تفسير سفر اشعياء ٦٦ للقس أنطونيوس فكري
الإصحاح السادس والستون
هذا الإصحاح يشبه ما قبله حتى في عباراته فهو يتكلم عن التمييز بين الأبرار والأشرار بعد العودة من السبي كرمز لرفض اليهود للمسيح. ثم إيمان الأمم وإقامة مملكة المسيح في العالم. والآية الأولى من هذا الإصحاح أستخدمها إسطفانوس أمام المجمع ليثبت بها أن هيكل اليهود قد إنحل بعد تأسيس الكنيسة المسيحية (أع 7 : 49، 50) وهذا يعتبر مفتاح للإصحاح كله، وفيه الاحتقار الذي يضعه الله على الطقوس التي يمارسونها.
1) لأن الله يهتم بحالة القلب قبل ممارسة الطقوس.
2) بعد مجيء المسيح صارت هذه الطقوس من ذبائح وخلافه بلا معنى، فحين يأتي المرموز إليه يبطل الرمز لذلك نرى نية الله الواضحة لأن يضع نهآية لهذا الهيكل قريباً بذبائحه ورفض كل ما يتعلق به آيات (1- 4). والخلاص الذي يعده الله ليخلص شعبه من أيدي ظالميهم آية (5) متكلماً بالرعب لمضطهديهم آية (6) وبالتعزيات للمظلومين وخلاص سريع وتام آيات (7- 9) وإقامة فَرِحة آيات (10، 11) ودخول الأمم عليهم والرضا الكامل في ذلك آيات (12- 14) والانتقام المرعب الذي سيأتي به الله على أعداء كنيسته وشعبه آيات (15- 18) وإقامة الكنيسة على أساسات كبيرة وأكيدة ونصرها الأكيد على أعدائها آيات (19- 24).
من المؤكد أن هذا النبي الإنجيلي كان ينظر للأيام الأخيرة أي إلى يوم الأبدية.
آيات 1-4
آية (1) هكذا قال الرب السماوات كرسيي و الأرض موطئ قدمي أين البيت الذي تبنون لي و أين مكان راحتي.
الله الذي يسكن السموات ولا يحده مكان، أين هو المكان الذي يليق به لنبنيه له ليسكن فيه. وهذا الكلام موجه لهم ليعرفوا ضآله حجم الهيكل الذي يفتخرون به (حتى أيام المسيح ) وكثيراً ما إعتمد اليهود على وجود الهيكل بينهم كسبب مجد لهم مهما كانت خطاياهم ولهذا وبخهم الرب. والسموات كرسيي = هناك عرش مجده حيث يتعالي بلا نهآية. والأرض موطئ قدميه = حيث يقف كضابط الكل. فلو أراد الله له بيتاً لكان قد صنعه حين أسس الأرض، ولو صنع الله بيتاً لما زال أبداً. وكانت هذه الآية إعداد لهم لتقبل فكره إنتهاء دور الهيكل كمكان وحيد للعبادة.
آية (2) و كل هذه صنعتها يدي فكانت كل هذه يقول الرب و إلى هذا انظر إلى المسكين و المنسحق الروح و المرتعد من كلامي.
الله الذي لا يسعه مكان، وهو الذي خلق كل هذا، ما نراه وما لا نراه، يرتاح عند المتواضع والمسكين فيكون المتواضع له سماءً وعرشاً. فالمتواضع أكثر راحة لله من الهيكل. وبالإتضاع نثبت في المسيح المتضع فيسكن فينا الله فنصير سماء جديدة.
الآيات (3، 4) من يذبح ثورا فهو قاتل إنسان من يذبح شاة فهو ناحر كلب من يصعد تقدمة يصعد دم خنزير من احرق لبانا فهو مبارك وثنا بل هم اختاروا طرقهم و بمكرهاتهم سرت أنفسهم. فانا أيضا اختار مصائبهم و مخاوفهم اجلبها عليهم من اجل إني دعوت فلم يكن مجيب تكلمت فلم يسمعوا بل عملوا القبيح في عيني و اختاروا ما لم اسر به.
