تفسير سفر إرميا ٤٨ للقمص تادرس يعقوب
الأصحاح الثامن والأربعون
نبوات ضد موآب
بدأت النبوات ضد الأمم بمصر الوثنية التي تشير إلى محبة العالم، ثم ضد الفلسطينيين الوثنيين الذي يشيرون إلى روح العنف والعداوة، ثم صور وصيدا اللتين تشيران إلى المتحالفين مع الشر. هنا يتحدث عن موآب الذي وإن اتسم بالكبرياء كغيره من الشعوب المقاومة لله لكن سمته الرئيسية هي الفساد، فبجانب أن أبيهم موآب هو ثمرة علاقة أمه بأبيها لوط وهو في حالة سكر، أشار بلعام على ملك موآب أن ينزل بعض النساء الموآبيات الجميلات إلى شعب إسرائيل فيغرين الرجال على ارتكاب النجاسة (مع عبادة الأصنام)، عندئذ يتخلى الله عنهم فيضعفون وينهارون (عد 25: 1-3).
موآب
جاء الموآبيون من نسل لوط (19: 37)، لذا فهم ينتمون إلى إسرائيل بصلة قرابة. امتدت ذرية موآب في شرقي بحر لوط بين وادي أرنون ووادي زريد Zered وطردوا الإيميين من هناك (تث 2: 11)، وعبدوا الإله كموش. وكانت بلادهم تنقسم إلى بلاد موآب وعربات موآب، وهذه كانت في وادي الأردن مقابل أريحا.
سمح لهم الرأوبينيون بالسكنى في مدنهم، وأخذوا عنهم عبادة الإله كموش، كما وُجدت علاقات طيبة أحيانًا بين موآب وإسرائيل، فقد تغربت نُعمى هناك ورجعت معها راعوث الموآبية. وعندما قاوم شاول الملك داود النبي أودع الأخير والديه لدى ملك موآب (1 صم 22: 3-4)، ولكنه إذ صار ملكًا ضربهم بشدة وجعلهم عبيدًا له (2 صم 8: 2). وأوصى الله العبرانيين ألا يأخذوا أرضهم (تث 2: 11). ومع هذا فقد حمل الموآبيون روح العداوة تجاه إسرائيل ويهوذا، فكثيرا ما تحالفوا مع الشعوب المجاورة ضدهم. وفي أيام القضاة أخضع الموآبيون العبرانيين، ووضعوا عليهم جزية إلى أن قتل أهود عجلون ملك موآب (قض 3: 12-30).
بعد موت سليمان صارت موآب جزءًا من المملكة الشمالية، وفي مُلك يهوشفاط هجموا على اليهودية لكنهم انهزموا أمامهم (2 مل 3)، بعد ذلك صارت موآب تارة خاضعة وأخرى مستقلة.
في أواخر القرن الثامن ق.م. هزمهم الأشوريون، لكن إذ تدهور حال الإمبراطورية الأشورية استعاد موآب استقلاله. وفي أيام الملك يهوياقيم تحالف موآب مع الكدانيين ضد يهوذا (2 مل 24: 2). وبعد سنة 582 ق.م. انهار موآب أمام نبوخذنصر؛ بعد ذلك خضع موآب لفارس والعرب.
يُنظر في العهد القديم إلى النبوات ضد موآب أنها قضاء إلهي (إش 15، 16؛ 25: 10؛ حز 25: 8-11؛ عا 2: 1-3؛ صف 2: 8-11؛ إر 9: 26؛ 25: 21؛ 27: 3).
يرى القديس جيروم أن كلمة “موآب” التي تعني “من الأب” تشير إلى الشيطان والخارجين عن الله أبيهم، والذين لا يفكرون فيه[647].
يشير موآب إلى “روح عدم التمييز”، فقد ظن أنه لا فرق بين الله الحيّ والآلهة الوثنية، وحسب بهلاك يهوذا وتدمير أورشليم أن لا خلاص للشعب مرة أخرى: “يقولون هوذا بين يهوذا مثل كل الأمم” (إش 25: 8). يقول القديس مارافرام السرياني: [إنه بغير طين لا يبُنى البرج “وبغير معرفة لا تقوم فضيلة”[648]].
- الله الحيّ ضد كموش [1-5].
- دعوة للهروب [6-10].
- خراب موآب [11-25].
- حيثيات الحكم [26-30].
- مرثاة على موآب [31-39].
- الغزو البابلي [40-43].
- هروب موآب [44-46].
- إصلاح موآب [47].
يوضح هذا الأصحاح الآتي:
أولاً: الأحداث التي تلحق بموآب ليست أحداثًا عابرة بلا معنى، لكنها تتم بسماح إلهي، فالله ضابط التاريخ كله.
ثانيًا: إذ يعلن الله عن قضائه ضد موآب أو غيره من الأمم يقدم حيثيات الحكم؛ فهو ليس بالإله الأمر الناهي، بل الإله الذي يتحاجج مع البشر.
ثالثًا: ذكر عددًا ضخمًا من مدن موآب، هذا يكشف عن معرفة اليهود في ذلك الحين لمملكة موآب وأسماء مدنها ومواقعها، كما لو كانت جزءًا لا يتجزأ من بلدهم.
