تفسير سفر إرميا ٢٦ للقمص أنطونيوس فكري

كما اختلط في سفر أعمال الرسل آلام الرسل مع تبشيرهم. نجد نفس الشيء في سفر أرمياء. فهو كان أمينًا في رسالته لكن واجه اضطهادات عنيفة من شعبه والكهنة والأنبياء الكذبة والرؤساء.

 

الآيات 1-6:-  1- في ابتداء ملك يهوياقيم بن يوشيا ملك يهوذا صار هذا الكلام من قبل الرب قائلا. 2- هكذا قال الرب قف في دار بيت الرب وتكلم على كل مدن يهوذا القادمة للسجود في بيت الرب بكل الكلام الذي اوصيتك أن تتكلم به اليهم لا تنقص كلمة. 3- لعلهم يسمعون ويرجعون كل واحد عن طريقه الشرير فاندم عن الشر الذي قصدت أن اصنعه بهم من أجل شر أعمالهم. 4- وتقول لهم هكذا قال الرب أن لم تسمعوا لي لتسلكوا في شريعتي التي جعلتها امامكم. 5- لتسمعوا لكلام عبيدي الانبياء الذين ارسلتهم أنا إليكم مبكرا ومرسلا اياهم فلم تسمعوا. 6- اجعل هذا البيت كشيلوه وهذه المدينة اجعلها لعنة لكل شعوب الأرض.

المكان الذي عَينَّه الله لإرمياء لإلقاء نبوته كاد يعرض حياته للخطر لكنه ذهب. قف في دار بيت الرب = فغالبًا ذهب وأثناء مناسبة عيد أو احتفال. قطعًا كان أسهل لهُ أن يعظ وسط أصدقاؤه في مكان هادئ. ولكن مما يزيد من خطورة الموقف أن الشعب سيشجع الكهنة، والكهنة يشجعون الشعب على إلحاق الضرر به وهنا لأول مرة يتنبأ عن خراب الهيكل وهنا يشبهها بشيلوه (راجع إصحاح 7). فإذا كانت أورشليم قد شابهت شيلوه في خطيتها فلماذا لا تشبهها في مصيرها وعقوبتها.

 

الآيات 7-15:- 7- وسمع الكهنة والانبياء وكل الشعب إرميا يتكلم بهذا الكلام في بيت الرب. 8- وكان لما فرغ إرميا من التكلم بكل ما اوصاه الرب أن يكلم كل الشعب به أن الكهنة والانبياء وكل الشعب امسكوه قائلين تموت موتا. 9- لماذا تنبات باسم الرب قائلًا مثل شيلوه يكون هذا البيت وهذه المدينة تكون خربة بلا ساكن واجتمع كل الشعب على إرميا في بيت الرب. 10- فلما سمع رؤساء يهوذا بهذه الأمور صعدوا من بيت الملك إلى بيت الرب وجلسوا في مدخل باب الرب الجديد. 11- فتكلم الكهنة والانبياء مع الرؤساء وكل الشعب قائلين حق الموت على هذا الرجل لأنه قد تنبا على هذه المدينة كما سمعتم باذانكم. 12- فكلم إرميا كل الرؤساء وكل الشعب قائلًا الرب ارسلني لاتنبا على هذا البيت وعلى هذه المدينة بكل الكلام الذي سمعتموه. 13- فالان اصلحوا طرقكم وأعمالكم واسمعوا لصوت الرب الهكم فيندم الرب عن الشر الذي تكلم عليكم. 14- أما أنا فهانذا بيدكم اصنعوا بي كما هو حسن ومستقيم في اعينكم. 15- لكن اعلموا علما انكم أن قتلتموني تجعلون دما زكيا على أنفسكم وعلى هذه المدينة وعلى سكانها لأنه حقا ارسلني الرب إليكم لاتكلم في اذانكم بكل هذا الكلام.

كان المتوقع بعد العظة التي قالها أن تكون هناك توبة. ولكن العكس، فقد حدث هيجان عظيم بسبب كلامه (كما حدث مع بولس ولوقا في أفسس فهكذا الشيطان دائمًا) وهم اتهموه بنفس التهمة التي اتهموا بها رب المجد وهي التجديف على البيت، وهكذا أيضًا اتهموا إسطفانوس ولاحظ أنهم تذكروا كلامه على البيت ونسوا كلامه عن التوبة أو تناسوه (9). وفي (10) باب الرب الجديد = لعله المذكور في (2مل35:15) وقد بنى قبل هذه الحادثة بـ15 سنة تقريبًا. وكان موقف أرمياء خطير فالكهنة والأنبياء حينما ذكروا التهمة الموجهة إليه في حديثهم مع الرؤساء ركزوا على قول النبي ضد المدينة، وذلك لإثارة الرؤساء عليه لأنهم ظنوا أن الرؤساء سيدينوه بسبب المدينة، فهم يهتمون بها أكثر من الهيكل. وفي (12) لم يتراجع إرمياء بل أكد أن الله هو الذي أرسله بهذا الكلام ومعنى دفاع أرمياء عن نفسه ملخصه، هل إذا قال إنسان لآخر احذر هذا الطريق لئلا تموت هل يعاقبه لأنه قال لهُ تموت، أو لا يشكره لأنه دلَّه على طريق الحياة. خصوصًا أن هذا الكلام هو كلام الرب. وفي (14) هأنذا بيدكم = كشاة سيقت للذبح لا تستطيع أن تقاوم وفي (15) دمًا زكيًا على أنفسكم = ستزيدون جرائمكم جريمة جديدة تؤذون بها أنفسكم.

 

الآيات 16-24:- 16- فقالت الرؤساء وكل الشعب للكهنة والانبياء ليس على هذا الرجل حق الموت لأنه انما كلمنا باسم الرب الهنا. 17- فقام اناس من شيوخ الأرض وكلموا كل جماعة الشعب قائلين. 18- أن ميخا المورشتي تنبا في ايام حزقيا ملك يهوذا وكلم كل شعب يهوذا قائلًا هكذا قال رب الجنود أن صهيون تفلح كحقل وتصير أورشليم خربا وجبل البيت شوامخ وعر. 19- هل قتلا قتله حزقيا ملك يهوذا وكل يهوذا الم يخف الرب وطلب وجه الرب فندم الرب عن الشر الذي تكلم به عليهم فنحن عاملون شرا عظيما ضد أنفسنا. 20- وقد كان رجل أيضًا يتنبا باسم الرب اوريا بن شمعيا من قرية يعاريم فتنبا على هذه المدينة وعلى هذه الأرض بكل كلام إرميا. 21- ولما سمع الملك يهوياقيم و كل ابطاله وكل الرؤساء كلامه طلب الملك أن يقتله فلما سمع اوريا خاف وهرب و أتى إلى مصر. 22- فارسل الملك يهوياقيم اناسا إلى مصر الناثان بن عكبور و رجالا معه إلى مصر. 23- فاخرجوا اوريا من مصر واتوا به إلى الملك يهوياقيم فضربه بالسيف وطرح جثته في قبور بني الشعب. 24- ولكن يد اخيقام بن شافان كانت مع إرميا حتى لا يدفع ليد الشعب ليقتلوه.

من المخجل أن الرؤساء هم الذين ينبهون الكهنة إلى كتاب الله وأن ميخا المورشتى صنع هذا من قبل وحذر حزقيا. فكم كان العمى الذي أصاب هؤلاء الكهنة. وكان الكهنة أيضًا هم الذين هيَّجوا الشعب ضد المسيح. ولكن للأسف فالرؤساء اقتنعوا بأرمياء اقتناعًا عقليًا لكنهم لم يقدموا توبة. ورجوع الرؤساء لقضية ميخا هو يشبه ما يحدث في المحاكم اليوم، في الإستناد لقضايا سابقة مماثلة. وميخا هو أحد الأنبياء الصغار الذين تنبأوا أيام حزقيا وحينما استمع حزقيا وخضع لنبواتهم أرسل الله ملاكًا وأهلك جيش أشور. وفي الآيات (20-24) نجد قصة نبي آخر هو أوريا كان يتنبأ بنفس الكلمات التي يقولها إرمياء، وهذا مما يثبت أن الكلام من الله. ولكن خطأ أوريا خوفه وهروبه إلى مصر ففي هذا عدم ثقة بالله. ولاحظ دموية يهوياقيم الملك فهو لم يكتفي بقتله في مصر ولكنه أراد أن يراه بعينيه قتيلًا فأتى به إلى أورشليم بل هو الذي قتله بيده (23) ورمى جثته مع جثث العامة حتى لا يعتبره الناس نبيًا، وليسىء لسمعته وليمنع الأنبياء الآخرين الحقيقيين من التنبؤ مثله. ولكن كان هذا باطلًا فهيرودس قتل يوحنا ولكن سرعان ما وجد المسيح فظنه يوحنا. وأرسل الله للنبى أرمياء صديقه يشجعه ويحميه من رجال الملك (2مل 12:22) وربما يكون جدليا بن أخيقام ابنه آية 24. ولكن يبدو أن هذا الصديق كان لهُ نفوذًا قويًا على الكهنة لأنه استطاع أن يبطل حيلهم. ولكن لماذا ذكرت هذه القصة هنا؟ لكي نقارن بين موقفين أرمياء يقول كلامه ولا يهرب فيدافع الله عنهُ، وأوريا يقول كلامهُ ويهرب فيموت، أليس هذا تطبيقًا للمعاهدة بين الله وأرمياء “لا ترتاع من وجوههم لئلا أريعك” (17:1).

زر الذهاب إلى الأعلى