القديس جرجس المزاحم

 

 بينما كان المصريون جميعا يتنسمون عبير الحرية والاستقرار في عهد العزيز بالله سرت بين بعض الرعاع من المسلمين موجة من الحنق حين رأوا المسيحيين بصلون إلى منصب الوزير ويحوزون رضی الخليفة وثقته.

فكانت الأقاويل الساخرة تتردد من فم لفم إلى حد أن بعض الشعراء كانوامار جرجس المزاحم يزجون بكتاباتهم في يده وهو سائر في الطريق. ومع أن العزيز ظل على تسامحه رغم كل هذه الأقاويل إلا أنه حاول تهدئة الخواطر بالمسالمة أولاً ولكنه اضطر في نهاية الأمر إلى استعمال الحزم لإقرار السكينة.

وفي فترة الحنق والتوتر حدث بعض الشغب في عدد من الأقاليم. ومن أقوى هذه الحوادث ما جرى في منطقة طلخا. وكان السبب في ذلك رجل اسمه جرجس المزاحم. ذلك أن جرجس هذا كان ابن امرأة مسيحية من أب مسلم. وكان اسمه مزاحم  في صباه. وقد قضى الإثني عشرة سنة الأولى من عمره على دين أبيه. على أنه في هذه السن لاحظ أن أمه تذهب الى الكنيسة في يوم الأحد فأحس برغبة ملحة في أن يتبعها ویری ماذا تفعل داخل الكنيسة. ثم رجا منها عند عودتها أن تعطيه جزء من القربانة التي معها فلما ذاقها استلذ طعمها . وبعد ذلك استمر في تتبع أمه. واستقر رأيه فيما بينه وبين نفسه أن يصير مسيحية. ومن ثم اعتاد أن يتردد على الكنيسة. وفي عيد السيدة العذراء قصد الأنبا زخاریوس أسقف دمیاط ونال المعمودية على يدي أحد کهنته واتخذ اسم جرجس ، ولهذا أصبح معروفة باسم جرجس المزاحم . وبعد ذلك تزوج من سيولا ابنة القمص أبانوب راعی کنیسة بساط النصاری. 

ولما علم أهله بحقيقة أمره أرادوا أن يقبضوا عليه بقصد ارجاعه الى دين أبيه . فخافت عليه زوجته وهربته. وعندها ضربوها ضرباً مبرحاً. ثم اشتغل في معصرة للزيت فترة من الزمن ، ولكن المتربصين به عرفوا مكانه فبدأ بينهم وبينه صراع بلا هوادة : فتارة يلقونه في السجن وأخرى يضربونه ، ومرة يعذبونه وأخرى يحاولون اغراء بالمقتنيات العالمية. على أن والي المنطقة حاول اقصاهم عنه وعرفهم بأنه كتب للسلطان يستفهم منه عما يجب عمله بمثل هذا الرجل. وبالفعل تركوه أسبوعاً في السجن من غير أن يتعرضوا له اطلاقا. وكان هو خلال هذه الأيام يصلی بلا انقطاع ويستشفع برئيس الملائكة ميخائيل، فظهر له وقواه وشدده.

وفي اليوم التالي بدأ جهاده . فكان الحانقون عليه يعذبونه الى أن يداخلهم الشك في أنه مات فيتركونه ملقى في السجن ويذهبون لحال سبيلهم ويعودون اليه في اليوم التالي فيجدونه ما زال على قيد الحياة فيعاودون تعذيبه . واستمروا على هذا الحال من الحادي عشر الى الثامن عشر من بؤونة 695 ش ( سنة 979 م ). ثم جاءهم رسول السلطان الى الوالي يحمل خطابا فيه الأمر بترك جرجس وشأنه. وقد قال الرسول السلطاني شفاهياً بأن اثنين من سكان القاهرة قد اعتنقا المسيحية وأن السلطان تركهما وشأنهما ( عدا الواضح بن الرجاء).

ولكن حدة الغضب التي كانت قد استولت على القلوب جعلتهم يتجاهلون أمر السلطان . ففي صبيحة يوم الخميس 19 بؤونة ذهبوا الى السجن وقالوا لجرجس بأن عليه أن يختار بين الموت وبين انكار المسيح . ولكن تهديدهم ضاع هباء منثورا إذ أعلن لهم استعداده لتقبل العذاب لا الموت فقط . وعندها اخرجوه خارج البلدة وساروا به الى شاطئ البحر وهناك ضربوه على رأسه الى ان تحطمت ثم قطعوا جسده ورموا بالأجزاء في البحر.

وحدث في اليوم عينه آن شماساً كان ماشيا عند الشاطئ فسمع صوتا يقول له : « يا أيها المؤمن المار على هذا الشاطئ – باسم المسيح انتظر الى أن تقذف الأمواج اليك بجزء من جسد الشهيد جرجس المزاحم . فخذه وأعطه لزوجته المباركة سيولا ». وانتظر الشماس حسب الأمر. وأخذ الجزء الذي قذفت به الأمواج الى بيته. وأعطاه لأمه وأبلغها الرسالة التي سمعها . فأخذت أمه الرفات ولفته بقماش أبيض وأوصلته إلى السيدة البارة سیولا ، التي وضعته بدورها في بيت أبيها فترة من الزمن ثم في الكنيسة بعد ذلك . وقد جرت منه آیات وعجائب عديدة.

____

من كتاب قصة الكنيسة القبطيةج03-الأستاذة إيريس حبيب المصري

زر الذهاب إلى الأعلى