رابعًا: إن كان الله يعلن عن قضائه ضد الموآبيين إنما يختم كلماته بإصلاحهم، فهو يطلب خلاص كل الأمم. لهذا نرى النبيان إشعياء وإرميا بل والله نفسه يعلنون حزنهم على ما يحدث لموآب أثناء تأديبه. فيقول إشعياء: “يصرخ قلبي من أجل موآب” (إش 15: 5)؛ “أبكي بكاء يعزير على كرمة سبمة، أرويكما بدموعي يا حشبون والعالة… ابطلت الهتاف، لذلك ترن أحشائي كعودٍ من أجل موآب وبطني من أجل قير حارس” (إش 16: 9-11). كما يقول إرميا النبي: “من أجل ذلك أولول على موآب، وعلى موآب كله أصرخ… ابكي عليكِ بكاء يعزير ياجفنه سبمة” [31-32].
خامسًا: يرى يوسيفوس أن نبوة إرميا النبي عن خراب موآب قد تحققت في السنة 23 من حكم نبوخذنصر (582 ق.م)[649].
سادسًا: تبنى إرميا النبي بعض العبارات الواردة في سفر إشعياء وذلك بارشاد الروح القدس لتأكيد ماسبق فتنبأ به إشعياء عنهم، غير أن إشعياء تنبأ عن تدمير موآب على يديْ الملك شلمانصر الأشوري، أما إرميا فأشار إلى تدميره على يديْ نبوخذنصر البابلي[650].
- الله الحي ضد كموش:
“عن موآب. هكذا قال رب الجنود إله إسرائيل:
ويل لنبو لأنها قد خربت.
خزيت وأُخذت قريتايم.
خزيت مسجاب وارتعبت.
ليس موجودًا بعد فخر موآب.
في حشبون فكروا عليها شرًا.
هلم فنقرضها من أن تكون أمة.
وأنتِ أيضا يا مدمين تُصمين ويذهب وراءك السيف.
صوت صياحٍ من حورونايم هلاك وسحق عظيم.
قد حُطمت موآب وأسمع صغارها صراخًا.
لأنه في عقبة لوحيت يصعد بكاء على بكاءٍ،
لأنه في منحدر حورونايم سمع الأعداء صراخ انكسار” [1-5].
أولاً: واضح أن الهجوم هنا ضد الإله كموش الذي يُسبى مع كهنته ورؤسائه [7]، فقد دُعي الموآبيون أمة كموش (عد 21: 29) وشعب كموش [46]، كما دُعى كموش “رجس الموآبيين”.
ادخل سليمان الملك عبادته إلى أورشليم (1 مل 11: 7)، وأبطلها يوشيا الملك (2 مل 23: 13) حاسبًا إياها رجاسة. وكان الملوك الموآبيون ينسبون نصراتهم إلى كموش كما يظهر في الحجر الموآبي أن الملك ميشع يفعل ذلك (2 مل 3: 4).
كانت هناك صلة وثيقة بين كموش إله الموآبيين وملكوم إله العمونيين، وفي العبادة لكليهما كان الأطفال يُقدمون ذبائح باجازتهم في النار (2 مل 3: 27).
ثانيًا: يعلن الله عن نفسه أنه “رب الجنود إله إسرائيل” [1] يقوم بتأديب موآب. هو رب الجنود أو القوات السمائية الذي لا يُغلب، وهو إله إسرائيل أي المحب لشعبه والمدافع عن مؤمنيه المقدسين له.
إنه يستخدم ملك بابل “المهلك” لتأديب كل مدينة موآبية [8]. وفيما يلي بعض المدن الموآبية الهامة التي يحل بها الخراب والخزى وتأخذها الرعدة وتصير في عارٍ.
أ. نبو: لا يقصد جبل نبو بل مدينة نبو التي تخرب.
ب. قريتايم: تصير في عارٍ وتُسبى.
ج. مسجاب: يحل بها الخزى وتأخذها الرعدة، وتصير كأنها غير موجودة بعد أن كانت فخر موآب.
د. حشبون العاصمة يحل بها الشر فتنقرض، هذه التي كانت كرسي المشورة (حسب معناها) صارت مركزًا لمشيرين آخرين يدمرونها[651].
هـ. مدمين: مع تغيير بسيط في حروف الاسم تعني في العبرية “صمتًا”، تقف صامتة من هول الحدث، إذ يطاردها السيف، كما يستحق اسمها (إش 15: 1).
و. حورونايم: يُسمع فيها صوت صراخِ بسبب الدمار والهلاك العظيم.
يلاحظ أن كثير من أسماء البلدان المذكورة في هذا الأصحاح وُجدت منقوشه على الحجر الموآبي الذي نقشه ميشه Mesha ملك موآب، اكتشف عام 1868م.
أخيرًا يعبر النبي عن المرارة التي لحقت بالصغار، فصار صراخهم يتزايد ويُسمع في كل مكان، فالعدو لا يترفق حتى بالأطفال.
نبو [1]: كلمة بابلية تعني “مذيع”. وهو اسم إله بابلي يسيطر على الأدب والعلم، ابن بعل مردوخ ورسوله، الذي يفسر إرادته للقابلين الموت. أما المدينة التي تحمل هذا الاسم فتقع على جبل نبو أو بجواره. أحد جبال سلسلة جبال عباريم في موآب، مقابل اريحا (عد 33: 47، تث 32: 49)، شرقي الأردن في نهاية جنوب البحر الميت، وهو الجبل الذي صعد عليه موسى النبي لينظر من بعيد أرض الموعد فتهللت نفسه مشتاقًا أن يعبر إلى أرض الأحياء، وينعم بكنعان السماوية، وقد مات هناك (تث 34). تدعى قمته رأس الفسجة. وربما كان جبل النبا.
تبعد المدينة خمسة أميال جنوب شرقي حسبان، حاليًا هي خربة المخيط. بناها سبط رأوبين أي أعادوا بناءها، وبحسب ما جاء في الحجر الموآبي أن ملك موآب استولى عليها.
قريتايم [1]: اسم عبري معناه “قريتان”، بناها بنو رأوبين مع حشبون (عد 32: 37) أو جددوها، ولكنها تحولت بعد ذلك إلى مملكة موآب. تسمى حاليًا “القريات”، تبعد حوالي عشر أميال جنوب بعل معون، وستة أميال شمال غربي ديبون بالأردن.
مسجاب: اسم موآبي معناه “مرتفع”، لأنها كانت قائمة على موضع عالٍ، يترجمها البعض hammisgabومعناها حرفيًا “برج عالٍ” أو “حصن”. ربما كان لقبًا لمدينة قير.
مدمين [2]: اسم موآبي معناه “مزبلة”، يرجح أنها قرية في موآب، ربما كانت خربة دمنة في وادي بني حمد، تبعد حوالي ميلين شمال غربي ربة Rabbah.
حشبون [2]: اسم موآبي معناه “حسبان” أو “تدبير” أو “مشورة”. وهي مدينة سيحون ملك الأموريين، أخذها الموآبيون من سبط لاوي (يش 21: 29، أي 6: 81). تُعرف حاليًا باسم “حسبان”، وهي مدينة خربة قائمة على تل منعزل بين أرنون ويبوق، تقع نحو سبعة أميال ونصف شمال مادبا. وكانت هي ومدينة العالة [34] موضع نزاع بين إسرائيل وموآب.
حورونايم [3]: اسم موآبي معناه “كهفان” أو “وهدتان” (نح 2: 10؛ إش 15: 5). وهي مدينة موآبية عند سفح أحدود.
عقبة لوحيت [5]: “لوحيت” كلمة موآبية معناها “مصنوع من الواح”، وهي مدينة موآبية مبنية على تل أو عقبة. يرى القديس جيروم أنها لوئيثا Luhith الواقعة بين اريوبوليس (أي ربات موآب Rabbath- Moab) وصوغر Zoar وهي خرابة فاس أو خربة مدينة الرأس بين غور الصافية و الخنزيرة.
تقع لوئيثا على مرتفعٍ بينما توجد حورونايم في موضع سهل لهذا يصعد الموآبيون من حورونايم وهم يبكون لعلهم يجدون مكانًا آمنا، فيجدون سكان لوئيثا نازلين باكين يطلبون الأمان. وكأنه أمام بابل لا يجد سكان المرتفعات ولا سكان الوديان والسهول أمانًا إذ يلحقهم السيف في كل موضع. ويصدر الصراخ المرّ مع الصاعدين كما مع النازلين!
- دعوة للهروب:
إذ ينحدر سكان المرتفعات بدموع كل يطلب من الآخر أن يهرب يجدوا الصاعدين من السهول قادمين ببكاء يطلبون الهروب، فيرتبك الجميع ولا يعرفون إلى أين يذهبون.
“اهربوا نجوا أنفسكم وكونوا كعرعرٍ في البرية.
فمن أجل اتكالك على أعمالك وعلى خزائنك ستؤخذين أنتِ أيضًا ويخرج كموش إلى السبي كهنته ورؤساؤه معًا.
ويأتي المهلك إلى كل مدينةٍ،
فلا تفلت مدينة،
فيبيد الوطاء ويهلك السهل كما قال الرب.
أعطوا موآب جناحًا لأنها تخرج طائرة وتصير مُدنها خربة بلا ساكن فيها.
ملعون من يعمل عمل الرب برخاء (بتراخ أو بخداعٍ) وملعون من يمنع سيفه عن الدم” [6-10].
نجد هنا دعوة إلى الهروب لنجاة النفس:
- الهروب من أسوار المدن إلى عرى (عرعر) البرية. لعلها دعوة إلى عدم الثقة في الحصون البشرية التي يصنعها الإنسان لنفسه في غير اتكال على الله. فإن كانت البراري بلا حصون لكن موآب يظن أنها أكثر أمانًا من أسوار المدن التي تقتحمها بابل. على أي الأحوال إذ يهرب موآب إلى البرية حيث يحسب العدو أنه لا حاجة لاقتفاء أثره هناك لأن البرية نفسها تحطمه وتهلكه.
- عدم الاتكال على الأعمال الذاتية والخزائن؛ فأنها تقيم إلهًا (كموش) لا يقدر أن يخلص نفسه ولا كهنته ولا رؤساءه. إذ يحمل الموآبيون تماثيل كموش معهم إلى المعركة تؤخذ منهم إلى أرض السبي علامة نصرة آلهة بابل على آلهه موآب.
- لا يتحقق الهروب بتغيير المكان بل بتغيير الأعماق، فالتدمير يبلغ كل مدينة، يبيد المناطق العالية ويهلك الأماكن السهلة؛ لا المرتفعات ولا الوديان تقدر أن تخلص بل يد الرب العاملة في قديسيه.
- الحاجة إلى جناحي الروح لكي تطير النفس من وجه الشر [9]، فلا تقطن بعد في الأماكن الخربة. ولعله هنا يحمل معني التوبيخ في شيء من السخرية، فإنه إذ يحل الخراب فجأة لا يعرف موآب إلى أين يذهب، فالأرض كلها قد تدمرت. إنه في حاجة إلى جناح يطير به بسرعة لكي يرتفع عن كل الأرض… ولكن إلى أين؟
- الجدية في العمل، إذ ملعون من يعمل عمل الرب برخاوة [10]… هنا دعوة إلى بابل للعمل بكل جدية لتحقيق ما سمح به الرب من تأديب لموآب، وفي نفس الوقت هي دعوة إلهية لكل نفس في ممارستها للعمل الإلهي بإخلاص وجدية، في غير رخاوة.
v أشار إرميا إلى أن الإهمال أمر خطير. “ملعون من يعمل عمل الرب برخاوة” [10]. من كان في قائمة خدَّام الرب يلزمه أن يكون مجتهدًا ومتيقظًا. عندما يمسح الخطية من حياته بغيرته يتهيأ للاقتراب نحو الله، الذي يدعوه الكتاب نارًا آكلة (تث 4: 24؛ 9: 3؛ عب 12: 29).
يلزمنا أن نتذكر أن الله الذي يجعل ملائكته أرواحًا هو نفسه روح، يجعلهم خدامًا له لهيب نار (مز 104: 4)[652].
البابا أثناسيوس الرسولي
v يلزم على كل أحدٍ أن ينتبه إلى عمله الخصوصي ويهتم به برغبة، ويتممه بدون ملامة، بغيرة ونشاطٍ وعنايةٍ وسهرٍ، لئلا يستحق اللعنة، إذ قيل ملعون من يعمل عمل الرب باسترخاء [10]…
خير لنا أن نباشر عملاً واحدًا بضبط وإحكام من أن نقوم بأعمالٍ كثيرة بدون إتقانٍ. لأن التشتت بين أشغالٍ كثيرة والتنقّل بين الأمور بحيث لا يُقضى منها شيء دليل على خفة متأصّلة في الطبع أو مدعاةً لتولِّد تلك الخفة[653].
القديس باسيليوس الكبير
يعلق الأب غريغوريوس الكبير على عبارة “ملعون من يمنع سيفه عن الدم” [10] قائلاً [الذين يمنعون السيف عن الدم إنما يمنعون كلمة الكرازة عن قتل الحياة الجسدانية (الشهوانية)، وقد قيل عن هذا السيف: “سيفي يفترس الجسد” (تث 32: 42)[654]].
v الإنسان الذي يصد “سيف الروح الذي هو كلمة الله” (عب 6: 7) من سفك الدم، بالتأكيد يسقط تحت اللعنة التي أعلنها إرميا قائلاً: “ملعون من يمنع سيفه (الكتاب المقدس) عن الدم” [10]. إذًا لنفعنا يُسفك الدم الفاسد الذي لمادة خطايانا (بكلمة الله).
هذا هو السلاح الذي يقطع وينقي كل أمر شهواني وأرضي ينمو في نفوسنا. إنه يجعل الناس يموتون عن الخطية، ويعيشون لله، ويزدهرون بالفضائل الروحية[655].
الأب بينوفيوس
- خراب موآب:
“مستريح موآب منذ صباه وهو مستقر على دُرديه،
ولم يُفرغ من إناءٍ إلى إناءٍ ولم يذهب إلى السبي.
لذلك بقي طعمه فيه ورائحته لم تتغيرْ.
لذلك ها أيام تأتي يقول الرب: وأرسل إليه مصغين فيصغونه ويفرغون آنيته ويكسرون أوعيته،
فيخجل موآب من كموش كما خجل بيت إسرائيل من بيت إيل متكلهم” [11-13].
إذ جاء النداء أن يُعطى موآب جناحًا ليطير لعله يجد موضعًا غير الأرض يستريح فيه، وهذا أمر صعب أو يكاد يكون مستحيلاً، الآن يكشف عن عدم خبرة موآب في الحرب. حقًا إن موآب أمة قديمة ومستقرة قبل ظهور إسرائيل، عاشت في مجد وآمان منذ صباها. لقد عاش موآب أغلب زمانه مستريحًا منذ صباه، مثل الخمر المستقرة رواسبها في إناء لا يتحرك.
لقد دخل في معارك مع إسرائيل، ومنذ حوالي 40 عامًا حمل شلمناصر بعضًا من الموآبيين إلى السبي، لكنه إذا قورن ذلك بالأمم المحيطة يُحسب موآب مستريحًا، لم يفرغ من إناء إلى إناء، أي يحمل بين الآن والآخر إلى السبي.
