَشْرَبٌ حَق. 56مَنْ يَأْكُلْ جَسَدِي وَيَشْرَبْ دَمِي يَثْبُتْ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ. 57كَمَا أَرْسَلَنِي الآبُ الْحَيُّ، وَأَنَا حَيٌّ بِالآبِ، فَمَنْ يَأْكُلْنِي فَهُوَ يَحْيَا بِي. 58هذَا هُوَ الْخُبْزُ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ. لَيْسَ كَمَا أَكَلَ آبَاؤُكُمُ الْمَنَّ وَمَاتُوا. مَنْ يَأْكُلْ هذَا الْخُبْزَ فَإِنَّهُ يَحْيَا إِلَى الأَبَدِ». 59قَالَ هذَا فِي الْمَجْمَعِ وَهُوَ يُعَلِّمُ فِي كَفْرِنَاحُومَ.” (يو6: 52-59)
+++
تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي
“هذا هو الخبز الذي نزل من السماء، ليس كما أكل آباؤكم المن وماتوا،
من يأكل هذا الخبز فإنه يحيا إلى الأبد”. (58)
v سبق فأخبر النبي ملاخي أحد الأثني عشر: “ليست لي مسرة بكم قال الرب القدير، ولا أقبل تقدمه من يدكم، لأنه من مشرق الشمس إلى مغربها اسمي عظيم بين الأمم، وفي كل مكان يُقرب لاسمي بخور وتقدمه طاهرة، لأن اسمي عظيم بين الأمم “(ملا 1:10-11). تشير هذه الكلمات بطريقة واضحة أن الشعب القديم (اليهود) سيتوقفون عن تقديم التقدمات لله، وإنما في كل موضع ستقدم إليه ذبيحة طاهرة، وإن اسمه سيتمجد بين الأمم. ولكن أي اسم لآخر يتمجد بين الأمم مثل ذاك الذي لربنا، الذي به يتمجد الآب والإنسان أيضًا؟ ولأن هذا هو اسم ابنه الذي صار جسدًا بواسطته لذا يدعوه “اسمه”.
القديس ايريناؤس
v يليق بالأبدي أن يعطي ما هو أبدي، لا أن يعطي تمتعًا بطعامٍ وقتي بالكاد يقدر أن يدوم لحظات قليلة… يليق بالذي نزل آنذاك أن يجعل المشتركين في تناوله أسمى من الموت والاضمحلال.
v إذن نحن نحيا به، بتناولنا إيّاه، أي بنوالنا الحياة الأبدية، التي ليست لنا من ذواتنا.
من جهة هو حي بالآب الذي أرسله، إذ أخلى نفسه، وأطاع حتى موت الصليب” (في 2: 8)…
بقوله “أنا حيّ بالآب” يعني أنه من الآب، وليس الآب منه؛ يقال هذا دون مساس مساواته له. وأما بقوله: “من يأكلني فهو يحيا بي” لا يعني أن مساواته للآب كمساواتنا نحن له، وإنما يظهر نعمة الوسيط “هذا هو الخبز الذي نزل من السماء” (58).
بأكله نحيا، إذ لا نستطيع أن تكون لنا الحياة الأبدية من أنفسنا. يقول: “ليس كما أكل آباؤكم المن وماتوا، من يأكل هذا الخبز فإنه يحيا إلى الأبد” (58). لأن هؤلاء الآباء موتى، ويُفهم منه أنهم لا يعيشوا إلى الأبد (بواسطة المن). أما الذين يتناولون المسيح فبالتأكيد يموتون وقتيًا لكنهم يحيون أبديًا، لأن المسيح هو حياة أبدية.
تفسير الأب متى المسكين
58:6- هَذَا هُوَ الْخُبْزُ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ. لَيْسَ كَمَا أَكَلَ آبَاؤُكُمُ الْمَنَّ وَمَاتُوا. مَنْ يَأْكُلْ هَذَا الْخُبْزَ فَإِنَّهُ يَحْيَا إِلَى الأَبَد.
وعودة المسيح على ذي بدء لنفس الآية التي انطلق منها ليشرح لليهود معنى الخبز الحقيقي النازل من السماء، هذا الذي يطلبونه بخداع البصر كأنه المن القديم، هذا الرجوع والذي يختم به المسيح شرحه المطول، يثبت أن نظر المسيح المثبت على اليهود المحاججين كما هو لم ينحرف، فهم كانوا من البداية إلى النهاية الهدف الذي سلط عليه كل إعلاناته. ولكن للأسف لم تكن لهم أذن تسمع، ولا عيون تبصر, فأباؤهم أكلوا المن وماتوا, وهم اشتهوا أن يأ كلوه, فما أكلوه، وما عاشوا.
فكان كلام المسيح عل آذانهم كلغز بقي بلا حل، أو بحسب قول المسيح نفسه: «لكم قد أعطي أن تعرفوا أسرار ملكوت الله، وأما للباقين فبأمثال حتى إنهم مبصرين لا يبصرون وسامعين لا يفهمون» (لو10:8). وليمعن القارىء ملياُ في كلمة «أسرار ملكوت الله»، لأنها هي هي موضوع حديثه في الجسد والدم، كما يلاحظ أن أسرار ملكوت الله تعبر عن العيون فلا تراها وعلى الآذن فلا تسمعها لأن سر الرب لمتقيه (أو لخائفيه) (مز14:25). والذي يصدق أقوال الله وهي كلها تحمل سر الله، فالله يعلن له أسراره فيفهمها ويسر بها: «تأتي ساعة حين لا أكلمكم أيضا بأمثال، بل أخبركم عن الآب علانية» (يو25:16)، وهذا تم بالحرف الواحد في عشاء الخميس، وفي يوم الخمسين.
«هذا هو الخبز»: في هذه الكلمة الصغيرة «هذا هو» يعبر الرب بشريط أقواله كلها من «الخبز النازل من السماء» إلى «من يأكلني يحيا بي»، والتي انتهى بها إلى، والتي تحوي في داخلها، سر موت الرب وقيامته. فالأكل يحمل، بقوة، معنى الذبيحة المذبوحة. «ويحيا بي» يحمل معنى القيامة والحياة. والاثنان معاً يحملان الشركة الكاملة السرية في فعل وقوة الفداء والخلاص. كما يطرحان، مسبقاً، سر الإفخارستيا الذي سيأتيه الرب في وقته.
كما يلاحظ القارىء أن كلمة «هذا هو» تجيء لتشير إشارة مباشرة ومنطبقة انطباقأ سرياً على قول المسيح «أنا هو». لأن الخبز النازل من السماء أصبح واقعاً حياً ملموساً مشخصاً في المتكلم، أي ابن الله الكلمة المتجسد الذي ذُبح فعلاً وقام وهو حي.
تفسير القمص أنطونيوس فكري
آية (58): “هذا هو الخبز الذي نزل من السماء ليس كما أكل آباؤكم المن وماتوا من يأكل هذا الخبز فانه يحيا إلى الأبد.”
المسيح يكرر حتى لا يطلبوا المن القديم ولكن للأسف لم يفهموا. هذا هو الخبز= كما يظهر لنا لكنه فيه حياة أبدية.