العظات الخمسون للقديس أنبا مقار

ما تزرعه النفس إيَّاه تحصد

 العظة السادسة عشر من العظات الخمسون للقديس أنبا مقار

[في أن الأناس الروحانيين يتعرضون لتجارب وشدائد جراء الخطيئة الأولى]

+++

[أ] حرية اختيار النفس للخير أو الشر

1 – إن كل الجواهر العقلية ، أعني تلك التي للملائكة والنفوس والشياطين ، قد خلقها الباری عديمة الشر وغاية في البساطة. أما عن جنوح بعض منها إلى الشر ، فقد صار ذلك لهم بحرَيَّة إرادتهم، لأنهم بمشيئتهم الخاصة قد حادوا عن الفكر اللائق. لكن إن كنا نقول إنَّ البارئ قد خلقهم هكذا ، فنحن بهذا نصمُ الله بالظلم لأنه يرسل الشيطان إلى النار. فإن قوماً من الهراطقة يزعمون أن المادة أزلية والمادة هي الأصل ، وهذا الأصل هو قوة ذات قدرة معادلة ( لتلك التي لله ) ، فلك – عن صواب ۔ أن ترد على هذا الزغم قائلا : ” فأي القوتين في النهاية يكون لها الغلبة ؟ بالضرورة تلك التي لله ، وعلى هذا فالتي انغلبت لا تكون بعد مساوية في الزمن ولا معادلة في القدرة. فالذين ينادون بأن للشر وجوداً جوهرياً لا يعرفون شيئاً، لأنه ليس هناك وجود جوهري للشر عند الله بسبب كيانه الإلهي المُبرَّا من الأوجاع ، أما فينا نحن فالشر يعتمل بكل قوَّة في جميع حواسنا ، حاضَّا على سائر الشهوات الأثيمة . غير أنه لا يمتزج بنا امتزاج الخمر بالماء ، على ما يدَّعي البعض ، بل كما في حقل واحدٍ تكون الحنطة على يديها والوان على يديه ، وكما في بيتي يكون اللص في جانب وسيد البيت في جانب آخر.

2 – فقد يكون هناك بئر ينبع ماءً صافياً، غير أن طيناً يرسب في قاعه، فحالما يحرك الطين يتعگر كل البئر ؛ هكذا النفس أيضاً حينما تضطرب تتعكر بالشر وتمتزج به ، ويصبح الشيطان مع النفس – کونهما روحين – شيئاً واحداً في اقتراف الزنى أو القتل ، لأجل هذا « فالذي يلتصق بزانية هو جسد واحد». بيد أنه في ساعة أخرى تكون النفس موجودة على حدتها ، فتندم على ما اقترفته وتبكي وتصلي وتتذكر الله. فلو كانت النفس غائضة في الشر كل حين ، فمن أين لها أن تصنع هذا ، والشيطان لا يريد أبداً أن يُقبل الناس إلى التوبة لأنه بلا رحمة ؟ فالمرأة ، على قدر ما هي مرتبطة بالرجل تصير واحداً معه ، لكنهما في ساعة أخرى يكونان منفصلين ، إذ كثيراً ما يعرض أن يموت أحدُهما فيما يظل الآخر حياً ؛ هكذا شيء من هذا القبيل يكون في شركة الروح القدس ، إذ يصبح الروح القدس والنفس واحدا ، « لأن الذي يلتصق بالرب هو روح واحد » ، أما هذا فيحدث حينما ينغمر الإنسان في النعمة عينها .

