تفسير سفر إرميا أصحاح 12 للعلامة أوريجانوس
عظة 10
تفسير الآيات من : ” والرب عرفني فعرفت ” ( إر ١١ : ۱۸ ) ،
إلى : ” اجمعوا كل حيوان الحقل . إيتوا بها للأكل ” ( إر١٢ :٩).
(جزء 2)
5. إذا ، فلقد ترك هذا الشعب وهو في حالة ” جوع ” ، لأنه مكتوب :
” لأني أجلب الشر على أهل عناثوث سنة عقابهم . أبر أنت يا رب من أن أخاصمك . لكن أكلمك من جهة أحكامك . لماذا تنجح طريق الأشرار ؟ اطمأن كل الغادرين غدرا ” . ونحن إذ نرى أن طرق الأشرار ناجحة وأن الله لا يعاقبهم ، وأن كل الغادرين مطمئنين ، نتساءل في حيرة : هل الله الذي أعطى الناموس والأنبياء هو كل ذلك إله صالح ؟ فإنه حتى الذين يجدفون على الإله خالق الكون[1] ” يعيشون ” مطمننين ” . ” غرستهم فأصلوا نموا وأثمروا ثمرا ” ( إر ١٢ :۱-۲). فكم من ثمار جاءت من مرقيون ! وكم من ثمار جاءت من باسيليدس ! وأيضا من فالنتينوس !
” أنت قريب من فمهم وبعيد من كلاهم ” ، فهم يعرفون جيداً أن ينطقوا اسم يسوع ، ولكنه ليس في داخلهم لأنهم لا يعترفون به بحسب الإيمان الصحيح.
“وأنت يا رب عرفتني رأيتني واختبرت قلبي من جهتك . أفرزهم كغنم للذبح . خصصهم ( طهرهم ) ليوم القتل ” . يقصد بالتطهير عقاب هؤلاء الناس ، أي : ” طهرهم بقتلك إياهم ” ، لأن ” الذي يحبه يؤدبه ويجلد كل ابن يقبله ” ( عب 12: 6 ؛ أم 3 : 11 ) .
6. ” حتى متى تنوح الأرض وييبس عشب كل الحقل من شر الساكنين فيها ؟ ” يتحدث النبي هنا كما لو كانت الأرض كائناً حياً ، حيث يقول إنها تنوح من شر الذين يمشون فوقها.
الأرض بالنسبة لكل واحد منا تكون إما نائحة بسبب شرنا ، وإما متهللة بسبب فضائلنا . وما يقال بالنسبة للأرض يقال بلا شك بالنسبة لكل الأشياء . فبالمثل يمكنني أن أقول : أن الماء والملاك المسئول عنه يتهللون أو ينوحون ؛ فيجب علينا أن نعرف أنه حتى يتم تنظيم وإدارة الكون كله ، يوجد ملاك مسئول عن الأرض ، وآخر مسئول عن الماء ، وآخر عن الهواء وآخر عن النار [2] . ارتفع بعقلك[3] لتتأمل النظام السائد عند الحيوانات والنباتات والكواكب السماوية ؛ فإنه يوجد ملاك مسئول حتى عن الشمس وآخر مسئول عن القمر وآخرين عن النجوم[4].
كل هؤلاء الملائكة الذين يرافقوننا طوال حياتنا على الأرض، إما أنهم يفرحون لنا أو ينوحون عندما نخطئ.
يقول إرميا أن الأرض تنوح بسبب الساكنين فيها : ويقصد بكلمة ” أرض ” أي الملاك الساكن فيها ، فإنه أيضا قيل : ” أما الخشب المصنوع صنماً فملعون هو وصانعه ” ( حك ١٤ : ٨ ) ، ليس أن اللعنة تقع على الشيء الجامد نفسه ، وإنما يقصد بكلمة ” صنماً” أي الشيطان الساكن فيه ، والذي يتخذ من ” الصنم ” اسماً له . وبنفس الطريقة أستطيع أن أقول إن ” الأرض ” يقصد بها الملاك المسئول عن الأرض ، و ” الماء ” الملاك المسئول عن الماء ، والذي كتب عنه : ” أبصرتك المياه يا الله أبصرتك المياه ففزعت . ارتعدت أيضا اللجج . سكبت الغيوم مياها أعطت السحب صوتا . أيضا سهامك طارت ” ( مز ۷۷ : ۱۷-۱۸ ) .
7-” قد تركت بيتي . رفضت ميراثي . دفعت حبيبة نفسي ليد أعدائها ” ( إر 12: 7 ) . لاحظ إذا أن ذاك الذي هو في ” صورة الله ” ( في 2: 6 ) جالس في السماوات ، وانظر إلى بيته الذي يفوق السماوات ، ولو أردت أن ترى أيضا ما هو أعظم وأعلى من ذلك ، فإن بيته هو الله : ” لأني في الآب ” ( يو 14 : 11 ) . ” لقد ترك أباه وأمه ” ( مت 19 : 5 ) . ترك أورشليم السماوية ، وجاء إلى الأرض ، قائلاً : ” قد تركت بيتي . رفضت ميراثي”.
كان ميراثه في الواقع في الأماكن التي توجد فيها الملائكة والصفوف التي توجد فيها القوات المقدسة.
” دفعت حبيبة نفسي ( نفسي الحبيبة ) ليد أعدائها ” . دفع نفسه لأيدي أعداء النفس ، لأيدي اليهود الذين قتلوه ، لأيدي الملوك والرؤساء المجتمعين ضده ، فإنه : ” قام ملوك الأرض وتآمر الرؤساء معا على الرب وعلى مسيحه ” ( مز ۲ : ۲ ) .
صار لي ميراثي كأسد في الوعر ” . انقلب هذا ” الميراث ” الذي أخذه على الأرض ضده مثل وحش مفترس ، وتحول ” ميراثه ” إلى مجموعة من اليهود الشرسين الهائجين ضده مثل ” أسد في الوعر ” . لا عجب إذا أن يصير ميراثه حينذاك ” كأسد في الوعر”.
الآن أيضا توجد أسود في الوعر يريدون أن يجدفوا على السيد المسيح ، كما يتأمرون على الذين يؤمنون به.
” صار لي ميراثي كأسد في الوعر . نطق على بصوته . من أجل ذلك أبغضته . جارحة ضبع ميراثي لي ” ، ما زال يتنبأ على هذا الميراث : ” جارحة ضبع ميراثي لي”.
جارحة الضبع من أشرس الحيوانات ، تحوم حول المقابر لتفترس الجثث . ” الجوارح حواليه عليه . هلم اجمعوا كل حيوان الحقل إيتوا بها للأكل ” . بما أنهم قد وصلوا إلى هذه الدرجة ، فإنني أمركم أيها الملائكة أن تذهبوا وتجمعوا كل الحيوانات المفترسة وأن تطرحوا أمامهم هؤلاء الناس .
إذا كان الله لم يشفق على شعبه المختار ، فكم بالأكثر لا يشفق علينا نحن أيضاً. إننا إذا لم ننفذ وصية الله وكلام الإنجيل سوف يقول من جديد : هلم اجمعوا كل حيوان الحقل ايتوا بها للأكل، ولكننا نتجرأ لنقول في صلواتنا : ” لا تسلم للوحش نفس يمامتك ” ( مز 74: 19 ) ، أو ” لا تسلم للوحوش المفترسة النفس التي تعترف لك بخطاياها ” . فلنعترف إذا بخطايانا تائبين عنها ، فلا نسلم للوحوش ، وإنما للملائكة القديسين الذين سيكونون بمثابة مرضعين لنا ، يحملونتا على صدورهم ويساعدوننا على العبور من هذا العالم إلى العالم الأتي في يسوع المسيح الذي له القوة والمجد إلى الأبد آمين.
عظة ١١
تفسير الأيات من: “جعلوه خراباً ينوح علىَّ وهو خرب. خربت كل الأرض” (إر ١٢ :١١)، أو “خربت كل الأرض بسببي”، إلى: “لأنه كما تلتصق المنطقة بحقوي الإنسان هكذا ألصقت بنفسي كل بيت إسرانيل وكل بيت يهوذا يقول الرب ليكونوا لي شعباً” (إر١٣: ١١).
١. من هو الذي يقول: “خربت كل الأرض بسببي”؟ إنه السيد المسيح.
من المؤكد قبل مجئ السيد المسيح كان هناك العديد من الخطايا بين الشعب، ولكنها لم تكن كثيرة إلى درجه أن يُسلم الشعب للهلاك الأبدي، ولكنهم حينما ملأوا كيل آبائهم، فلم يكتفوا بقتل الأنبياء واضطهاد الأبرار، ولكنهم قتلوا أيضا مسيح الرب، تمت بشانهم الكلمات: “هوذا بيتكم يترك لكم خراباً” (مت ٢٣: ٣٧)، وهكذا فإنه “بسبب” السيد المسيح تحملوا هذا المصير وخربت كل أرضهم.
٢. إذا أردت أن تفهم الكلمات: “خربت كل الأرض بسببي”، بطريقة أكثر سموا، فانظر كيف أن الأرض التي في داخلك خربت حينما جاء السيد المسيح: فهي في الواقع قد خربت حينما قمنا بإماتة الأعضاء الأرضية، فلم تعد الأرض التي في داخلنا تنتج الأعمال الأرضية، ولم تعد توجد عند البار أعمال الجسد التي هي فسق، نجاسة، شهوة، زنا، سحر… الخ. يقول المخلص أيضاً من جهته: “أتظنون إني جئت لأعطى سلاماً على الأرض . كلا أقول لكم انقساما” (لو ١٢: ٥١)؛ فإنه بالفعل قبل مجيء السيد المسيح لم يكن هناك انقسام موجود على الأرض، لأنه لم تكن للجسد شهوات ضد الروح ولم يكن الروح يشتهى ضد الجسد، لكن عندما جاء إلينا المخلص وعرفنا ما هي أعمال الجسد وما هي أعمال الروح، بهده المعرفة حدث الانقسام الذي فصل بين الجسد “الأرض” والروح.
سوف تتحقق الكلمات “خربت كل الأرض” حينما نحمل في جسدنا إماتة الرب يسوع، وحينما لا نحيا بحسب الجسد بل بحسب الروح، وحينما لا نزرع شيئاً في الجسد وإنما نزرع كل شيء في الروح حتى لا نحصد فساداً من الجسد، وإنما نحصد بالروح حياة أبدية.
٣. قيل للخطاة: “تزرعون حنطة وتحصدون شوكاً” (إر ١٢: ١٣).
لأنه حتى إن كانوا يعرفون كلمات الله ويرددونها، إلا أنهم لا يعرفونها المعرفة الصحيحة ولا بعيسون بها ولا يؤمنون بها، بل ينطبق عليهم القول “تزرعون حنطة وتحصدون شوكاً”. وينطبق هذا الكلام بصفة خاصة على الهراطقة الذين يقرأون الكتاب المقدس ويحصدون شوكاً، ليس شوكاً من الكتاب المقدس نفسه، إنما يحصدون هذا الشوك من طريقتهم في الفهم والتفسير.
“أعيوا ولم ينتفعوا” (إر ١٢: ١٣) أو “إن وظائفهم لن تنفعهم شيئاً“. هذه الكلمات
مفيدة لكم كما هي مفيدة أيضاً لنا، فنحن الذين نبدو بحسب الوظيفة أناس أعلى منكم في الدرجة والمركز حتى إن بعضاً منكم يشتاقون أن يبلغوا إلى هذه “الوظيفة”. ولكن اعلموا هذا، أن الوظيفة لا تنقذ صاحبها بالضرورة، فإنه حتى من بين الكهنة كثيرون يهلكون، كذلك أيضاً فإنه من بين العلمانيين كثيرون سوف يُطوبون.
ويوجد فى وسط الكهنة من لا يعيشون بحيث ينتفعون من وظائفهم وبحيث يشرفون ويمجدون العمل الكهنوتي[5]. فعن هؤلاء يقول الكتاب: “إن وظائفهم لن تنفعهم شيئاً”.
لأن الشيء النافع، ليس هو الجلوس والتعليم في الكنيسة، وإنما أن نعيش كما يليق بهذا المكان كما يوصينا الله. فإن الرب يطلب من الجميع، منكم ومنا أن نعيش بالحق، وبمالا أنه مكتوب أن “الأقوياء منكم سيمتحنون بأكثر حزماً”، إذا فإنني مطالب بأكثر من الشماس، والشماس مطالب بأكثر من العلماني؛ أما بالنسبة لمن هو مكلف بتنفيذ الوصايا الإلهية وتطبيقها علينا جميعاً (أي البطريرك) فهو مطالب بأكثر من ذلك بكثير.
لذلك فإن الرسول يقول بالنسسية للإنسان الذي يؤتمن على مسئوليات كبيرة: “فلنحسب أنفسنا خدام المسيح ووكلاء أسرار الله. ابحثوا إذا بين الوكلاء حتى نجد بينهم واحداً أميناً”. وإنه من النادر جداً أن نجد وكيلاً أميناً ومخلصاً، حتى إن السيد المسيح “الذي يعرف جميع الأشياء قبل أن تكون“، يقول: “فمن هو الوكيل الأمين الحكيم الذي يقيمه سيده على خدمه ليعطيهم العلوفة في حينها” (لو ١٢: ٤٢).
ثم يوبخ بعض الوكلاء قائلاً: “ولكن إن قال ذلك العبد الرديء في قلبه سيدي يبطئ
قدومه. فيبتدئ يضرب العبيد رفقاءه ويأكل ويشرب مع السكارى. يأتي سيد ذلك العبد في يوم لا ينتظره وفى ساعة لا يعرفها، فيقطعة ويجعل نصيبه مع المرائين” (مت ٢٤: ٤٨-٥١). هذا كان بالنسبة للأية: “إن وظائفهم لن تنفعهم شيئاً”.
٤. ولكن لننظر أيضا التوبيخ الذي يتبع القول السابق ويلازمه دون انفصال:
“بل خزوا من غلاتكم من حمو غضب الرب” أو “اخجلوا من افتخاركم ومن رذائلكم من أمام وجه الرب“. فتوجد أشياء نفتخر بها عن جهل، لأنها لا تستحق الفخر في حقيقتها: مثلما يفتخر إنسان بأنه غنى وعنده ممتلكات كثيرة، فيمكننا أن نقول له عندئذ: اخجلوا من افتخاركم، وأيضاً إذا افتخر أحد بهذا المجد الأرضي الخارجي، نقول له نفس الكلام.
كذلك إن افتخر أحد بأنه يلبس أفخر أنواع الثياب، وبأنه بنى له بيتاً عظيماً، فانه هذا الافتخار هو غريب عن افتخار القديسين، لهذا وجب عليهم أن يخجلوا منه.
فلنسمع كلمات إرميا النبي حينما يوصينا بعدم الافتخار، حتى بالحكمة، فيقول: “لا يفتخرن الحكيم بحكمته ولا يفتخر الجبار بجبروته ولا يفتخر الغنى بغناه. بل بهذا ليفتخرن المفتخر بأنه يفهم ويعرفنى إنى أنا الرب” (إر ٩: ٢٢- ٢٣).
أتريد أن تفتخر دون ان تسمع كلمة “اخجلوا من افتخاركم”، افتخر إذا بطريقة الرسول وقل: “وأما من جهتي فحاشا لي أن افتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح الذي به قد صلب العالم لي وأنا للعالم”(غلا٦: ١٤). استمع أيضاً إلى بولس الرسول وهو يفتخر وتعلم منه حينما يقول: “فبكل سرور افتخر بالحري في ضعفاتي لكي تحل على قوة المسيح” (٢ كو ١٢: ٩). استمع إلى مواضيع افتخاره: “في الأتعاب أكثر. في الضربات أوفر. في السجون أكثر. في الميتات مراراً كثيرة. من اليهود خمس مرات قبلت أربعين جلدة إلا واحدة. ثلث مرات ضربت بالعصى. مرة رجمت. ثلث مرات انكسرت بى السفينة” (٢ كو١١ :٢٣ -٢٥).
منا يستطيع أن يقول كل ذلك؟
إذا فلقد علمنا أنه حتى بين الافتخار توجد أنواع مختلفة، حتى أن بعضاً منها تستحق أن نخجل منها وينطبق عليها كلمات الرسول: “ومجدهم في خزيهم” (فى٣: ١٩)، فبدلاً من أن يخجلوا منها يظنون أن فيها مجدهم وفخرهم.
٥. بعد ذلك هلموا لنرى ما هي قصة المنطقة:
“هكذا قال الرب لي اذهب واشتر لنفسك منطقة من كتان وضعها على حقويك ولا تدخلها في الماء. فاشتريت المنطقة كقول الرب ووضعتها على حقوي. فصار كلام الرب إلى ثانية قائلاً خذ المنطقة التي اشتريتها التي هي على حقويك وقم انطلق إلى الفرات واطمرها هناك في شق الصخر” (إر ١٣: ١- ٤). وبعد ذلك بأيام كثيرة، رجع النبي إلى طمر المنطقة، فوجدها قد فسدت تماماً، وقد أضاف الرب الكلمات الآتية ليوضح لنا معنى هذه “المنطقة”: “لأنه كما تلتصق المنطقة بحقوى الإنسان هكذا ألصقت بنفسي كل بيت إسرائيل وكل بيت يهوذا يقول الرب ليكونوا لي شعباً واسماً وفخراً ومجداً ولكنهم لم يسمعوا” (إر١٣: ١١). حينما يضع النبي المنطقة على حقويه يمثل الله الذي يحمل شعبه: “ألصقت بنفسي هذا الشعب يقول الرب”. لقد صار الشعب مثل المنطقة بالنسبة لله، ولكن لماذا صار مثل منطقة لله على حقويه؟ لنقرأ في سفر حزقيال ولنعرف كيف أن الله يتنازل بطريقة أو بأخرى إلى المستوى المادي ليناسب فكر الإنسان، وكيف أن من حقويه إلى تحت منظر نار، ومن حقويه إلى فوق منظر نحاس لامع. لنحاول بعقلنا أن نفهم ما هو السبب في أن الجزء الذي من حقوي الرب إلى تحت منظر نار. (حز ١: ٢٧).
ذلك لأن كل ما هو في العالم الحاضر يحتاج إلى التطهير بالنار ويحتاج إلى العقاب. أما ما هو فوق الحقوين والذي يفوق ويسمو على العالم الحاضر فهو مثل العقيق نقى جداً وثمين جداً. يقال أن العقيق أغلى قيمة من الذهب. إذا هذا مثال يوضح أن للرب جسدا أكثر قيمة، وجسداً أقل شأناً حتى أن الكتاب المقدس يقدم لنا الرب مكوناً من نار وعقيق: إن كل واحد منا في هذا العالم الحاضر هو “نار” وهو في نفس الوقت جسد الرب؛ نحن لسنا “عقيقا”، ولكن إن ارتفعنا وتقدمنا لأنه من الممكن أن نتغير، وأنه من المستوى المنخفض الذي نوجد فيه يمكننا أن نصير جسداً سامياً للرب- نعبر من خلال النار، نكون العقيق الموجود في الجزء الأعلى من جسد الرب.
٦. إذا، فإن الرب يضع على حقويه المنطقة المصنوعة من الكتان. لماذا؟
ليوضح أن الشعب هو بصورة أو بأخرى يدافع عن الرب. يقف الشعب في وجه الذين يلومون الله ويتهمونه، كما يصنع الشعب أيضاً من نفسه درعاً فلا يسمح بأي كلام يوجه ضد الله. أما إذا أخطأنا، فكما نزع إرميا المنطقة وعاقبها بإلقائها في الفرات حتى تفسد، هكذا أيضا ينزع الخاطئ من على حقوي الله ويطرح في الفرات ليهلك ويفسد. لقد أرسل الله النبي من اليهودية حتى الفرات لياخد المنطقة المصنوعة من الكتان من هناك. لكن لماذا صنعت المنطقة من الكتان؟ لأن الكتان يستمد حياته من الأرض. فهو في الواقع نبات ينمو من الأرض، ثم بعد أن يزرع يتم حلجه، ثم يغسل، ويصفى من الماء، ويمر بمراحل كثيرة حتى يصبح صالحاً ليكون منطقة أو ليكون أي شكل من أشكال الملابس. وهكذا، فإننا نحن أيضاً جميعاً من أرض هذا العالم، لذلك نكون محتاجين إلى الكثير من العناية حتى نُحلج ونغسل ويزال عنا اللون الأرضي، فإن لون الكتان يختلف عند بداية زراعته، عنه بعد علاجه وتنظيفه: لأن اللون الطبيعي للكتان هو الأسود، ثم بعد العناية به يصير فاتحاً جداً.
هكذا بالنسبة لنا نحن الأرضيون، يحدث لنا شئ مشابه لما يحدث للكتان. ففي بداية إيمانناً يكون لوننا عاتماً، ولهذا قيل في بداية سفر نشيد الأناشيد: “أنا سوداء وجميلة”، ثم نُغسل حتى يصير لوننا الأبيض الفاتح، كما هو مكتوب: “من هذه الطالعة المشرقة مثل الصباح”، ونصير مثل الكتان الأبيض النقي. ثم ننسج أيضاً بعد ذلك لنكون “منطقة” الله، حينما نكون مستحقين أن نلتصق بالرب.
الله لا يرفضنا. لقد رفض شعبه الأول، كل بيت يهوذا وكل بيت إسرائيل، لأن هذا الشعب لم يعد ينفعه شينا فلذلك لم يعد الله يضعه على حقويه كمنطقة. ولكن الله تمنطق بنا نحن بدلا منهم، و منطقته الجديدة هذه، هي كنيسة الأمم، وعليها أن تعرف أنه إذا كان الله لم يشفق على الأولين فكم بالحري لا يشفق عليها هي أيضا إذا أخطأت، وإذا أصبحت غير مستحقة لحقوي الله. ولكن “الذي يلتصق بالرب يصير روحاً واحدًا معه” في المسيح يسوع الذي له القوة والمجد إلى الأبد آمين.
- الذين يعتبرون الإله الذي خلق العالم مختلف عن الله وأقل منه شأنا . وهم الهراطقة المذكورين في العبارة التالية .
- هذه الفكرة توجد عند الفلاسفة ، وكذلك في الأبوكريفة اليهودية ( 2.2 Jubiles ) .
- ارتفع بعقلك ” في سلم الكائنات : فبعد الأشياء المادية تأمل المخلوقات الحية ، ثم ارتفع إلى الكواكب السماوية.
- يفكر أوريجينوس مثل بقية الفلاسفة الذين كانوا في عصره أن الكواكب حية ، وترجع حياتها إلى ملاك يسكن في كل كوكب منها.
- كان أوريجيوس ينتقد بعض الكهنة وعاداتهم السيئة، مثل الغرور والطمع ومحاباة الأقارب.