سيخجل موآب من كموش إلهه المحمول مسبيًا إلى بابل، كما خجل بنو إسرائيل من عجلي الذهب اللذين أقامها الملك يربعام في بيت إيل طالبًا من الإسرائيليين أن يتعبدوا لهما.
“كيف تقولون نحن جبابرة ورجال قوة للحرب؟!
أهلكت موآب وصعدت مدنها وخيار منتخبيها نزلوا للقتل يقول الملك رب الجنود اسمه.
قريب مجيء هلاك موآب وبليتها مسرعة جدَّا.
اندبوها يا جميع الذين حواليها وكل العارفين اسمها،
قولوا: كيف انكسر قضيب العز عصا الجلال؟!
انزلي من المجد،
اجلسي في الظماء،
أيتها الساكنة بنت ديبون،
لأن مهلك موآب قد صعد إليكِ وأهلك حصونكِ” [14-18].
يعبر عن كارثة موآب التي حلت بإلهه كما بمدنه وأبطاله وسلطانه:
أ. بينما ظن الموآبيون الذين عاشوا أغلب زمانهم جبابرة أنهم رجال قوة للحرب، إذا بمدنهم تخرب.
ب. دخل منتخبوه في معركة ضد الملك رب الجنود، فسقطوا قتلى.
ج. انهار اسمه وعزه وسلطانه، فانكسر قضيب عزه وعصا جلاله.
إذ لجاؤا إلى ديبون المدينة المرتفعة الحصينة، التي تحتضن مرتفع كموش، صعد إليهم الهلاك وحطم حصونهم.
ديبون [18]: اسم موآبي معناه “مرتفعات” أو “هزال” أو “انحلال”، وهي مدينة تبعد حوالي ثلاثة أميال شمال نهر أرنون، شمال غربي عروعير تُسمى بالعربية زيبان.
“قفي على الطريق وتطلعي يا ساكنة عروعير.
اسألي الهارب والناجية قولي ماذا حدث؟!” [19].
من هول الكارثة هربوا من المدن التي في المرتفعات كما كانوا يسألون بعضهم البعض: ماذا حدث؟! ولا إجابة!
عروعير [19]: اسم موآبي وعبري معناه “عارية”. مدينة على الشاطئ الشمالي لنهر أرنون، وإلى الجنوب من مملكة سيحون، وكانت من نصيب رأوبين صارت فيما بعد تابعة لموآب. تُسمى الآن عراعير، على بعد إثني عشر ميلاً شرقي البحر الميت، جنوبي ذيبان بقليل.
“قد خزى موآب لأنه قد نُقض.
ولولوا وأصرخوا أخبروا في أرنون أن موآب قد أُهلك” [20].
أرنون [20]: كلمة عبرية معناها “زئير”، وهو اسم لنهر يدعى اليوم “وادي الموجب” في الأردن، ويتكون من وادي “وله” الذي يأتي من الشمال الشرقي، وادي “عنقيلة” الآتي من الشرق “وسيل الصعدة” الآتى من الجنوب. هذه هي أودية أرنون (21: 14)، ويجري نهر أرنون في غور عميق حتى يصل إلى البحر الميت في نقطة تقع إلى مسافة قصيرة من منتصف الشاطىء الشرقي.
“وقد جاء القضاء على أرض السهل،
على حولون وعلى يهصة وعلى ميفعة
وعلى ديبون وعلى نبو وعلى بيت دبلتايم
وعلى قريتايم وعلى بيت جامول وعلى بيت معون
وعلى قريوت وعلى بصرة وعلى كل مدن أرض موآب البعيدة والقريبة” [21-24].
حولون [21]: اسم عبري ربما كان معناه “رميلة”، وهي مدينة من جبال يهوذا (يش 15: 51)؛ أُعطيت بضواحيها أو مسارحها للكهنة (يش 21: 15)، دُعيت أيضًا حيلين (1 أي 6: 58)، لا يعرف مكانها اليوم.
يهصة [21] أو ياهص [34] (يش 13: 18، 21: 36): اسم موآبي معناه “موضع مُداس”. وهي مدينة موآبية قرب البادية في نصيب رأوبين. في هذا الموضع انتصر العبرانيون على سيحون، فاستولوا على الأرض ما بين أرنون ويبوق. لكن يبدو أن الموآبيين أخذوها في الأيام المتأخرة. يُقال إنها قرية أم المواليد أو خربة اسكندر، تبعد حوالي اثني عشر ميلاً شرقي البحر الميت، وعلى بعد ميل جنوبي زرقاء معين.
ميفعة [21]: اسم عبري معناه “بهاء”، من مدن اللاويين في رأوبين (يش 13: 18؛ 21: 37)، أخذها موآب، وربما كانت تل الجاوة، تبعد حوالي ستة أميال جنوبى عمان.
بيت دبلتايم [22]: اسم عبري معناه “بيت أقراص التين”، تُسمى أيضًا علمون دبلتايم (عد 33: 46).
بيت جامول [23]: اسم عبري معناه “بيت الجمل”، ربما كانت هي خربة جميل، تبعد حوالي ستة أميال شرقي ديبان. وهي بلدة لا سور لها، ولا يسكنها إنسان، بل وحوش البرية كما تنبأ إرميا النبي.
بلعون أو بيت معون [23] أو بعل معون (يش 13: 17). اسم موآبي معناه “بعل المسكن”، بناها الرأوبينيون (عد 32: 38)، حاليًا تُدعى معين، تبعد حوالي تسعة أميال جنوب غربي حسبان، وتوجد فيها الآن خرب كثيرة ورد ذكرها في الحجر الموآبي.
قريوت [24]: اسم عبري معناه “القرى” أو “المدن”. توجد مدينتان تحملان نفس الاسم، الأولى في جنوب يهوذا (يش 15: 25)، والثانية مديِنة حصينة في موآب، ذُكرت في الحجر الموآبي، ويظن أنها نفس عار التي كانت عاصمة موآب، وهي خربة الربة التي تبعد حوالي 14 ميلاً جنوبي نهر أرنون.
بصرة [24]: اسم عبري معناه “قلعة” أو حظيرة”، توجد مدينتان بذات الاسم، الأولى في أدوم (إش 34: 6) والثانية في بلاد موآب، ويظن أنها باصر.
“عُضب قرن وتحطمت ذراعه يقول الرب:
أسكروه لأنه قد تعاظم على الرب فيتمرغ موآب في قيائه وهو أيضا يكون ضحكة.
أفما كان إسرائيل ضحكة لك؟!
هل وجد بين اللصوص حتى أنك كلما كنت تتكلم به كنت تنغض الرأس؟!” [25].
يشير قطع القرن وكسر الذراع إلى انتهاء القوتين السياسية والعسكرية لموآب، لم يعد لموآب قرن عز أمام الأمم ولا ذراع عسكري للدفاع عن نفسه.
كان موآب يستهزئ بإسرائيل عند سبيه، حاسبًا هذا ضعفًا أو عجزًا في الله إلههم (حز 25: 8)، وكان يسخر بإسرائيل محركًا رأسه كمن يسخر بلصٍ أُلقي القبض عليه.
- حيثيات الحكم:
“خلُّوا المدن واسكنوا في الصخر يا سكان موآب،
وكونوا كحمامة تعشش في جوانب فم الحفرة.
قد سمعنا بكبرياء موآب.
هو متكبر جدًا. بعظمته وبكبريائه وجلاله وارتفاع قلبه.
أنا عرفت سخطه يقول الرب:
إنه باطل. أكاذيبه فعلت باطلاً” [26-30].
توجه الدعوة إلى موآب لإخلاء المدن والسكن في الكهوف السرية التي في الصخور، فيكون كحمامة بلا قوة تضع عشها في فم صخرة.
يصير موأب كحمامة لا تضع عشها في الحدائق على الأشجار، بل منفرده في صخرة بعيدة. يتحول موآب من طيرٍ مغردٍ إلى طيرٍ حزينٍ في عزلة لا يعرف إلا الصراخ.
- مرثاة على موآب:
أ. يبدأ إرميا النبي بإعلان حبه للأمم مثل سيده الذي لا يُسر بموت الأشرار بل يرجعوا فيحيوا. فهو وإن كان يتنبأ على موآب بالخراب لكنه يولول عليه، ويصرخ من الخارج، كما يئن قلبه من الداخل، يبكي فتجري دموعه كمياه ينابيع غزيرة لا تتوقف.
“من أجل ذلك أولول على موآب، وعلى موآب كله أصرخ.
يُؤَّن على رجال قير حارس.
أبكي عليك بكاء يعزير يا جفنة سبمة.
قد عبرت قضبانك البحر وصلت إلى بحر يعزير” [31-32].
مثل إشعياء النبي لم يحتمل إرميا النبي أن يرى ما يحل بهذه المدن العظيمة، وكيف تحول شعبها إلى صراخٍ مستمرٍ، حتى صارت موآب ترتعد في داخلها: “نفسها ترتعد فيها” (إش 15: 4)، لذلك يقول “يصرخ قلبي من أجل موآب” (إش 15: 5). لا يقف شامتًا في الأعداء، إنما يشاركهم مرارتهم، مشتاقًا إلى رجوعهم عن عداوتهم وتمتعهم بالخلاص. هذه هي سمة رجال الله: الحب الداخلي الصادق والرغبة العميقة لخلاص حتى المقاومين لهم!
v لو لم يكن شريرًا ما كان قد صار لكم عدوًا. إذن اشتهوا له الخير فينتهي شره، ولا يعود بعد عدوًا لكم. إنه عدوكم لا بسبب طبيعته البشرية وإنما بسبب خطيته! [656]
القديس أغسطينوس
v لا تفيدنا الصلاة من أجل الأصدقاء بقدر ما تنفعنا لأجل الأعداء… فإن صلينا من أجل الأصدقاء لا نكون أفضل من العشارين، أما إن أحببنا أعداءنا وصلينا من أجلهم فنكون قد شابهنا الله في محبته للبشر[657].
القديس يوحنا ذهبي الفم
قير حارس [31]: اسم سامي معناه “سور” أو “مدينة ذات أسوار” تبعد حوالي أحد عشر ميلاً شرقي الجزء الجنوبي من البحر الميت. موضعها اليوم مدينة كرك في الأردن.
يعزير: اسم عبري معناه “يعين”، وهي مدينة من جلعاد، أُعطيت لجاد ثم لعشيرة مراري من سبط لاوي (عد 21: 32؛ 32: 1). كانت في أيام داود الملك للحبرونيين (1 أي 26: 31)، وفي الأزمنة المتأخرة صارت لموآب. يرى يوسيفوس أنها تبعد حوالي عشرة أميال غربي رية عمون و15 ميلاً شرقي حسبان. ويظن البعض أنها خربة جزر جنوبي السلط قرب عين هزير على وادي شعيب.
شبام: ومؤنثها “سبمة“، ويعني “بارد أو باردة”، صارت من نصيب رأوبين (يش 33: 19)، واستولى عليها بنو موآب. عرفت بكرومها (أش 16: 8-9، إر 48: 32). يرى القديس جيروم أنها تبعد حوالي نصف ميل من حشبون. حاليًا تُسمى الكبش بين حسبان ونبو، وتبعد ثلاثة أميال شمال شرق صياغة على وادي سلامة.
ب. فقد موآب حقوله وبالتالي محاصيله، فتحولت جناتة إلى براري.
“وقع المهلك على جناك وعلى قطافك.
ونزع الفرح والطرب من البستان ومن أرض موآب” [32-33].
ج. اُنتزع الفرح من بساتينه، فحيث لا حصاد ولا ثمر لا يوجد فرح ولا طرب.
“وقد أبطلت الخمر من المعاصر. لا يُداس بهتاف. جلبة لا هتاف” [33].
إن كان الخمر يشير إلى الفرح، فإنه لا يوجد عنب للحصاد، وبالتالي لا يخرج خمر من المعاصر، وإن وُجد العنب فلا توجد معاصر إذ هدمها العدو، وإن وُجدت المعاصر لا يوجد الرجال الذين يدوسون العنب لعصره… هكذا عوض هتاف الفرح والأغاني التي كان يتغنى بها الدائسون المعاصر، امتلأت البقاع بالجلبة والنوح.
د. يشبه موآب بعجلة عمرها ثلاث سنوات اُخذ منها العجل رفيقها فتجري من موضعٍ إلى آخر بغير خطة، في حالة هيسترية.
“قد أطلقوا صوتهم من صراخ حشبون إلى ألعالة إلى ياهص، من صوغر إلى حورونايم كعجلةٍ ثلاثيةٍ لأن مياه نمريم أيضًا تصير خربة” [34].
العالة [34]: اسم عبري معناه “الله صعد” أو “الله عال”. أعاد بناءها سبط رأوبين، وقد سقطت في يد بني موآب (إش 15: 4، 16: 9، إر 48: 34). تبعد حوالي ميلين شمال حشبون، تُسمى حاليا “العال”، تقع على تلٍ.
صوغر: اسم سامي معناه “صِغَر”، وهي إحدى مدن الدائرة (تك 13: 10) واصغرها (تك 19: 20، 22). كان اسمها الأول بالع، لم تخرب هذه المدينة عند دمار سدوم واخواتها مدن الدائرة، لأن لوطًا صلى والتجأ إليها (تك 19: 20-30). ذكرها مع موآب يجعلنا نظن أنها كانت في الضفة الموآبية الشرقية من البحر الميت. لعلها كانت قريبة من خرائب القرية. ويُرجح أنها اليوم تحت مياه البحر.
نمريم [43]: اسم سامي معناه “مياه صافية”. وهي ينابيع في وادي نميرة في الساحل الجنوبي الشرقي للبحر الميت.
هـ. يستخدم موآب كل ما يعَّبر عن الحزن الشديد: قرع الرأس، جز اللحية، وتجريح الأيادي، ولبس المسوح على الأحقاء، ونوح علني على السطوح وفي الشوارع.
“وأبطل من موآب يقول الرب من يصعد في مرتفعةٍ ومن يبخر لآلهته.
من أجل ذلك يصوت قلبي لموآب كنايٍ،
ويصوت قلبي لرجال قير حارس كنايٍ،
لأن الثروة التي اكتسبوها قد بادت.
لأن كل رأس أقرع،
وكل لحية مجزوزة،
وعلى كل الأيادي خموش،
وعلى الأحقاء مسوح.
على كل سطوح موآب وفي شوارعها كلها نوح” [35-38].
قرع الرأس يشير إلى المذلة، إذ اعتاد الغالبون أن يحلقوا شعر الذكور والإناث المسبيين علامة العبودية والقبح؛ وجز اللحية إشارة إلى مهانة الكهنوت وفقدان سلطانه الروحي وكرامته، والاتزار بالمسح علامة اليأس الشديد، أما البكاء حتى تصير الدموع كالسيل فمعناه فقدان الفرح الداخلي.
هذه هي صورة النفس التي تعتزل إلهها ليسبيها العدو الشرير؛ تفقد حريتها وجمالها وسلطانه وكرامتها وفرحها، لتصير أشبه بأمة قبيحة ذليلة منكسرة، ولا تجد راحة لا في الأزقة ولا على السطوح (حيث يضع الوثنيون آلهتهم) ولا في الساحات؛ أينما وجدت لا تشعر بالراحة.
و. يفقد موآب الثروة التي اكتسبها [36]، فإذ وقف شامتًا في يهوذا عند سبيه واستغل الأحداث، فدخل بأغنامه إلى أرض يهوذا وسلب ما استطاع سلبه، فقد ليس فقط ما سلبه ولكن كل ثروته. هكذا إذ يسلب الإنسان شيئًا يفقد حتى ما ناله بجهاده شرعيًا.
ز. فقد قيمته في عينىْ الله فصار كأناء لا مسرة به.
“لأني قد حطمت موآب كإناء لا مسرة به يقول الرب.
يولولون قائلين: كيف نُقضت؟!
كيف حولت موآب قفاها بخزيٍ فقد صارت موآب ضحكة ورعبًا لكل من حواليها” [38-39].
- الغزو البابلي:
“لأنه هكذا قال الرب: ها هو يطير كنسرٍ ويبسط جناحيه على موآب.
قد أخذت قريوت وأمسكت الحصينات وسيكون قلب جبابرة موآب في ذلك اليوم كقلب امرأةٍ ماخضٍ.
ويهلك موآب عن أن يكون شعبًا لأنه قد تعاظم على الرب.
خوف وحفرة وفخ عليك يا ساكن موآب يقول الرب” [40-43].
كثيرًا ما يشبَّه ملك بابل بالنسر يهجم على الفريسة بسرعة وبقوة فلا تجد فرصة للهروب أو المقاومة أو الدفاع عن نفسها.
إذ ظن موآب في نفسه يحمل قوة لمقاومة الله “يهلك عن أن يكون شعبًا” [42]، يفقد كيانه أمام الأمم، ولا يكون له ملك ولا حكومة مدنية تدير أموره.
وكما سبق فقال موسى النبي: “لأن نارًا من حشبون، لهيبًا من قرية سيحون؛ أكلت عار موآب، أهل مرتفعات ارنون. ويل لك يا موآب، هلكتِ يا أمة كموش” (عد 21: 28-29).
- هروب موآب:
“الذي يهرب من وجه الخوف يسقط في الحفرة،
والذي يصعد من الحفرة يعلق في الفخ،
لأني أجلب عليها أي على موآب سنة عقابهم يقول الرب.
في ظل حشبون وقف الهاربون بلا قوةٍ.
لأنه قد خرجت نار من حشبون ولهيب من وسط سيحون فأكلت زاوية موآب وهامة بني الوغا.
ويل لك يا موآب.
باد شعب كموش لأن بنيك قد أُخذوا إلى السبي وبناتك إلى الجلاء” [44-6].
لا مجال للهروب، فمن يهرب من الخوف يجد نفسه ساقطًا في حفرة، وإن صعد من الحفرة يجد فخًا قد اقتنصه. من هرب من قريته ليجد أمانًا في حشبون الحصينة وجد نارًا تخرج منها لتلتهمه. إذ يهربون إلى العاصمة حشبون يحتمون في أسوارها يشعرون بالضعف الشديد، وتخرج نار من هناك تأكلهم.
- إصلاح موآب:
“ولكنني أرد سبي موآب في آخر الأيام يقول الرب إلى هنا قضاء موآب” [47].
بلا شك عند عودة اليهود في أيام كورش عاد بعض من الموآبيين والعمونيين والفلسطنيين لكن لم ينل أحد منهم استقلاله، ولا صار لهم ملوك. لذا يرى كثير من الدارسين أن هذه النبوة قد تحققت بقبول هذه الشعوب الإيمان بالسيد المسيح فنزع عنهم سبيهم الداخلي، وتمتعوا بمجد حرية أولاد الله.
من وحي إرميا 48
إلى أين أهرب من وجهك يارب؟!
v لاقت موآب كل حب منك ومن شعبك،
فردت الحب بالعداوة،
قدمت من رجاساتها ما يفسد المؤمنين،
جذبتهم إلى النجاسة وافقدتهم العمل الإلهي!
v استحقت أن تتحطم كل مدنها،
فلا تجد راحة إلى المرتفعات ولا في السهول،
بل خراب ودمار مع مرارة ودموع!
لا يسمع في أعماقي إلا صوت صراخ مرعب!
v لتحطم يارب كل مدينة أقمتها بنفسي في أعماقي،
لتهدم كل مرتفع في داخلي،
ولتقم أورشليمك المتهللة فيّ!
نعم! لتحطم أعمالنا البشرية الذاتية ولتعلن عملك الإلهي العجيب!
هب لي أن أهرب إليك وليس من وجهك.
عوض خزائن العالم اعطني جناحي الروح،
أطير إليك وأسكن معك في سمواتك!
أحمل روحك القدوس فأصعد على الدوام،
أحيا بروح القوة لا الفشل،
لا أعرف الرخاوة أو الغش بل الخلاص مع الجدية!
هب لي أن أمسك بكلمتك كسيفٍ ذي حدين،
أضرب كل خطية وأبددها!
لتمت خطاياي وتحيا كلمتك في داخلي.
v دللتنى منذ صباى فعشت مستريحًا،
وأنا لغباوتي لم أنتفع بطول أناتك عليّ.
سقطت تحت التأديب،
وبحبك لا تُسر بهلاكي،
ردني من السبي يا محرر نفسي!
ردني إليك فأحيا حرًا!