يو5: 7 …يا سيد ليس لي إنسان يلقيني في البركة متى تحرك الماء…

 

1وَبَعْدَ هذَا كَانَ عِيدٌ لِلْيَهُودِ، فَصَعِدَ يَسُوعُ إِلَى أُورُشَلِيمَ. 2وَفِي أُورُشَلِيمَ عِنْدَ بَابِ الضَّأْنِ بِرْكَةٌ يُقَالُ لَهَا بِالْعِبْرَانِيَّةِ «بَيْتُ حِسْدَا» لَهَا خَمْسَةُ أَرْوِقَةٍ. 3فِي هذِهِ كَانَ مُضْطَجِعًا جُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنْ مَرْضَى وَعُمْيٍ وَعُرْجٍ وَعُسْمٍ، يَتَوَقَّعُونَ تَحْرِيكَ الْمَاءِ. 4لأَنَّ مَلاَكًا كَانَ يَنْزِلُ أَحْيَانًا فِي الْبِرْكَةِ وَيُحَرِّكُ الْمَاءَ. فَمَنْ نَزَلَ أَوَّلاً بَعْدَ تَحْرِيكِ الْمَاءِ كَانَ يَبْرَأُ مِنْ أَيِّ مَرَضٍ اعْتَرَاهُ. 5وَكَانَ هُنَاكَ إِنْسَانٌ بِهِ مَرَضٌ مُنْذُ ثَمَانٍ وَثَلاَثِينَ سَنَةً. 6هذَا رَآهُ يَسُوعُ مُضْطَجِعًا، وَعَلِمَ أَنَّ لَهُ زَمَانًا كَثِيرًا، فَقَالَ لَهُ: «أَتُرِيدُ أَنْ تَبْرَأَ؟» 7أَجَابَهُ الْمَرِيضُ:«يَا سَيِّدُ، لَيْسَ لِي إِنْسَانٌ يُلْقِينِي فِي الْبِرْكَةِ مَتَى تَحَرَّكَ الْمَاءُ. بَلْ بَيْنَمَا أَنَا آتٍ، يَنْزِلُ قُدَّامِي آخَرُ». 8قَالَ لَهُ يَسُوعُ:«قُمِ. احْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ». 9فَحَالاً بَرِئَ الإِنْسَانُ وَحَمَلَ سَرِيرَهُ وَمَشَى. وَكَانَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ سَبْتٌ.” (يو5: 1-9)

+++

تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي

 

“أجابه المريض:

يا سيد ليس لي إنسان يلقيني في البركة متى تحرك الماء،

بل بينما أنا آت،ٍ ينزل قدامي آخر”. (7)

في حديثه عن المفلوجين (مت 9: 2) اللذين شفاهما السيد المسيح يبرز القديس يوحنا الذهبي الفم وداعة هذا المفلوج، فإنه إذ يلقي إنسان علي فراشه كل هذه السنوات غالبا ما يكون ثائرا، يعاني من متاعب نفسية وعصبية. ومع هذا فإنه سمع سؤال السيد المسيح لم يثر قائلا: “ألا تراني هنا أترقب نزول الملاك ليحرك الماء، فكيف تسألني إن كنت أريد أن أبرأ؟ ” لكن في وداعة عجيبة أجاب السيد المسيح.

اشتكى المريض من عدم وجود أصدقاء يساعدونه، فإنه حتى الذين نالوا الشفاء اعتادوا بشفائهم ولقائهم مع أقربائهم وأصدقائهم، ولم يوجد واحد من بينهم يهتم بهذا المسكين. كما اشتكى من عجزه في منافسة الآخرين لكي يلقي بنفسه أولاً في البركة إذ كانوا كثيرون يسبقونه.

قديمًا إذ تحولت الأنظار إلي البشر عوض النظر إلي المسيا كطبيب ودواء للشفاء قيل: “أليس بلسان في جلعاد؟ أم ليس هناك طبيب؟ فلماذا لم تُعصب بنت شعبي؟” (إر 8: 22). هذه هي شكوى المفلوج إذ لم يجد من يشفيه ولا من يهبه الدواء. الآن هوذا البلسان نفسه، والطبيب بعينه واقف أمامه يهبه ذاته سرّ شفاء.

كان المفلوج يبحث عن إنسانٍ يلقيه في البركة عند نزول الملاك، فينال الشفاء. وها هو الآب نفسه يطلب إنسانًا ينزل إلي العالم يقدر أن يعمل بالعدل وطلب الحق ليغفر للعالم خطاياه فلم يوجد سوى كلمته المتجسد. يقول الرب: “طوفوا في شوارع أورشليم وانظروا واعرفوا وفتشوا في ساحاتها، هل تجدون إنسانًا أو يوجد عامل بالعدل طالب بالحق فأصفح عنها” (إر 5: 1). كما قال: “فرأى أنه ليس إنسان، وتحير من أنه ليس شفيع” (إش 59: 16).

v اسمع كلام هذا المخلع واعرف جسامة حزنه، فمن يكون أحق بالرثاء من الناطق بهذه الأقوال؟ أرأيت قلبًا مطحونًا بسبب مرض طويل؟ أعرفت كيف يلهبه منقبضًا؟ لأنه لم ينطق بتجديف نظير ما يقوله أكثر الناس في مصائبهم، ولا لعن يومه ولا استصعب السؤال، ولا قال للمسيح إنك جئت بي مستهزأ إذ تسألني أتريد أن تبرأ؟ لكنه قال بوداعة كثيرة: “يا سيد ليس لي إنسان يلقيني في البركة” على الرغم من أنه لم يعرف من هو سائله ولا شعر أنه اعتزم أن يشفيه، لكنه وصف أحواله كلها بدعةٍ وما طلب شيئًا أكثر، فكان حاله حال من يخاطب طبيبه مريدًا أن يصف له مرضه فقط.

v الآن ليس ملاك يحرك الماء، بل رب الملائكة يعمل كل شيء. لا يقدر المريض أن يقول: “ليس لي إنسان“، لا يستطيع القول: “بينما أنا آت ينزل قدامي آخر” (7)، فمع أنه يلزم أن يأتي إلى العالم كله، غير أن النعمة لا تستهلك، والقوى لا تبطل، بل تبقي عظيمة كما كانت. وكما أن أشعة الشمس تعطي ضوء كل يوم مع هذا لا تُستنزف، ولا يقل الضوء بما يقدمه من فيض، هكذا بالأكثر قوة الروح لن تقل بأية طريقة خلال تمتع الكثيرين بها.

القديس يوحنا الذهبي الفم

v لكن من الذي يشفي المرضى؟ ذاك الذي ينزل في البركة. ومتى ينزل المريض في البركة؟ عندما يعطي الملاك العلامة بتحريك الماء. فإنه هكذا كانت تلك البركة تتقدس، حيث ينزل الملاك ويحرك الماء. كان الناس يرون الماء يتحرك، ومن حركة المياه المضطربة يدركون حضور الملاك. فإذا ما نزل أحد عندئذ يُشفى. لماذا إذن لم يُشف هذا المريض؟ لنعطي اعتبارًا لكلماته نفسها، يقول: “ليس لي إنسان يلقيني في البركة متى تحرك الماء بل بينما أنا آتٍ ينزل قدامي آخر” (٧). ألم تستطع بعد ذلك أن تنزل إن نزل قدامك آخر؟ هنا يظهر لنا أنه واحد فقط يُشفى عند تحرك الماء. من ينزل أولاً هو وحده يُشفى.

القديس أغسطينوس

فاصل

تفسير الأب متى المسكين 

 

7:5- أَجَابَهُ الْمَرِيضُ: «يَا سَيِّدُ لَيْسَ لِي إِنْسَانٌ يُلْقِينِي فِي الْبِرْكَةِ مَتَى تَحَرَّكَ الْمَاءُ. بَلْ بَيْنَمَا أَنَا آتٍ يَنْزِلُ قُدَّامِي آخَرُ».

‏كان رداً من واقع الحال، وكأنى به يريد أن يقول: «أما الإرادة فهي حاضرة عندي يا سيد ولكن أن أجد قوة على التنفيذ فلست أجد!!» وهو رد صائب غاية الصواب استدرج حنان الرب، ولكن خيبة أمل المريض لم تكن في إرادته التي استخدمها مئات المرات، ولكن في بني الإنسان الذين لم يؤتوا الرحمة، فهلا ترحم أنت؟ «الأخ لن يفدي الإنسان فداء.» (مز7:49‏)
‏ولكن بالرغم من صحة الرد وصحة التعليل، إلا أن القضية تحولت في نظر المقعد من قضية حياة في الخطيئة ضد نفسه والله، إلى خطأ الناس وخطية الآخرين. وهذه طبيعة الخطية تخفي نفسها عن مصدرها الحقيقي لتظهر وكأن صاحبها منها براء!! وهكذا تبلغ النفس البشرية تزييفها للحق، الأمر الذي يطوح بها بعيداً عن الله وعن رحمته.
‏لقد وقع «أيوب» البار في هذا التزييف لما أتته بلواه، فنسبها إلى الله، وأخذ يعاتبه «يُكثر جروحي بلا سبب» (أي17:9)!! و«كغافل من الرحمة» و«قد نسي حسنات أيوب الكثيرة في غابر الأزمان» (أي 31)! وماذا كان رد القدير، الذي عيناه تخترقان استار الظلام وأمس مكشوف أمامه كاليوم؛ قال له قولته المشهورة: «تستذبني لكي تتبرر أنت؟» (أي8:40). ولكن وبالنهاية قبل الرب ذنب أيوب على نفسه وبرره وأبرأه!! أليس هو الفادي الذي حمل عارنا؟ وهل تغير الرب أبداً؟
«يا سيد ليس لى إنسان يلقيني في البركة»: لقد استدر عطف السيد. أليس هو القائل على فم إشعياء النبي: «فرأى أنه ليس إنسان, وتحير من أنه ليس شفيع» (إش16:59‏)، فحنت أحشاؤه، «فخلصت ذراعه لنفسه، وبره هو عضده، فلبس البر كدرع وخوذة الخلاص على رأسه» (إش17:59). ونظر إلى المُقعد وكأنه ينظر إلى الشعب بأكمله أو الإنسان ككل!! وقال قولته وكأن ظهره مسنود على الصليب: «قم احمل سريرك وامشي».

فاصل

تفسير القمص أنطونيوس فكري

 

آية (7): “أجابه المريض يا سيد ليس لي إنسان يلقيني في البركة متى تحرك الماء بل بينما أنا آت ينزل قدامي آخر.”

 

ليس لي إنسان= المسيح يسأله عن الإرادة فأجاب بأن ليس له إنسان. هو أسقط الموضوع على الآخرين. كأنه يقول المشكلة ليست فيّ بل في الآخرين فالخاطئ دائماً يبرر نفسه. لكن عموماً علينا أن نستفيد من هذا بأن نقدم خدمات لكل محتاج حتى لا يشتكي علينا أحد. كم مرة ألقينا همنا على الناس وفشلنا، لكن إذا ألقينا همنا على الله فلن نفشل (1بط7:5). ويبدو من قول المفلوج أنه كان معروفاً بفظاظته وقسوته حتى في مرضه، حتى لم يبق له إنسان يلقيه في البركة، فقد إنفض عنه كل الناس وكرهوه وهذا عكس الإنسان المفلوج الذي دلاّه أصدقاءه من السقف (مر1:2-11). ولكن المقعد عوضاً عن أن يلقي باللوم على نفسه يلقي باللوم على الآخرين= بينما أنا آتٍ ينزل قدّامي آخر هذه مثل الآخرون يأخذون فرصتي.

فاصل

زر الذهاب إلى الأعلى