تفسير سفر إشعياء ٥٩ للقس أنطونيوس فكري

الإصحاح التاسع والخمسون

يظهر هنا كم أن الخطية خاطئة جداً وكم أن نعم الله كريمة جداً ونرى أن خطية الإنسان توقف مراحم الله وإحساناته. هنا يتحدث عن العصيان كعائق، عصيان الله يكون الحاجز للبركات الإلهية وحاجز يفصل بين الله والإنسان.

آيات 1-8

آيات (1، 2) ها أن يد الرب لم تقصر عن أن تخلص و لم تثقل أذنه عن أن تسمع. بل آثامكم صارت فاصلة بينكم و بين إلهكم و خطاياكم سترت وجهه عنكم حتى لا يسمع.

الله يسمع ويريد أن يخلص ولكن ما يمنع هذا هو خطايانا، فالذي يعيق عمل الخلاص إرادتي أنا لا إرادة الله، وهذا عين ما قاله السيد المسيح لليهود (مت 23 : 37).

 

آية (3) لان أيديكم قد تنجست بالدم و أصابعكم بالإثم شفاهكم تكلمت بالكذب و لسانكم يلهج بالشر.

الأيدي والأصابع والشفاه عوضاً عن أن تصبح آلات بر، أصبحت آلات إثم، فعوضاً عن أن ترتفع الأيدي بالصلاة والشفتين تسبحان، فالأيدي أصبحت تضرب بلكمة الشر (أش 58 : 4) والشفاه تهزأ بالناس (57 :4) والدم هنا قد يكون عثرة أحد الأبرياء = لأن أيديكم قد تنجست بالدم. فلنصلى نجنى من الدماء يا الله.

 

آيات (4، 6) ليس من يدعو بالعدل و ليس من يحاكم بالحق يتكلون على الباطل و يتكلمون بالكذب قد حبلوا

بتعب و ولدوا إثما.فقسوا بيض أفعى و نسجوا خيوط العنكبوت الآكل من بيضهم يموت و التي تكسر تخرج أفعى. خيوطهم لا تصير ثوبا و لا يكتسون بأعمالهم أعمالهم أعمال إثم و فعل الظلم في أيديهم.

نرى هنا 3 صور للخداع موجودة في الأشرار :

1) كمن يحبل بدون ولادة بنين

2) بيض لا يشبع بل يقتل.

3) نسيج عنكبوت لا يستر بل يقتل. فطبيعة الخطية الخداع وعاقبتها موت. ليس من يدعو بالعدل = الشعب وحكامه، الكل صاروا لا يحبون العدل، بل الكل يلجأ لشهادة الزور والباطل. الكل يجرى وراء خطاياه وشهواته حتى لو ظلم الآخرين. والخطايا عاقبتها دائماً الآلام = حبلوا بتعب فالله يسمح بهذه الآلام لعل الخاطئ يمتنع. ولكنهم لم يتوبوا وأصروا على تنفيذ خطاياهم والاستمرار فيها، والخطية طالما خرجت لخير الوجود يقال أن الخاطئ قد ولدها، أما وهى في طور التفكير يقال أنه حبل بها = وولدوا إثماً (يع 1 : 15) إذاً هم تعبوا وخططوا للخطية وصاحب ذلك ألاما سمح بها الله لعلهم يتوبون ولكن كان ذلك بلا فائدة إذ هم نفذوا الخطية.

ومنهم من يمارس أعمال تقوى ظاهرية ولكنه لا يمتنع عن ارتكاب الإثم فهذا كمن فقس بيض أفعى، من يكسره ليأكله يموت = الآكل من بيضهم يموت = أي من يتعامل بهم ويقتدي بهم. هنا لا نرى عملية ولادة، أي لا نرى خطايا ظاهرة بل نرى بيضاً، هنا غش وخداع، بيض يحمل هيئة أشياء صالحة للأكل. هذا كمن يقدم تعاليم عقائدية مغشوشة، أو كمن يقدم تعاليم نظرية وهو ينكر قوة التقوى، “لهم صورة التقوى وهم ينكرون قوتها”فيعيشون في خطاياهم ويبررونها فيعثرون الأبرياء. ولو تركت هذا البيض إلى حين ستظهر حقيقته ويخرج منه أفعى. فسواء كسر أو فقس فسيخرج شيئاً ساماً قاتلاً.

أما العنكبوت فهو ينسج خيوط ولكنها أبداً لا تصير ثوباً يكتسي به أحداً. و هكذا كل من يحاول أن يكتسي ببره الذاتي، أما دودة القز فتعطى ثياباً بهية جداً ولكنها تموت أولاً. ففي المسيح الذي مات أولاً نلبس ثياب البر، ثياب الخلاص. وهذا تفسيرل ” أما أنا فدودة لا إنسان” أي أنه بذل حياته لنكتسي نحن مجداً. وهناك تفسير آخر أن الخاطئ يتوهم أنه يبنى قلاعاً من اللذة بشهواته وخطاياه ولكن حقيقة يبنى نسيج عنكبوت، من أوهي ما يمكن بل هو قاتل للذباب الذي يشير للأبرياء الذين يقتربون في إعجاب من هؤلاء الخطاة ويقتدون بهم فيهلكوا إذ يعثرون بسببهم.

 

آيات (7، 8)  أرجلهم إلى الشر تجري و تسرع إلى سفك الدم الزكي أفكارهم أفكار إثم في طرقهم اغتصاب و سحق.طريق السلام لم يعرفوه و ليس في مسالكهم عدل جعلوا لأنفسهم سبلا معوجة كل من يسير فيها لا يعرف سلاما.

إقتبسها بولس الرسول في (رو 3 : 15) أرجلهم = الأرجل هي التي توجه الإنسان والمعنى أن اتجاهات الإنسان الخاطئة تقوده للشر ويُعَلِم الآخرين فيسفك دماً زكياً. أفكارهم = أي مصدر شرورهم وأعمالهم. اغتصاب وسحق يغتصبون ويسحقون البائس. طريق السلام= مع الله لا يوجد سلام فهم أشرار ومع الناس لا يوجد إذ هم لا يسالمون أحداً وأعمالهم ردية، كذب وظلم وغش.

آيات 9-15

آية (9)  من اجل ذلك ابتعد الحق عنا و لم يدركنا العدل ننتظر نورا فإذا ظلام ضياء فنسير في ظلام دامس.

لذلك أبتعد الحق = أي الله. وخلاصه عنا = فالنبي يتكلم باسم الشعب كاعتراف بالخطايا وكتوبة هو نائب عنهم فيها.

 

آية (10) نتلمس الحائط كعمي و كالذي بلا أعين نتجسس قد عثرنا في الظهر كما في العتمة في الضباب كموتى

الله نور فإذا ابتعد الله صاروا في ظلمة كعمى. والله حياة فإذا أبتعد الله يكونون كموتى = والله يشبه الخطاة بالموتى لابتعاد الله عنهم “لك أسم أنك حي وأنت ميت” (رؤ 3 :1) + إبنى هذا كان ميتاً فعاش (الابن الضال)

 

آية (11) نزار كلنا كدبة و كحمام هدرا نهدر ننتظر عدلا و ليس هو و خلاصا فيبتعد عنا.

صوت الدبة وصوت الحمام كصوت الموجوع والمحزون وذلك بسبب ابتعاد الله وخلاصه عنهم. والعدل = هو الخلاص من ظالميهم وهذا لا يحدث لخطاياهم.

 

آية (12)  لان معاصينا كثرت أمامك و خطايانا تشهد علينا لان معاصينا معنا و آثامنا نعرفها.

معاصيهم أمام الرب، هو يراها ويعرفها ولا يقدرون أن يخفوا عنه شيئاً.

 

آيات (13-15) تعدينا و كذبنا على الرب وحدنا من وراء إلهنا تكلمنا بالظلم و المعصية حبلنا و لهجنا من القلب بكلام الكذب. و قد ارتد الحق إلى الوراء و العدل يقف بعيدا لان الصدق سقط في الشارع و الاستقامة لا تستطيع الدخول. و صار الصدق معدوما و الحائد عن الشر يسلب فرأى الرب و ساء في عينيه انه ليس عدل.

هذا اعتراف بالخطايا لأن الصدق سقط في الشارع = كان القضاة يجلسون في الساحات وأبواب المدينة والشوارع ليحكموا، ومعنى هذا الحكم الظالم من القضاة أن الصدق سقط في وقت الحكم وفى مكان الحكم. إذ صار الصدق معدوماً. حينما يحدث هذا يصبح الناس في حالة مزرية مثل الوحوش والحائد عن الشر يسلب لأن جميع الناس اعتصموا بالكذب والغش والظلم، فالصادق المستقيم العادل لم يقدر أن يسلك معهم بل هم سلبوه. هم في شرهم العنيف كانوا كتيار يجرف من يقف ضدهم فيظلمونه ويسلبونه.

آيات 16-21

آيات (16، 17) فرأى انه ليس إنسان و تحير من انه ليس شفيع فخلصت ذراعه لنفسه و بره هو عضده. فلبس البر كدرع و خوذة الخلاص على رأسه و لبس ثياب الانتقام كلباس و اكتسى بالغيرة كرداء.

بالرغم من كل الشرور المذكورة لم يأتي الله كمنتقم بل أتى كمخلص فرأى أنه ليس إنسان= لم يوجد إنسان يستحق الخلاص، ولم يوجد الإنسان الذي من بني آدم القادر أن يخلص، أو يموت فداءً عن البشر. وتحيَر = الله لا يتحيَر ولكن المعنى يفيد أن وضع البشر كان يدفع للحيرة. فحالهم ميئوس منه سائرين في طريق الموت، هالكين للأبد… لكنهم في النهآية هم أولاد الله.. والله لا يرضى بذلك. موت الإنسان وهلاكه هو قضية تحدى بها الشيطان عقل الله وقوته، كأنه يقول ها هم أولادك وليس شفيع لهم، ها قد نجحت حيلتي مع أبويهم آدم وحواء وهلكوا ولكن هنا نرى ذراع الله = أي قوته وحكمته (الأقنوم الثاني) الذي تجسد فصار لنا شفيعاً كفاريا وخلاصاً. فهو الله غير المحدود فيستطيع أن يقدم فداءً غير محدود لخطايا غير محدودة وهو بار = بره الذي هو عضده = لذلك لن يموت عن خطيته بل يموت عن خطايا الآخرين. ونراه هنا في صورة محارب آتى لينقذ عروسته أي كنيسته، شعبه، نراه في غيرته عليها لابساً ثياب الانتقام. وله خوذة الخلاص الخوذة تحمى الرأس، فماذا كان في فكر المسيح سوى خلاص كنيسته.

 

آية (18) حسب الأعمال هكذا يجازي مبغضيه سخطا و أعداءه عقابا جزاء يجازي الجزائر.

مبغضيه هنا هم الشياطين ويرمز لهم هنا الأمم الساكنين في الجزائر.

 

آية (19)  فيخافون من المغرب اسم الرب و من مشرق الشمس مجده عندما يأتي العدو كنهر فنفخة الرب تدفعه.

حين يظهر الرب قوته في خلاص شعبه فبعض الشعوب يؤمن والبعض يخاف فقط دون أن يؤمن وهكذا خاف جميع الشعوب من إسرائيل غرق جيش فرعون أمامهم. وعمل الشيطان كنهر يسقى منه الناس ولكن من يشرب من هذا الماء يعطش (يو 4 : 13) والله سيبيده بنفخته (2كو 2  : 8) = فنفخة الرب تدفعه.

 

آية (20) و يأتي الفادي إلى صهيون و إلى التائبين عن المعصية في يعقوب يقول الرب.

تفهم هذه الآية أن الرب يأتي لصهيون أي للكنيسة ولكل تائب عن المعصية وتفهم أنه بعد أن “يعرف الرب في الشرق والغرب، وفى نهآية الأيام يأتي الرب لصهيون. للتائبين عن المعصية. (رؤ 11 : 26) ما معنى أن يأتي الله لصهيون. الله يأتي لكنيسته كطبيب يأتي لمستشفى ليعالج مرضاه.

 

آية (21)  آما أنا فهذا عهدي معهم قال الرب روحي الذي عليك و كلامي الذي وضعته في فمك لا يزول من فمك و لا من فم نسلك و لا من فم نسل نسلك قال الرب من الآن و إلى الأبد

أما أنا = الآب هو المتكلم. ومعهم = مع التائبين من اليهود والأمم. كلامي = الكتاب المقدس لا يسقط منه حرف للأبد. و المعنى أن هذا هو كلام الآب موجه للابن، لأن الروح الذي حل على الابن حل لحساب كنيسته وكلام الابن هو إنجيله، هذا سيكون في كنيسته للأبد. هنا نرى إقامة عهد جديد مع البشرية مع تأكيد لتحقيق الوعود الإلهية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى