تفسير سفر اشعياء ٥٣ للقمص أنطونيوس فكري

تفسير إشعياء – الإصحاح الثالث والخمسون

لا شك في أن عبد الرب هنا هو المسيح، وهكذا فسره اليهود حتى القرن 12. لكن نتيجة جدالهم مع المسيحيين اضطروا أن يفتشوا عن تفسير آخر. فقال بعهم أن عبد الرب هو شعب اليهود والبعض قالوا أنه أرميا والبعض يوشيا. ولقد آمن كثيرون من اليهود بالمسيح بمطالعتهم لهذا الفصل ومقابلته بالعهد الجديد وفى الأيام الحديثة، أسقط اليهود هذا الفصل (52: 13 – 53 : 12) من  القراءات المنتخبة للقراءة الأسبوعية فهو نبوءة كاملة عن ألام المسيح قبل المسيح بحوالي 700 سنة. وهذه الآلام كانت حتى يفدى شعبه، لقد جعل نفسه ذبيحة إثم

 (53 : 10) وبهذه النبوة نقترب إلى الله وننظر إلى سر الفداء.

 

آيات (52 : 13-15):- هوذا عبدي يعقل يتعالى و يرتقي و يتسامى جدا. كما اندهش منك كثيرون كان منظره كذا مفسدا اكثر من الرجل و صورته اكثر من بني ادم. هكذا ينضح امما كثيرين من اجله يسد ملوك افواههم لانهم قد ابصروا ما لم يخبروا به و ما لم يسمعوه فهموه

عبدي يعقل = عبدي لأنه أخلى ذاته في تجسده، آخذا صورة عبد. وأطاع لنحسب فيه مطيعين. يعقل = فهو أقنوم اللوغوس العقل المنطوق به أو النطق العاقل. هو أقنوم الحكمة.هو حكمة الله وقوته (1كو 1 : 24) والمسيح بالجسد كان ينمو في الحكمة، وكان كلامه كله بحكمة أذهلت الناس.

يتعالى ويرتقى = هو يتعالى ويرتقى لأنه تنازل وتواضع أولاً فنجاح عمله أي الفداء رفعه في أعين كل العالم. ولأنه تواضع رفعه الله وأعطاه إسما فوق كل إسم (في 2 : 9، 10) والتعالي والتسامي صفات لله، فهكذا رأى إشعياء الله جالسا على كرسي عالٍ (أش 6 :1) ونفس المفهوم نجده في (أش 57 : 15) لذلك فالمسيح هو الله. هكذا ينضح – ينضح لها معنيين:

1)    يذهل. فهو كان إتضاعه مذهلاً فاليهود انتظروا مسيحاً في صورة مجد لا مسيحاً متألماً.

2)  يرش فالمسيح رش دمه على المؤمنين من كل الأمم لأجل تطهيرهم. فمنظره كذا مفسداً= صورته في جروحه ودمه الذي غطى جسمه، حتى أن بيلاطس قال “هوذا ملككم” أبصروا ما لم يخبروا به = هم رأوا في المسيح وعرفوا ما لم يخبرهم به كهنتهم وعرافيهم.

 

آية (1)  من صدق خبرنا و لمن استعلنت ذراع الرب.

من صدق خبرنا = المسيح أتى لليهود ولكنهم لم يصدقوه. والصليب كان سراً مذهلاً لم يصدقه أحد.

 لمن إستعلنت ذراع الرب = في المسيح (ذراع الرب) إستعلن محبة الله وقوته. والسؤال فيه استنكار لموقف اليهود من المسيح فهو تجسد منهم وأتى لهم لكنهم لم يؤمنوا به فقد انتظروه ملكاً وقائداً.

 

آية (2) نبت قدامه كفرخ و كعرق من ارض يابسة لا صورة له و لا جمال فننظر إليه و لا منظر فنشتهيه.

