اضطهاد الاريوسيين بمساعدة قسطنس

 

ملك على الشرق قسطنس ابن قسطنطين سنة ۳۳۷ م فأعز الأريوسيين وناصرهم على الأرثوذكسيين فاضطهدوهم اضطهادات مرة توازی اضطهادات الوثنيين . وعزل قسطنس البابا اثناسيوس وعين مكانه رجلاً  شريراً يدع غريغوريوس وقواه بجنوده. فهجم بهم مرة على المؤمنين بينها كانوا يباشرون العبادة في يوم جمعة الصلبوت وانضم اليهم رعاع اليهود والوثنيين وأخذوا يبطشون بالمصلين فهتكوا حرمة العذارى الطاهرات وقبض غريغوريوس الدخيل على أربعين عذراء وعراهن وضربهن بالسياط وقتل عددا وافرا من الشعب آملا أن يكون اثناسيوس بين المقتولين فدنسوا الاماكن المقدسة وأحرقوا الكتب الالهية ثم نهبوا خزائن الكنيسة وأمتعتها وقتلوا كثيرين من الرهبان بينما كانوا يدافعون عن كرامة بيت الله.

 وقد استمر غريغور یوس يرتکب فظائعه حتى أنه اضطهد عمة البابا اثناسيوس إلى أن ماتت وبعد موتها منع أن تدفن في مقبرة المسيحيين . ثم التهم الأموال التي كانت تجمع للارامل والايتام . واضطهد الراهب بوتامون أحد أعضاء المجمع النيقاوي وهو رجل لا تزال اثار اضطهادات ديوكليتانوس له بادية في وجهه وجسمه.  فأمر غريغوريوس بجلده حتى مات من تأثير الضرب بعد أيام قليلة ولما بلغت أخبار هذه المساوىء مسامع القديس انطونيوس ابی الرهبان کتب رسالة لاغريعوريوس يلومه فيها على هذه التصرفات المنافية لروح المسيحية فازدرى بالرسالة ومزقها .

و بعد موت غريغوريوس عين قسطنس مكانه جورجيوس ضريبه في الشر فجدد اضطهاد الأرثوذكسيين و بدأ فظائعه بأن طرد ثلاثين أسقفا من الاسكندرية ونفاهم حتی اختفت آثارهم بالمرة  بعد أن عوملوا معاملة قاسية شديدة حتى أن بعضهم مات في الطريق قبل أن يصل منفاه وغيره مات بعد وصوله بقليل.

وذكر القديس اثناسيوس في احدى رسائله بعض شرور هذا الوغد بقوله « ولم ينته أسبوع عيد الفصح حتی کنت ترى العذارى الفتيات يطرحن في السجون اضطهادا وتعذيبا و كان العساكر يربطون الأساقفة بسلاسل واغلال ويجرونهم في الشوارع . وكان اعوان جورجيوس يدخلون مساكن الايتام والأرامل عنوة واقتدارا و يسلبون ما فيها . وكانوا يدفنون المسيحيين أحياء تحت . الظلام ثم يضعون علامات على منازلهم ليعرفوها حتى اذا أصبح الصباح نهبوا ما فيها بدون مقاومة .

ولم يقتصر هذا الشر على الاكليروس فقط بل أن أقاربهم كانوا في خطر لا لذنب بل لأنهم أقرباؤهم ولم يقف الاشرار المضطهدون عند هذه الفظائع بل تجاوزوها كثيرا وتمادوا في غيهم وعتوهم لدرجة أوجبت نفور الشعب واشمئزازه من هذه الحالة حتى أن أعضاء الكنيسة لم يطيقوا تأدية الصلاة فيها بعد عيد الفصح بل كانوا يذهبون إلى المقابر و يصلون فيها لانهم كرهوا الصلاة مع جورجيوس فلما علم هذا الظالم الغاشم بكره الشعب له حرض ضدهم ضابطا من الشيعة المانوية اسمه سباسيان فصار نحوهم في نفر من الجند مسلح بسيوف قاطعة وسهام لامعة وحراب نافذة . وهجم على هذا الشعب الضعيف في يوم الرب المبارك الذي قدمه لعبادته لقتل الانفس البريئة . فلما وصل إلى المقبرة لم يجد الا رجالا يعدون على الاصابع لان أكثر الناس قد عادوا إلى منازلهم عندما مال النهار فلم يرحم هؤلاء البائسين الأبرياء بل أعمل فيهم الصارم البتار و برهن بعمله هذا على القسوة وعتو جدا في مثل هذا المتوحش اللئيم و بعد أن أودي بالرجال حول نظره نحو أولئك العذارى الطاهرات فأضرم نار تأجج سعيرها وادناهن منها وهددهن بالاعتراف بمذهب ار يوس والانحياز اليه . أما هن فلم يعلن عن اعتقادهن ورفضن طلبه هذا كما انهن احتقرن النار وحسنها ماء زلالا فلذلك اشتد حنق هذا الوحش الضاري عليهن فجردهن من ثيابهن وظل يضربهن على الوجوه حتى تغيرت سحنتهن ولم يكن أحد يعرفهن فيما بعد . ولقد ألقي هذا الضابط القبض على نحو أربعين رجلا وجلدهم بالسياط جلدا تقشعر منه الأبدان وترتعد لهوله الفرائض وذلك بأن مزق ظهورهم بعصی خضراء قطعت من النخل بشوكها حتى ان بعضهم عملت لهم عملية جراحية لاخراج الشوك من لحمه و بعضهم لم يحتمل العذاب والآلام فمات من شدة الضرب . أما الذين عاشوا بعد هذه المصائب فنفوا الى الواحات الكبرى بما فيهم واحدة من أولئك العذارى ولم يكن هذا العاتی يسلم لاقارب الموتى بأخذ جثث موتاهم ولكن لما تعهد به هؤلاء الاقارب بعدم الاحتفال بموتاهم والامتناع عن تأدية الفرائض الدينية المعتادة لهم أذن لهم أولئك القساة بدفنهم كما وافق أغراضهم حتى يخفوا عن أعين العالم دلائل قسوتهم وغلاظتهم التي لم تخف بل ظلت ظاهرة في بطون التواريخ الى الآن.

 وعلى خطة الجهل والعمه هذه سار أولئك المجانين سيرا لم يؤثر في أهل الإيمان الصحيح تأثيرا يذكر لان أصدقاء وأقارب الذين ماتوا في هذا الاضطهاد كانوا يفرحون و يطربون لان اخوانهم بقوا محافظين على أيمانهم الى ساعة موتهم ولو أنهم أسفوا لعدم التصريح بدفن جثثهن وهو عمل يدل على منتهی الفظاظة والخشونة في صدور الفجار الذين تجردوا من الانسانية فأصبحت اعمالهم واضحة عند الله

زر الذهاب إلى الأعلى