تغيروا عن شكلكم

أولاً: ركائز التغيير

رسم لنا معلمنا بولس الرسول هذا التغيير الجذرى حين قال فى رومية 12: “تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ…” والشكل هنا ليس الملامح فقط، بل الكيان الإنسانى كله.. فسألناه: كيف؟ قال : هناك 4  ركائز للتغيير الجذرى وهى:

  1.  تجديد أذهانكم.
  2.   العضوية فى جسد المسيح.
  3. استثمار المواهب فى الخدمة.
  4.  الشهادة الأمينة فى المجتمع.


1- تجديد الذهن بالتوبة:
فكلمة “تغيير الذهن” هى باليونانية “ميطانيا” حيث “ميطا = تغيير” و “نيا” من “نوس = عقل أو ذهن”.. ومعناها أن التائب هو إنسان فكّر ذهنيًا فى عواقب الانفصال عن الله، والانغماس فى الخطايا، فأدرك أن الخطية:
أ- تدمر الروح : لأنها تفصلنى عن الله. ب- تدمر الفكر : يصاب بالظلمة والتشتت.
ج- تدمر النفس : إذ تتمرد علينا الغرائز والشهوات.
د- تدمر الجسد : فالتدخين يدمر الرئة والقلب، والمسكرات تدمر الكبد والمثانة، والمخدرات تدمر العقل، والنجاسة تدمر الجسد كله بالأمراض.
ه‍- تدمر العلاقات : فالإنسان المنحرف روحيًا فاشل اجتماعيًا، إذ لا يأتمنه أحد على شىء.

أما القداسة فهى تبنى الروح (حين نشبع بالله)، والذهن (حين يستنير بالكتاب المقدس) والنفس (حين تنضبط بالجهاد الروحى والنعمة)، والجسد (حين يبتعد عن الآفات التى ذكرناها، ويهتم بالرياضة والنشاط)، والعلاقات (فالناجح روحيًا ناجح اجتماعيًا، يحب الناس، ويحبه الجميع).

2- العضوية فى جسد المسيح (الكنيسة)

فبالإيمان والمعمودية والتوبة نصير أعضاء فى جسد المسيح الكنيسة …

  1.  المسيح هو رأس الجسد.
  2.  والقديسون أعضاؤه السمائية.
  3.  والمؤمنون أعضاؤه الأرضية.

وهكذا يجد المؤمن نفسه فى منظومة ضخمة، رأسها رب المجد نفسه، بحبه اللانهائى، وقدراته غير المحدودة. أما القديسون فيصيرون قدوة له، وشفعاء يصلون من أجله. وأما المؤمنون فهو يتفاعل معهم على الأرض، فى حياة الشركة الكنسية، والإفخارستيا المقدسة.
لهذا يقول معلمنا بولس الرسول عن التناول من جسد الرب ودمه: “كَأْسُ الْبَرَكَةِ الَّتِى نُبَارِكُهَا، أَلَيْسَتْ هِىَ شَرِكَةَ دَمِ الْمَسِيحِ؟ الْخُبْزُ الَّذِى نَكْسِرُهُ، أَلَيْسَ هُوَ شَرِكَةَ جَسَدِ الْمَسِيحِ؟ فَإِنَّنَا نَحْنُ الْكَثِيرِينَ خُبْزٌ وَاحِدٌ، جَسَدٌ وَاحِدٌ” (1كو 16:10-17) ولهذا نصلى على قربانة واحدة للحمل، ونشترك فيها جميعًا، لنحس بأننا أعضاء بعضنا لبعض (رو 4:1)، نتعاون معًا كما تتعاون الأعضاء فى الجسد الواحد لخير الجسد كله.

3- المواهب للخدمة الكنسية
يتحدث معلمنا بولس الرسول عن 12 موهبة، يوزعها الرب على من تابوا وصاروا أعضاء فى جسده المقدس منها: النبوة – الخدمة – التعليم – الوعظ، العطاء – التدبير – أعمال الرحمة – المحبة الأخوية – العبادة – خدمة القديسين – إضافة الغرباء – المشاركة الوجدانية.. وكلها مذكورة فى هذا الإصحاح (رو 12).
وهكذا يكون لكل عضو فى الجسد وظيفة لبنيان الجسد كله.. وقد تحدث الرسول عن هذا التعاون (رغم الاختلافات)، والوحدة (رغم التنوع) فى كورنثوس الأولى الإصحاح 12.. 

