تفسير سفر إرميا ١٠ للقمص أنطونيوس فكري
تفسير إرميا – الأصحاح العاشر
قد تكون هذه النبوة بعد السبي الأول يوم سُبِىَ يكنيا. ففي هذه النبوة إشارتين الأولى لمن حملوا لأرض الكلدانيين المملوءة وثنية وخرافات وهم يدعون الحكمة ومعرفة النجوم والأوثان. وهنا النبي يطلب من شعبه أن لا يتأثر بهذا ولا ينخدع به فكل هذا غباء. والثانية للشعب الباقي في يهوذا حتى لا يشعروا بالأمان المزيف وعليهم أن يتوقعوا مزيد من الخراب إن لم يتوبوا.
الآيات 1-16:
– اسمعوا الكلمة التي تكلم بها الرب عليكم يا بيت إسرائيل. هكذا قال الرب لا تتعلموا طريق الامم ومن آيات السماوات لا ترتعبوا لأن الامم ترتعب منها. لأن فرائض الامم باطلة لانها شجرة يقطعونها من الوعر صنعة يدي نجار بالقدوم. بالفضة والذهب يزينونها وبالمسامير و المطارق يشددونها فلا تتحرك. هي كاللعين في مقثاة فلا تتكلم تحمل حملا لانها لا تمشي لا تخافوها لانها لا تضر ولا فيها أن تصنع خيرا. لا مثل لك يا رب عظيم أنت وعظيم اسمك في الجبروت. من لا يخافك يا ملك الشعوب لأنه بك يليق لأنه في جميع حكماء الشعوب وفي كل ممالكهم ليس مثلك. بلدوا وحمقوا معا ادب اباطيل هو الخشب. فضة مطرقة تجلب من ترشيش وذهب من اوفاز صنعة صانع ويدي صائغ اسمانجوني وارجوان لباسها كلها صنعة حكماء. أما الرب الاله فحق هو إله حي وملك أبدي من سخطه ترتعد الأرض ولا تطيق الامم غضبه. هكذا تقولون لهم الالهة التي لم تصنع السماوات والأرض تبيد من الأرض ومن تحت هذه السماوات. صانع الأرض بقوته مؤسس المسكونة بحكمته وبفهمه بسط السماوات. إذا اعطى قولا تكون كثرة مياه في السماوات ويصعد السحاب من اقاصي الأرض صنع بروقا للمطر واخرج الريح من خزائنه. بلد كل إنسان من معرفته خزي كل صائغ من التمثال لأن مسبوكه كذب ولا روح فيه. هي باطلة صنعة الاضاليل في وقت عقابها تبيد. ليس كهذه نصيب يعقوب لأنه مصور الجميع و إسرائيل قضيب ميراثه رب الجنود اسمه.
دليل أن هذه الآيات مكتوبة لمن هم في السبي الآية (11) فهي مكتوبة بلغة أرامية يفهمها الكلدانيين وذلك ليُعلِّمها المسبيين لأولادهم فحين يكلمهم البابليين ويدعونهم لعبادة أوثانهم يردون عليهم بلغة يفهمونها، أن هذه الأوثان تبيد وأما إلهنا خلق السماء والأرض وقد خلقنا نحن، لذلك نحن نعبده. وفي هذا الفصل وصف لعظمة الله وقدرته على كل شيء وعجز الأصنام والتماثيل. وغباء الذين يدَّعون الحكمة بهذه الوسائل. ففي الإصحاح السابق تكلم عن الحكمة السياسية وهنا يتكلم عن نوع آخر من الحكمة المزيفة وهذه وتلك سيبطلون. وفي (2) الأمم الذين لا يعرفون الله وقوته يرتعبون من آيات السماء مثل الخسوف والكسوف والأبراج والشهب والمذنبات، وهم يتفائلون ويتشائمون منها ومن كل العلامات الفلكية ويقدسونها، وعلى أولاد الله أن لا يخافوا هذه الأشياء فالنجوم في مساراتها لا تستطيع أن تحارب أولاد الله. وما هي الأوثان خشب مقطوع من شجرة وزينوه بالفضة والذهب (4،3) . وهكذا كل خطية فالرشوة تسمى هدية والزنا يسمى حب، فالإنسان يحب أن يزين خطيته. ولكنها تستمر باطلة، وهل تستطيع أي لذة خاطئة أن تعطى عزاء لمريض مهدد بالموت، الله وحده هو من يستطيع ذلك . وفي (5) هي كاللعين في مقثأة =اللعين هو خيال المآتة، وهو خشبة طويلة، قد تكون جذع نخلة توضع في الحقل لتخيف العصافير فلا تلتهم المحاصيل، هي لا تتحرك ولا تنفع ولا تضر، هكذا الشياطين والأوثان التي يستعملونها، شكلهم يبدو أقوى من الناس لكنهم لا حول ولا قوة لهم أمام أولاد الله، ولا سلطان لهم أن يؤذونهم أو يكافئونهم. المقثأة = حقل به ثمار القثاء (وهي قصيرة جدًا بجانب خيال المآتة) ولكن علينا أن نعرف أن الشياطين أقوياء فهم كنخلة وسط مقثأة، ومثال لذلك فالسحرة أيام موسى صنعوا بسحرهم أشياء عجيبة ولكن أولاد الله الذين يحميهم الله لهم سلطان على الحيات والعقارب وكل قوة العدو وتكون هذه القوى الشيطانية كنخلة نعم ولكنها غير قادرة على الحركة من مكانها وغير قادرة أن تؤذى أحد. وكل الآيات هنا لتعطى طمأنينة لشعب الله ضد هذه القوى الشيطانية. والله جبار وليس مثله (7،6). لأنه بك يليق = المعنى أنه بك يليق الخوف فهي راجعة لما سبقها = مَنْ لاَ يَخَافُكَ يَا مَلِكَ الشُّعُوبِ؟ لأَنَّهُ بِكَ يَلِيقُ . أما الأوثان فبلدوا وحمقوا (8) (أدب أباطيل = تترجم تمثال خشب، تعليم أو عقيدة لا قيمة لها).
وفي (9) نرى كيف يهتم صانعو الأوثان بأن يزينوها بكل فخامة وحكمة فهم يزينون ويجملون آلهتهم وإلهنا يجملنا بأن يجعلنا على صورته. وفي (12)، (13) نرى عظمة الله. وفي (14) من يسير وراء صنم يصبح مثله بليد خامل فالوثن كاذب وليس إله. وفي (16) فِي وَقْتِ عِقَابِهَا تَبِيدُ = حينما ضربت فارس مملكة بابل حملت أوثان بابل الذهبية على البهائم بعد أن قطعوها ليستفيدوا من المعادن المصنوعة منها هذه التماثيل. ولكن المقصود ليس عقاب التماثيل بل الشيطان الذي هو مخترع هذه العبادات الوثنية في يوم الدينونة.
الآيات 17-25:
– اجمعي من الأرض حزمك ايتها الساكنة في الحصار. لأنه هكذا قال الرب هانذا رام من مقلاع سكان الأرض هذه المرة واضيق عليهم لكي يشعروا. ويل لي من أجل سحقي ضربتي عديمة الشفاء فقلت انما هذه مصيبة فاحتملها. خيمتي خربت وكلاطنابي قطعت بني خرجوا عني وليسوا ليس من يبسط بعد خيمتي ويقيم شققي. لأن الرعاة بلدوا والرب لم يطلبوا من أجل ذلك لم ينجحوا وكل رعيتهم تبددت. هوذا صوت خبر جاء واضطراب عظيم من ارض الشمال لجعل مدن يهوذا خرابا ماوى بنات اوى. عرفت يا رب أنه ليس للإنسان طريقه ليس لإنسان يمشي أن يهدي خطواته. ادبني يا رب ولكن بالحق لا بغضبك لئلا تفنيني. اسكب غضبك على الامم التي لم تعرفك وعلى العشائر التي لم تدع باسمك لأنهم اكلوا يعقوب اكلوه وافنوه واخربوا مسكنه.
هذه الآيات لمن بقى في يهوذا وهنا تهديد بضربة قادمة وفي (17) الأفضل لهم أن يهربوا من أورشليم ويجمعوا حزمهم = أي ممتلكاتهم فلا أمان داخل أسوار أورشليم وقت الحصار. وفي (18) وحتى لو هربوا فالله سيضيق عليهم لكي يشعروا = يشعروا بغضبى على خطيتهم. رامٍ من مقلاع السكان = أي أن الله سيطردهم من الأرض ويقذفهم بعيدا عنها كما من مقلاع فهم قد نجسوها. والمقلاع يرمى الجارة التي فيه بعيدا.
آية (19) هذه مرثاة للنبى ولكن كلمة مصيبة فأحتملها أنه يحتمل لكن عن غير إقتناع. ثم في (20) بَنِيَّ خَرَجُوا عَنِّي وَلَيْسُوا = قد تشير أنهم ليسوا بموجودين ولكن لم تعد تستفيد منهم وهذا يفهم مما بعدها. وهنا تُصَوَّر أورشليم القوية كخيمة (الخيمة تشير لأجسادنا (2كو1:5) فهل نفسد خيمتنا بخطايانا) قُلِعَتْ من مكانها فالكل زال، شعب ومساكن وقصور وكلْ أطنابى = أي الحبال التي تثبت الخيمة وهذه تشير لملكها وجيشها ورؤسائها وهيكلها وثروتها وشعبها فمن يقيم شققى = الشقق تعنى الستائر أي زينتها من يعيدها وهي لا شعب لها وإلهها قد غادرها. وفي (21) يذكر السبب الأوَّلي ألا وهو خطية القادة = الرعاة بلدوا والسبب عبادتهم للأوثان (مثل آية 14). والرب لم يطلبوا = فمن يتبع الأوثان البليدة يصير مثلها بليدًا أي غبيًا، والبشر ينقسمون قسمين إما قديسين لأنهم يتبعون الله أو شهوانيين يتبعون الشيطان والذين لا يتبعون الله يفشلون. وفي (23) ليس للإنسان طريقه = الله ضابط الكل وحتى نبوخذ نصر ما هو إلا أداة في يد الله لتأديب هذا الشعب. وهذا الشعب الخاطئ ليس حرًا بل هو كإبن عليه أن يخضع ليد الله التي تؤدبه. والخطية عقابها في ذاتها فبعد اللذة الوقتية يجىء الغم. هذا نتيجة طبيعية لوجود الشيطان في هذا المكان. أما لو وُجد الله يأتي معه السلام والفرح. وهذا الشعب نتيجة خطيته إزداد غمًا وأحسَّ بالفشل وأدرك الخراب، فقال في (19) ويل لي من أجل سحقى ضربتى عديمة الشفاء. ولكن بعد ذلك عرف النبي أن هذه الضربات التي قال عنها أنها مصيبة وعليه أن يحتملها دون إقتناع أن فيها شفاء وخلاص شعبه . وأن الإنسان لا يختار طريقة شفائه = ليس للإنسان طريقه(23) فهذا العدو القادم من الشمال (22) إنما هو في يد الرب لشفاء مرض الشعب. حينئذ تغير كلام النبي وإستحسن تأديبات الله مهما كانت قاسية = أدبنىيا رب بالحق = فكل ما تعمله هو حق وعدل وحب. ولكن لا تؤدبنى بغضبكفأنا لا أحتمل غضبك بل سأحتمل عصا التأديب التي في محبة ” فكل من يحبه الرب يؤدبه. ونجد هنا النبي في محبة لشعبه يقول أدبنى بينما هو لم يخطئ، لكنه يشعر أنه في وحدة مع شعبه وكل ألم يقع على شعبه فهو يقع عليه شخصيا، ويتألم معهم.
أما هؤلاء الذين ظلموني وضربوني فلتسكب غضبك عليهم (سواء البابليين أو من يرمزون إليهم أي الشياطين) فنحن حين نقرأ طلب اللعنات على أعداء الله وأعداء الشعب فلنفهم أنهم رمز للشياطين. وتعتبر كلمات النبي هنا نبوة عن ما سيحدث للبابليين أيضًا. (آية 25).
وبنهاية الإصحاح العاشر ينتهي العتاب العلني في الهيكل.
تفسير إرميا 9 | تفسير سفر إرميا | تفسير العهد القديم |
تفسير إرميا 11 |
القمص أنطونيوس فكري | |||
تفاسير سفر إرميا | تفاسير العهد القديم |