تفسير سفر إرميا ١٩ للقمص تادرس يعقوب
الأصحاح التاسع عشر
مَثَلْ الإناء الخزفي
في الأصحاح السابق قدم الله لنا نفسه بكونه الفخاري السماوي، الذي يهتم بالإناء الذي يسقط بإرادته من يد الفخاري، فيجمعه من جديد ويشَّكله ليجعل منه اناءً للكرامة. هنا يقدم لنا الإناء الخزفي المُصر على العناد، والذي لا يستحق إلا كسره!
في هذا الأصحاح يؤكد أن الدمار والسبي قادمان ولا مفر منهما [10]، حيث ُتلقى الجثث كالخزف المكسور إلى قطعٍ صغيرة، لا تستحق إلا تركها خارجًا في الشوارع أو في أماكن القمامة:
- رسالة أمام شيوخ الشعب وشيوخ الكهنة [1].
- خروجه إلى وادي ابن هنوم [2].
- رسالة صريحة عن خطاياهم [3-5].
- تأديبهم [6-9].
- كسر الابريق الخزفي [10-13].
- وقوفه في دار بيت الرب[14-15].
- رسالة أمام شيوخ الشعب:
“هكذا قال الرب:
اذهب واشترِ ابريق فخاري من خزف،
وخذ من شيوخ الشعب ومن شيوخ الكهنة…” [1].
بصفة عامة لم يقبله شيوخ الشعب ولا شيوخ الكهنة، لكن بلاشك كانت هناك قلّة تتطلع إليه كنبي مُرسل من الله. فجاء بهذه القلّة كشهودٍ على كلماته أمام الشعب والكهنة مع بقية القيادات. جاء بمندوبين عن الشعب (العلمانيين) والكهنة.
يرى البعض أنه ليس بالأمر الغريب أن يقبل بعض شيوخ الشعب وشيوخ الكهنة أن يذهبوا معه ليسمعوه، فإنهم إذ كانوا متلهفين على سماعه وهو ينطق بنبوات قاسية، ليس إيمانًا به أنه رجل الله، وإنما فرصة لجمع منطوقات من فمه تشهد ضده [18][423].
عندما ذهب إلى بيت الفخاري كان بمفرده، وعندما انطلق إلى وادي توفة كان اللقاء عامًا وعلى مشهدٍ من بعض شيوخ الشعب وشيوخ الكهنة. علة ذلك أن الأمر كان قد بلغ الذروة، والتأديب يتم حتمًا، لهذا جاء التوبيخ علانية، أما اللقاء السري في بيت الفخاري فكان من أجل قلب إرميا المنكسر حتى يطمئن أنه مهما بدا الله حازمًا ومؤدبًا قاسيًا لكنه هو الفخاري السماوي الذي يترفق بقطعة طين تبدو بلا قيمة!
بالنسبة للإبريق الفخاري baqbuq غالبًا ما يعني اناء خاصًا بالماء ضيق العنق، كان شائعًا في منطقة فلسطين في ذلك الحين. وقد وُجدت أوانٍ هكذا في الحفريات مختلفة الأحجام، ارتفاعها يتراوح ما بين أربع بوصات وقدم.
هنا يميز القديس يوحنا الذهبي الفم بين الإناء الفخاري في الأصحاح السابق الذي كان لايزال طينًا لم يدخل الفرن ويحتاج إلى إعادة تشكيله لأنه فسد، وبين الإناء المذكور هنا الذي دخل الفرن وانكسر… الأول يمثل النفس التي ُتعطى لها فرصة التوبة، ولايزال الله يترجى خلاصها، أما الثاني فيمثل النفس التي صممت على عدم التوبة بإصرار… إذ يقول:
v عندما أراد الله أن يعطيهم رجاءً، قاد نبيه إلى بيت الفخاري، وأظهر له ليس إناء من طين دخل الفرن، بل اناء من الطين (لم يدخل بعد الفرن) سقط من يد الفخاري، قائلاً: “إن كان هذا الفخاري يأخذ الإناء الذي سقط ويعيده مرة أخرى، أفما أستطيع بالأكثر ان أصلحكم مرة أخرى بعد سقوطكم؟!”
في استطاعة الله ليس فقط أن يصلحنا خلال غسل التجديد، حيث أننا خزف، وإنما أيضًا بعد أن استلمنا عمل الروح وانزلقنا، يمكنه أن يردنا خلال التوبة الصادقة إلى حالنا السابق.
v عندما يتحدث الكتاب المقدس عن كارثة لا علاج لها، لا يتحدث عن اناء الفخاري (الذي لم يدخل الفرن بعد) بل عن الإناء الخزفي. عندما أراد الله أن يعلم نبيه واليهود أن المدينة قد سُلمت إلى دمارٍ لا علاج له، أمره أن يأتي بإبريق خزفي ويكسره أمام كل الشعب ويقول: “هكذا أكسر… المدينة” [11] [424].
القديس يوحنا الذهبي الفم
- خروجه إلى وادي ابن هنوم:
“واخرج إلى وادي ابن هنوم،
الذي عند مدخل باب الفخاري،
ونادِ هناك بالكلمات التي أكلمك بها” [2].
ُدعى للخروج إلى وادي ابن هنوم ليتحدث هناك مع الشعب عند باب الفخار. يقع هذا الوادي في جنوب شرقي أورشليم، هناك كانت تُحرق القمامة، وأيضًا جثث المجرمين[425]. منه أُخذ اسم “جهنم”، حاليًا هو وادي الربابي Wadi-er-Rababi، وهو يربط أورشليم بوادي قدرون. لا يُعرف موضع باب الفخار في أورشليم القديمة.
دُعي إلى هناك للأسباب التالية:
- هناك ارتكبوا أبشع فظائع الأعمال الوثنية، أي تقديم أطفالهم ذبائح بشرية ومحرقات للإله ملوك، فأراد أن تشهد عليهم الأرض التي مارسوا فيها الخطية.
- هناك يلزمهم أن يسمعوا عن مرارة الكارثة التي تحل بهم بكونها المنخفض الذي فيه تُلقى الجثث كقطع الخزف التي في موضع القمامة.
- في هذا الوادي وقف إرميا وسط هذه كسر الأواني الخزفية التي أُلقيت للتخلص منها، عند مدخل باب الفخار. حسب الترجوم هو باب الدمن (الروث) (نح 2: 13؛ 3: 13-14؛ 12: 31)، منه يلقى بواقى الحيوانات وكسر الخزف والقمامة والنفايات في الوادي[426].
- رسالة صريحة عن خطاياهم:
“وقل اسمعوا كلمة الرب يا ملوك يهوذا وسكان أورشليم” [3].
لم يكن أحد يتوقع أن يقف إرميا عند باب الفخار حيث تُلقى القمامة ليوجه الحديث إلى ملوك يهوذا مع سكان أورشليم، لأنه ما كان ملوك يهوذا يدخلون من هذا الباب… لكن اشتراكهم في سفك دم الأبرياء (2 مل 21: 16؛ 24: 4) وتقديم أطفالهم ذبائح بشرية للأوثان (2 مل 16: 3، 21: 6) جعلهم يُحصون مع الشعب الداخل في باب القاذورات ليسمعوا معهم كلمة توبيخ قاسية وصدور حكم إلهي عليهم جميعًا بغير محاباة! هذا وقد عاصر إرميا أربعة ملوك ليهوذا.
حقًا ما أصعب على نفس ملك يهوذا أن يأتيه الخبر بأن إرميا يوجه إليه رسالة عنيفة عند باب القاذورات والقاء القمامة… لكن هكذا نزل الملك بنفسه إلى هذا المستوى باشتراكه في الرجاسات الوثنية وعنفها!
أقول ما أصعب على أولاد الله الذين جعلهم الله ملوكًا وكهنة (رؤ 1: 6) أن ينحدروا بأنفسهم ليسقطوا تحت الحكم مع أولاد إبليس الأشرار باشتراكهم معهم في سلوكهم الشرير، وينحطوا أحيانًا إلى مستوى أدنى من الحيوانات!
“هكذا قال رب الجنود إله إسرائيل:
هأنذا جالب على هذا الموضع شرًا كل من سمع به تطن أذناه” [3].
إذ يتحدث عن التأديب الذي يحل بهم من قبل الله يقول: “رب الجنود إله إسرائيل” [3]. بهذا يوبخهم، فإنه إذ يصدر الحكم بسبيهم يسيئون إليه أمام الأمم، فيبدو كضعيفٍ غير قادرٍ على الدفاع عن شعبه كإله إسرائيل مع أنه رب الجنود السماوية… إذ يسلم شعبه كما في ضعفٍ لأجل خلاصهم الأبدي.
