تفسير سفر إرميا ١٨ للقمص أنطونيوس فكري

الآيات 1-10:- الكلام الذي صار إلى إرميا من قبل الرب قائلا. قم انزل إلى بيت الفخاري وهناك اسمعك كلامي. فنزلت إلى بيت الفخاري وإذا هو يصنع عملا على الدولاب. ففسد الوعاء الذي كان يصنعه من الطين بيد الفخاري فعاد و عمله وعاء آخر كما حسن في عيني الفخاري أن يصنعه. فصار إلى كلام الرب قائلا. أما استطيع أن اصنع بكم كهذا الفخاري يا بيت إسرائيل يقول الرب هوذا كالطين بيد الفخاري انتم هكذا بيدي يا بيت إسرائيل. تارة اتكلم على امة و على مملكة بالقلع والهدم والاهلاك. فترجع تلك الامة التي تكلمت عليها عن شرها فاندم عن الشر الذي قصدت أن اصنعه بها. وتارة اتكلم على امة وعلى مملكة بالبناء والغرس. فتفعل الشر في عيني فلا تسمع لصوتي فاندم عن الخير الذي قلت أني احسن اليها به.

نلاحظ في مثال الفخاري أن الله يمكن أن يتكلم معنا في أماكن لا نتصورها وبأشخاص قد لا نتصور أن نسمع منهم كلمة الله. ولكن القلب المستعد أن يسمع من الله ستصل إليه كلمة الله الهادئة. ونجد هنا أن الله يكلم أرمياء في مكان الفخاري. وربما يكلمنا الله في الطريق أو في أماكن عملنا وبأمثلة من واقع حياتنا العملية. ولنلاحظ:

  1. حينما خرج الإناء الأول فاسدًا قام الفخاري بصبر وطول أناة بتشكيله مرة ثانية ولم يَرْمِهِ ونحن إن سلمنا الله حياتنا يعيد تشكيلنا ويطهرنا وينزع عنا عاداتنا الشريرة وأفكارنا الشريرة (أش9،8:64). والله لا ييأس ويستخدم طرق عديدة لذلك.
  2. الله يشكل كل إنسان لعمل معين وخدمة معينة “لأننا نحن عمله مخلوقين لأعمال صالحة قد سبق الله فأعدها لكي نسلك فيها” (أف10:2) فلكل منا عمل يشتاق الله أن نعمله وننجح فيه. إذًا كل واحد منا هو آنية ثمينة عند الله، طالما هناك هدف خُلِقنا لأجلهُ.
  3. الوعاء الذي فسد (4) لم يفسد بسبب عدم كفاءة الفخارى بل بسبب وجود جزء غير مرن في الطين، حصوة مثلًا، وما هذا سوى الإرادة البشرية المقاومة لإرادة الله “يا أورشليم يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة… كم مرة أردت… ولم تريدوا” ولكن الله الفخارى الحكيم قادر أن يعيد تشكيل هذا الإنسان ويعطيه مكانًا آخر لخدمته أو خدمة أخرى تناسب وضعه الجديد (4).
  4. الدولاب الذي يستخدمه الفخاري لتشكيل الآنية هو دولاب دوَّار ويستخدم الله الزمن والظروف رغم ما يبدو فيها من تكرار، في تشكيلنا.
  5. أصابع الفخاري تشير لنعمة الله العاملة فينا، ونار الفرن تشير للتجارب والآلام.
  6. يأتي وقت يصبح فيه التغيير صعبًا بل مستحيلًا حينئذ يكسر الفخاري الإناء، وهذا يشير لحالة من يرفض التوبة. وهذا موضوع أصحاح 19 (مز9:2 + رؤ27:2).
  1. آية (8) مثال لذلك نينوى. حين تابت قَبِلهم الرب وامتنع الشر. (ولكنهم حينما عادوا للشر وأصروا عليه أبادهم الله… سفر ناحوم).
  2. آية (10،9) هذا إنذار موجه ليهوذا شعب الله الذي غرسهُ الله وقصد بها خيرًا، والمعنى أن الله مزمع أن يأتي عليها بشر. فالإناء الآن في حالة يصعب إصلاحها.

أصابع الفخاري

الفخاري يستخدم أصابعه ليشكل الإناء أو ليعيد تشكيله لذلك قال المسيح عن الروح القدس أنه إصبع الله. فالروح القدس هو الذي يعيد تشكيلنا (بتبكيته ومعونته… إلخ).

ونرى أن الروح القدس هو إصبع الله بمقارنة الآيات (لو20:11) مع (مت28:12).

الأصابع لا تعمل بدون يد.

فاليد هي القوة التي تحرك الأصابع. والروح القدس لم يكن ليحل فينا ويعمل فينا لولا فداء المسيح. لذلك قيل عن المسيح يد الله أو ذراع الله. “قد شمر الرب عن ذراع قدسه أمام عيون كل الأمم فترى كل أطراف الأرض خلاص إلهنا” (إش10:52). وشمر الرب عن ذراعه تشير لتجسد المسيح وظهوره بالجسد من أجل الفداء. راجع أيضًا (إش9:51 + 13:48+ 1:59).

 

الآيات 11-17:- فالان كلم رجال يهوذا وسكان أورشليم قائلًا هكذا قال الرب هانذا مصدر عليكم شرا وقاصد عليكم قصدا فارجعوا كل واحد عن طريقه الرديء واصلحوا طرقكم وأعمالكم. فقالوا باطل لأننا نسعى وراء افكارنا و كل واحد يعمل حسب عناد قلبه الرديء. لذلك هكذا قال الرب اسالوا بين الامم من سمع كهذه ما يقشعر منه جدًا عملت عذراء إسرائيل. هل يخلو صخر حقلي من ثلج لبنان أو هل تنشف المياه المنفجرة الباردة الجارية. لأن شعبي قد نسيني بخروا للباطل وقد اعثروهم في طرقهم في السبل القديمة ليسلكوا في شعب في طريق غير مسهل. لتجعل ارضهم خرابا وصفيرا ابديا كل مار فيها يدهش وينغض راسه. كريح شرقية ابددهم أمام العدو اريهم القفا لا الوجه في يوم مصيبتهم.

في (11) مازال هناك أمل أن لا يكسر الله الإناء إن قدموا توبة . وفي (12) نجد ردهم المعاند فقد قالوا باطل = أي لا أمل. وهذا يسميه الخطاة، حرية، ولكنها عبودية لشهواتهم. والخطية تقسى القلوب. وفي (13) إهانة لهم فالأمم لم يحصلوا على ما حصلت عليه إسرائيل من نعم، ولكن حتى هؤلاء الأمم سيقشعرون مما عملته إسرائيل. وآية (14) لها ترجمة أخرى “هل يترك رجل ثلوج لبنان الموجودة على صخر الحقل أو تترك المياه الباردة الجارية من مكان آخر” والمعنى هل يترك مسافر عطشان ثلوج لبنان التي تسيل وتنزل مياهها الباردة نقية من أعلى جبل لبنانبعيدة عن الطين، ويذهب لمكان قذر يبحث فيه عن بعض المياه الراكدة. أو هل يترك إنسان ماء مثلج في يوم حار. ولكن هذا ما عمله شعبى فقد تركونى أنا ينبوع المياه الحية وبخروا للباطل. فخسروا الماء المثلج أي عزاء الروح القدس في وسط حرارة الضيقات(صخر الحقل). ولذلك سيأتي عليهم الخراب (16). وفي (17) أريهم القفا = الإنسان يحتمل التجربة لو شعر أن الله معهُ يبتسم لهُ ويشجعه. اما لو أدار الله وجهه فهذا مالا يحتمل. والله يرى القفا لمن سبق وأعطاه القفا (أر27:2).

 

الآيات 18-23:- فقالوا هلم فنفكر على إرميا افكارا لأن الشريعة لا تبيد عن الكاهن ولا المشورة عن الحكيم ولا الكلمة عن النبي هلم فنضربه باللسان ولكل كلامه لا نصغ. اصغ لي يا رب واسمع صوت اخصامي. هل يجازى عن خير بشر لأنهم حفروا حفرة لنفسي اذكر وقوفي امامك لاتكلم عنهم بالخير لارد غضبك عنهم. لذلك سلم بنيهم للجوع وادفعهم ليد السيف فتصير نساؤهم ثكالى و ارامل وتصير رجالهم قتلى الموت وشبانهم مضروبي السيف في الحرب. ليسمع صياح من بيوتهم إذ تجلب عليهم جيشا بغتة لأنهم حفروا حفرة ليمسكوني وطمروا فخاخا لرجلي. وانت يا رب عرفت كل مشورتهم علي للموت لا تصفح عن اثمهم ولا تمح خطيتهم من امامك بل ليكونوا متعثرين امامك في وقت غضبك عاملهم.

هنا يتكلم النبي ثانية عن مؤامرات شعبه ضده. فالخطاة لا يريدون سماع كلمة الله وينفرون منها. ومعنى آية (18) هم يريدون أن يحملوه مسئولية آلامهم أو أنه لا ينفع فلنتخلص منه وعندنا الكهنة والأنبياء وساستنا الحكماء. وواضح طبعًا أنهم هنا يظهرون حماسة زائفة للدفاع عن الدين وقلبهم يجرى وراء شهواتهم

فلنفكر على أرمياء أفكارًا= هي مشورات شعبه ضده وهي شبيهة بمشورات قيافا والكهنة ضد المسيح. لأن الشريعة لا تباد عن الكاهن ولا الكلمة عن النبي = هذا حماس كاذب عن الكهنة والأنبياء، فهم قطعًا يتحدثون عن الأنبياء الكذبة الذين يخدعونهم بالكلام الذي يحبونه والكهنة يشجعونهم في مسلكهم الشرير طالما يكسبون من ورائهم.

هلم فنضربه باللسان = أي يسيئوا لسمعته بشائعات مغرضة حتى يكرهه الناس وينفرون منهُ. ومثال على ذلك قولهم عنه أنه متآمر مع الأعداء. ولكن لا نندهش فمن يخون إلهه يخون أعز أصدقائه. وحتى الآن فالمسيح دمه يشفع في كل واحد ولكنهم حتى الآن في الأرض يتكلمون عليه كلامًا رديئًا. أما الآيات (19-23) كلام النبي بالشر ضدَهم هو نوع من النبوة كما سبق.

زر الذهاب إلى الأعلى