4- الشهادة فى المجتمع
المسيحية لا تعزلنا عن المجتمع، بل ترسلنا إليه رسل محبة وخير وسلام.. لهذا يوصينا الرسول فى نفس الإصحاح (رومية 12):
 “عَاكِفِينَ عَلَى إِضَافَةِ الْغُرَبَاءِ” (رو 13:12).
 “بَارِكُوا عَلَى الَّذِينَ يَضْطَهِدُونَكُمْ. بَارِكُوا وَلاَ تَلْعَنُوا” (رو 14:12).
 “لاَ تُجَازُوا أَحَدًا عَنْ شَرّ بِشَرّ” (رو 17:12).
 “مُعْتَنِينَ بِأُمُورٍ حَسَنَةٍ قُدَّامَ جَمِيعِ النَّاسِ” (رو 17:12).
 “إِنْ كَانَ مُمْكِنًا فَحَسَبَ طَاقَتِكُمْ سَالِمُوا جَمِيعَ النَّاسِ” (رو 18:12).
 “لاَ تَنْتَقِمُوا لأَنْفُسِكُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، بَلْ أَعْطُوا مَكَانًا لِلْغَضَبِ” (رو 19:12).
 “لاَ يَغْلِبَنَّكَ الشَّرُّ بَلِ اغْلِبِ الشَّرَّ بِالْخَيْرِ” (رو 21:12).
هذا هو التغيير الجذرى الذى يجعل الخير يغلب دائمًا.. وقديمًا قال غاندى: “لو طبقنا قصة عين بعين، لصار العالم كله عميانًا”: فإن قال غاندى هكذا، فماذا يقول السيد المسيح؟ يقول: “اغْلِبِ الشَّرَّ بِالْخَيْرِ” (رو 21:12)… وهكذا يتناقص الشر فى حياة الناس، وينتصر الخير!!


ثانيًا: كيف أتغير ؟!

رسم لنا الكتاب المقدس، والكنيسة الأرثوذكسية، أن التغيير فى الإنسان يتم من خلال: جهادي الشخصي , النعمة الإلهية.

ولا خلاص للإنسان بغير هذين العاملين: جهادى الشخصى، نعمة الله. جهاده الشخصى بمفرده لا قيمة له “بأعمالى ليس لى خلاص”، ونعمة الله بدون تجاوبى معها، لا تعمل فىّ. هذا العمل المشترك هو طريق الخلاص.

1- الجهاد الإنسانى
يجب أن يجاهد الإنسان من أجل خلاص نفسه, فقديما قال الآباء: “الله الذى خلقك بدونك لا يخلصك بدونك” ويتضح هذا الجهاد فى صور عديدة مثل:
1- صدق النية : هل أنا أحب أن أتخلص من خطاياى؟ السيد المسيح سأل المفلوج: “أَتُرِيدُ أَنْ تَبْرَأَ؟” (يو 6:5) إن روح الله يبكتنى كلما أخطىء، لكن: هل أنا أريد أن أتخلص من خطاياى، وأحيا للرب؟ الروح يعمل فىّ، ولكن يجب أن أتجاوب معه، فالسيد المسيح “وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ” (رؤ 20:3)، لا يفرض نفسه علىّ، إلا أننى إذا سمعت، وفتحت يدخل إلىّ، ويتعشى معى.

2- بذل الجهد : من غير المعقول أن استسلم لعدم الخير ونوازع الخطية, ولا أبذل أى مجهود أو مقاومة مثل:
– حفظ الحواس : ماذا أسمع؟ وماذا أقول؟.. وماذا أشاهد؟
– العلاقات المقدسة : يستحيل الخلاص وأنا وسط أصدقاء منحرفين.
– المقاومة ضد الخطية : ومحاولة عدم السقوط بقدر الإمكان، والإبتعاد عن مواطن الإثارة.
– إذا سقطت أقوم : ولا أترك نفسى فى حمأة الخطية، بل أقدم توبتى
للرب، ثم أعترف بخطاياى للأب الكاهن لأنال الحلّ والإرشاد.

3- الشبع الروحى : “اَلنَّفْسُ الشَّبْعَانَةُ تَدُوسُ الْعَسَلَ” (أم 7:27).. مهم أن أشبع بوسائط النعمة مثل: الصلوات والتسابيح – الكتاب المقدس – التناول المحيى – الصداقات البناءة – القراءات الروحية – الإجتماعات الروحية – الأصوام.. الخ.

4- السهر الروحى : أى أن أسهر على نفسى، مراقبًا حواسى وسلوكياتى، ومتوقعًا الحروب الروحية، ومستيقظًا على الدوام، مسلحًا بأسلحة الروح المذكورة فى (أف 6).

2- النعمة الإلهية
الإنسان محدود، والشيطان أقوى منه، والجسد يتمرد عليه، والعالم يحيط به مليئًا بالعثرات فماذا يفعل إزاء هذا كله؟! ليس سوى الله ليخلصنا، لأنه:
– غير محدود فى محبته.
 – غير محدود فى حكمته.
– غير محدود فى قدرته.
لهذا فحينما نشبع بوسائط النعمة تحلّ علينا نعمة الله, ونهتف مع الرسول: “أَسْتَطِيعُ كُلَّ شَىْءٍ فِى الْمَسِيحِ الَّذِى يُقَوِّينِى” (فى 13:4).ونعمة الله تقوم بما يلى:
1- التبرير : إذ أتبرر بدم المسيح الفادى, الذى حمل خطايانا فى جسده على خشبة, ودفع عقوبة الخطية بدلاً منى.
2- الخلاص : إذ يخلصنى الرب من الخطية الجدية بالمعمودية، ومن الخطايا الفعلية بالجهاد الروحى والتوبة والاعتراف والشبع المستمر.
3- التقديس : إذ يسكن فىّ روح الله فأصير هيكلاً مقدسًا له، كما حدث حينما رشمت 36 رشمًا بالميرون المقدس.
4- التمجيد : إذ نشعر أننا أولاد الله ونحن بعد فى هذا العالم, وفى النهاية, عند القيامة, نلبس أجسادًا نورانية, ونصعد إليه فى السموات, ونحيا معه إلى الأبد كوارثين فى ملكوته المجيد.
وهكذا بالجهاد الإنسانى + النعمة الإلهية يمكن أن نتغير إلى الأفضل!!


ثالثًا: ثمار التغيير

للتغيير المسيحى ثمار كثيرة تشمل كل نواحى الإنسان، وميادين الحياة، وتطلعات المستقبل… ومن هذه الثمار ما يلى:
1- الإيمان الحىّ
والإيمان هو تصديق الله، والثقة أنه موجود وفاعل وقادر على كل شىء. لذلك فالمؤمن يضيف إلى قوته المحدودة قوة الله غير المحدودة، لهذا يهتف قائلاً:
 “أَسْتَطِيعُ كُلَّ شَىْءٍ فِى الْمَسِيحِ الَّذِى يُقَوِّينِى” (فى 13:4).
 “يَعْظُمُ انْتِصَارُنَا بِالَّذِى أَحَبَّنَا” (رو 37:8).
 “لِيَقُلِ الضَّعِيفُ: بَطَلٌ أَنَا!”” (يؤ 10:3).
 “حِينَمَا أَنَا ضَعِيفٌ (بذاتى)، فَحِينَئِذٍ أَنَا قَوِىٌّ (بالمسيح الساكن فىّ)” (2كو 10:12-11).

والإيمان له جوانبه :
1- الإيمان النظرى : أى معرفة من هو المسيح :
– أنه الأقنوم الثانى فى الله الواحد. – تجسد لأجلى.
– صلب لأجلى. – قام لأجلى. – صعد إلى السماء كسابق لنا.
– أرسل الروح القدس. – أسس الكنيسة المقدسة.
– وضع فيها أسرار الخلاص. – سيأتى ليأخذنا إلى مجده.
2- الإيمان الوجدانى : أى تكوين عشرة محبة وعلاقة شخصية مع السيد المسيح، تتضح فى أنى كل يوم وكل حين:
– أكلمه فى الصلاة. – أسمعه فى الإنجيل. – أقتنيه فى التناول.
والكنيسة مليئة بالصلوات: الأجبية – السهمية – الحرَّة – التسبيح…
ومن خلال ذلك أدخل إلى علاقة محبة وجدانية مع الرب يسوع، وأناديه مع المرنم: “أُحِبُّكَ يَارَبُّ، يَا قُوَّتِى” (مز 1:18).
3- الإيمان السلوكى : إذ يوصينا الرسول: “عِيشُوا كَمَا يَحِقُّ لإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ” (فى 27:1).. “إِنْ أَحَبَّنِى أَحَدٌ يَحْفَظْ كَلاَمِى، وَيُحِبُّهُ أَبِى، وَإِلَيْهِ نَأْتِى، وَعِنْدَهُ نَصْنَعُ مَنْزِلاً” (يو 23:14).
لهذا وضع معلمنا يوحنا الحبيب علاقة للمسيحى الحقيقى قائلاً: “نَعْلَمُ أَنَّنَا قَدِ انْتَقَلْنَا مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاةِ، لأَنَّنَا نُحِبُّ الإِخْوَةَ” (1يو 14:3).بل كان حاسمًا فى قوله:
 “مَنْ لاَ يُحِبَّ أَخَاهُ يَبْقَ فِى الْمَوْتِ” (1يو 14:3).
 “كُلُّ مَنْ يُبْغِضُ أَخَاهُ فَهُوَ قَاتِلُ نَفْسٍ” (1يو 15:3).
 “لاَ نُحِبَّ بِالْكَلاَمِ وَلاَ بِاللِّسَانِ، بَلْ بِالْعَمَلِ وَالْحَقِّ!” (1يو 18:3).
السلوك المسيحى علامة حقيقية على وجود الله فينا.
4- الإيمان الاتحادى : حينما أتحد بالرب، إذ يثبت فىّ وأنا فيه، كما قال لنا بفمه الطاهر: “مَنْ يَأْكُلْ جَسَدِى وَيَشْرَبْ دَمِى يَثْبُتْ فِىَ وَأَنَا فِيهِ” (يو 56:6).
ونحن نأخذ عربون اتحادنا بالمسيح فى التناول هنا. أما فى أورشليم السمائية فيصير اتحادنا بالرب أقوى وأقوى – طبعًا هذا لا يعنى تغيير الطبائع، إذ سيظل الله هو الله، والإنسان هو الإنسان، فالمسيح ابن الله بالحقيقة والطبيعة أما نحن فأبناء الله بالتبنى “لِيَفْتَدِىَ الَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ، لِنَنَالَ التَّبَنِّىَ” (غل 5:4) والابن يرث الحياة الأبدية، ويحيا الملكوت الخالد.

2- حياة القداسة
والقداسة ليست هى الحياة بلا خطية، ولكنها الحياة فوق الخطية، إذ يقول الرسول: “الْخَطِيَّةَ لَنْ تَسُودَكُمْ، لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ تَحْتَ النَّامُوسِ بَلْ تَحْتَ النِّعْمَةِ” (رو 14:6).القداسة هى :
أ- أن أجاهد أن لا أخطئ : “أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هذَا لِكَىْ لاَ تُخْطِئُوا” (1يو 1:2).
ب- إن أخطأت أتوب : “وَإِنْ أَخْطَأَ أَحَدٌ فَلَنَا شَفِيعٌ عِنْدَ الآبِ، يَسُوعُ الْمَسِيحُ الْبَارُّ. وَهُوَ كَفَّارَةٌ لِخَطَايَانَا” (1يو 1:2-2).
ج- واجعل من قلبى هيكلاً للرب : إذ قد تم تدشينى بالميرون 36 رشمًا، بها يتم تقديس:
1- الفكر.
 2- الحواس.
 3- القلب.
4- الإرادة.
 5- السلوكيات والتصرفات.
 6- الطريق والخطوات.
وهكذا ننفذ وصية الرسول: “كُونُوا قِدِّيسِينَ” (1بط 16:1).. لكى نتشبه بالإله القدوس الذى سنحيا معه فى السموات إلى الأبد.


3- السلام الحقيقى
الإنسان الذى عاش الإيمان، وسلك فى طريق القداسة، سيحيا فى سلام ثلاثى عميق وهام:
أ- سلام مع الله : “قَدْ تَبَرَّرْنَا بِالإِيمَانِ لَنَا سَلاَمٌ مَعَ اللهِ” (رو 1:5).. وذلك بسبب تصالحنا معه بالتوبة المتجددة، والاعتراف الأمين المستمر.
ب- سلام مع النفس : “كَلَّمْتُكُمْ بِهذَا لِيَكُونَ لَكُمْ فِىََّ سَلاَمٌ” (يو 33:16).. فالإنسان المسيحى نفسه تعيش فى سلام – ومكونات شخصيته غير متصارعة أساسًا بل متعاونة: الجسد والعقل والنفس والروح والعلاقات، كلها تسير معًا فى اتجاه واحد نحو الله، دون تناقض أو صراع.
ج- سلام مع الآخرين : “بِهذَا يَعْرِفُ الْجَمِيعُ أَنَّكُمْ تَلاَمِيذِى: إِنْ كَانَ لَكُمْ حُبٌّ بَعْضًا لِبَعْضٍ” (يو 35:13)..
– ” مُعْتَنِينَ بِأُمُورٍ حَسَنَةٍ قُدَّامَ جَمِيعِ النَّاسِ” (رو 17:12).
– “فَإِنْ جَاعَ عَدُوُّكَ فَأَطْعِمْهُ. وَإِنْ عَطِشَ فَاسْقِهِ” (رو 20:12).
– “يَغْلِبَنَّكَ الشَّرُّ بَلِ اغْلِبِ الشَّرَّ بِالْخَيْر”ِ (رو 21:12).
الإنسان المسيحى إنسان سلام، ينشر المحبة والخير والسلام بين الناس، ورسالته: “طُوبَى لِصَانِعِى السَّلاَمِ، لأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ اللهِ يُدْعَوْنَ” (مت 9:5).
ومنهج حياته: “عِيشُوا بِالسَّلاَمِ، وَإِلهُ الْمَحَبَّةِ وَالسَّلاَمِ سَيَكُونُ مَعَكُمْ” (2كو 11:13).


4- حمل الصليب
يتصور البعض أن المسيحية ديانة رفاهية، وليس فيها آلام، مع أن الرب وعدنا قائلاً: “فِى الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ، وَلكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ” (يو 33:16).
ولهذا أوصانا قائلاً: “مَن لاَ يَحْمِلُ صَلِيبَهُ وَيَأْتِى وَرَائِى فَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِى تِلْمِيذًا” (لو 27:14). ومعلمنا بطرس يقول: “الَّذِى بِهِ تَبْتَهِجُونَ، مَعَ أَنَّكُمُ الآنَ ¬ إِنْ كَانَ يَجِبُ تُحْزَنُونَ يَسِيرًا بِتَجَارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ” (1بط 6:1).
والتجارب أنواع، وكلها بناءة:
أ- تجارب للتتويب : كأن يسمح الله بضيقة أو فشل، ليستيقظ الإنسان ويرى أنه فى خطر الغرق فى الخطية، فيهب تائبًا.
ب- تجارب للتنقية : كما حدث مع أيوب حينما نقّاه الرب من البر الذاتى.
ج- تجارب للتزكية : كتجربة الله لإبراهيم أن يقدم ابنه ذبيحة، فاستحق بمحبته أن يأتى الرب يسوع من نسله.
د- تجارب للوقاية : كتجربة بولس الرسول لئلا يرتفع بالإعلانات والنجاحات، أعطاه شوكة فى الجسد ليحفظه فى الاتضاع.
– لا يوجد صليب بدون بركة.
– ولا فداء بدون قيامة.
– ولا ألم بدون إثمار روحى.
المهم كيف نأخذ الألم من يد الله ونستفيد منه روحيًا لخلاصنا.


5- الثقة فى المستقبل
فالإنسان المؤمن هتافه اليومى هو: “يَسُوعُ الْمَسِيحُ هُوَ هُوَ أَمْسًا وَالْيَوْمَ وَإِلَى الأَبَدِ” (عب 8:13)…
– إن مسيحنا… هو فوق الزمان : فهو اللوغوس الأزلى، الذى لما جاء ملء الزمان، ولد من العذراء مريم، واتخذ منها جسدًا وشابهنا فى كل شىء ما خلا الخطية وحدها، وبهذا الجسد مات على الصليب، ثم قام لخلاصنا، وهو يغسلنا بدمه كل يوم، إلى أن يأتى ليأخذنا.
– ومسيحنا… هو فوق المكان : فهو الذى قال: “وَلَيْسَ أَحَدٌ صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ
إِلاَّ الَّذِى نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ، ابْنُ الإِنْسَانِ الَّذِى هُوَ فِى السَّمَاءِ” (يو 13:3
).

ذلك لأنه أمامنا على الأرض حين كان معنا ولكنه – فى نفس الوقت – هو فى كل مكان بلاهوته المتحد بهذا الناسوت. فهو فى السماء وعلى الأرض وما بينهما.. معى فى كل مكان اذهب إليه: فى المنزل والمدرسة والطريق والعمل ومشاوير الحياة.


– مسيحنا… فوق الإنسان :
لذلك:  “فَلاَ أَخَافُ. مَاذَا يَصْنَعُ بِى إِنْسَانٌ؟” (عب 6:13).
 “إِنْ كَانَ اللهُ مَعَنَا، فَمَنْ عَلَيْنَا؟” (رو 31:8).
 “‏مَنْ ذَا الَّذِى يَقُولُ فَيَكُونَ وَالرَّبُّ لَمْ يَأْمُرْ؟” (مرا 37:3).
 “إِذَا سِرْت ُفِى وَادِى ظِلِّ الْمَوْتِ لاَ أَخَافُ شَرًّا، لأَنَّكَ أَنْتَ مَعِى” (مز 4:23).

– مسيحنا… فوق الأحداث :
 “اَلرَّبُّ نُورِى وَخَلاَصِى مِمَّنْ أَخَافُ؟  الرَّبُّ حِصْنُ حَيَاتِى مِمَّنْ أَرْتَعِبُ؟
 عِنْدَمَا اقْتَرَبَ إِلَىَّ الأَشْرَارُ لِيَأْكُلُوا لَحْمِى مُضَايِقِىَّ وَأَعْدَائِى عَثَرُوا وَسَقَطُوا.
 إِنْ نَزَلَ عَلَىَّ جَيْشٌ لاَ يَخَافُ قَلْبِى.
 إِنْ قَامَتْ عَلَىَّ حَرْبٌ فَفِى ذَلِكَ أَنَا مُطْمَئِنٌّ.
 وَاحِدَةً سَأَلْتُ مِنَ الرَّبِّ وَإِيَّاهَا أَلْتَمِسُ: أَنْ أَسْكُنَ فِى بَيْتِ الرَّبِّ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِى.
 لِكَىْ أَنْظُرَ إِلَى جَمَالِ الرَّبِّ وَأَتَفَرَّسَ فِى هَيْكَلِهِ.
 لأَنَّهُ يُخَبِّئُنِى فِى مَظَلَّتِهِ فِى يَوْمِ الشَّرِّ. يَسْتُرُنِى بِسِتْرِ خَيْمَتِهِ.
 عَلَى صَخْرَةٍ يَرْفَعُنِى.
 وَالآنَ يَرْتَفِعُ رَأْسِى عَلَى أَعْدَائِى حَوْلِى فَأَذْبَحُ فِى خَيْمَتِهِ ذَبَائِحَ الْهُتَافِ.
 أُغَنِّى وَأُرَنِّمُ لِلرَّبِّ..” (مز 1:27-6).
لذلك فالإنسان المؤمن بالرب لا يخاف من الأيام أو الأحداث، أو ما يخبؤه له المستقبل، فحياته فى يد الله.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى