تفسير المزمور 20 للقمص متى المسكين

المزمور العشرون
لرئيس الموسيقيين. مزمور لداود

دراسة:

مزمور (20) ومزمور (21) لهما سمات مشتركة في التكوين وفي المحتوى. وكلاهما مزمور ليتورجي: الأول شفاعي والآخر للشكر وفي الاثنين يكون الملك هو ممثل ليهوه وممثل للشعب بآن، وهو الشخصية البارزة في المزمور والخلاص أو النصرة التي يعطيها يهوه له هو الفكر القائد.

في المزمور العشرين الملك يرتب ليذهب إلى الموقعة ضد أعداء ذوي كيان هام. وقبل أن يبدأ يقدم ذبائح رسمية ويطرح قضيته ليهوه المعطي النصرة وحده.

والمزمور كان في الظاهر المقصود منه أن يُرنّم به أثناء تقديم الذبيحة، ففيه روح البساطة بالإيمان في معونة يهوه، فأعداء إسرائيل يعتمدون على قوتهم المادية لجنودهم، وإسرائيل يثق بأمانة في يهوه وحده.

والمزمور الواحد والعشرون فيه الموقعة قد انتهت والنصرة تمت فالشعب مع ملكهم اجتمعوا ثانية ليقدموا الشكر من أجل الخلاص الذي حققه يهوه لهم. وفي وهج النصرة توقعوا بثقة النصرات القادمة في المستقبل لملكهم.

وليس هناك إلا القليل لتحديد المناسبة لهذين المزمورين فعنوان المزمور العشرين في النص السرياني ينسبه لداود في حربه مع العمونيين، ولكن بعض الشراح يرون في العدد (7) تلميحاً للمركبات والخيول التي للسوريين الذين كانوا متحالفين مع العمونيين انظر: (2صم 8: 4، 10: 18):

+ «فأخذ داود منه (أي من ملك صوبة) ألفاً وسبع مائة فارس وعشرين ألف راجل. وعرقب داود جميع خيل المركبات وأبقى منها مائة مركبة».

+ «وهرب أرام من أمام إسرائيل وقتل داود من أرام سبع مائة مركبة وأربعين ألف فارس وضرب شوبك رئيس جيشه فمات هناك».

وأيضاً: (2صم 12: 29و 30):

+ «فجمع داود كل الشعب وذهب إلى ربة (Rabbah) وحاربها وأخذها وأخذ تاج ملكهم عن رأسه ووزنه وزنة من الذهب مع حجر كريم وكان على رأس داود وأخرج غنيمة المدينة كثيرة جدا».

والقيمة الشخصية المهمة المعطاة للملك كونه قائداً للجيش، وروح البساطة في الثقة بيهوه وليس في القوات المادية هذه تشير إلى زمن مبكّر وليس متأخراً. فإذا كان المزمورين لداود فمن الطبيعي أن نقترح أنهما قد كتبا بواسطة شاعر غير الملك نفسه.

والمزمور العشرون يتكون من وقفتين مع آيات تابعة.

الوقفة الأولى: شفاعة الشعب للملك، ترنم بواسطة الجماعة أو بواسطة اللاويين أثناء تقديم الذبيحة (1-5)

الوقفة الثانية: كاهن أو نبي (أو ربما الملك نفسه) يُعلن قبول الذبيحة وبثقة يتوقع النصرة (6-8).

ثم يختم بصلاة لكل الجماعة (9).

شرح وتفسير المزمور 20 على مستوى كل التوراة

1- 5 صلاة الشعب من أجل نجاح الملك.

۱ – «لِيَسْتَجِبْ لَكَ الرَّبُّ فِي يَوْمِ الضِّيقِ. لِيَرْفَعْكَ اسْمُ إِلهِ يعْقُوبَ»:

«يوم الضيق»:

أو الحزن عندما تضغط عليه المصائب، وتتجمع الغزاة خاصة، انظر: (مز 46: 1):

+ «الله لنا ملجأ وقوة، عوناً في الضيقات وُجد شديداً».

وأيضاً: (عد 10: 9):

+ «وإذا ذهبتم إلى حرب في أرضكم على عدوّ يَضُرُّ بكم تهتفون بالأبواق فتذكرون أمام الرب إلهكم وتُخلصون من أعدائكم».

«اسم إله يعقوب»:

لكي إله يعقوب يستعلن نفسه، لكي يحقق كل ما يعني الاسم من معاني، لكي يكون هو حصن التجاء انظر: (مز 9: 9)

+ «ويكون الرب ملجأ للمنسحق، ملجأ في أزمنة الضيق».

وأيضاً: (مز 18: 2):

+ «الرب صخرتي وحصني ومنقذي. إلهي صخرتي به أحتمي».

وأيضاً: (أم 18: 10):

+ «اسم الرب برج حصين. يركض إليه الصديق ويتمنع». 

«إله يعقوب»:

يأتي مرادفاً لإله إسرائيل، انظر: (مز 46: 7 و11):

+ «رب الجنود معنا ملجأنا إله يعقوب سلاه … رب الجنود معنا ملجأنا إله يعقوب. سلاه».

إلا أن اختيار هذا الاسم يوحي بعناية يهوه الحامية لرئيس الآباء يعقوب الجد الأول للأمة. وتأتي بنفس اللغة في: (تك 35: 3)

+ «ولنقم ونصعد إلى بيت إيل. فأصنع هناك مذبحاً لله الذي استجاب لي في يوم ضيقتي وكان معي في الطريق الذي ذهبت فيه».

والإشارة إلى يعقوب وتاريخه انظر: (هو 12: 4)

+ «جاهد الملاك مع وغلب. بكى واسترحمه، وجده في بيت إيل وهناك تكلم معنا».

+ «والرب إله الجنود يهوه اسمه.» (هو 12: 5)

2 – «لِيُرْسِلْ لَكَ عَوْنًا مِنْ قُدْسِهِ، وَمِنْ صِهْيَوْنَ لِيَعْضُدْكَ.»:

«عوناً من قدسه»: الهيكل الأرضي. «يَعضدك»: يقويك.

3 – «لِيَذْكُرْ كُلَّ تَقْدِمَاتِكَ، وَيَسْتَسْمِنْ مُحْرَقَاتِكَ. سِلاَهْ.»:

يذكر ذبائحك التي قدَّمتها كلها في القديم، التي قدَّمها الملك ليعبر بها عن تقواه واعتماده على يهوه، فيقبلها، التي كرسها بخصوص بعثته القادم عليها. وبخصوص الذبيحة قبل الحرب، انظر: (1صم 7: 9 و10):

+«فأخذ صموئيل حملاً رضيعاً وأصعده محرقة بتمامه للرب وصرخ صموئيل إلى الرب من أجل إسرائيل فاستجاب له الرب».

+ «وبينما كان صموئيل يصعد المحرقة تقدّم الفلسطينيون لمحاربة إسرائيل فأرعد الرب بصوت عظيم في ذلك اليوم على الفلسطينيين وأزعجهم فانكسروا أمام إسرائيل».

وأيضاً: (1صم 13: 9-12):

+ «فقال شاول قدموا إلي المحرقة وذبائح السلامة. فأصعد المحرقة. وكان لما انتهى من إصعاد المحرقة إذا صموئيل مقبل فخرج شاول للقائه ،ليباركه فقال صموئيل ماذا فعلت. فقال شاول لأني رأيت أن الشعب قد تفرق عني وأنت لم تأت في أيام الميعاد والفلسطينيون متجمعون في مخماس، فقلت الآن يتزل الفلسطينيون إلي إلى الجلجال، ولم أتضرع إلى وجه الرب، فتجلدت وأصعدت المحرقة».

والقصد من المحرقة أن يقدّس الرب الحرب لحسابه، انظر: (إر 6: 4):

+ «قدسوا عليها حرباً. قوموا فنصعد في الظهيرة ويل لنا لأن النهار مال لأن ظلال المساء امتدت».

«لیذکر»:

ربما إشارة إلى التذكار الذي كان يُقام مع المحرقة وهو جزء من التقدمة التي كان يحرقها الكاهن على المذبح وكانت تسمى تقدمة التذكار، انظر: (أع 10: 4):

+ «فلما شخص إليه ودخله الخوف قال ماذا يا سيد. فقال له صلواتك وصدقاتك صعدت تذكاراً أمام الله».

« يستسمن محرقاتك»:

وكأنها دهن لأنه أميز جزء من الذبيحة وكان نصيب يهوه وكان يُحرقه دائماً، انظر: (لا 3: 3و4): «ويقرب من ذبيحة السلامة وقوداً للرب الشحم الذي يغذّي الأحشاء وسائر الشحم الذي على الأحشاء والكليتين والشحم الذي عليهما الذي على الخاصرتين وزيادة الكبد مع  الكليتين ينزعها».

4- «لِيُعْطِكَ حَسَبَ قَلْبِكَ، وَيُتَمِّمْ كُلَّ رَأْيِكَ.»:

«حسب قلبك»:

جاءت هكذا في العبري. وتوضحها بعض الترجمات «حسب شهوة قلبك» كما جاءت في: (مز 21: 2)

«رأيك» = مشورتك:

مشورة الحرب، انظر: (2صم 16: 20)

+ «وقال أبشالوم لأخيتو فل أعطوا مشورة ماذا نفعل».

وأيضاً: (2مل 18: 20):

+ «قلت إنما كلام الشفتين هو مشورة وبأس للحرب …».

5 – «نَتَرَنَّمُ بِخَلاَصِكَ، وَبِاسْمِ إِلهِنَا نَرْفَعُ رَايَتَنَا. لِيُكَمِّلِ الرَّبُّ كُلَّ سُؤْلِكَ.»:

لا تزال الصلاة مستمرة.

«بخلاصك»:

يهوه نفسه كان هو مخلّص إسرائيل وكان الملك مختار يهوه الوسيلة لخلاص الشعب، انظر: (2صم 3: 18)

+ «والآن افعلوا. لأن الرب كلَّم داود قائلاً: إني بيد داود عبدي أخلص شعبي إسرائيل من يد الفلسطينيين ومن أيدي جميع أعدائهم»!

«نرفع رايتنا»:

بالأكثر نحركها علامة النصر، انظر: (عد 1: 52):

+ «ويتزل بنو إسرائيل كل في محلته وكل عند رايته بأجنادهم».

وأيضاً: (عد 2: 3):

+ «فالنازلون إلى الشرق نحو الشروق راية محلة يهوذا حسب أجنادهم».

وأيضاً: (نش 6: 4 و10):

+ «أنت جميلة يا حبيبتي كترصة حسنة كأورشليم مرهبة كجيش بألوية (حيث اللواء هو راية الجيش)».

+ «من هي المشرفة مثل الصباح جميلة كالقمر طاهرة كالشمس مرهبة كجيش بألوية».

«ليكمل الرب كل سؤلك»:

دعاء ترجي، انظر: (مز 21: 2):

+ «شهوة قلبه أعطيته وملتمس شفتيه لم تمنعه. سلاه».

مزمور 20 : 6-8

الذبيحة قدمت. وبالإيمان اعتبروا أن الله قد قبلها وفي قبولها رأوا النصر بالإيمان، وصوت كاهن أو أو ربما الملك نفسه يُسمع الآن معلناً هذه الثقة (6) ومعلناً في نفسه والشعب ثقتهم بيهوه وحده (7 و 8).

٦ – «اَلآنَ عَرَفْتُ أَنَّ الرَّبَّ مُخَلِّصُ مَسِيحِهِ، يَسْتَجِيبُهُ مِنْ سَمَاءِ قُدْسِهِ، بِجَبَرُوتِ خَلاَصِ يَمِينِهِ. »:

انظر: (مز 56: 9)

+ «حينئذ ترتد أعدائي إلى الوراء في يوم أدعوك فيه. هذا قد علمته لأن الله لي».

وأيضاً: (مز 135: 5):

+ «لأني أنا قد عرفت أن الرب عظيم وربنا فوق جميع الآلهة».

«مُخلّص»:

صحتها قد خلص ولكن بتأكيد المستقبل أي سوف بالتأكيد يخلّص، وهكذا بالإيمان تكون النصرة قد كسبت.

«مسیحه»

هو لقب الملك باعتبار تكريسه ليهوه، وهذه دعوة لحقه أن ينتظر معونة يهوه. انظر: (حب 3: 13)

+ «خرجت لخلاص شعبك لخلاص مسيحك سحقت رأس بيت الشرير معرّياً الأساس . حتى العنق. سلاه».

«يستجيبه من سماء قدسه»

التي تمثلها على الأرض صهيون كنموذج أرضي.

«بجبروت خلاص يمينه»

بأعمال الخلاص القوية ليمين العلي، انظر: (مز 106: 2)

+ «من يتكلم بجبروت الرب من يخبر بكل تسابيحه».

وأيضاً (مز 150: 2)

+ «سبَّحوه على قواته، سبحوه حسب كثرة عظمته».

وهذا ما تعمله يمين العلي، انظر: (مز 17: 7)

+ «میز مراحمك يا مخلص المتكلين عليك بيمينك من المقاومين».

وأيضاً: (مز 110: 5):

+ «الرب عن يمينك يحطم في يوم رجزه ملوكاً».

وأيضاً: قارن (مز 21: 13)

+ «ارتفع يا رب بقوتك، نرنم وننعم بجبروتك».

7- «هؤُلاَءِ بِالْمَرْكَبَاتِ وَهؤُلاَءِ بِالْخَيْلِ، أَمَّا نَحْنُ فَاسْمَ الرَّبِّ إِلهِنَا نَذْكُرُ.»:

الأعداء وثنيون مثل فرعون وسنحاريب انظر: (2مل 19: 23)

+ «على يد رسلك عيّرت السيد وقلت بكثرة مركباتي قد صعدت إلى علو الجبال إلى عقاب لبنان، وأقطع أرزه الطويل وأفضل سروه، وأدخل أقصى علوه وعر كرمله».

«أما نحن فاسم الرب إلهنا نذكر (ندعو)»:

هذه ستكون كلمتنا السرية ،وقوتنا انظر: (1صم 17: 45):

+ «فقال داود للفلسطيني أنت تأتي إلي بسيف وبرمح وبترس وأنا آتي إليك باسم رب الجنود إله صفوف إسرائيل الذين عيرتهم».

وأيضاً: (2أخ 16: 8 و9):

+ «ألم يكن الكوشيون واللوبيون جيشاً كثيراً بمركبات وفرسان كثيرة جدا. فمن أجل أنك استندت على الرب دفعهم ليدك. لأن عيني الرب تحولان في كل الأرض ليتشدد مع الذين قلوبهم كاملة نحوه …».

وأيضاً: (مز 33: 16):

+ «لن يخلُص الملك بكثرة الجيش. الجبار لا يُنقذ بعظم القوة».

وأيضاً: (إش 26: 13):

+ «أيها الرب إلهنا قد استولى علينا سادة سواك بك وحدك نذكر اسمك».

وأيضاً: (هو 1: 7):

+ وأمَّا بيت يهوذا فأرحمهم وأخلّصم بالرب إلههم ولا أخلصهم بقوس وبسيف وبحرب وبخيل و بفرسان».

8- «هُمْ جَثَوْا وَسَقَطُوا، أَمَّا نَحْنُ فَقُمْنَا وَانْتَصَبْنَا.»:

«هم جثوا وسقطوا»

انظر: (مز 18: 39)

+ «تمنطقني بقوة للقتال. تصرع تحتي القائمين علي».

ولا تزال هنا اللغة لغة الإيمان تتوقع خضوع العدو ونصرة إسرائيل.

9 – «يَا رَبُّ خَلِّصْ! لِيَسْتَجِبْ لَنَا الْمَلِكُ فِي يَوْمِ دُعَائِنَا!»:

صلاة الختام للشعب.

الصلاة هي من نحو الملك الأرضي يخاطب بها الملك السماوي الذي هو ممثله على الأرض. على أن يهوه لم يُخاطب قط باسم الملك إلا في لغة داود، انظر: (مز 145: 1):

+ «أرفعك يا إلهي الملك وأبارك اسمك إلى الدهر والأبد» (المزمور لداود).

ونجد صداها في (إش 6: 5)

+ «فقلت ويل لي أني هلكت لأني إنسان نجس الشفتين وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين لأن عيني قد رأتا الملك رب الجنود».

أما في نسخة الفولجاتا والسبعينية فتقرأ: «أيها الرب خلّص الملك واستجب لنا». وهي الجملة التي ذهبت في العالم كله للدعاء للملك الأرضي: God Save The King وعلى هذه انظر: (1صم 10: 24)

+ «فقال صموئيل لجميع الشعب أرأيتم الذي اختاره الرب أنه ليس مثله في جميع الشعب فهتف كل الشعب وقالوا: ليحيى الملك».

تفسير مزمور 19مزمور 20تفسير سفر المزاميرتفسير العهد القديمتفسير مزمور 21
القمص متى المسكين
تفاسير مزمور 20تفاسير سفر المزاميرتفاسير العهد القديم
 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى