تفسير سفر إرميا النبي 36 للقمص أنطونوس فكري
هنا محاولة أخرى ولكن عبثًا يسمعون. فهنا إرميا يكتب كل عظاته التي قالها شفاهة من قبل.
الآيات 1-8:- “وَكَانَ فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ لِيَهُويَاقِيمَ بْنِ يُوشِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، أَنَّ هذِهِ الْكَلِمَةَ صَارَتْ إِلَى إِرْمِيَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ قَائِلَةً: «خُذْ لِنَفْسِكَ دَرْجَ سِفْرٍ، وَاكْتُبْ فِيهِ كُلَّ الْكَلاَمِ الَّذِي كَلَّمْتُكَ بِهِ عَلَى إِسْرَائِيلَ وَعَلَى يَهُوذَا وَعَلَى كُلِّ الشُّعُوبِ، مِنَ الْيَوْمِ الَّذِي كَلَّمْتُكَ فِيهِ، مِنْ أَيَّامِ يُوشِيَّا إِلَى هذَا الْيَوْمِ. لَعَلَّ بَيْتَ يَهُوذَا يَسْمَعُونَ كُلَّ الشَّرِّ الَّذِي أَنَا مُفَكِّرٌ أَنْ أَصْنَعَهُ بِهِمْ، فَيَرْجِعُوا كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ طَرِيقِهِ الرَّدِيءِ، فَأَغْفِرَ ذَنْبَهُمْ وَخَطِيَّتَهُمْ». فَدَعَا إِرْمِيَا بَارُوخَ بْنَ نِيرِيَّا، فَكَتَبَ بَارُوخُ عَنْ فَمِ إِرْمِيَا كُلَّ كَلاَمِ الرَّبِّ الَّذِي كَلَّمَهُ بِهِ فِي دَرْجِ السِّفْرِ. وَأَوْصَى إِرْمِيَا بَارُوخَ قَائِلًا: «أَنَا مَحْبُوسٌ لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَدْخُلَ بَيْتَ الرَّبِّ. فَادْخُلْ أَنْتَ وَاقْرَأْ فِي الدَّرْجِ الَّذِي كَتَبْتَ عَنْ فَمِي كُلَّ كَلاَمِ الرَّبِّ فِي آذَانِ الشَّعْبِ، فِي بَيْتِ الرَّبِّ فِي يَوْمِ الصَّوْمِ، وَاقْرَأْهُ أَيْضًا فِي آذَانِ كُلِّ يَهُوذَا الْقَادِمِينَ مِنْ مُدُنِهِمْ. لَعَلَّ تَضَرُّعَهُمْ يَقَعُ أَمَامَ الرَّبِّ، فَيَرْجِعُوا كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ طَرِيقِهِ الرَّدِيءِ، لأَنَّهُ عَظِيمٌ الْغَضَبُ وَالْغَيْظُ اللَّذَانِ تَكَلَّمَ بِهِمَا الرَّبُّ عَلَى هذَا الشَّعْبِ». فَفَعَلَ بَارُوخُ بْنُ نِيرِيَّا حَسَبَ كُلِّ مَا أَوْصَاهُ بِهِ إِرْمِيَا النَّبِيُّ، بِقِرَاءَتِهِ فِي السِّفْرِ كَلاَمَ الرَّبِّ فِي بَيْتِ الرَّبِّ.”
الكتابة تنتشر أكثر وتستمر مؤثرة لفترة أطول ويمكن قراءتها مرات عديدة وهكذا كان بإرشاد الله ووحي الروح القدس كتابة الكتاب المقدس. وعدم الطاعة بعد ذلك يجعل الإنسان بلا عذر. وفي (5) أنا محبوس = غالبًا ممنوعًا من الوعظ في الاجتماعات العامة. ولذلك أملى على باروخ الكتاب وأرسلهُ ليقرأه باسمه على الناس. وفيما بعد صار باروخ هذا نبيًا للشعب المسبي وله نبوة في الأسفار القانونية الثانية. وطريقة صنع الدَرْجْ هي لصق ورقة بورقة أخرى (مؤخرة الورقة الأولى تلصق في مقدمة الثانية) وهكذا ليصبح (رول) طويل ثم يلف، ولاحظ أن يهوياقيم كان متجهًا للخراب حينما منع النبي من عمله وأسكت صوته.
ولاحظ في (3) ان الله حينما كلم إرمياء قال لعلهم يسمعون. وحين أملي إرميا أقواله لباروخ قال لعل تضرعهم يَقَعُ أَمَامَ الرَّبِّ، فَيَرْجِعُوا … (7) فالصلاة هي بداية رجوعنا لله. فمن إقتنع بضرورة التوبة عليه أن يصلي ويتضرع لينال نعمة من الله. وكانت النبوات ضد إسرائيل وكل الشعوب المحيطة (2).
الآيات 9-19:- “وَكَانَ فِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ لِيَهُويَاقِيمَ بْنِ يُوشِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، فِي الشَّهْرِ التَّاسِعِ، أَنَّهُمْ نَادَوْا لِصَوْمٍ أَمَامَ الرَّبِّ، كُلَّ الشَّعْبِ فِي أُورُشَلِيمَ، وَكُلَّ الشَّعْبِ الْقَادِمِينَ مِنْ مُدُنِ يَهُوذَا إِلَى أُورُشَلِيمَ. فَقَرَأَ بَارُوخُ فِي السِّفْرِ كَلاَمَ إِرْمِيَا فِي بَيْتِ الرَّبِّ فِي مِخْدَعِ جَمَرْيَا بْنِ شَافَانَ الْكَاتِبِ، فِي الدَّارِ الْعُلْيَا، فِي مَدْخَلِ بَابِ بَيْتِ الرَّبِّ الْجَدِيدِ، فِي آذَانِ كُلِّ الشَّعْبِ. فَلَمَّا سَمِعَ مِيخَايَا بْنُ جَمَرْيَا بْنِ شَافَانَ كُلَّ كَلاَمِ الرَّبِّ مِنَ السِّفْرِ، نَزَلَ إِلَى بَيْتِ الْمَلِكِ، إِلَى مِخْدَعِ الْكَاتِبِ، وَإِذَا كُلُّ الرُّؤَسَاءِ جُلُوسٌ هُنَاكَ: أَلِيشَامَاعُ الْكَاتِبُ، وَدَلاَيَا بْنُ شِمْعِيَا، وَأَلْنَاثَانُ بْنُ عَكْبُورَ، وَجَمَرْيَا بْنُ شَافَانَ، وَصِدْقِيَّا بْنُ حَنَنِيَّا، وَكُلُّ الرُّؤَسَاءِ. فَأَخْبَرَهُمْ مِيخَايَا بِكُلِّ الْكَلاَمِ الَّذِي سَمِعَهُ عِنْدَمَا قَرَأَ بَارُوخُ السِّفْرَ فِي آذَانِ الشَّعْبِ. فَأَرْسَلَ كُلُّ الرُّؤَسَاءِ إِلَى بَارُوخَ يَهُودِيَ بْنَ نَثَنْيَا بْنِ شَلَمْيَا بْنِ كُوشِي قَائِلِينَ: «الدَّرْجُ الَّذِي قَرَأْتَ فِيهِ فِي آذَانِ الشَّعْبِ، خُذْهُ بِيَدِكَ وَتَعَالَ». فَأَخَذَ بَارُوخُ بْنُ نِيرِيَّا الدَّرْجَ بِيَدِهِ وَأَتَى إِلَيْهِمْ. فَقَالُوا لَهُ: «اجْلِسْ وَاقْرَأْهُ فِي آذَانِنَا». فَقَرَأَ بَارُوخُ فِي آذَانِهِمْ. فَكَانَ لَمَّا سَمِعُوا كُلَّ الْكَلاَمِ أَنَّهُمْ خَافُوا نَاظِرِينَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، وَقَالُوا لِبَارُوخَ: «إِخْبَارًا نُخْبِرُ الْمَلِكَ بِكُلِّ هذَا الْكَلاَمِ». ثُمَّ سَأَلُوا بَارُوخَ قَائِلِينَ: «أَخْبِرْنَا كَيْفَ كَتَبْتَ كُلَّ هذَا الْكَلاَمِ عَنْ فَمِهِ؟» فَقَالَ لَهُمْ بَارُوخُ: «بِفَمِهِ كَانَ يَقْرَأُ لِي كُلَّ هذَا الْكَلاَمِ، وَأَنَا كُنْتُ أَكْتُبُ فِي السِّفْرِ بِالْحِبْرِ». فَقَالَ الرُّؤَسَاءُ لِبَارُوخَ: «اذْهَبْ وَاخْتَبِئْ أَنْتَ وَإِرْمِيَا وَلاَ يَعْلَمُ إِنْسَانٌ أَيْنَ أَنْتُمَا».”
آية (9) وكان في السنة الخامسة = يبدو أن باروخ كان يعظ بكلام هذا الكتاب لكل من يسمع قبل هذه المناسبة المقدسة. لأن التعليمات بالكتابة أعطيت لإرمياء في السنة الرابعة ليهوياقيم. وغالبًا فالكتابة بدأت في السنة الرابعة ولكنها إستمرت حتى السنة الخامسة. نادوا بصوم = ربما خوفًا من الغزو القادم أو بسبب قلة المطر. ولكن لا ندري من الذي طلب هذا الصوم ولكن ما نحن متأكدين منهُ أنه كان صومًا ظاهريًا ولكن القلب كان مبتعدًا بعيدًا. “لهم صورة التقوى لكنهم منكرون قوتها” (2 تي 3: 5). والصوم بدون توبة لن يغير أحكام الرب ضدهم. وفي (10) لاحظ تصرُف الرؤساء. فهم دعوا الشعب للصوم والصلاة ولسماع كلمة الرب ، ولكنهم لم يصلوا معهم ولم يسمعوا بل جلسوا في مخدع الكاتب حتى جاءت إليهم أنباء أقوال إرمياء فأين التقوى في تصرفهم. ولكن يُحسب لهم أنهم تأثروا بما سمعوا وإرتعبوا ولكنهم كانوا مثل فيليكس الوالي يرتعبون دون أن يؤمنوا أو يتوبوا. ولم يكن لهم الشجاعة أن ينفذوا ما جاء بهذا الكلام. وبدأوا في الأسئلة التافهة كيف كتبت كل هذا الكلام (17) وكان رد باروخ سهلًا محرجًا لهم إرمياء كان يقرأ لي وأنا أكتب بالحبر = فكثير من الذين لا يريدون التوبة تكون لهم أسئلة تافهة.
الآيات 20-32:- “ثُمَّ دَخَلُوا إِلَى الْمَلِكِ إِلَى الدَّارِ، وَأَوْدَعُوا الدَّرْجَ فِي مِخْدَعِ أَلِيشَامَاعَ الْكَاتِبِ، وَأَخْبَرُوا فِي أُذُنَيِ الْمَلِكِ بِكُلِّ الْكَلاَمِ. فَأَرْسَلَ الْمَلِكُ يَهُودِيَ لِيَأْخُذَ الدَّرْجَ، فَأَخَذَهُ مِنْ مِخْدَعِ أَلِيشَامَاعَ الْكَاتِبِ، وَقَرَأَهُ يَهُودِيَ فِي أُذُنَيِ الْمَلِكِ، وَفِي آذَانِ كُلِّ الرُّؤَسَاءِ الْوَاقِفِينَ لَدَى الْمَلِكِ. وَكَانَ الْمَلِكُ جَالِسًا فِي بَيْتِ الشِّتَاءِ فِي الشَّهْرِ التَّاسِعِ، وَالْكَانُونُ قُدَّامَهُ مُتَّقِدٌ. وَكَانَ لَمَّا قَرَأَ يَهُودِيُ ثَلاَثَةَ شُطُورٍ أَوْ أَرْبَعَةً أَنَّهُ شَقَّهُ بِمِبْرَاةِ الْكَاتِبِ، وَأَلْقَاهُ إِلَى النَّارِ الَّتِي فِي الْكَانُونِ، حَتَّى فَنِيَ كُلُّ الدَّرْجِ فِي النَّارِ الَّتِي فِي الْكَانُونِ. وَلَمْ يَخَفِ الْمَلِكُ وَلاَ كُلُّ عَبِيدِهِ السَّامِعِينَ كُلَّ هذَا الْكَلاَمِ، وَلاَ شَقَّقُوا ثِيَابَهُمْ. وَلكِنَّ أَلْنَاثَانَ وَدَلاَيَا وَجَمَرْيَا تَرَجَّوْا الْمَلِكَ أَنْ لاَ يُحْرِقَ الدَّرْجَ فَلَمْ يَسْمَعْ لَهُمْ. بَلْ أَمَرَ الْمَلِكُ يَرْحَمْئِيلَ ابْنَ الْمَلِكِ، وَسَرَايَا بْنَ عَزَرْئِيلَ، وَشَلَمْيَا بْنَ عَبْدِئِيلَ، أَنْ يَقْبِضُوا عَلَى بَارُوخَ الْكَاتِبِ وَإِرْمِيَا النَّبِيِّ، وَلكِنَّ الرَّبَّ خَبَّأَهُمَا. ثُمَّ صَارَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلَى إِرْمِيَا بَعْدَ إِحْرَاقِ الْمَلِكِ الدَّرْجَ وَالْكَلاَمَ الَّذِي كَتَبَهُ بَارُوخُ عَنْ فَمِ إِرْمِيَا قَائِلَةً: «عُدْ فَخُذْ لِنَفْسِكَ دَرْجًا آخَرَ، وَاكْتُبْ فِيهِ كُلَّ الْكَلاَمِ الأَوَّلِ الَّذِي كَانَ فِي الدَّرْجِ الأَوَّلِ الَّذِي أَحْرَقَهُ يَهُويَاقِيمُ مَلِكُ يَهُوذَا، وَقُلْ لِيَهُويَاقِيمَ مَلِكِ يَهُوذَا: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: أَنْتَ قَدْ أَحْرَقْتَ ذلِكَ الدَّرْجَ قَائِلًا: لِمَاذَا كَتَبْتَ فِيهِ قَائِلًا: مَجِيئًا يَجِيءُ مَلِكُ بَابِلَ وَيُهْلِكُ هذِهِ الأَرْضَ، وَيُلاَشِي مِنْهَا الإِنْسَانَ وَالْحَيَوَانَ؟ لِذلِكَ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ عَنْ يَهُويَاقِيمَ مَلِكِ يَهُوذَا: لاَ يَكُونُ لَهُ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ، وَتَكُونُ جُثَّتُهُ مَطْرُوحَةً لِلْحَرِّ نَهَارًا، وَلِلْبَرْدِ لَيْلًا. وَأُعَاقِبُهُ وَنَسْلَهُ وَعَبِيدَهُ عَلَى إِثْمِهِمْ، وَأَجْلِبُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ وَعَلَى رِجَالِ يَهُوذَا كُلَّ الشَّرِّ الَّذِي كَلَّمْتُهُمْ عَنْهُ وَلَمْ يَسْمَعُوا». فَأَخَذَ إِرْمِيَا دَرْجًا آخَرَ وَدَفَعَهُ لِبَارُوخَ بْنِ نِيرِيَّا الْكَاتِبِ، فَكَتَبَ فِيهِ عَنْ فَمِ إِرْمِيَا كُلَّ كَلاَمِ السِّفْرِ الَّذِي أَحْرَقَهُ يَهُويَاقِيمُ مَلِكُ يَهُوذَا بِالنَّارِ، وَزِيدَ عَلَيْهِ أَيْضًا كَلاَمٌ كَثِيرٌ مِثْلُهُ.”
أظهر الملك عدم رغبته وعدم صبره على التوبة وإظهاره إصرارًا على عدم التوبة فهو لا يحتمل أن يخبره أحد بخطاياه. فهو لم يستدع إرميا أو باروخ للتحقق منهما بل أحرق الكتاب وعمل الملك هذا أعطى شجاعة للرؤساء الذين كانوا قد ارتعبوا سابقًا عند سماعهم أقوال إرميا (24،16) وظن هذا الأحمق أنه حين تحول الكتاب إلى رماد أن أقوال الله اندثرت وزال تأثيرها. وهذا ما يفعله كثيرون حتى اليوم من الذين يُحرفون أقوال الكتاب المقدس أو يقولون أنها أساطير أو أنه لا يناسب العصر الحديث. هذا كله مقدمة للارتداد العام والإيمان بضد المسيح وبالنبي الكذاب. وهؤلاء هم السابقين لهُ كما سبق يوحنا المعمدان المسيح. ومن يُحرف الكتاب المقدس لهو اخطر من يهوياقيم الذي مزقه. وقارن موقف يهوياقيم وإحراقه للكتاب مع موقف يوشيا أبوه وتمزيقه ثيابه حين سمع كلمة الرب. ولاحظ في (26) الله خبأهما = فالله هو الذي يحمي أولاده إلى أن تجيء ساعتهم. وحين أعاد إرميا كتابة كتابه زاد عليه تهديدات جديدة فحينما يعاند شخص الله يزداد غضب الله عليه.