تفسير سفر إرميا ٦ للقمص أنطونيوس فكري
تفسير إرميا – الأصحاح السادس
الآيات 1-8:
– اهربوا يا بني بنيامين من وسط أورشليم واضربوا بالبوق في تقوع وعلى بيت هكاريم ارفعوا علم نار لأن الشر اشرف من الشمال وكسر عظيم. الجميلة اللطيفة ابنة صهيون اهلكها. اليها تاتي الرعاة وقطعانهم ينصبون عندها خياما حواليها يرعون كل واحد في مكانه. قدسوا عليها حربا قوموا فنصعد في الظهيرة ويل لنا لأن النهار مال لأن ظلال المساء امتدت. قوموا فنصعد في الليل ونهدم قصورها. لأنه هكذا قال رب الجنود اقطعوا اشجارا اقيموا حول أورشليم مترسة هي المدينة المعاقبة كلها ظلم في وسطها. كما تنبع العين مياهها هكذا تنبع هي شرها ظلم وخطف يسمع فيها امامي دائمًا مرض وضرب. تادبي يا أورشليم لئلا تجفوك نفسي لئلا اجعلك خرابا ارضا غير مسكونة.
وقت هذا الإنذار كانت أورشليم آمنة ولكن النبي يتنبأ كمن يرى فعلًا، أن هناك جيش يأتي عليهم من الشمال ليخربهم. وفي نبوة سابقة كان يتنبأ بأنهم سيهربون لأورشليم حين يسمعون بخبر قدوم العدو ولكن هو الآن يحذرهم من ذلك فستكون أورشليم كقبر لهم.
وفي (1) أهربوا يا بنى بنيامين = فبنيامين تسكن في أورشليم. وتقوع = 12 ميلًا شمال أورشليم. وجبل هكاريمبين تقوع وأورشليم. وهؤلاء مطلوبًا منهم أن يعطوا إنذارًا لأورشليم بأن يشعلوا نارًا حين يروا العدو. فيهرب الذين في أورشليم. وفي (2) هي جميلة ولطيفة = فهي عاشت متنعمة ولن تحتمل هذه الحربوفي. (3) يشبه جيش بابل برعاة أتوا بقطيعهم على مرعى أخضر ليأكلوه فنبوخذ نصر أتى بجيشه ليلتهم أورشليم بكل خيراتها ويتركونها عريانة وخربة. وفي (4) هي كانت مدينة مقدسة والآن بسببخطيتها أرسل الله عليها هذا الجيش وصار خرابها عملًا مقدسًا يقوم به جيش بابل. فعمل الكلدانيين متفق مع إرادة الله = قدسوا عليها حربًا وهم أشداء لا يضيعون أي وقت ولا يعوقهم حر الظهيرة ولا ظلمة الليل. ويل لنا لأن النهار مال= ونحن لم ننتهى من عملنا ولكن قوموا فنصعد في الليل لنكمل العمل. وكم هو مخجل أننا لا نهتم نحن بواجبات عبادتنا وأمور خلاص نفوسنا مثل هؤلاء، بينما العدو يحاربنا بلا هوادة حتى يفقدنا هذا الخلاص. فهؤلاء البابليين سيأخذون كنوزًا أرضية في عملهم أما نحن فلنا ميراث سماوي. وفي (6) البابليون يظلمونهم لأنهم هم في وسطهم ظلم. وفي (7) هم أصبحوا نبعًا للخطايا والخطية أصبحت شيء طبيعي في حياتهم والنبع ينبع بوفرة وباستمرار ولكن هذا النبع نبع سام . وفي(8) نصيحة ودعوة للتوبة حتى يوقفوا هذا الخراب. والدعوة هنا بالهرب من المدينة تذكرنا بنصيحة المسيح لتلاميذه بالهرب من أورشليم حينما يحاصرها الرومان (مت16،15:24) ، وأيضًا (برؤيا4:18). فلنهرب من كل مكان فيه شر فالخراب آتٍ على هذا المكان بلا شك.
الآيات 9-17:
– هكذا قال رب الجنود تعليلا يعللون كجفنة بقية إسرائيل رد يدك كقاطف إلى السلال. من اكلمهم وانذرهم فيسمعوا ها أن اذنهم غلفاء فلا يقدرون أن يصغوا ها أن كلمة الرب صارت لهم عارا لا يسرون بها. فامتلات من غيظ الرب مللت الطاقة اسكبه على الاطفال في الخارج وعلى مجلس الشبان معا لأن الرجل والمراة يؤخذان كلاهما والشيخ مع الممتلئ اياما. وتتحول بيوتهم إلى اخرين الحقول والنساء معا لأني امد يدي على سكان الأرض يقول الرب. لأنهم من صغيرهم إلى كبيرهم كل واحد مولع بالربح ومن النبي إلى الكاهن كل واحد يعمل بالكذب. ويشفون كسر بنت شعبي على عثم قائلين سلام سلام ولا سلام. هل خزوا لأنهم عملوا رجسا بل لم يخزوا خزيا ولم يعرفوا الخجل لذلك يسقطون بين الساقطين في وقت معاقبتهم يعثرون قال الرب. هكذا قال الرب قفوا على الطرق وانظروا واسالوا عن السبل القديمة أين هو الطريق الصالح وسيروا فيه فتجدوا راحة لنفوسكم ولكنهم قالوا لا نسير فيه. واقمت عليكم رقباء قائلين اصغوا لصوت البوق فقالوا لا نصغى.
في (9) كما أن صاحب الكرم يرجع إلى كرمه مرة أخرى بعد قطف العنب ليجمع ما قد يكون باقيًا، كذلك يريد ويفعل جيش بابل. فالضربة للجميع ولن يهرب أحد. لاحظ أن السبي حدث على أربعة مراحل، كان في كل مرة يعود نبوخذ نصر لأخذ عدد من السبايا.
وربما في هذه الآية تذكيرًا لهم بمخالفتهم وصية الله، فكان عليهم أن يتركوا فضلات الحقل للفقراء ولكنهم رفضوا (لا 10:19) . ويكون جيش بابل كصاحب أرض يلقطهم ويضعهم في سلاله أي في السبي. وفي (11،10) النبي قطع الرجاء من هذا الشعب إذ لم يصغ إليه أحد فينفجر غيظه الذي هو مثال لغيظ الله =فَأمْتَلأْتُ مِنْ غَيْظِ الرَّبِّ = فالشعب لا يتحرك بالتوبة بينما النبي يرى الخطر القادم . وهم أذنهم غلفاء = لم تختتن أي غير قادرة على تمييز صوت الله بل تحب سماع الخطية وكلمات الأنبياء الكذبة المعسولة بل هم يخجلون من كلمات الرب. وكان النبي يسكب هذا الغيظ علىمجالس الشبان ويوبخهم وينذرهم فهم في حالة استهتار. والخطية هنا في (13) أنهم مولعون بالربح ، ولكن ليس الربح الحق بل القبيح الذي بالكذب والغش، وهذا ينطبق على الجميع حتى الكاهن والنبى. وفي (14) وهم يعشمون شعب الله ويعطونهم رجاء كاذبًا بالسلام = على عثم أي يغلقوا على الجرح بينما الداخل به قذارة أي صديد. فهم يداوون الألم من الخارج وليس بالبحث عن سبب الألم في الداخل = (الخطية) التي في العمق. والنبى لا يجد من يسمعه فهم إنغمسوا كل واحدٍ في شهوته . وفي (15) حالة الوقاحة التي وصلوا إليها فهم لا يخجلون، لذلك سيسقطون ويعاقبهم الله. فِي وَقْتِ مُعَاقَبَتِهِمْ يَعْثُرُونَ = يعثرون جاءت في الإنجليزية cast down أي حين آتى لأعاقبهم يسقطون بسبب ضربات العقاب، وينغضون رؤوسهم في غم خجلا مما سوف يحدث لهم . وهنا آية جميلة في (16) كيف نجد الطريق، بأن نرجع للطرق القديمة أي طرق الآباء (راجع نش 1: 8)، حيث ساروا مع الله فوجدوا سلامًا. ولكنهم هم أحبوا طريق شهوتهم وصوت أنبيائهم الكذبة. جميل أن نقرأ قصص أبائنا القديسين والشهداء لنقتدي بهم (السنكسار cuna[arion) . وفي (17)الله لم يتركهم أيضًا بل أقام لهم رقباء = أنبياء وخدام. فالله لا يبقى نفسه بلا شاهد. والله لا يتطور ولا يتغير ولا يبدِّل طرقه، فيا ليتنا لا نجرى وراء طرق العالم أو كل ما هو جديد.
الآيات 18-30:
– لذلك اسمعوا يا أيها الشعوب واعرفي ايتها الجماعة ما هو بينهم. اسمعي ايتها الأرض هانذا جالب شرا على هذا الشعب ثمر افكارهم لانهم لم يصغوا لكلامي وشريعتي رفضوها. لماذا يأتي لي اللبان من شبا وقصب الذريرة من ارض بعيدة محرقاتكم غير مقبولة وذبائحكم لا تلذ لي. لذلك هكذا قال الرب هانذا جاعل لهذا الشعب معثرات فيعثر بها الاباء والابناء معا الجار وصاحبه يبيدان. هكذا قال الرب هوذا شعب قادم من ارض الشمال وامة عظيمة تقوم من اقاصي الأرض. تمسك القوس والرمح هي قاسية لا ترحم صوتها كالبحر يعج وعلى خيل تركب مصطفة كإنسان لمحاربتك يا ابنة صهيون. سمعنا خبرها ارتخت ايدينا امسكنا ضيق ووجع كالماخض. لا تخرجوا إلى الحقل وفي الطريق لا تمشوا لأن سيف العدو خوف من كل جهة. يا ابنة شعبي تنطقي بمسح و تمرغي في الرماد نوح وحيد اصنعي لنفسك مناحة مرة لأن المخرب يأتي علينا بغتة. قد جعلتك برجا في شعبي حصنا لتعرف وتمتحن طريقهم. كلهم عصاة متمردون ساعون في الوشاية هم نحاس وحديد كلهم مفسدون. احترق المنفاخ من النار فني الرصاص باطلا صاغ الصائغ والأشرار لا يفرزون. فضة مرفوضة يدعون لأن الرب قد رفضهم.
كأن الله هنا يشهد الجميع (18)على ما هو فاعله بهذه الجماعة، التي كان بينه وبينها عهد. وفي (19) بسبب خطيتهم سيجلب الله عليهم شرًا عظيمًا. فالعهد لهُ شروط، وشروط العهد تجدها في (لا 26). وملخص شروط هذا العهد هي إن سرتم معي فهناك بركة ، وإن لم تسمعوا صوتى فهناك لعنة. فالله يشهد الجميع أنه لم يظلمهم فيما قرره ضدهم بل هذه هي شروط العهد وهو قد سبق وأنذر. وفي(20) ليس المقصود أن الله لا يريد الذبائح واللبان (شبا في اليمن ومشهورة بالبخور) بل هو يريد القلب أولًا. ولكن أن يقدموا ذبيحة بلا توبة فكأنهم يشترون رخصة من الله ليسيروا في طريق خطاياهم. وفي مزمور 51 سبق داود وقال هذا الكلام نفسه “أن الله لا يسر بالذبائح بل بالقلب المنسحق” وفي (21) المعثرات= هي المشاكل والآلام الآتية التي بها يبيدالجار وصاحبه = أي الكل.
ومن (22-25) وصف لجيش بابل ثم للضيق الذي يحل على الشعب .
وفي (26) هذه نبوة بحالهم وقت الحصار ثم بعد سقوط المدينة بيد المخرب = لأَنَّ الْمُخَرِّبَ يَأْتِي عَلَيْنَا بَغْتَةً = والله سمح بهذا المخرب (بابل) بعد أن إستنفذ كل الوسائل لإصلاحهم ولكن بدون فائدة. فالله أرسل لهم الأنبياء ولم يسمعوا، وأرسل عليهم آلام وتجارب حتى أنهم إختنقوا منها(فنوا) ، وأيضا بلا فائدة. وهنا كان قرار الله بالخراب النهائى على يد بابل، فالله له طرقه ليجذب الشرير للتوبة. فيرسل الله إنذارا وراء إنذار، وإذ استمر الخاطئ في شره تبدأ الضربات، وهذه الضربات تظل تتصاعد، وإذا استمر العناد هنا تأتى الضربة الكبيرة (بابل = خراب + سبى).
فنرى في (27) أن الله يقيم إرمياء كبرجليحكم على الشعب والبرج مكان عالٍ يستطيع منه الناظر أن يرى بوضوح ما يحدث من بعيد، فيستطيع النبي أن يرىأثامهم = لِتَعْرِفَ وَتَمْتَحِنَ طَرِيقَهُ. كُلُّهُمْ عُصَاةٌ . ويدين طرقهم فيقتنع بأن أحكام الله عادلة. والله سيحميه من شرورهم بأن يجعله حصنًا = سيحصنه ضدهم ولكن هذا لا يمنع انهم سيحاربونه وهو في حصنه. وإحترق المنفاخ من النار = أي الأنبياء بح صوتهم بلا فائدة.
وفي (28) هم كانوا ذهبًا وفضة والآن صاروا معادن وضيعة نحاس وحديد . والنحاس معناه الوقاحة وعدم الخجل، والحديد معناه غلظة الرقبة، وعدم الإنقياد لوصايا الله. كلهم مفسدون = الخاطئ إنسان فاسد ولكنه سريعًا ما يتحول لمفسد للآخرين. والله إستخدم معهم طرق كثيرة من تجارب وآلام كأنهم في كور النار ليستخلص منهم معادن نافعة (29) فلم يجد سوى الزغل والخبث= صدأ المعادن. فنى الرصاص = وأما هم فكانوا قد صاروا كالرصاص، والرصاص يرمز للخطية التي تثقل النفس. ومن كثرة الآلام التي سمح بها الله ضدهم فنوا منالتجارب والضربات. ولكن هذا أيضًا كان بلا فائدة فهم لم يفهموا أن هذا كان بسبب غضب الله عليهم، فكثرة الخطية تغلق حواس الإنسان وتضيع منه الحكمة.
بل في (30) سماهم الله فضة مرفوضة= أي مغشوشة لا قيمة لها هي تبرق لوقت ولكنها بلا قيمة فهم لهم ممارساتهم الشكلية ولكن بلا أي فضيلة. وطبعًا هاج الشعب على إرمياء بسبب نبواته هذه وكرهوه ككراهية أي خاطئ لمن ينذره (رؤ10:11).
تفسير إرميا 5 | تفسير سفر إرميا | تفسير العهد القديم |
تفسير إرميا 7 |
القمص أنطونيوس فكري | |||
تفاسير سفر إرميا | تفاسير العهد القديم |