[ب] تواجد نعمة الله في النفس الخاطئة

3 – فإنه يوجد البعض ممن قد نعموا بمذاقة الله ، لا يزال يعمل فيهم المقاوم ، وهم – إذ لا خبرة لهم – يأخذهم العجب كيف بعد افتقاد الله تعتمل فيهم أفكار ضد أسرار المسيحية ، وأما الذين تمرَّسوا على هذه الأمور فلا يستغربون . وكما أن المزارعين المحنكين من كثرة الاعتياد ، حين يصير خصب لا يطمئنون بالتمام بل يتوقعون أيضاً الوبا والضيق ، وكذلك حين يدركهم وبأ أو ضيق لا يفقدون الرجاء بالكلية عالمين بتغير الأمور ؛ هكذا أيضا في العالم الروحاني : فحينما تكتنف النفس تحارب متنوعة ، فإنها لا تستغرب ولا تفقد رجاءها ، لأنها تعلم أنها تُترك بسماح ( من الله ) لگیما تتزكی وتُؤدب من الشر ، وكذلك حينما تغدو في غني روحاني جزيل وراحة ، لا تطمئن بل تتوقع تبدل الحال . والشمس ، وإن تكن مادية ومخلوقة ، حين تشرق على المواضع المُنتنة حيث الوحل والقاذورات ، لا يُضيرها هذا في شيء ولا تتنجس ؛ فكم بالحري الروح القدس النقي الملازم للنفس التي لا يزال الشر يعتمل فيها ، فإن شيئاً من هذه الأمور لا يُداخله ، لأن « النور يضيء في الظلمة ، والظلمة لم تدركه».

4 – ففيما يكون الإنسان في عمق النعمة وغناها ، لا تزال فيه بقية من الشر ، إلا أن ناصره يكون له مُعيناً. لذلك فحين يكون أحد في ضيقات وأهواء عاصفة ، فينبغي له ألا يفقد رجاءه ، وإلا فسوف تستشري الخطيئة بالأكثر وتتوغل ؛ أما حين يكون لأحد رجاء في الله على الدوام ، فالشر يصبح وكأنه يتضاءل ويضعف. فأن يكون هناك أناس مفلوجون أو مشوهون ، مشتعلون بالحمى أو مرضی ، فهذا قد صار بسبب الخطيئة لأنها هي أصل لكل الشرور ، ومنها تنبع أهواء شهوات النفس والأفكار الشريرة . كمثل أن يكون هناك منهل دافق وإلى جواره مستنقعات رطبة، فإذا ما صار حر فالمنهل نفسه سيجف وكذا المواضع المتاخمة له ؛ هكذا أيضاً بالسبة إلى عبيد الله الذين تفيض عليهم النعمة ، فإنها تُجفف الشهوة التي من الشرير وكذا تلك الطبيعية ، لأن رجال الله الآن هم أعظم من آدم الأول.

5- فالله لا يُحد ولا يُدرك ، وهو ظاهر في كل مكان : في الجبال وفي البحر وأسفل الهاوية ، لكن دون أن يغير موضعه مثلما تفعل الملائكة في نزولها من السماء إلى الأرض ، لأنه كائن في السماء وهنا أيضاً. لكنك سوف تسألني : كيف يمكن لله أن يكون في جهنم ، أو كيف يمكنه أن يكون في الظلمة ، أو في الشيطان ، أو في الأماكن المُنتنة ؟، فأجيبك أنا أيضا بأ الله مُبرأ من الآلام وأنه يحوي كل الأشياء لأنه غير محدود ، أما الشيطان فلكونه خليقته فهو مقيد ، فإن ما هو صالح لا يتنجس ولا تغشاه ظلمة . أما إن كنت تغفل القول بأن الله يحوي كل الأشياء ، وضمناً جهنم والشيطان ، فأنت بهذا تحده خارج ذلك الموضع حيث يكون الشرير ، حتی نطلب – إذ ذاك – إلها آخر أفضل منه !! لأنه من الضرورة بمكان أن يكون الله في كل موضع ، وأما الظلمة فلئن تكن محتواه فيه ، لكنها لا تطاله بسبب سر لاهوته وترفعه عن المادة والشر كذلك – وإن يكن هو أيضا محتوى فيه – ليس بمستطيع أن يصيب نقاوته ، فإن شيئاً من الشر لا يوجد عند الله ، إذ إنه لا يتضرر من شيء .