لعله استخدم هذا اللقب كلقبٍ رسمي، فقد صدر الأمر من قبل الملك السماوي، رب الجنود، والمسئول عن شعبه.
يعلن الله عن خطورة التأديب بقوله: “كل من سمع به تطن أذناه” [3]، وهو تعبير جاء في (1 صم 3: 11) عندما أخبر الله صموئيل النبي الصغير عما سيحل ببيت عالى الكاهن حيث يُقضى على بيته إلى الأبد، ولا يُكَفر عن شره بذبيحة أو تقدمة. وأيضًا في (2 مل 21: 12) عندما تحدث عن الشر الذي يحل على أورشليم ويهوذا بسبب رجاسات الملك منسى الذي سفك دمًا بريئًا كثيرًا جدًا حتى ملأ أورشليم. أُستخدم التعبير ضد عالى الكاهن كما ضد منسى الملك، وهنا يستخدمه إرميا ضد الكهنة والملوك مع كل الشعب السالك وراءهم.
جاء الاتهام صريحًا في النقاط التالية:
أولاً: الإرتداد عن الله.
“من أجل أنهم تركوني” [4]. تكرر هذا الاتهام مرارًا (1: 16؛ 2: 13 الخ).
ثانيًا: إفساد البركات التي قُدمت إليهم.
حولوا أرض الموعد التي كان الله يعتز بها، قائلاً عنها “أرضي“، إلى “أرضٍ غريبة”،
إذ يقول: “وأنكروا هذا الموضع” [4]، يترجمها البعض “جعلوا هذا الموضع غريبًا!” [4]، وهو تعبير أخّاذ يلفت النظر وفريد.
ارتبطوا بآلهة غريبة، فصاروا متغربين عن الله، وصارت أرضهم التي تسلموها هبة من الله غريبة عنه! فقدت سمتها كأرض مقدسة، وصارت دنسة، مملوءة رجاسات.
ثالثًا: محبون للتغيير في العبادة.
“بخروا فيها لآلهة أخرى لم يعرفوها هم ولا آباؤهم ولا ملوك يهوذا” [4].
عندما تركوا الرب واختاروا العبادة لآلهة أخرى، لم يختاروها عن مقارنة بينها وبين الله الحيّ، ولا عن خبرة أو معرفة، وإنما لمجرد حب التغيير!
أليس هذا هو سمة هذا العصر أيضًا، حب التغيير لأجل التغيير في حد ذاته؟! هذا الذي هو علامة على الفراغ الداخلي وعدم الشبع! تغيير في كل شيء حتى وإن كان إلى الأردأ!
رابعًا: سافكوا دماء الأبرياء.
“وملأوا هذا الموضع من دم الأزكياء” [4] وقد أُشير إلى هذه الخطية عند الحديث عن منسى الملك (2 مل 21: 16؛ 24: 4) ويهوياقيم (22: 17).
خامسًا: تقديم أطفالهم ذبائح بشرية للأوثان.
“وبنوا مرتفعات للبعل ليحرقوا أولادهم بالنار محرقات للبعل الذي لم أُوصِ ولا تكلمت به ولا صعد على قلبي” [6]. راجع تفسير إرميا (7: 31-32).
يرفض الله تقديم ذبائح بشرية نهائيًا (تك 22: 1-19)، حتى حينما طلب من إبراهيم إسحق ابنه ذبيحة كرمزٍ لذبيحة المسيح لم يسمح بأن تتم عمليًا، إنما قدمت بنية الحب الباذل، مع إيمان إبراهيم أن إسحق يرجع حيًا، إذ آمن بالله الذي يقيم من الأموات.
- تأديبهم:
أولاً: تغيير اسم وادي هنوم إلى “وادي القتل” [6]. لأن كثيرين يسقطون فيه قتلى بالسيف [7]، عندما يهاجمهم الأعداء، أو عندما يحاولون الهروب فيُلقى القبض عليهم ويقتلونهم.
أما قوله “أجعل جثثهم أكلاً لطيور السماء ولوحوش الأرض” [7]، فقد سبق التعليق عليه في شرح (7: 33؛ 16: 4)، كما تكرر في (34: 20)، كان ذلك علامة غضب الله وحلول اللعنة، ليس فقط في الشريعة الموسوية (تث 28: 26) وإنما بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط كلها في ذلك الحين.