من يذبح ثور هو قاتل إنسان = لها معنيين :-
1) من يهتم بالشكليات في العبادة دون تواضع القلب ونقاوته، يكون كمن يتحدي الله وقطعاً فالله لا يستجيب لهم.
2) رفض ذبائح اليهود بعد مجيء السيد المسيح. فبعد أن جاء المسيح بطلت الذبائح وصار لا معني لتقديمها فكان إصرارهم علي ذلك تحدي لله.
وهم تركوا المسيح واختاروا طرقهم وبمكرهاتهم سرت أنفسهم = فكما اختاروا هم طريقهم وأعطوا أذناً صماء للمسيح، فالله سيختار طريقة العقوبة، وكما أهانوه سيجعلهم سخرية لأعدائهم.
آيات 5-9
آية (5) اسمعوا كلام الرب آية المرتعدون من كلامى قال إخوتكم الذين أبغضوكم و طردوكم من اجل اسمي ليتمجد الرب فيظهر لفرحكم و أما هم فيخزون.
المرتعدون من كلامه = في أيام النبي هم اليهود الأتقياء. وفي أيام المسيح هم الذين قبلوه وآمنوا به. قال إخوتكم = فمن إضهد المسيحيين في كل مكان هم اليهود. وفي كل مدينه كان اليهود يثيرون الوثنيين ضد الرسل وضد المسيحيين وهذا البعض سبب فرحاً للمسيحيين (أع 5 : 41). وتاريخياً فقد هرب المسيحيين من أورشليم نتيجة الاضطهاد، فنجوا من هلاك أورشليم علي أيدي الرومان الذين أخربوها وحرقوها ودمروا الهيكل واحرقوه. وكان هذا لكي يخزون اليهود.
آية (6) صوت ضجيج من المدينة صوت من الهيكل صوت الرب مجازيا أعداءه.
هنا نري ثمار مضايقتهم للمسيحيين، فهذا الصوت هو صوت خراب المدينة علي يد تيطس الروماني. هذا الخراب كان لليهود الرافضين للمسيح.
آيات (7، 8) قبل أن يأخذها الطلق ولدت قبل أن يأتي عليها المخاض ولدت ذكرا. من سمع مثل هذا من رأى مثل هذه هل تمخض بلاد في يوم واحد أو تولد امة دفعة واحدة فقد مخضت صهيون بل ولدت بنيها.
الخراب المشار إليه لن يصيب المسيحيين الذين آمنوا. بل سيولدوا من جديد. ولنقارن هذه الآيات ب (رؤ 12) المرأة التي ولدت ذكراً فميلاد الكنيسة تم بميلاد السيد المسيح ثم موته وقيامته فصعوده ثم إرسال الروح القدس. وفي كل هذا لم يكن دور للمؤمنين، فالعمل كله قام به السيد المسيح. وهذا معني قبل أن يأخذها الطلق ولدت قبل أن يأتي عليها المخاض ولدت ذكراً = الكنيسة لم تقم بأي دور، المسيح وحده قام بكل شيء، الكنيسة لم يكن لها حتى هذه اللحظة أي آلام مخاض وفي يوم واحد آمن 3000 دفعة واحدة ثم 2000، أمة تولد دفعة واحدة بلا آلام. ولكن بعد أن ولدت الكنيسة كانت هناك آلام الطريق الضيق، وبدأ اضطهاد اليهود ثم اضطهاد الوثنيين = وهذا معني مخضت صهيون. وهذا ما قاله بولس الرسول “يا أولادى الذين أتمخض بكم إلي أن يتصور المسيح فيكم” ولكن هذه الآيات قد تشير جزئياً لخروج الشعب من بابل 42.000 دفعة واحدة وبسلام راجعين لأورشليم.
آية (9) هل أنا امخض و لا أولد يقول الرب أو أنا المولد هل أغلق الرحم قال إلهك.
من محبة الله قوله هذا فالكنيسة تمخض وتتألم والله يعتبر هذا كأنه ألمه هو = هل أمخض. والمعزى أن هناك ولد يولد أي أمة تولد.