6 – أما فينا نحن ، فالشر موجود بواسطة سكناه في القلب وعمله فيه ، إذ يُوعز بأفكار شريرة أثيمة ، ولا يدعنا نصلي بنقاوة بل يسبي العقل إلى هذا الدهر، فلقد لبس النفوس، بل وبلغ إلى العظام والـمخاخ. فكما أن الشيطان موجود في الهواء، والله متواجد معه دون أن يتضرر في شيء؛ هكذا في النفس أيضاً توجد الخطيئة، وتكون نعمة الله حاضرة معها ولا يضيرها هذا في شيء. كمثل أن يكون هناك عبد إلى جوار سيده، فلأنه في كان حين قريب جداً منه، يكون في خوف ولا يفعل شيئاً من دونه؛ هكذا نحن أيضاً ينبغي لنا أن نسلم أفكارنا لسيدنا المسيح العارف القلوب ونُظهرها له، ويكون لنا فيه رجاء وثقة قائلين “إنه هو غناي، وهو أبي، وهو مجدي”، فلذلك يتوجب عليك دائما أن تقتني في ضميرك اهتماما وخشية. أما إن كان أحد ليس له نعمة الله مغروسة وراسخة في ذاته، حتى إما تكون مثل شيء طبيعي ملتصق بنفسه ليل نهار يقوده كل حين ويوقظه ويعضده نحو الصالحات، فليكن له في هذه الحال اهتمام وخوف ووجع، كأمر طبيعي لا يتغير، وكذا انسحاق قلب راسخ على الدوام.

[ج] اقتناء الرب هو تجارة النفس الرابحة

7 – كما أن النحلة تصنع أقراص العسل في الخفاء في الخلية ، هكذا أيضاً النعمة تُنشئ في الخفاء داخل القلوب محبتها الخاصة بها، وتحوَل القلوب من المرارة إلى الحلاوة ومن القساوة إلى الليونة . فعلى غرار الصائغ والنحات ينقش على صفيحة فيغطي جزئياً الصور المختلفة التي ينقشها ، وحينما يفرغ منها يظهرها حينئذ للنور لامعة ؛ هكذا الرب أيضاً ، الفنان الحقيقي ، ينقش على قلوبنا ويجددها خفية ، إلى أن تتغرب عن الجسد، وحينذاك يتكشف جمال النفس. فالذين يريدون أن يصنعوا أواني وينقشوا عليها أشكالاً، يصوغون أولاً قالباً في الشمع ثم يصبون الأواني طبقا لذلك القالب حتى يكتمل العمل بحسب هذا الشكل ؛ هكذا أيضا الخطيئة – وهي من الأمور الروحية – لها صورة معينة ، وتغير نفسها (بدءاً من هذه الصورة) إلى أشكال كثيرة ؛ بالمثل أيضاً الإنسان الباطن هو شكل ما ، له صورته ومنظره ، لأن الإنسان الباطن مشابة للإنسان الخارج ، فهو إناء عظيم وكريم ، لأنه من بين جميع الخلائق قد سُر الرب به. فالأفكار الصالحة التي للنفس تشبه أحجاراً كريمة ولآلئ ، أما الأفكار النجسة فهي مملوءة عظام أموات وكل نجاسة ونتن. 

8 – فالمسيحيون إنما هم من دهر آخر ، أبناء آدم السماوي ، جنس جدید ، أولاد الروح القدس ، إخوة منيرون للمسيح ، مشابهون لأبيهم آدم الروحاني المنير ؛ هم من تلك المدينة ومن ذلك الجنس ومن تلك القوة . هم ليسوا من هذا العالم بل من عالم آخر ، لأنه هو نفسه يقول : « لستم من هذا العالم ، وأنا لست من هذا العالم » ( یو 16:17- حسب النص). ولكن كما أن التاجر حين يؤوب من إقامته في مواضع متعدددة وقد تضاعفت تجارته ، يرسل إلى ذويه وأقاربه لكيما تُقام له المنازل والبساتين ويُعد له ما يلزم من الثياب ؛ وحين يعود إلى خاصته ، يجلب حينذاك غنی جزيلاً، ويقبله أهله وأقاربه بفرح عظیم ؛ هكذا أيضاً في الأمور الروحية ، إن كان قوم يتَّجرون في الغنى السماوي ، فإن أهل مدينتهم، أي أرواح القديسين والملائكة ، يعلمون هذا ويعجبون قائلين : ” إلى هذا الغنى العظيم بلغ إخوتنا الذين على الأرض” ! فإنهم ( هؤلاء التُّجار الروحانيون ) ، إذ يقتنون الرب معهم عند انحلالهم ، يمضون بفرح عظيم إلى الذين في العلاء حيث يستقبلهم هناك خواص الرب وقد أعدوا لهم منازل وبساتين وثياباً كاملة البهاء غالية الثمن.

[د] يلزم ألا يفارق خوف الله قلوبنا 

9- فالحاجة ماسة إذاً إلى الاعتدال في كل شيء ، لكي لا تنقلب حتَّی الصالحات التي نظن أننا نقتنيها لضررنا. لأن الذين بطبيعتهم لطفاء ، إن لم يحرسوا أنفسهم ، فبهذا اللطف عينه يُجرون شيئاً فشيئاً إلى أسفل ، والذين يحوزون الحكمة ، بهذه الحكمة نفسها يُسرقون . فيتوجب على الإنسان في كل الأمور ، أن يمزج اللطف مع الصرامة ، والحكمة مع التمييز ، والكلمة مع العمل ، والاتكال بالكلية على الرب مع عدم الاتكال على ذاته . لأن الفضيلة تُصلح بأنواع شتی ، كما أن أي طعام مما هو لازم للحياة يصلح بالتوابل أو بأشياء أخرى ، وذلك ليس بالعسل فقط ، بل وبالفلفل أيضا ، وهكذا يصبح نافعاً.

10- فالذين ينادون بأن ليس خطيئة في الإنسان هم أشبه بمن قد طمت فوقهم سيول مياهٍ كثيرة ، ولا يعترفون بهذا ، بل يقولون : ” نحن سمعنا صوت مياه!! هكذا مع كونهم هم أيضاً غرقى تحت عمق أمواج الشر ، لا يُقرون بأن الخطيئة في أذهانهم وأفكارهم. فأولئك الذين لهم الكلمة يلوكونها بألسنتهم وهم غير مصلحين بالملح السماوي ، ويتحدثون عن المائدة الملوكية مع كونهم لم يأكلوا منها ولا حازوها ، يختلف حالهم عمن يشاهد الملك ذاته ، وتُفتح له الكنوز ، فيدخل ويرث ويأكل ويشرب من تلك الأطعمة الكثيرة الثمن .

11 – كما لو أن هناك أماً لها ابن وحيد جميل الصورة جداً وحكيم ومُزدان بكل الصالحات وقد عقدت عليه كل آمالها، ثم حدث أنها دفنته بيديها ، فإذ ذاك يستولي عليها وجع لا ينقطع وحزن لا يمازجه عزاء؛ هكذا الفكر أيضاً، حينما تموت النفس عن الله ، يجب أن يحمل حزناً ودموعاً ووجاً لا ينقطع ، ويقتني له قلباً منسحقاً، ويصير تحت خوف واهتمام، ويكون له على الدوام جوع وعطش لما هو صالح. مثل هذا الإنسان تتلقفه نعمة الله ورجاؤه ، فلا يقبع بعدُ في مثل هذا الوجع بل يفرح کمن وجد کنزاً، إلا أنه لا يبرح مرتبعاً خشية أن يُضيعه إذا ما هاجمته لصوص. كمثل إنسان إذا ما كابد التزامات وخسائر كثيرة ونجا منها بعد جهد جهيد ، ثم بعد ذلك حصل على غنى عظيم وثروة وفيرة ، فإنه لا يعود يخشی خسارة بعد بسبب جزيل غناه الفائض ؛ هكذا الروحانيون أيضا ، فإنهم يجتازون أولاً في تجارب عديدة ومواضع مخيفة ، ثم بعد ذلك حينما يمتلئون نعمة ويفيضون بالصالحات ، لا يعودون يخافون بعد من الذين يبتغون سرقتهم ، وذلك لأن غناهم لم يعد يسيراً. على أن خوفاً لا ينفك مُنبثا فيهم ، لا خوف المبتدئين من الأرواح الشريرة ، بل خوف واهتمام كيف يتصرفون إزاء ما استؤمنوا عليه من مواهب روحية.

۱۲ – مثل هذا الإنسان تكون ذائه محتقرة عنده أكثر من جميع الخطاة والمنحلين ، وبقدر ما ينغمر في نور النعمة تكون نفسه عنده فقيرة ومسكينة في كل شيء من جميع الخطاة ، ويكون له مثل هذا الفكر مغرواً في نفسه كأمر طبيعي. وكلَّما يدخل إلى معرفة الله يكون عند نفسه جاهلاً، وعلى قدر ما يتعلم يكون وكأنه ما عرف شيئاً؛ أما هذه الأمور فتُتممها النعمة العاملة في النفس وكأنما أمور طبيعية. كمثل أن يكون هناك صبي يحمله شاب، وذلك الشاب الحامل له يسوقه أينما يشاء ؛ هكذا أيضاً النعمة العاملة في الأعماق تحمل الفكر وتُصعده إلى السماوات ، إلى العالم الكامل ، إلى الراحة الأبدية. ولكن في النعمة نفسها توجد قامات و مراتب ، فهناك فارق بين قائد الجيش الذي له حظوة لدى الملك وبين الوالي. كمثل بيت مملوء دځاناً حتى إنه يُسربه إلى الهواء خارجاً، هكذا الحال أيضا للنفس الممتلئة شراً، فإن الشر يندفع إلى خارج ويصنع ثمراً. فكما أن الذين قد وُكل إليهم ولاية مقاطعة أو استودعوا کنوزاً ملوكية يكونون كل الوقت في اهتمام لئلا يغضبوا الملك ، هكذا أيضاً الذين استؤمنوا على عمل روحاني يكونون كل حين في اهتمام ، ورغم كونهم في راحة يصيرون وكأن لا راحة لهم ، ذلك أن مملكة الظلمة التي غزت المدينة أي النفس ، والبرابرة الذين احتلوا مراعيها لا بد أن يطردوا منها .

۱۳ – فإن الملك المسيح يرسل لإنقاذ المدينة ، ويُقيد الظالمين ، ويأتي بقيادة سماوية وبأجناد من أرواح قديسة ويسكنها هناك كما في وطنها الخاص. وفي النهاية تضيء الشمس في القلب وتنطلق أشعتها سريعاً إلى كل الأعضاء ، وهنالك أخيراً يعم سلام عميق . وأما جهاد الإنسان ونضاله وامتحانه ونيته الصالحة من نحو الله ، فهذه تتجلى حين تنحسر النعمة ، فيتصرف برجولة ويصرخ نحو الله . ولكن حين تسمع أنت أن هناك أنهار تنانين ، وأفواه أسود ، وقوات مظلمة تحت السماء ، وناراً مستعرة ومتأججة في الأعضاء ، أتعد هذا گلا شيء ، غير عالم من دون قبولك لعربون الروح القدس ، يمسكون نفسك وقت خروجك من الجسد ولا يدعونك تصعد إلى السماوات ؟ هكذا أيضا حين سماعك عن كرامة النفس ، وكم أن الجوهر العقلي هو ثمين ، أما تفهم أن قوله « فلنصنع على صورتنا كشبهنا » ( تك1: 26- حسب النص) ، لا يقصد به الملائكة بل الطبيعة البشرية ، وأن « السماء والأرض تزُلان»، أما أنت فإنما دعيت للخلود ولتكون ابناً وأخاً وعروساً للملك ؟ لأنه في الأمور المنظورة كل ما هو للعريس فهو للعروس ؛ كذا كل ما هو للرب ، أياً كان ، فإنه يأتمنك عليه. لأنه قد جاءك بذاته ليشفع فيك ، لكيما يدعوك ثانية . وأنت أفما تعي وتفهم سمو منزلتك ؟! لذلك فبعدل يرثي سقوطك المرتل اللابس الروح قائلاً: « إنسان في گرامة ولم يفهم ، فقذ ماثل البهائم التي لا عقل لها وشابهها » ( مز 48: 21س ) ، والمجد للآب والابن والروح القدس إلى الدهور، آمین.

زر الذهاب إلى الأعلى