ثانيًا: الذين لا يقتلهم السيف يهلكهم الجوع حتى يأكلون أولادهم وبناتهم وأعزّ أصدقائهم. أكل لحوم البشر حقيقة تاريخية تظهر في وقت المجاعات (2 مل 6: 24-31).
ثالثًا: تتحول المدينة إلى خراب. يصير الموضع المقدس موضع سخرية الأرض كلها، لأن الخطية تجلب الخزى والعار. تصير موضعًا للدهش والصفير [8]، حيث يهمس كل من يعبر بها في خوفٍ ورعبٍ مما حلّ بالموضع.
رابعًا: تفشل كل محاولة للخلاص أو الهرب من الضيق. ليس هناك مجال للهروب من العدالة الإلهية إلا بقبول المراحم الإلهية خلال التوبة.
خامسًا: يستمر رعب اللعنات، إذ يفقد الإنسان آدميته تحت ضغط الحصار والضيق، فيأكل الآباء لحوم أولادهم وبناتهم، ثم يعودوا فيأكل الكبار كل واحدٍ لحم أخيه.
“وأطعمهم لحم بنيهم ولحم بناتهم،
فيأكلون كل واحدٍ لحم صاحبه في الحصار والضيق الذي يضايقهم به أعداؤهم وطالبوا نفوسهم” [9].
حدث ذلك في السامرة عندما حاربها آرام (2 مل 66: 2 الخ.)، وأيضًا عام 587 ق.م بالنسبة لأورشليم (مرا 2: 20؛ 4: 10)، وعام 70م عندما حاصرها الرومان[427].
- كسر الإبريق الخزفي:
عندما يتحدث الله عن الإنسان العنيد الذي يرفض الإصلاح يدعوه الإناء الخزفي أو الترابي، مذكرًا إيَّاه بأصله، وعندما يرى فيه شوقًا نحو الإصلاح فينسبه إليه بكونه الخزَّاف الذي يشكل الطين ويجعل منه اناء للكرامة!
“ثم تكسر الإبريق أمام أعين القوم الذي يسيرون معك.
وتقول لهم:
هكذا قال رب الجنود:
هكذا أكسر هذا الشعب وهذه المدينة كما يُكسر وعاء الفخاري بحيث لا يمكن جبره بعد.
وفي توفة يُدفنون حتى لا يكون موضع للدفن” [10-11].
أولاً: بهذا العمل قدم عنصر المفاجأة، إذ لم يكن أحد يتوقع أن يلقى إرميا النبي بالإناء الذي اشتراه ليحطمه كطفل أمام شيوخ الشعب وشيوخ الكهنة، لكن إذ عجزت الكلمات أن تعبر عن فادحة الكارثة وسرعة حدوثها مع عنصر المفاجأة تحدث بلغة التمثيل المفاجىء. مع عنصر السرعة والمفاجأة أوضح أن الأمر مرعب ونهائي.
ثانيًا: أساء الشعب فهم طول أناة الله فحسبوه صانع خيرات وواهب العطايا فقط، إن هدد إنما بالكلام لا بالعمل. بهذا كانت نظرتهم إلى الله ومعاملاته مع الإنسان غير كاملة.
ثالثًا: كانت عادة كسر الأواني الفخارية قائمة عند تنصيب ملوك مصر (الفراعنة) أو إقامة اليوبيل لجلوسهم، إذ ينقشون أسماء أعدائهم على أوانٍ فخارية ويقومون بكسرها علامة تحطيمهم تمامًا.
لا تزال هذه العادة قائمة في صعيد مصر في صباح شم النسيم، أي اليوم التالي من عيد القيامة، فيه يكسر المصريون أوانٍ فخارية علامة نهاية العام الماضى والبدء في عام جديد دون تذكر لأحداث الماضي ومشاكله!
رابعًا: ارتبط كسر الإبريق بالإعلان عن كلمات الرب بخصوص تأديب الشعب لئلاَّ يظنوا أن ما يمارسه إرميا من قبيل ممارسة السحر. فقد اعتاد الأشوريون والأراميون وغيرهم أن يكسروا الجرار كطقسٍ سحري يطرد الأمراض ويطلق اللعنات على من يكسر العهد معهم. كما اعتاد قدماء المصريين أن يحطموا الطاسات ليطلبوا قوى اللعنات على أعدائهم[428]، أما إرميا فلم يقصد هذا، موضحًا أن ممارسته لهذا العمل ليست سحرًا إنما رمزًا لإدراك حكم الله التأديبي ضدهم.
خامسًا: ظن شعب يهوذا وأورشليم أنهم أقوياء كالنحاس ليس من يقدر أن يحطمهم، ولم يدركوا أن قوتهم وعنفهم إنما جعل منهم إناء خزفيًا هشًّا، يمكن بسهولة أن يسقط ويتحطم تمامًا.
سادسًا: إذ تركوا الرب صار مصيرهم الكسر مثل الأمم (مز 2: 9؛ رؤ 2: 27)، هكذا شهد أيضًا إشعياء النبي (30: 14).
سابعًا: لا يمكن ليدٍ بشرية أن ُتصلح كسرهم أو تشفيهم، إنما الله وحده قادر على ذلك.
ثامنًا: كما ملأوا وادي توفة بالقتلى كذبائح للأوثان هكذا يسمح الله بقتلهم كذبائح من أجل تحقيق العدالة الإلهية، يصير الوادي كجهنم الملتهبة نارًا.
تاسعًا: استخدموا سطوح البيوت لعبادة جند السماء (صف 1: 5؛ 2 مل 23: 12) عوض استخدامها للعبادة الروحية (أع 10: 9)، فصار ذلك لهم لعنة ونجاسة.
عاشرًا: تحل النجاسة بالمدينة كلها، وذلك بامتلاء شوارعها بالجثث، إذ يقول:
“هكذا أصنع لهذا الموضع، يقول الرب، ولسكانه،
وأجعل هذه المدينة مثل توفة،
وتكون بيوت أورشليم وبيوت ملوك يهوذا كموضع توفة نجسة،
كل البيوت التي بخروا على سطوحها لكل جند السماء…” [12-13].
وجود الجثث في المدينة كما في البيوت، حتى في قصور الملوك يجعلها دنسة (لا 21: 1الخ.، عد 5: 2).
عندما أراد يوشيا أن يدنس المذابح والمرتفعات في بيت إيل نثر عليها عظامًا من المقابر (2 مل 23: 14-20).
- وقوفه في دار بيت الرب:
ترك إرميا النبي وادي توفة وانطلق إلى الهيكل حيث وقف على تلٍ فوق الوادي يؤكد ما قاله في توفة. حسب الشعب ذلك مجرد تهديدات بالكلام، لكن إرميا أوضح لهم أنهم يخدعون أنفسهم. كأنهم قد أضافوا إلى خطاياهم خطية الاستخفاف بالنبوات، إذ قسُّوا قلوبهم ولم يسمعوا لصوت الرب على فم نبيه إرميا.
من وحي إرميا 19
دشِّن مسكنك في!
لقد جعلته غريبًا عنك!
v يبقى الإناء الخزفي الذي حطمه إرميا شاهدًا عليّ!
كنتُ طينًا بلا قيمة،
وجعلتَ مني إناء للكرامة!
حوّلت قلبي هيكلاً لك!
وفكري مقدسًا سماويًا!
v أعطيتني قلبي أرضًا مقدسة،
لكنني دنستها،
وصيرتها أرضًا غريبة عنك!
دشنها من جديد!
ليعمل روحك القدوس فيها أيها الحبيب!
v أقمتُ فيها رجاسات،
ومارست في داخلي كل صنوف العنف،
حتى على أولادي وأحبائي،
قدمتهم كذبائح بشرية لحساب عدو الخير!
من يهبني الحنو والرقة إلا أنت يا مخلص الجميع؟!
v صارت أعماقي وادي القتل،
وتدنست القصور في داخلي،
والآن ارجع إليك،
مدّ يدك ودشن قلبي،
إلهب روحك فيّ، وقدس عواطفي!
اسكب فيض نعمتك، واحفظ حواسي!
ها أنا بين يديك،
قدسني إلى التمام!
v تعال يا حبيبي،
أسكن في ولا تتركني!
لتعانقني بيمينك وتمسك بي،
فأصرخ قائلاً:
وجدت من تحبه نفسي،
أمسكته ولم أرخه،
أدخلته بيت أمي،
لن أتركك بعد يا مقدس حياتي!