آيات 10-24
آيات (10، 11) افرحوا مع أورشليم و ابتهجوا معا يا جميع محبيها افرحوا معا فرحا يا جميع النائحين عليها. لكي ترضعوا و تشبعوا من ثدي تعزياتها لكي تعصروا و تتلذذوا من درة مجدها.
نائحين عليها = بسبب الآلام التي تعانى منها ولكن فليفرح النائحين لأن هذا الحزن سيتحول إلى فرح وفير ومجد، بل هي في فرح وتعزيات حقيقية لشركتها مع المسيح. ومن هذه التعزيات تشبع وترضع كل محتاج. كل من يأتي إليها كل من يبكى علي خطاياه وكل من يحب أورشليم السمائية. ويتعلق بها سيرضع من ثدي تعزياتها أي يمتلئ بالروح ويتعزى بكلمة الله. دِرَة مجدها = وفرة مجدها.
آية (12) لأنه هكذا قال الرب هاأنذا أدير عليها سلاما كنهر و مجد الأمم كسيل جارف فترضعون و على الأيدي تحملون و على الركبتين تدللون.
الله سيعطى أسباب لهذا الفرح. ويزيد السلام كنهر لا يقف شيء في طريقه. ومجد الأمم سيأتي كسيل جارف. أدير = الله هو الذي يسقى كنيسته سلاماً كما يروى الفلاح أرضه ويتعدها بالرعآية، يرويها سلاماً كما من نهر لا ينضب. تُحمَلون = الله هو الذي يحملنا في يده (رؤ 1 : 16) ” معه في يده اليمنى سبعة كواكب ” وهو نقشنا على كفه بمعنى وشم.
آية (13) كانسان تعزيه أمه هكذا أعزيكم أنا و في أورشليم تعزون.
بقية الآية السابقة فالله واضح هنا أنه مصدر تعزياتنا، فنحن محتاجين للتعزيات لأننا نعيش في وسط عالم كله ألام. ولكن أين تكون هذه التعزيات = في أورشليم = أي داخل الكنيسة، في شركة جسد المسيح.
آية (14) فترون و تفرح قلوبكم و تزهو عظامكم كالعشب و تعرف يد الرب عند عبيده و يحنق على أعدائه.
العظام هي مركز قوة الجسم والمعنى انه بالفرح الذي سيعطيكم الله تكونون أقوياء، أي يشتد إيمانكم ويتقوى، فالآلام مع التعزية تزيد الإيمان إذ نرى يد الله التي تحملنا، هذه هي شركة الصليب.كالعشب = أي مثمرين فالعشب لونه أخضر، والخضرة علامة الحياة.
آيات (15، 16) لأنه هوذا الرب بالنار يأتي و مركباته كزوبعة ليرد بحمو غضبه و زجره بلهيب نار.لان الرب بالنار يعاقب و بسيفه على كل بشر و يكثر قتلى الرب.
هنا نرى مجازاة للأشرار، فالله سيجازى هنا بنار عدم السلام والقلق والاضطراب، وهناك بنار لا تطفأ ودود لا يموت.
آية (17) الذين يقدسون و يطهرون أنفسهم في الجنات وراء واحد في الوسط آكلين لحم الخنزير و الرجس و الجرذ يفنون معا يقول الرب.
المقصود كل فاعلي الشر، وهذه عينة من الخطايا التي كانت في أيام إشعياء، إذ كانوا يقدمون الجرذان والخنازير في عبادتهم للأصنام ثم يأكلون من تقدماتهم كعلامة إتحاد بين الصنم وبينهم.
آية (18) و أنا أجازي أعمالهم و أفكارهم حدث لجمع كل الأمم و الألسنة فيأتون و يرون مجدي.
لاحظ أن الله يجازى على ما في القلوب والأفكار.
حَدَثَ = أي جاء الوقت لجمع كل الأمم ليروا مجد الله (قبولهم)
آية (19) و اجعل فيهم آية و أرسل منهم ناجين إلى الأمم إلى ترشيش و فول و لود النازعين في القوس إلى توبال و ياوان إلى الجزائر البعيدة التي لم تسمع خبري و لا رأت مجدي فيخبرون بمجدي بين الأمم.
الله سيرسل رسله للأمم لترشيش (تعنى أسبانيا أو كل جزائر البحر ) وفول (أسم يطلق على ملوك أشور وقد تكون أسماء مناطق في أشور ) ولود = غالباً مملكة ليديا المشهورة. وتوبال قد تكون إيطاليا. وياوان = اليونان وأجعل فيهم آية = فهؤلاء الرسل سيكونون مزودين بالمعجزات لإثبات كلامهم وكرازتهم.
آية (20) و يحضرون كل أخوتكم من كل الأمم تقدمة للرب على خيل و بمركبات و بهوادج و بغال و هجن إلى جبل قدسي أورشليم قال الرب كما يحضر بنو إسرائيل تقدمة في إناء طاهر إلى بيت الرب.
هؤلاء الرسل سيقدمون تقدمة للرب، وهذه التقدمة هي الأمم الذين آمنوا (رو 15، 16) وكان الأمم الآتين لله كأنهم في قطيع كبير قادم لأورشليم في أحد الأعياد. وحينما يأتون لا يأتون فارغين. وتعدد وسائل الركوب تعنى اختلاف شخصيات القادمين، فالأشخاص المهمين يأتون في مركبات، والصغار في هوادج والشباب على بغال. الكل قادم للكنيسة غير مهتم بمشقة، ويأتون بكل الوسائل، وهم يأتون لا ليقدموا تقدمة بل يقدمون أنفسهم، والرسل يقدمونهم لله في إناء طاهر = فكان كهنة اليهود يقدمون تقدماتهم في آنية، وهذا يفيد أن التقدمة هنا هي الأمم والرسل هم الكهنة ويقدمونهم في إناء طاهر لأنهم مقدسين متطهرين. المسيح طهر آنيتنا
(2 آتى 2 : 20،21)
آية (21) و اتخذ أيضا منهم كهنة و لآويين قال الرب.
وأتخذ منهم كهنة ولاويين = هذه فيها رد على الإخوة البروتستانت الذين يدعون أن الكل كهنة في العهد الجديد، فهنا وبوضوح نجد أن الله يقبل الأمم ولكنه يأخذ بعضاً منهم ليقيمهم كهنة والبعض لاويين.
آية (22) لأنه كما أن السماوات الجديدة و الأرض الجديدة التي أنا صانع تثبت أمامي يقول الرب هكذا يثبت نسلكم و اسمكم.
ثبات الكنيسة أمام الله وإزدهارها من جيل إلى جيل “فالأشياء القديمة قد مضت.. هوذا الكل قد صار جديداً (2 كو 5 : 17) وهذه الحياة الجديدة هي استعداد للحياة الجديدة في الأبدية.
آية (23) و يكون من هلال إلى هلال و من سبت إلى سبت إن كل ذي جسد يأتي ليسجد أمامي قال الرب.
في الكنيسة أعياد ومناسبات يجتمع فيها الشعب للصلاة في الكنيسة في الآحاد وفى القداسات، بل نجتمع في كل زمان وكل مكان والأعياد بلغة العهد القديم هى السبوت والأهلة. ولكن نحن الآن لا نسجد في أورشليم فقط بل في كل مكان نسجد بالروح.
آية (24) و يخرجون و يرون جثث الناس الذين عصوا علي لان دودهم لا يموت و نارهم لا تطفأ و يكونون رذالة لكل ذي جسد
حين يرى أولاد الله الحال التي فيها الأشرار فهم يحيون كأموات = جثث “لك أسم أنك حي وأنت ميت ” يسبحون الله على الخلاص الذي قدمه لهم وإلا لكانوا هم أيضاً مثلهم، وفى السماء يكونون في الجحيم أما المؤمنين ففي مجد ولكن من يثبت في أورشليم لن يهلك، بل يهلك من هم خارج أورشليم