نبت قدامه = أي قدام الرب. فكان الصبي ينمو ويتقوى بالروح (لو 2 : 40) كفرخ = لم يخرج في صورة قائد عظيم، بل جاء كفرخ (غصن) من أصل شجرة جافة. خرج كقضيب من جذع  يسى الشجرة اليابسة (فأسرة داود انتهت أيام سبى بابل سنه 586 أيام صدقيا الملك أخر ملوك الأسرة) أو تفهم أن المسيح خرج من الطبيعة البشرية التي هي أرض يابسة. لا صورة له ولا جمال = كانت عيون اليهود مغلقة فلم يروا جماله الداخلى، جمال قداسته، وفى هذه كان أبرع جمالاً من بنى البشر (مز 45 :2) إختفى جماله من أمام عيونهم فلم يروا سوى فقره وتواضعه وصليبه، بل كان مكروهاً لتوبيخه الناس على خطاياهم. يقول البعض  في أيامنا لو رأينا المسيح لآمنا به. و لا يعرفون أن الإيمان بالمسيح الآن وهو في مجده أسهل من الإيمان به في هذه الصورة المحتقرة التي تناسب ما يريده الناس من قوة ومن عظمة.

 

آية (3) محتقر و مخذول من الناس رجل أوجاع و مختبر الحزن و كمستر عنه وجوهنا محتقر فلم نعتد به.

مختبر الحزن = كانت ملحوظة أحد نبلاء الرومان عن المسيح وقد أرسلها لمجلس الشيوخ الروماني أن المسيح لا يضحك، بل قيل في الكتاب المقدس عن المسيح أنه بكى ولكن لم يقال ولا مرة أنه ضحك. محتقر ومخذول = هكذا أحتقر اليهود ورؤساءهم المسيح وقالوا عنه مجنون، وقالوا به شيطان…. الخ وكمستر عنه وجوهنا = هم ستروا وجوههم عنه كأبرص وحينما رأو المسيح على الصليب قالوا هذا من غضب الله. كما قالوا سابقاً أأخطأ هذا أم أبواه فعندهم أن الألم عقوبة للخطية ولم يعرفوا أنه يتألم لأجلهم هم.

 

آيات (4، 6) لكن أحزاننا حملها و أوجاعنا تحملها و نحن حسبناه مصابا مضروبا من الله و مذلولا. و هو مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا تأديب سلامنا عليه و بحبره شفينا.كلنا كغنم ضللنا ملنا كل واحد إلى طريقه و الرب وضع عليه إثم جميعنا.

قال المسيح على الصليب “يا أبتاه أغفر لهم” والمقصود من هذا ليس أن المسيح سامحهم عما فعلوه، بل إنه وهو معلق على الصليب غارقاً ومغطى بدمائه بدأ شفاعته الكفارية. فدمه لا يطلب الثأر مثل دم هابيل (عب 12 : 4) أحزاننا حملها = الأحزان ناتجة عن الخطية فهو حمل خطايانا وأثارها ليعطينا سلام الله الذي يفوق كل عقل. تأديب سلامنا = هو أحتمل نيابة عنا التأديب ونتيجة هذا حصلنا على السلام وبجبره = هي أثار الجروح التي نتجت عن ضربات السوط والقصبة والشوك وجروح المسامير واللكم واللطم. وهكذا وضع الرب عليه إثم جميعنا = جميعنا فالجميع زاغوا وفسدوا وأعوزهم مجد الله.

 

آية (7) ظلم أما هو فتذلل و لم يفتح فاه كشاة تساق إلى الذبح و كنعجة صامتة أمام جازيها فلم يفتح فاه.

ظُلِم = محاكمته كانت ظالمة وأتوا له بشهود زور. أما هو فتذلل = أي سلم نفسه للظلم. ولم يفتح فاه = فهو سكت أمام قيافا وبيلاطس وهيرودس. وكان كشاه تساق للذبح = أي بلا مقاومة، فهو يعرف ما جاء لأجله وهو عرف نية محاكميه وظلمهم، وكان سكوت المسيح هذا أبلغ دليل على قوته، فهو لم يستخدم قوته ضدهم وإلا كان الفداء قد تعطل.

 

آية (8) من الضغطة و من الدينونة اخذ و في جيله من كان يظن انه قطع من ارض الأحياء انه ضرب من اجل ذنب شعبي.

من الضغطة = الشدة والضيق والمشقة. ومن الدينونة = المحاكمة أمام رؤساء الكهنة ثم الملوك. وفى جيله = أي الشعب الذي رآه يصلب لم يفهم أنه صلب ومات من أجل ذنب الشعب وليس من أجل ذنبه هو. قطع من أرض الأحياء = مات من أجل ذنب شعبيوليس لخطية فيه.

 

آية (9) و جعل مع الأشرار قبره و مع غني عند موته على انه لم يعمل ظلما و لم يكن في فمه غش.

جعل مع الأشرار قبره  لها تفسيرين :

1- قد تشير لحراسة الجنود الرومان الأشرار وهم قد قبلوا الرشوة ليكتموا خبر القيامة، فهم كاذبين مرتشين، قالوا كنا نيام وأتى التلاميذ وسرقوه.

2- كان المخطط أن يلقوا جسده في وادي أبن هنوم ليحرق بالنار كما يعملون دائماً مع المصلوبين. ولكن الله دبر أن يدفن في مقبرة يوسف الرامى الرجل الغنى = ومع غنى عند موته.

 

آية (10)  أما الرب فسر بان يسحقه بالحزن أن جعل نفسه ذبيحة إثم يرى نسلا تطول أيامه و مسرة الرب بيده تنجح.

الرب سر أن يسحقه بالحزن = وإن كان الأشرار هم الذين دبروا هذا ضد المسيح إلا أن هذا كان في قصد الله وهو سر بان يسحق أبنه بالحزن حتى نخلص نحن ونفرح، فهل هناك حب أعظم من هذا. جعل نفسه ذبيحة إثم = فالمسيح لم يتألم جسدياً فقط بل نفسياً بالأكثر لحمله خطايا العالم ومن خيانة الكل له. ومن الشر الذي في البشر، هو ترك لنقبل نحن = يرى نسلاً = النسل هم المؤمنين الذين فداهم. كان هو حبة الحنطة التي سقطت ليكون هناك حبوب كثيرة. تطول أيامه = أي لن تنتهي حياته بالموت وهذا نبوة عن القيامة. ومسرة الرب بيده تنجح = مسرة الرب هي خلاص الناس.

 

آية (11) من تعب نفسه يرى و يشبع و عبدي البار بمعرفته يبرر كثيرين و آثامهم هو يحملها.

يرى ويشبع = يرى أجر تعبه وهو خلاص النفوس الكثيرة ومن كثرتها يشبع. هذا معنى ما قاله المسيح للتلاميذ في قصة السامرية (يو 4 : 32) أنا لي طعام لآكل لستم تعرفونه أنتم… طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمم عمله (يو 4 : 34) ولا يوجد شبع بعيداً عن المحبة. ولا توجد محبة بدون تعب ولا يوجد تعب لا يعوض بالسرور وبقدر ما يكون التعب بما فيه من آلام ومرارة بقدر ما تكون البركة والشبع. بمعرفته يبرر كثيرين = من يؤمن به يتبرر أي يعطيه المسيح بره وتكون أثامه محسوبة على المسيح. وهو يغفر لنا كل يوم بشفاعته الكفارية.

 

آية (12) لذلك اقسم له بين الأعزاء و مع العظماء يقسم غنيمة من اجل انه سكب للموت نفسه و أحصي مع آثمة و هو حمل خطية كثيرين و شفع في المذنبين.

الأعزاء = ملوك الأرض الأقوياء كملوك أشور وبابل والفرس الذين قهروا ممالك وأخضعوا الأرض كلها لهم، وهكذا أعطى الله المسيح أن يكون ملكاً يخضع الناس لنفسه. ولكن المعنى الأصح أن الشياطين التي كانت تملك على قلوب شعب الله من قبل وكانوا كأعزاء وهم ملوك هذه الأرض، بل أن كل من يموت يغتنموه لهم، أما الآن فقد رُبِط الشيطان وقُيِد وأصبح هناك نسل للمسيح، غنيمة للمسيح، وأبداً لن يكون الملكوت فارغاً والجحيم مملوءاً. وهذا ما رآه يوحنا اللاهوتى (رؤ 7 : 9) بعد هذا نظرت وإذا جمع كثير يستطع أحد أن يعده من كل الأمم والقبائل والشعوب والألسنة واقفون أمام العرش وأمام الخروف متسربلين بثياب بيض وفى أيديهم سعف النخل. و الرب حين سألوه أقليل الذين يخلصون لم يجب بنعم بل قال اجتهدوا أن تدخلوا من الباب الضيق.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى